{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   خطب نصية (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=65)
-   -   سلسلة مقال الخطيب (5) : زجر الأنام عن التشبه بأخلاق السباع والأنعام (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=52739)

أبو زيد العتيبي 09-20-2013 06:51 PM

سلسلة مقال الخطيب (5) : زجر الأنام عن التشبه بأخلاق السباع والأنعام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :

فإن الله – تعالى – قسم عباده إلى صنفين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير وميز بين هؤلاء وهؤلاء بأخلاق يتصفون بها ، وأعمال يتلبسون بها ؛ فأما فريق السعداء فهم أهل الإيمان والعمل الصالح . وأما فريق الأشقياء فهم أهل الكفر والفسوق والعصيان .

ولا يبلغ العبد مراتب الكمال ليكون من السعداء حتى يجاهد نفسه في الله – تعالى – فيهذبها من أخلاق البهائم والسباع ، فإن الإنسان دون شريعة تهذبه ، وأعمال تؤدبه يكون في مسلاخ الأنام على أخلاق اللئام ، لأن النفس في أصلها مجبولة على مقتضى الشهوة والغضب تسعى في ميدان هذا الطبع ، همتها من هذه الحياة:

إنما الدنيا سماع ومدام وندام *** فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام


قال – تعالى - : {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ }[محمد : 12].

فالله – سبحانه – جعل أصحاب الجنة كل من كمَّل نفسه بما يصلح أخلاقها ، ويهذب طباعها من الإيمان والأعمال الصالحات . وأما من استرسل مع طبعه ، واتبع نفسه هواها فهو على مقتضى جبلته يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " وفيها (أي: النفس) من أخلاق البهائم : حرص الغراب ، وشره الكلب ، ورعونة الطاووس ، ودناءة الجعل ، وعقوق الضب ، وحقد الجمل ، ووثوب الفهد ، وصولة الاسد ، وفسق الفأرة ، وخبث الحية ، وعبث القرد ، وجمع النملة ، ومكر الثعلب ، وخفة الفراش ، ونوم الضبع غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك " (الفوائد ص/ 75) .

فالفيصل بين الأنام وأشباه الأنعام إنما هو في الأخلاق والطباع والأعمال فمن آمن وعمل صالحاً وجاهد في الله بتطهير نفسه ، وتعظيم دين ربه فهو الموفق ، ومن استرسل مع طبعه : عظم الدنيا وركن إليها ، وظهر من أخلاقه ما هو وصف للبهائم والسباع .

أبني إن من الرجال بهيمة *** في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكل مصيبة في ماله *** وإذا أصيب بدينه لم يشعر


ولهذا قال الله – تعالى - : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا }[الفرقان : 44] .

ومما حذرنا الله منه من أوصاف السباع ما جاء في قوله
: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف : 175 -176].

" فشبه - سبحانه - من أتاه كتابه ، وعلمه العلم الذي منعه غيره فترك العمل به واتبع هواه وآثر سخط الله على رضاه ، ودنياه على آخرته ، والمخلوق على الخالق : بالكلب الذي هو من أخبث الحيوانات وأوضعها قدراً وأخسها نفساً وهمته لا تتعدى بطنه وأشدها شرها وحرصاً ومن حرصه أنه لا يمشي إلا وخطمه في الأرض بتشمم ويستروح حرصا وشرها ولا يزال يشم دبره دون سائر أجزائه وإذا رميت إليه بحجر رجع إليه ليعضه من فرط نهمته وهو من أمهن الحيوانات وأحملها للهوان وأرضاها بالدنايا . والجيف القذرة المروحة أحب إليه من اللحم الطري والعذرة أحب إليه من الحلوى وإذا ظفر بميتة تكفي مائة كلب لم يدع كلبا واحدا يتناول منها شيئا إلا هر عليه وقهره لحرصه وبخله وشرهه . . . وفي تشبيه من آثر الدنيا وعاجلها على الله والدار الآخرة مع وفور علمه بالكلب في حال لهثه (سر بديع) وهو أن الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته واتباعه هواه إنما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة فهو شديد اللهف عليها ولهفه نظير لهث الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه واللهف واللهث شقيقان وأخوان " (التفسير القيم: 443) .

ومما قبحه الله من حال بعض العباد عند نفرتهم من ذكره ما جعله شبيها بالحمر عند نفرتها مما تخشى ضرره كما قال – تعالى - : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ, كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ, فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر: 49 - 51] .

" أي: كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة، وابن عباس - في رواية - عنه وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن. أو: رام، وهو رواية عن ابن عباس، وهو قول الجمهور" (تفسير ابن كثير : 8/246- 247).

وحذر الله – تعالى – عباده من التشبه بالحمير في موضع آخر حال كونهم لا يعملون بما علمهم الله ، كما قال – تعالى - : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة : 5] .

" فقاس من حمَّله - سبحانه - كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ولا تحكيم له وعمل بموجبه كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها وحظه منها حمله على ظهره ليس إلا فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره فهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته " (إعلام الموقعين : 1 / 197 ) .

وحذر سبحانه من طباع الحمير في موضع آخر فقال : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان : 19] .

لأنه عالٍ مرتفع ، وأوله زفير ، وآخره شهيق فهو متناه في القبح والنكارة .

وقد تتابعت أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في منع التشبه بالبهائم والسباع حتى في حركاتها ، ومن ذلك :

1) ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ " (متفق عليه) .

2) وما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - ، قَالَ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثٍ، وَنَهَانِى عَنْ ثَلاَثٍ، نَهَانِى عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ " (صحيح الترغيب والترهيب برقم: 555).

3) وما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ اَلْبَعِيرُ , وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " (صحيح الجامع برقم : 595) .

4) وما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ " (صحيح الترمذي برقم:2853) .

( يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ ) : " هُو الذى يتعمق فى الكلام ويُفَخّم به لِسَانه ويَلفُّه كما تَلُفُّ البَقَرة العشب بِلِسَانِها " (جامع الأحاديث : 1/116) .

5) وما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الذي يرجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه " ( متفق عليه ) .

والأحاديث في هذا الباب كثيرة والموفق من جاهد نفسه حتى تتخلص من الأوصاف الذميمة والأخلاق البهيمية وذلك بالحرص على الإيمان والأعمال الصالحة .

قال – تعالى - : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت : 69 ] .



أبوزيد البوسيفي الليبي 03-07-2016 01:34 PM

جزاك الله خيرا على ما سطرت يمينك وصاغه يراعُك

أبو زيد العتيبي 08-20-2016 02:14 PM


بوركتم
وجزاكم الله مثله



الساعة الآن 10:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.