{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر القرآن والسنة - للنساء فقط (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=15630)

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-24-2010 08:44 AM

مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم
 
مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، منْ يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا} [سورة النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: 70 – 71] . أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

قال الله – تعالى -: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سورة إبراهيم: 1 - 5].

إن أولى ما اتجهت إليه الهمم، واشتدت إليه العزائم، هو «القرآن الكريم» وتفسيره، لأنه «علم يضم أبحاثًا كلية تتصل بالقرآن العظيم من نواحٍ شتى؛ يمكن اعتبار كل منها علمًا متميِّزًا» . انظر: [مقدمة التحقيق لكتاب فنون الأفنان (ص 71)].
فهو كتاب الله - تبارك وتعالى - الفصل ليس بالهزل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من لدن حكيم عليم؛ معجزة الإسلام الخالدة التي أرسل الله - سُبحانهُ وتعالى- بها نبيّهِ ورسولهِ مُحمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأيَّدَ بهِا دعوتهُ، وتحدّى بها قومه، أنزله الله – تعالى - بإذنه، ليخرج الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى نور الهداية والتوحيد، ويزكيهم ويهديهم إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وليكونَ دستور أمةٍ ومنهاج حياة.

قال الله - تعالى -: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. [سورة الزمر 23].

شمَّر العلماء الربانيون عن سواعد الجد، واغترفوا من علومه، لمعرفة معانيه، والعمل بما يقتضيه، فاهتدوا بهديه وتحلوا بأخلاقه، فرفعهم الله - تعالى – به، شاكرين لمولاهم، مؤدين حقه بتعلُّمه وتعليمه، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وأثقل لهم الموازين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين). (صحيح) (رواه مسلم).

القرآن لغة: [مصدر قرأ بمعني تلا، أو بمعني جمع، تقول قَرَأَ قَرْءًا وقرآنًا.

كما تقول : غفر غَفْرًا وغُفرانا، فعلى المعني الأول (تلا) يكون مصدرًا بمعني اسم المفعول؛ أي بمعني (متلوّ)، وعلى المعني الثاني: (جَمَعَ) يكون مصدرًا بمعني اسم الفاعل، أي بمعنى (جامع) لجمعه الأخبار والأحكام. ويمكن أن يكون بمعني اسم المفعول أيضًا، أي: (مجموع)؛ لأنه جُمِعَ في المصاحف والصدور.

والقرآن اصطلاحًا : كلام الله - تبارك تعالى -؛ وأنزله بوساطة جبريل - عليه الصلاة والسلام - على رسوله وخاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم -]. انظر: [أصول في التفسير لابن عثيمين رحمه الله -]. قال - تعالى - : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً}. [سورة الانسان (23)].

نزول القرآن الكريم : أول ما نزل نزل القرآن الكريم على رسول - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر في شهر رمضان، قال الله - تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. [سورة القدر (1)].

وقال الله - تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. [سورة الدخان (3 – 4)]. وقال - تعالى - : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. [سورة البقرة (185)].

نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى بيت يقال له بيت العزَّة في السماء الدنيا، ثم صار يتنزّل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة بالتدريج على مدى ثلاثٍ وعشرين عاما، خلال فترتين"مكيةٍ ومدنية".

قال الله - تعالى - : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [سورة الفرقان (32)].

وذلك أبلغ في التثبيت والفهم لما فيه من أوامر ونواهي، وقصص وعبر وعظات, فينيبوا إلى الله - تعالى ويفردوه بالعبادة, ويتبرّءوا من الآلهة الأنداد والشركاء، وليتقوا سخط الله وعذابه، وأليم عقابه.

ونزل "بلغة العرب" لغة الحبيب المصطفى محمد رسول - صلى الله عليه وسلم - وقومه، قال الله – تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف (2).

وقال - تعالى - : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [سورة الزمر (27 – 28)].

وقال - تعالى - : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}. [سورة فصلت (44).

بدأه الله - جلَّ في علاه - بأم الكتاب "سورة الفاتحة"، وختمه بسورة الناس، فكان هدى ورحمة وشفاء.

وقال تعالى : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. [سورة الحشر (21)].

وصفه الله - تعالى - بأوصاف كثيرة، تدل على عظمته وبركته وتأثيره وشموله، وأنه حاكم على ما قبله من الكتب.

قال الله - تعالى - : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ}. [سورة المائدة (48)].

وقال الله - تعالى - : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. [سورة الأنعام (155)].

وقال الله - تعالى - : {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. [سورة فصلت (42)].

نقل إلينا بالتواتر، فقد تكفل الله - تعالى – بحفظه، ولم يصبه ما أصاب الكتب السماوية قبله من التحريف والتبديل وانقطاع السند، ولم يحاول أحد من أعداء الإسلام على مدى السنين أن يُغيِّر فيه أو يبدِّل، أو يزيد أو ينقص، إلا هتك الله ستره، وفضح أمره. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. [سورة الحجر (9)].


***************

مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم.

قال الله - تعالى - : {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة آل عمران: 164].

تعريف التفسير :

التفسير لغة : مأخوذ من مادة فسَرَ. وهي تدل على إيضاح الشيئ وظهوره وبيانه. أو الكشف عن معنى غامض، قال - الله تعالى -: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[سورة الفرقان : 33].

التفسير اصطلاحا: "علم يبحث فيه عن القرآن الكريم، من حيث دلالاته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية". انظر : [مناهل العرفان للزرقاني].

أهمية علم التفسير:

إن مباحث العلوم تتفاضل، وإن من أجلَها مكانة، وأعلاها شرفاً علوم القرآن الكريم، لأنها موصولة بكلام الرحمن، إذ أن شرف العلم من شرف المعلوم.
قال الله - تعالى - : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الإسراء : 9 ــ 10].

1. لقد أدرك الصحابة الكرام رضوان الله – تعالى - عليهم أجمعين، ومن سار على دربهم من سلفنا الصالح رحمهم الله – تعالى - هذا الشرف العظيم الذي امتن الله - تعالى - به عليهم بهذه الأهلية، وبحمل راية الإسلام، وبتنزَل القرآن الكريم على خير الأنام نبينا وحبيبنا ورسولنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فأقبلوا عليه يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، جعلوا منه غذاء لأرواحهم، وقرَة لأعينهم، تعلموا حلاله وحرامه، ونفَذوا أحكام، وأقاموا حدوده، وطبَقوا شرائعه، فكان شفاء لأرواحهم وأجسادهم، أعلى الله - تعالى - به شأنهم، وزكت نفوسهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وَصَلُحَتْ سرائرهم، واستحقوا أن يكونوا أهل القرآن الكريم "أهل الله وخاصته".

عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم - : (إن لله - تعالى - أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) [صحيح الجامع 2165]؛ فكانت أهلية تكليفٍ وتشريفٍ وتكريم، بأن أضيف أهل القرآن إلى الله ــ تبارك وتعالى ــ، فرفعهم الله ــ تعالى ــ بها، وأعلى شأنهم قبل أن يرفعهم بأحسابهم وأنسابهم، وأعزَ بهم الإسلام، ففتحوا البلاد وقلوب العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فعن عمر ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول لله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : (إن الله ــ تعالى ــ : يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين) [مختصر مسلم 2102] و [صحيح الجامع 1896].

قال الله - تعالى - : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء : 82 ــ 83].

2. علم التفسير جزء من علوم القرآن الكريم، إذا تدبَره القارئ، يعرف به ربه - تبارك وتعالى - فيزداد محبة له، وإيمانا به، وخشية وتعظيما له، وخوفا ورجاء وإخلاصا، ويوحَده حق توحيده على نور من ربه بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

3. بالتفسير يُـفهم " كلام الله القرآن الكريم "، وَيَعرفُ الخلقَ مراد الخالق - سبحانه - من خلقه.

4. وبه يُقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أخلاقه وهدية، وما أرْسِلَ به.
فقد بيّنَ صفات أهل السعادة والشقاء، وأهل الخير والشر، ترغيباً وترهيباً لأخذ العبرة، والتنافس في ميادين الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، وترك المنكرات، وإدراك الغاية العظمى التي من أجلها خلق الله - تبارك وتعالى - العباد .

5. بالتفسير تُعرف السّور المكيّة من السّوَر المدنيّة وما فيها من آداب وأحكام ، ويعرف تاريخ التشريع وتدرّجه، فتحصل الثقة به، والإطمئنان إليه، فقد ضرب الله - تعالى – في القرآن الكريم الأمثال، وذكر قصص الأولين والاخرين، وما سيؤول الناس إليه يوم الدين، وبيّنَ سبيل المؤمنين، وحذر من سبل الشياطين، وأرشدنا إلى وسائل النجاة منهم ومن أعوانهم.

حكم تعلَم التفسير:

1. علم التفسير فرض كفاية: إن قام به أفراد من العلماء سقط عن العموم. قال الله - تعالى -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [سورة ص : 29].

إذ لا ينبغي أن تخلو الأمَة من علماء بالتفسير هم أدرى من غيرهم من الناس باللغة العربية، وسعة آفاقها، عقلوا التفسير وفهموه على ما يقتضيه اللسان العربيّ المبين، الذي خاطب الله الناس به، وحملوه على ظاهره المفهوم بذلك اللسان، دون نفيٍ، ولا تكييف، ولا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تأويل باطلِ في حق الله - عز وجلّ -.

علماء أعلم من غيرهم من المكلفين بما علموه من الأوامر والنواهي الشرعية، وأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ، والمُحكَم والمُتشابه، والمُطلق والمُقيد، والعُموم والخُصوص، والإيجاز والإطناب، والمُجمَل والمُـبَيّـِن والمُـبَـيَّن. وما إلى ذلك.
فيوضّحون المُشْكِل وما يستنبطونه من حِكَمٍ وأحْكام، ويُعلَمون الأمة ما خفي عليها من معاني كلام الله - تبارك وتعالى -. لتتوحد المفاهيم، وتقام الشرائع، ويعمل بالعبادات والأحكام والمعاملات على هدىً من الله – تبارك وتعالى -.

2. فرض عين: على كل أحد بحيث لا يُعذرُ أحد بجهله، وعلى كل منهم واجبُ تعلمه، وذلك لمعرفة ربهم - سبحانه وتعالى - بأسمائه وصفاته، وما يقيمون به فرائضهم وعقائدهم وعباداتهم، وما تستقيم به شؤون حياتهم من أوامر ونواهي، وحدود، ومحرمات، وأخلاق، ومعاملات، قال الله – تعالى -: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [سورة محمد : 24].
أقسام التفسير :

1. تفسير لا يعلمه إلا الله - تبارك وتعالى -، لم يطلع الله عليه نبيًا مرسلا، ولا ملكًا مقربًا، كالأمور الغيبية، وآيات الصفات لله - عزّ وجلّ - وفواتح السور مثل : (الم، طه، المر، حم، حمعسق، ص، ق، يس، ... وغيرها).

وقد تلقَى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الأمور الغيبية بالقبول والإذعان، وبلغها لصحبه الكرام دون شرح أو بيان - إلا ما شاء الله - وكذلك هم تلقوها عنه - صلى الله عليه وسلم -.

وأما آيات الصفات : فلأنهم يؤمنون بها ويثبتونها كما جاءت ويجهلون الكيفية، قالوا " أمرّوها كما جاءت ".
وعند تفسير فواتح السور : قال سلفنا الصالح : " الله أعلم بمراده ".

2. تفسير " بالرواية " : وهو ما يسمى بالتفسير "بالمأثور" أو "النقل" : وهو من أفضله وأجوده إذا توافرت الأدلة من الكتاب والسنة على صحته وقبوله.

كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد - رحمهما الله تعالى - قوله : [وكلمة الإنصاف في هذا الموضوع أن التفسير بالمأثور نوعان:

أحدهما : إذا توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد ردّه، ولا يجوز إهماله وإغفاله، ولا يَجمل أن نعتبره من الصوارف عن هَدْي القرآن الكريم، بل هو على العكس، عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن.

ثانيهما: ما لا يصح لسبب من الأسباب الآنفة أو غيرها، وهذا يجب رده، ولا يجوز قبوله، ولا الاشتغال به، ولا يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن كثير، يتحرَون الصحة فيما ينقلون، ويزيّفون ما هو باطل وضعيف] ا هـ. انظر : [مناهل العرفان للزرقاني].

