{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر القرآن والسنة - للنساء فقط (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   النسخ في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهرة. (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=34512)

أم عبدالله نجلاء الصالح 01-03-2012 10:24 AM

النسخ في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهرة.
 
النسخ في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهرة.

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

قال الله تعالى -: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ۞ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة البقرة 106 – 108].

النسخ فى اللغة : هو الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظّل، أي أزالته. ويأتي بمعنى التبديل والتحويل.

وأصل النسخ : مِن نَسخَ الكتاب، وهو نقله مِن نسخة إلى أخرى غيرها.

وكذلك نسخ الحكم إلى غيره : إنما هو تحويله، ونقل عبارة إلى غيرها، وسواءً نُسِخَ حكمها أو خطها، إذ هي كلتا حالتيها منسوخة.

والنسخ اصطلاحا : رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متأخر عنه، فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل وعكسه.

فالرفع : هو النسخ.

الحكم المرفوع : هو المنسوخ.

والدليل الرافع : هو الناسخ.

[قال السديّ : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} نسخُها : قبضها.

وقال ابن أبي حاتم : يعني رفعها وقبضها. مثل قوله – تعالى - : {والشيخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة}.

وقوله - تعالى - : {لو كان لابن آدم واديان مِن ذهب لابتغى لهما ثالثا}.

وقال ابن جرير : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} : ما ننقل مِن حُكم آية إلى غيره، فنبدّله ونُغيّره، وذلك أن نُحوّل الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظورا،ً والمحظور مُباحا.

وقوله : {أَوْ نُنْسِهَا} قرئ على وجهين :

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} و {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأهَا} فأمّا مَن قرأها بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه نُؤخّرها، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما قال فيها {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأهَا} : ما نبدّل مِن آية أو نتركها لا نبدّلها.

وقال مُجاهد عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : {أَوْ نَنْسَأهَا} : أي : نثبت خطها ونبدّل حكمها.

ولا يكون النسخ إلاّ في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة.

وأما الأخبار فلا يكون منها ناسخ ولا منسوخ.
[تفسير القرآن العظيم لابن كثير – رحمه الله تعالى – 1/ 208].

إن الله - تعالى - مالك الملك، ومَلِكُ السموات والأرض وما فيهنّ، فعّالٌ لما يُريد، يحكم فيهما كيفما يشاء، ويأمر فيهما بما يشاء، وينهى عما يشاء، ويَنسخ ويُبدّل ويُغيّر في أحكامه ما يشاء بما يشاء إذا شاء.

لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، يختبِر عبادَه وطاعتهم لرسله بالنسخ، فيأمر بالشيئ لما فيه من المصلحة التي يعلمها، ثمّ ينهى عنه لحكمةٍ يعلمها أيضا.

فينبغي الطاعة كل الطاعة في امتثال الأمر، وتصديق الرسل، والإنقياد لما جاؤوا به.

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ۞ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة البقرة 106 - 108].


وفي هذه الآيات الكريمة ردٌ عظيمٌ وبيانٌ بليغٌ لكفر اليهود وتزييف شبهتهم - لعنهم الله - في دعوى استحالة النسخ، إما عقلاً - كما زعمه بعضهم جهلًا وكفرا - وإما نقلا، كما تَخَرّصَهُ آخرونَ منهم افتراءً وإفكا، وإما عنادًا وكفرا.


مِن مُحاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -.

يُتبع – إن شاء الله تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 01-05-2012 05:13 PM

النسخ في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهرة - تتمـــــّــــة -.
 
النسخ في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهرة.

وقع النسخ في الكتب السماوية المتقدّمة والشرائع الماضية، فقد أحلّ الله - تعالى لآدم - عليه الصلاة والسلام - تزويج بناته مِن بنيه، ثمّ حرّمَ ذلك.

وأباح لِنوحٍ - عليه الصلاة والسلام - أكل جميع الحيوانات بعد خروجه مِنَ السفينة ثمّ نُسِخَ حِلّ بعضها.