أما التفسير بالمأثور الذي يحتاج إلى شرح وبيان فقد اشتهر منه أربـع طـرق، وهي :

1. تفسير القرآن بالقرآن : هو من أبلغ أنواع التفسير ، فالقرآن كلام الله - تبارك وتعالى - وهو - سبحانه - أعلم بمراده. فأحيانا تجد تفسَير آية بآية أخرى في موضع آخر، ولفظة بلفظة، ومعنى بمعنى، وأسلوبا بأسلوب آخر في موضع غيره، بيَن بالتفصيل فبسط في موضع، واختصر في موضع غيره، أجمل وفسّر، وقيَد وأطلق، وخصَص وعمَم، وحذف وأضاف. وهذا من وجوه الإعجاز في كتاب الله - سبحانه - .

وهو نوعان

1.تفسير المفهوم من آية بآية أخرى في موضع آخر : ــ قال الله – تعالى - : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة : 35 ــ 37 ].

جاء بيان هذه الآية وتفسير ما حدث بمزيد بيان في موضع آخر من القرآن الكريم ، بقوله - تعالى - : {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعرف 19 ــ 23].

2. بيان وتفسير ما استثناه الله - تبارك وتعالى – في موضع بموضع آخر : وذلك كقوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [سورة المائدة : 1].

جاء بيان وتفسير ما استثناه الله - تبارك وتعالى – {إِِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [سورة المائدة : 1] بقوله - تعالى - : في موضع آخر من سورة المائدة : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة : 3].


من محاضرات مادة التفسير : في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -


يتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله الأثرية 03-25-2010 10:38 AM

جزاك الله عنا خير الجزاء أمنا الغالية " أم عبدالله نجلاء الصالح"وزادك علماً وفضلاً ونفعنا بعلمك وبارك بعمرك

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-26-2010 01:40 AM

وإياكم ... ولكم بمثل وزيادة ابنتي الحبيبة " أم عبدالله الأثرية " رؤية وجه الله الكريم في جنة عرضها كعرض السموات والأرض.

شكر الله لك المرور والدعاء، وجزاك الله عني خيرًا يا الغالية.

أم زيد 03-26-2010 07:02 AM

جزاك الله خيرا
 
بارك الله فيك أختي الفاضلة أم عبد الله! على هذا الموضوع القيم وجعله في موازين حسناتك.
بانتظار التتمة وفقك الله.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-26-2010 08:02 AM

وجزاكم الفردوس الأعلى من الجنان أختي الحبيبة " أم زيد " وبارك فيك ولك وعليك.

أسأل الله - جلَّ في عُلاه - أن يعينني على إكمال البقية.

وأن يجعل علمنا وعملنا جميعًا خالصًا ابتغاء مرضاته وابتغاء وجهه الكريم.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2010 07:38 AM

تفسير القرآن بالسنة النبوية المطهرة جـ 2
 
مقدمة يسيرة في التفسير

تفسير القرآن بالسنة النبوية المطهرة.

2. تفسير القرآن بالسنة النبوية المطهرة التي تلقاها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عن الوحي جبريل عليه الصلاة والسلام.

قال الله - تعالى - : {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [سورة الشعراء 192 – 195].
امتنّ الله على رسولنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي الهداية والرحمة بأن أنزل القرآن الكريم كلام الله – تبارك وتعالى - على قلبه فهو أحب الخلق إلى الله، وأتقاهم له، وأعلمهم بحلاله وحرامه، فقد عُرفَ بصدقه وأمانته ورجاحة عقله وفصاحة لسانه، وحُسن خلقه، امتدحه الله بقوله : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم : 4].
أتاه الله جوامع الكلم، فكان من أفصح الناس لسانا، وأبلغهم بيانا، بلـّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فجزاه الله عنا خير ما جزى به نبياً عن أمته.
قال الله – تعالى - في كتابه العزيز : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [سورة الفتح : 28].
أرسله الله - تبارك وتعالى - بالهدى ودين الحق، مبيناً ومفسراً لما جاء في كتاب الله - تبارك وتعالى - من أحكام، وعبادات، ومواريث، وحقوق، وواجبات، وأخلاق، وآداب، وعِبر وعِظات.
وقال الله – تعالى - : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل : 43 ــ 44].

قال شيخنا الألباني - رحمه الله تعالى – في كتابه القيم : منزلة السنة في الإسلام : [والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :
الأول : بيان اللفظ ونظمه وهو تبليغ القرآن وعدم كتمانه وأداؤه إلى الأمة كما أنزله الله - تبارك وتعالى - على قلبه - صلى الله عليه وسلم -. وهو المراد بقوله - تعالى - : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سورة المائدة: 67].
وقد قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها: (ومن حدثكم أن محمدًا كتمَ شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية). ثم تلت الآية المذكورة [أخرجه الشيخان].
وفي رواية لمسلم: (لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتِمًا شيئًا أمِرَ بتبليغه لكَتـَمَ قوله - تعالى -: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [سورة الأحزاب : 37 ].
والآخر: بيان معنى اللفظ أو الجملة أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة أو العامة أو المطلقة فتأتي السنة فتوضح المجمل وتخصص العام وتقيد المطلق . وذلك يكون بقوله - صلى الله عليه وسلم - كما يكون بفعله وإقراره.


ضرورة السنة لفهم القرآن وأمثلة على ذلك :

قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة 38] مثال صالح لذلك فإن السارق فيه مطلق كاليد، فبينت السنة القولية الأول منهما وقيَّدَتْهُ بالسارق الذي يسرق ربع دينار، بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) [أخرجه الشيخان] .
كما بينت الآخر بفعله - صلى الله عليه وسلم - أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل كما هو معروف في كتب الحديث، وبينت السنة القولية اليد المذكورة في آية التيمم : {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [سورة النساء : 43] و [سورة المائدة : 6] بأنها الكف أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (التيمم ضربة للوجه والكفين) [أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما -] .

وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لا يمكن فهمها فهمًا صحيحًا على مراد الله - تعالى - إلا من طريق السنة :


1. قوله – تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأنعام : 82]،
فقد فـَهـِمَ أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ٍ ولو كان صغيرا، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا : يا رسول الله ! أيّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس بذلك إنما هو الشرك، ألا تسمعوا إلى قول لقمان : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان : 13] [أخرجه الشيخان وغيرهما].


2. وقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة النساء 101].
فظاهر هذه الآية يقتضي: أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سَأل بعض الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ما بالنا نَقْصِرْ وقد أمِنـّا ؟ قال : (صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) [رواه مسلم] .

3 . وقوله - تعالى -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [سورة المائدة: 3]. فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك والكبد والطحال من الدم حلال. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت) (أي السمك بجميع أنواعه والكبد والطحال) [أخرجه البيهقي وغيره مرفوعا وموقوفا وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي].