وكان نكاح الأختينِ مُباحًا لإسرائيل وبنيه، ثم حُرّم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها.

وأمر الله - جلّ في علاه - إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أن يذبحَ ابنه ابتلاءً واختبارا، ثمّ نسخه قبل الفعل. قال الله - تعالى - : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ۞ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ۞ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۞ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ۞ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [سورة الصافات 107 - 110].

وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل مَنْ عبدَ العجل منهم، ثمّ رُفِعَ عنهم القتل كيلا يستأصلهم.

ومع ذلك ينكر أهل الكتاب النسخ وكتبهم تشهد بذلك وغيره، وأهمـّـهُ البشارة برسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - والأمر باتباعه ومتابعته على شريعته التي نَسَخَتْ ما قبلها مِن شرائع.

ووجوب طاعته مُتعيّن على كل أحد، لأنه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم 3 - 4].

جاء بآخر الكتب السماوية "القرآن الكريم"، الذي تكفّلَ الله - تبارك وتعالى - بحفظه من التغيير والتبديل، أو الزيادة والنقصان، وحِفظِ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يُبَيّنُ بعضُهُما بعضا، ولا يُسْتَغْنى بأحدِهِما عن الآخر. قال الله - تعالى - : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر 9].

والذكر كتاب وسنة، اكتمل الشرع بهما قبل وفاته، وأمِرْنا بتلقيهما بالقبول والرضا والإنقياد دون تعنّتٍ أو عناد. قال الله - تعالى - : {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة البقرة 108].

في هذه الآية الكريمة استفهام إستنكاري عام، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُرْسِل للناس كافــــّـــة، ذمّ َالله - تبارك وتعالى - فيها من يسأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على وجه التعنّت والتكذيب والعِناد والجدَل والإقتراح، وحذر مِنْ سُلوك سبيل مَن كفر مِنْ أهل الكتاب، كما فعل بنو إسرائيل مع نبيِّهم موسى - عليه الصلاة والسلام - سألوه أن يُريَهُمُ الله جهرة، تعنّتًا وتكذيبًا وعنادا.

قال الله - تعالى - : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا} [سورة النساء : 153].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : "قالت قريش للنبّي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، فإن أصبح ذهباً اتبعناك"، فدعا ربه فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : "إن ربك - يُقرئكَ السلام - ويقول لك" : (إن شئت أصبَحَ لهم الصّفا ذهبا، فمن كفر منهم عذبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئتَ فتَحْتُ لهم باب التوبة والرحمة) قال : (بل باب التوبة والرحمة) رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح : انظر : [صحيح الترغيب والترهيب جـ 3 رقم 3142].

صلوات ربي وسلامه عليه - وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، وجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيًا عن أمته.

اقتضت حكمة الله - تبارك وتعالى - البالغة، التدرج برفق ٍفي تشريع الأحكام لتثبيت دعائم الإيمان، ونزول الوحي بها على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - منجمًا على مدى ثلاثٍ وعشرين عامًا حسب ما شاء الله - تبارك وتعالى - من وقائع وأحداث ومناسبات، ولم ينزل دفعة واحدة، وذلك لهيبةِ القرآن وعظمته ليثبتَ الله به فؤاده - صلى الله عليه وسلم -، ويزدادَ الذين آمنوا إيمانًا به وطمأنينةً إليه، وتمسّكًا به واتباعًا لشرائعه، وعملًا بأحكامه وآدابه، وانقيادًا لهديه.

وحجةً على مَنْ خالفه وكذبه، وجادل به على وجه التعنّت والكفر كما فعل بنو إسرائيل بموسى - عليه الصلاة والسلام -.

وللأسف هناك من ينكر وجود نسخ في القرآن الكريم بالسنة، أو ينكر بعضه، رغم وجود أدلة ساطعة بآياتٍ كريمة، وأحاديث صحيحــــة، وبراهين واضحــــة صريحـــة مأذونٌ بها مِنَ الشارع الحكيم - سبحانه -، له الخلق والأمر، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

قال الله – تعالى - : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ۞ يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [سورة الرعد 38 ــ 39].