4. وقوله - تعالى -: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [سورة الأنعام: 145]. ثم جاءت السنة فحرّمت أشياء لم ُتذكر في هذه الآية كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير حرام).

وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك . كقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر :(إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحُمُر الإنسية، فإنها رجس) [أخرجه الشيخان] .

5. وقوله - تعالى - : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [سورة الأعراف : 32] . فبينت السنة أيضا أن من الزينة ما هو محرم فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج يوماً على أصحابه، وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال : (هذان حرامٌ على ذكور أمتي حلّ لإناثهم) [أخرجه الحاكم وصححه]
. [انتهى كلامه رحمه الله – تعالى -]. انظر : [منزلة السنة في الإسلام 3 -7].

ومن أمثلة ما جاء في تفسير الكتاب بالسنَة :

1. تفسير (الصلاة الوسطى : بصلاة العصر) وذلك في قوله - تعالى - : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة : 238].
فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " حبس المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر، حتى احمرَت الشمس، أو اصفرَت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا، أو قال : حشا الله أجوافهم وقبورهم نارا) [مختصر مسلم 217].


2. وتفسير (القوة : بالرمي) وذلك في قوله - تعالى - : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [سورة الأنفال : 60].
وفي الحديث الذي رواه عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (ألا إن القوَة الرمي، ألا إن القوَة الرمي، ألا إن القوَة الرمي) مختصر مسلم 1101].

3. وتفسير (الزيادة : بالنظر إلى وجه الله الكريم) وذلك في قوله - تعالى - :{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة يونس : 26]. وعن صهيب - رضي الله عنه - قال: " تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وقال - صلى الله عليه وسلم - : (إذ دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يُريدُ أن يُنجزكُموه، فيقولون: وما هو ؟ ألم يُثقل الله مَوازيننا، ويبيَض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجَنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقرَ لأعينهم ) [صحيح الجامع 521].


فالحسنى: هي الجنة، والزيادة هي : رؤية أهلها وجه الله الكريم ، جعلنا الله - تعالى - منهم بفضله ومنـّه وكرمه ورحمته.

إنّ هذه أمور غيبية جاءت من لدن حكيم خبير، حاشا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتكلم أو يخوض فيما ليس له به علم، إنما هو مبلَغ عن ربه - سبحانه وتعالى -، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. قال الله - تعالى - : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [سورة النجم 1 ــ 5].

4. عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه قال : قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم - : (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب، فجاءت إليه فقالت : بلغني عنك أنك قلت كيت وكيت، قال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله، قالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته، قال : (إن كنت قرأته فقد وجدته، أما قرأت {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت : بلى، قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عنه، قالت : فإني لأظن أهلك يفعلون، قال اذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا، قالت: ما رأيت شيئا، قال عبد الله: لو كانت كما تقولين ما جامعتنا) صحيح انظر : [سنن ابن ماجة 1/ 640 رقم 1989].
ومثلها من استدل بعدم وجوب إعفاء اللحية للرجال لعدم وجود نص صريح في كتاب الله العزيز يدل على ذلك، والله - تعالى - يقول : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَـليْهِمْ حَفِيظًا} [سورة النساء 80].

ولقد رأيت بأم عيني من تُـجادل بالقرآن، وهي عن العمل بما جاء به أبعد. دلّ على ذلك ظاهرها والله أعلم بالسرائر - هدانا الله تعالى وإياها -.

قالت مستنكرة سؤال إحدى الأخوات عن غسل الميتة على السُـنة: [سُـنَة ... سُـنَة ... سُـنة؛ لمَ تشغلون أنفسكم بالسنَة؟ ... ما علينا بالسنًة !! علينا بما جاء في كتاب الله فقط، علينا بالقرآن الكريم - وكأنها تعظمه - !!].

هذه وأمثالها إما أن يكونوا ممن يسمّون أنفسهم: (بالقرآنيين) وإن أتيتهم بنصوص صريحة صحيحة من السنة النبوية المطهرة، يأبوْن اعتمادها أو الأخذ بها، يقولون لا نرضى بغير القرآن بديلا؛ وإما أن يكونوا مقلدين لهم، بدافع حبهم لله - تعالى - ولكتابه العزيز - زعموا -.

فلِمَ غضَوا الطرف عن قوله - تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الحشر 7] إن كانوا يحبونه حقًا ؟؟ أليست آية محكمة في كتاب الله - تبارك وتعالى - إن كانوا يعظمونه ؟.

بلى وربِّ إنها لآيةٌ محكمةٌ نؤمن بها كما جاءت؛ إلا أنهم - هداهم الله تعالى وردَّهم إليه ردًّا جميلا - استدلوا على تسميتهم (بالقرآنيين) وتركهم للسنة، بقوله - تبارك وتعالى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنعام : 38].

وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}[سورة الإسراء : 12].


يتبع - إن شاء الله تعالى

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-31-2010 03:13 AM

سئل شيخنا الألباني - رحمه الله تعالى - عن القرآنيين واحتجاجهم بهاتين الآيتين :

فضيلة الشيخ ! يقول القرآنيون :
قال الله - تعالى - : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا [سورة الإسراء 12].

وقال - تعالى - : ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام 38].

ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تـَهْـلِكوا بعده أبدا) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد. انظر : [صحيح الترغيب والترهيب 1/ 93/ 35]. نرجو من فضيلتكم التعليق على ذلك.

فأجاب - رحمه الله تعالى - : [أما قوله - تعالى - : ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ فهذه الآية إنما تعني بالكتاب هُنا : " اللوح المحفوظ " ولا تعني القرآن الكريم. أما قوله - تعالى - : ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا فإذا ضممتم إلى القرآن الكريم ما تقدم بيانه آنفا، فحينئذ يتمّ أن الله - عز وجل - قد فصًل كل شيئ تفصيلا، لكن بضميمة أخرى، فإنكم تعلمون أن التفصيل قد يكون تارة بالإجمال، بوضع قواعد عامة يدخل تحتها جزئيات لا يمكن حصرها لكثرتها، فبوضع الشارع الحكيم لتلك الجزئيات الكثيرة قواعد معروفة ظهر معنى الآية الكريمة، وتارة بالتفصيل وهو المتبادرمن هذه الآية، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : (ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئا ما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه) [ الصحيحة 1803].

فالتفصيل إذًا تارةً يكون بالقواعد التي تدخل تحتها جزئياتٍ كثيرة، وتارةً يكون بالتفصيل لمفردات عبادات وأحكام تفصيلاً لا يحتاج الرجوع إلى قاعدة من تلك القواعد.

ومن القواعد التي يدخل تحتها فرعيات كثيرة - وتظهر بها عظمة الإسلام وسعة دائرة الإسلام في التشريع، قوله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل المثال : (لا ضرر ولا ضرار) [صحيح الجامع 7517].

وقوله عليه السلام : (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) [إرواء الغليل 8/ 40/2373].

وقوله عليه السلام : (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) [ صحيح الترغيب والترهيب1/ 92/ 34] و [صلاة التراويح ص 75].

هذه قواعد وكلّيات لا يفوتها شيئ مما يتعلق بالضرر بالنفس أو الضرر بالمال في الحديث الأول، وما يتعلق بما يُسكر كما في الحديث الثاني، سواء كان المُسْكِر مستنبطًا من العنب - كما هو المشهور، أو من الذرة، أو من أيّ مادة من المواد الأخرى، فما دام أنه مُسكر فهو حرام.

كذلك في الحديث الثالث : لا يمكن حصر البدع لكثرتها، ولا يمكن تعدادها ومع ذلك فهذا الحديث مع إيجازه يقول بصراحة : (وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

هذا تفصيلٌ لكن بقواعد. وأما الأحكام التي تعرفونها، فهي مفصلة بمفرداتٍ جاء ذكرها من السنة على الغالب، وأحيانا كأحكام الإرث مثلا فهي مذكورة في القرآن الكريم.

أما الحديث الذي جاء ذكره فهو حديثٌ صحيحٌ والعمل به هو الذي بإمكاننا أن نتمسك به، وكما جاء في الحديث : (تركت فيكم أمرين ، لن تضلوا ما تمسّكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله) [مشكاة المصابيح 1/ 66 - 186].


فالتمسّك بحبل الله - الذي هو بأيدينـــــا - إنما هو العمل بالسنة المفصّلة ِ للقرآن الكريم ] انتهى كلامــــــه – رحمه الله تعالى -. انظر كتاب :
[كيف يجب علينا أن نُُُفسّر القرآن الكريم ص 7 ــ 10].

أم عبدالله نجلاء الصالح 04-02-2010 02:23 AM

كيف يُرَدّ على مَن يقول : إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود
 
وسئل فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى - :

" هناك من يقول : إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحّته، وضرب مثالاً لذلك بحديث : (إن الميّت ليُعَذبُ ببكاءِ أهْلِهِ عليه) [صحيح الجامع 1970].

واحتجّ بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله - عزّ وجلّ - : ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَة ٌ وِزْرَ أخْرى [فاطر18]. فكيف يُرَدّ على مَن يقول ذلك ؟ ".

فأجاب فضيلته - رحمه الله تعالى - : [ رَدّ ُهذا الحديث هو من مشاكل رَدّ السنة بالقرآن، وهو يدلّ على انحراف ذلك الخطّ .

أما الجواب عن هذا الحديث - وأخُصّ به من تَمَسّكَ بحديث عائشة - فهوَ :

أوّلا : من الناحية الحديثية : فإن هذا الحديث لا سبيل لرَدّه من الناحية الحديثية لسببين اثنين :

الأول : أنه قد جاء بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الثاني : أن ابن عمر لم يتفرّد به، بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب، وهو وابنه لم يتفرّدا به، فقد تابعهما المغيرة بن شعبة، وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات عن هؤلاء الصحابة الثلاثة في "الصحيحين".

أمّا لو أن الباحث بحثَ بحثاً خاصّاً في هذا الحديث فسيجد له طرقا أخرى، وهذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تُردّ بمُجرّد دعوى التعارض مع القرآن الكريم.

ثانياً : من الناحية التفسيرية : فإنّ هذا الحديث فسّرَهُ العلماء بوجهين اثنين :

الوجه الأول : أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميّت الذي كان يعلم في قيدِ حياتِهِ أنّ أهله بعدَ موْتِهِ سَيَرتكبون مخالفات شرعية، ثمّ لمْ ينصحهم، ولم يوصِهم أن لا يبكوا عليه، لأن هذا البكاء يكون سبباً لتعذيب الميت.

و"ال" التعريف في لفظ " الميت" هنا ليست للإستغراق والشمول، أي ليس الحديث بمعنى أن كل ميت يُعَذبُ ببكاء أهله عليه، وإنما "ال" هنا للعهد، أي : الميت الذي لا يَنصح بألا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع، فهذا الذي يعذّبُ ببكاء أهله عليه.

أمّا من قام بواجب النصيحة، وواجب الوصية الشرعية بألاّ ينوحوا عليه، وألاّ يأتوا بالمنكرات التي ُتفعل خاصّة في هذا الزمان، فإنه لا يُعَذب. وإذا لم ينصَح عُذب.

هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسيرالأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين، كالنووي وغيره، وإذا عرفنا هذا التفصيل، وضح ألاّ تعارُضَ بين هذا الحديث وبين قوله - تعالى - : {وَلا تَزِرُ وازِرَة ٌ وِزْرَ أخْرى} [الأنعام 164] .

إنما يظهرالتعارُض فيما لو فُهِمَ أن " ال" في لفظ " الميّت" إنما هي للإستغراق والشمول، أي كل ميت يُعذب، حينئذ يُشْكِلِ الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة، أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه ، فلا تعارُضَ ولا إشكال، لأن الذي يُعذبُُ إنما يُعَذبُ بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصيّة، هذا هو الوجه الأول مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض المُدّعى.

أما الوجه الثاني : فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بعض مصنفاته أن العذاب هنا ليس عذابا في القبر، أو في الآخرة، وإنما هو التألم وبمعنى الحزن، أي أن الميت إذا سمع بكاء أهله عليه، أسفَ وحَزن لحُزنِهِم هُمْ عليه.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا لو صحّ لاستأصل شأفة الشبهة.

لكني أقول : إن هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلاّ أن نعتمد على التفسير الأول للحديث :

الحقيقة الأولى : أن في حديث المغيرة بن شعبة الذي أشرتُ إليه آنفاً تبيّن أن العذاب ليس بمعنى التألّم، وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر، أي عذاب في النار، إلا أن يَعفوَ الله - تبارك وتعالى – كما هو صريح قوله – عزّ وجلّ - : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [ النساء 48].