أحكم الله - جلّ في علاه - آيات كتابه، قبل وفاة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - إذ أنّ ترتيب الآيات الكريمة في كتاب الله – تعالى – أمرٌ توقيفيّ، تمّ بأمر من الله – تبارك وتعالى -، وإرشاد من النبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى - : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة الحج : 52].

ومن مناقِب أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه لم يُسَجّل في المصحف الذي جُمِعَ في عهده إلّا ما ثبتَ عَدَمُ نَسْخ تلاوته، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.


يُتبع – إن شاء الله تعالى -.

الأثرية 01-05-2012 05:36 PM

جزاك الله خيرا..أختنا أم عبدالله.

أم عبدالله نجلاء الصالح 01-05-2012 06:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأثرية (المشاركة 166375)
جزاك الله خيرا..أختنا أم عبدالله.

وإياكم ابنتي الحبيبة "الأثرية" ولكم بمثل وزيادة.
شكر الله لكم المرور والدعاء، وجزاكم الله خيرا، وبارك فيكم وعليكم وجعلكم من أهل القرآن وحفظته.

أم عبدالله نجلاء الصالح 02-09-2017 12:15 PM

شروط النسخ

1. أن يكون الحكم المنسوخ شرعيا :
وقد ذكر السيوطي في الإتقان كثيراً من أمثلة ذلك، ومنه ما في سورة البينة : {أن ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ومن يعمل خيرًا فلن يكفره}. رواه [الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) فقرأ عليه {لم يكن الذين كفروا} وفيها : {إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من يعمل خيرًا فلن يكفره}، وقرأ عليه : {لو أن لابن آدم واديًا من مال لابتغي إليه ثانيا، ولو كان له ثانيًا لأبتغي إليه ثالثا، ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب} قال أبو عيسى (الترمذي) : هذا حديث (حسن) وقد روي من غير هذا الوجه رواه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن).
وقد رواه قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيّ بن كعب - رضي الله عنه - : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) [جامع الترمذي 5/ 711 رقم 3898].

2. أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم دليلًا شرعيًا متراخيًا عن الخطاب المنسوخ حكمه. "وذلك يعني أن الناسخ لا بد أن يكون متأخِّرا عن المنسوخ، فلا يصح أن ينزِلا في وقت واحد.

3. ألا يكون الخطاب المرفوع حكمُهُ مقيدًا بوقت معين. مثل قوله - تعالى - : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} [سورة البقرة:109] لأن العفو والصفح مقيدٌ بمجيء أمر الله.

حكمة وقوع النسخ :

1. يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الرسالات السماوية :
حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبهذا التشريع بلغت الإنسانية بفضل الله – تعالى - الغاية في كمال التشريع.

وتفصيل هذا : أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورًا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجةً وبساطة، وضعفًا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدًا رويداً، ومرّوا في هذا التحول أو مرَّت عليهم أعراض متبانية، من ضآلة العقل، وعماية الجهل، وطيش الشباب، وغشم القوة على التفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعًا لهذا التفاوت.

حتى إذا بلغ العالَم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان ومتممًا للشرائع، وجامعًا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية و مرونة القواعد، جمعًا وفَّقَ بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد، وأسر، وجماعات، وأمم، وشعوب، وحيوان، ونبات، وجماد، مما جعله بحق ديناً عامًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

2. ومن الحكمة في النسخ أيضًا التخفيف والتيسير : مثاله : إن الله - تعالى - أمر بثبات الواحد من الصَحابَة مقابل العشرة في قوله - تعالى - : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [سورة الأنفال 65].

ثم نسخ بعد ذلك بقوله - تعالى - : {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [سورة الأنفال:66].
فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتيسير ورفع المشقة والحرج، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.

3. مراعاة مصالح العباد : قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة 234 ].

انتسخت بالآية الكريمة في قوله - تعالى - : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [سورة البقرة 240] .

4. ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس : قال الله - تعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ۞ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 143 - 144].


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.


الساعة الآن 07:29 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.