ففي رواية : المغيرة قال : (إن الميّت ليعذّبُ ببكاء أهله عليه يوم القيامة) فهذا صحيح بأن الميّتَ يُعَذبُ بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة، وليس في القبر، وهو الذي فسّره ابن تيمية بالألم والحُزن.

الحقيقة الأخرى : هي أن الميّت إذا مات لا يحسّ بشيء يجري من حوله، سواء كان هذا الشيئ خيراً أم شر، - كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنة - اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث، إما كقاعدة لكل ميت ، أو لبعض الأموات حيث أسمعهم الله - عزّ وجلّ - بعض الشيئ الذي يتألمون به.

فمن الأول : الحديث الذي رواه البخاري في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ...) (صحيح) انظر [صحيح الجامع : 1675].

ففي هذا الحديث الصحيح إثباتُ سَمعٍ خاصٍ للميتِ في وقتِ دفنه، وحين ينصرفُ الناس عنه ، أي في الوقت الذي يُجلسه الملكان أعيدت الروح إليه، فهو في هذه الحالة يَسمعُ قرعَ النعال، فلا يَعني الحديث بَداهَة أنّ هذا الميت وكلّ الأموات تُعادُ إليهم أرواحهم، وأنهم يَظلون يَسمَعون قرعَ نعال المارّة بين القبور إلى يوم يبعثون ! لا.

إنما هو وضعٌ خاصٌ وسماع خاصٌّ من الميت، لأنه أعيدت روحه إليه، وحينئذٍ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية وسّعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله، سواء عند نعشه قبل دفنه، أو بعد وضعه في قبره، ومعنى ذلك : أنه يَسمَع بكاء الأحياء عليه، وهذا يحتاج إلى نص، وهوَ مفقود، هذا أولاً.

وثانياً : بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدُلّ على أن الموتى لا يسمعون، وهذا بحث طويل، ولكني سأذكر حديثاً واحداً وأنهي الجواب عن هذا السؤال، وهوَ قوْلُ النبي- صلى الله عليه وسلم - : (إن لله - تعالى - ملائكة سياحين في الأرض يُبلغوني عن أمتي السلام) (صحيح) انظر : [صحيح الجامع : 2174]. ‌

وقوله " سيّاحين " : أي : طوّافينَ على المجالس، فكلما صَلى مسلمٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهناك مَلك مُوَكّل ٌيوصلُ هذا السلامَ مِن ذاك المُسلم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فلو كان الأموات يَسمَعون، لكان أحقّ هؤلاء الأموات أن يسمع هو نبينا - صلى الله عليه وسلم – ، ثُمّ لو كان النبي- صلى الله عليه وسلم – يسمع شيئاً بعدَ موْته، لَسَمِعَ صلاة أمّتِهِ عليه.

ومن هنا تفهمون خطأ - بل ضلال – الذين يستغيثون ليس بالنبي - صلى الله عليه وسلم – بل وبمَن دونَه، سواء كانوا رُسُلا أو أنبياءَ أو صالحين، لأنهم لو استغاثوا بالرسول – عليه الصلاة والسلام – لما سمعهم، كما هُوَ صريح القرآن : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف194].

و {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [ فاطر 14].

إذا فالموتى مِن بَعْدِ مَوتِهم لا يَسمعون ، إلا ما جاء النصّ في قضية خاصّة – كما ذكرتُ آنفا – من سماع الميتِ قرع النعال ، وبهذا ينتهي الجواب على السؤال] [انتهى كلامه - رحمه الله تعالى وجعل الفردوس العلى مأواه -].


انظر كتاب : [ كيف يجب علينا أن نُفَسّر القرآن الكريم؟ . ص 11 - 17].


يتبع إن شاء الله – تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 04-06-2010 02:27 AM

تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم – أجمعين
 
3. تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم – أجمعين :

تفسير القرآن الكريم بأقوال خير الصحبة، صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين – الذين امتدحهم الله - تبارك وتعالى - بقوله : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة 100].

وامتدحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه عنه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) (متفق عليه).

إنهم خير الناس، الجيل القدوة، وصفوة الصفوة، الذين استقوْا المنهج الرباني من النبع الصافي، تلقوه غضاَ من فمه الشريف - صلى الله عليه وسلم –، وعرفوا أحواله، وفهموا مراده، وتمسكوا بما جاء فيه، عملوا بأوامره واجتنبوا نواهيه.
أكرمهم الله – تعالى – بأن أنزل القرآن على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلغتهم فعَقلوه، وأن اختارهم الله – عزّ وجلّ – لحفظ دينه بَعْدَ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فأدوا الأمانة وبلغوا هديه - صلى الله عليه وسلم - عن علم وفهم ودراية، وشيدوا به أركان العزّ والفخار.
فتحوا البلاد وقلوب العباد، فكانوا خير سلف لخير خلف، جزاهم الله عنا خير الجزاء، وجعلنا على إثرهم.

قال الإمام السيوطي في ( الإتقان ) : [اشتهر بالتفسير من الصحابة - رضي الله عنهم - عشرة : الخلفاء الراشدون الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيَ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبدالله بن الزبير .

ومن أبزر الصحابة الذين أكثروا الرواية والتفسير غير العشرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله، والسيدة عائشة من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم أجمعين -.

أما الخلفاء الراشدون فأكثرهم رواية (علي بن أبي طالب ) - رضي الله عنه -، والرواية عن الثلاثة قليلة جدا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم ]. انتهى كلامه.

وأما الحَبْرِ البَحْر »عبد الله بن عباس « - رضي الله عنهما - ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترجمان القرآن، فقد دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له قائلا : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (متفق عليه) .
وفي رواية أخرى عنه - رضي الله عنهما - قال : » ضمّني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره فقال : (اللهم عَلمْهُ الحِكمَة) وفي رواية : (علمه الكتاب) (صحيح رواه البخاري) .

روى مسروق عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : [ نِعْمَ الترْجُمان للقرآن ابن عباس ] انظر : (مقدمة التفسير ص 254) لشيخ الإسلام رحمه الله - تعالى -.

وروى البخاري – رحمه الله - من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( كان عمر يُدخلني على أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقالوا : لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن علمتم (يعني من عرفتم ذكاءه وعلمه) فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليُريَهُم ! فقال : ما تقولون في قول الله - تعالى - : (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم : أمَرَنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصِرْنا وفُتِحَ علينا "، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي : أكذلك يا ابن العباس ؟ فقلت : لا، فقال : ما تقول ؟ فقلت : " هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، فقال عمر : واللهِ لا أعلم منها إلا ما تقول) (صحيح البخاري. باب : فضائل الصحابة).

روى الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن] انظر : [مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ص 254).

وقد كان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - من السابقين إلى الإسلام، وكان يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى صلة وثيقة به، فنهل من علمه وتأدب بآدابه، وروى عنه الكثير وفسر.

همـــّـــة عاليـــــــــة

وروى الإمام البخاري رحمه الله - تعالى – عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قوله : (والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله - تعالى - مني تناله المطايا لأتيته) وفي رواية : (تبلغه الإبل لركبت إليه) .

سبحان الله !! كانت لديهم همَم تجاوز الثريا، يَدفعُها همَ حمل الأمانة، وتبليغ الدين على الوجه الأكمل، ومع ذلك كانوا شديدي الورع والتقوى في تفسير ما لا يعلمونه، لا يمنعهم الحياء من الجهل بالتأويل عن التوقف عند الحدود، وعدم الخوض فيما لا يعلمون، خشية الوقوع بالإفتراء على الله – تبارك وتعالى - والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله - تعالى - : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [سورة الإسراء 36].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (متفق عليه) عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه -. ‌

ورع

وعن أبي معمر قال : قال أبو بكر - رضي الله عنه -، عندما سئل عن قوله - تعالى - : ﴿وَفاكِهَة ً وَأبّا : [ أيَ أرض ٍ ُتـقِلَني ، وَأيّ سماءٍ ُتظلني إذا قلتُ في كتاب اللهِ ما لمْ أعلم ] .

وعن أنس - رضي الله عنه - : [ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ على المنبر قوله - تعالى - : ﴿وَفاكِهَة ً وَأبّا فقال : " هذه الفاكهة عرفناها فما الأبَ ؟ ثمَ رَجَعَ إلى نفسِهِ فقال : إنّ هذا لهو التكلفُ يا عمر" وفي رواية : فما عليك أن لا تدريه !!].

وعن محمد بن سيرين رحمه الله - تعالى - قال :" سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن ، فقال : [ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن، فاتَق الله، وعليك بالسداد].

وعن مسروق قال : [اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله].

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله - تعالى - بعد أن ساق هذه الأدلة : [فهذه الآثار، وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تـَحََرّجـِهـِم عن الكلام في التفسير بما لا عِلمَ لهُم به.
فأما من تكلم بما يَعلمُ من ذلك لغة ً وشرعاً فلا حرج عليه، فلهذا ورد عن هؤلاء وغيرهم أقوالٌ في التفسير، ولا منافاة، لأنهم تكلموا فيما عَلِموه، وسَكتوا عَمّا جَهلوه .

وهذاهو الواجب على كل أحد . فإنه كما يجب السكوت عَمّا لا عِلمَ لهم به، فكذلك يجبُ القولُ فيما سُئل عنهُ مما يَعلمُه، وذلك لقوله - تعالى - : ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [سورة آل عمران 187].

ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) [صحيح الجامع 6284] انتهى. انظر : [مجموع الفتاوى مقدمة التفسير ص 259 ــ 261].

قال العلماء من سلفنا الصالح جزاهم الله خيرا : [ إذا سئل الصحابي عن أسباب نزول آية، أو عما يتعلق بالعقيدة وصحت نسبته إليه، فإنه يؤخذ بقوله رفعه أو لم يرفعه.

أما إذا فهم من النص ما يوافق الكتاب والسنة، فله حكم الموقوف، إذا كان يقول به. لا من جهة الرأي ].

وقد اعتنى التابعون رحمهم الله - تعالى - بتلقي التفسير عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - فبرز منهم الكثير : أمثال مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى بن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع ، وطاووس ، وسعيد بن المسيب ، وأبي العالية والربيع بن أنس ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم وغيرهم .

فعن أبان بن صالح، عن مجاهد قال : [عرضت المصحف على ابن عباس - رضي الله عنهما - ثلاثُ عَرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها] .

وعن أبي مليكة قال : [رأيت مجاهدًا سأل بن عباس - رضي الله عنهما - عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال : فيقول له بن عباس : اكتب، حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا كان سفيان الثوري يقول : " إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك] انظر : [مجموع الفتاوى ــ مقدمة التفسير ص 257].


فالحمد لله على فضله ومنـّـه وكرمه ، الحمد لله على نعمة الإسلام، وأسأل الله - تعالى أن يبلغني وإياكم درجة الإحسان .

وجزاهم الله خير الجزاء على ما نقلوه لنا من خير عميم، وأثقل لهم به الموازين، وجعلنا وإياكم ممن تبعهم بإحسان يوم الدين.

من محاضرات مادة التفسير : في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -


يتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 05-09-2010 10:19 AM

تفسير القرآن الكريم بلغـــة العـــرب
 
4 : ــ تفسير القرآن الكريم بلغـــة العـــرب :

امتنَ الله - تعالى - علينا بأن جعلنا من خير أمَة أخرجت للناس، من أمة نبي الهداية، نبي الرحمة، النبي العربي الأميَ .... اختاره الله بشيراً ونذيرا من أمة العرب الذين أكرمهم الله - تبارك وتعالى - فأنزل القرآن الكريم عليه بلغتهم ليفهموه ويتدبروه ويعقلوه عنه، ويعتمدوا أساليبها في خطابهم .

وَصَفهُ الله – تبارك وتعالى - بالبيان في قوله : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۞ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۞ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء 192 ــ 195].

وفي قوله : ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ۞ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل 102 ــ 103].

وامتدحه الله - جلّ شأنه – بقوله : ﴿حم ۞ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۞ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون َ۞ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [سورة الزخرف 1 - 4].

وَوَصَفهُ في موضعٍ آخر بشموله واستقامته وذلك بقوله : ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ۞ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة الزمر27 - 28].

وقد حكى صاحب كتاب (مقدمة المباني) إجماع الصحابة على جواز تفسير القرآن باللغة . انظر : [مقدمتان في علوم القرآن201].

ومن ذلك تفسير ﴿السّاهِرَة بالأرض، فقد ورد ذلك عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وسعيد، والضحّاك، وابن زيد. انظر : [فصول في أصول التفسير41].

قال الإمام مالك رحمه الله - تعالى - : [لا أوتى برجل يفسِّر كلام الله وهو لا يعرف لغة العرب إلا جعلته نكالا] [أخرجه الإمام الواحدي في البسيط 1/ 219].

لذلك كان من الضروري لمن يُفسر - القرآن الكريم – بلغة العرب أن يراعي ضوابط أوجزها بما يلي :


1. أن يفسر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة،على فـَهْمَ سلفنا الصالح، خير االناس، سلف الأمة من الصحابة والتابعين الذين هم عرب خلّص، ولهم الإمامة في التفسير اللغوي والشرعي، لأنهم تلقوْهُ غضـّـاً من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعون أخذوا عنهم في عصر الإحتجاج،ويُعدّ فهْمَهُم لغتهم، ومعرفتـَهم قواعدها وأصولها ومكنوناتها،حُجّّةً ومَرجعاً يُرجَعُ إليه. إذ أنّ المفسّر لا يستطيع أن يُفسّر الآية الكريمة بدون معرفة المعنى اللغوي والشرعي لألفاظها كلفظ الإيلاء، والتربص، والفيئ في قوله - تعالى - : ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة البقرة 226].

2. يجب على المفسّر أن يتعَلم ما يتعلق بكلام الله من نحوٍ وَصَرْفٍ واشتقاقٍ ومفرداتٍ وتراكيب، لأن المعنى قد يتغير بتغيّر الحَركات من فتحٍ وضمٍ وكسر فيُخِلّ بالمعنى المُراد.
قال مجاهد رحمه الله - تعالى - : [لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب] انظر : [التبيان في علوم القرآن ص 158].

فقول الله - جلّ ثناؤه - : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [سورة فاطر 28]. بنصب الهاءِ في لفظ الجلالة ورفع الهمزة على كلمة العلماء يَصِحُّ المَعنى المراد لغةً وشرعاً، لأن المؤمن كلما ازداد علمًا بالله ازداد له خشية، فأشدّ الناس خشية لله من عباده هم " العلماء". ولو ضُمّت الهاءُ على لفظِ الجلالة ونُصبَت الهمزة، لفَسَدَ المعنى وانقلب.

وقد ضلّ من خاضوا بمسائل التفسير، على غير هدى ولا كتاب منير، فلجهلهم بلغة القرآن أحدثوا علم الكلام فتكلموا في القدر، وأوّلوا تأويلًا باطلًا في الأسماء والصفات، فنفوا، وغيَروا وبدَلوا، وحرَفوا وأبطلوا، وفوّضوا، وخبطوا خبط عشواء فضلَوا وأضلوا خلقا كثيرا إلى يومنا هذا ،- والعياذ بالله - وافترقت الأمة كل حزب بما لديهم فرحون، وكان الأولى بهم أن يقفوا حيث وقف من هُم خير منهم من سلفهم الصالح، ويمسكوا عن الخوض فيما ليس لهم به علم من كتاب أو سُنة .

روى الترمذي – رحمه الله عن عبد الواحد بن سليم قوله : [قدمتُ مكة، فلقيتُ عطاء بن أبي رباح فقلتُ له : يا أبا محمد ! إن أهل البصرة يقولون في القدر، قال : يا بني أتقرأ القرآن ؟ قلتُ : نعم، قال : فاقرأ الزخرف، قال : فقرأت ﴿حم ۞ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۞ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون َ۞ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم فقال أتدري ما أم الكتاب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : فإنه كتابٌ كتبهُ الله قبل أن يخلق السماوات، وقبل أن يخلق الأرض، فيه إن فرعون من أهل النار، وفيه ﴿تبت يدا أبي لهب وتب .

قال عطاء : فلقيتُ الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته : ما كان وصية أبيك عند الموت ؟ قال دعاني أبي فقال لي : يا بني ! اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، فإن متّ على غير هذا دخلت النار، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق الله القلم فقال : اكتب، فقال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد) قال شيخنا الألباني – رحمه الله - : (صحيح) انظر : [جامع الترمذي : 4/ 457 رقم 2155].

قال يحيى بن معين : يقول شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا فقال : يا أبا سفيان هذه الأحاديث مثل حديث الكرسي موضع القدمين ونحو هذا ... ؟ فقال : [كان إسماعيل بن أبي خالد والثوري ومسعر يروون هذه الأحاديث لا يفسرون منها شيئا] (صحيح) [مختصر العلو].

وقال الوليد بن مسلم : [سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا لي أمروها كما جاءت بلا تفسير] (صحيح) [مختصر العلو].

3. إذا كان اللفظ يحتمل عدة معانٍ في تفسيره، يجب على المفسّر أن يراعي موافقة اللفظ اللغوي للمعنى الشرعي من كلام الله – تبارك وتعالى – الذي يتوافق مع سياق النص، لأن القرآن الكريم نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة، إلا أن يكون هناك دليلا يترجّح به المعنى اللغوي فيؤخذ به.
وقد استشكل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله - تعالى - في الآية الكريمة : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [سورة الأنعام : 82].

فقد فهموا قوله - تعالى - : ﴿بِظُلْمٍ}على عمومه الذي يشمل كل ظلم، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : لما نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا يا رسول الله ! أيُّنا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس ذاك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . في رواية : (ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه) (متفق عليه).

4. أن يكونَ اللفظ المُفسَّر صحيحًا ثابتًا في كتب اللغة، فلا يجوز تأويله بما يصرفه عن حقيقته، ويؤوّله كما تأوّله المتكلمون، الذين أوّلوا اليد بالقدرة والنعمة، والنزول بنزول الأمر، والاستواء بالاستيلاء، وغير ذلك من الصفات، ذلك بأنهم لم يفهموا أن لله - تعالى – يدان تليقان به، ولا نزولا يليق به، ولا استواء يليق به، وما فهموا من صفات الرب - تعالى - إلاّ ما يليق بصفات المخلوقين. فحرّفوا الكلم عن مواضعه، هروبا من التشبيه، فوقعوا على أم رؤوسهم بالنفي والتعطيل لما وصفَ الله – تعالى - به نفسه، والله – تعالى - يقول : ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [سورة البقرة 140].

وقد أجاب الإمام مالك رحمه الله تعالى بمقولة أجمعت عليها الأمة عندما سأله رجل عن الإستواء : يا أبا عبد الله " الرحمن على العرش استوى، كيف استوى"؟ فأطرق مالك برأسه حتى علته الرحضاء ــ أي : العرق ــ ثم قال : [الإستواء معلوم، والكيف مجهول، - وفي لفظ : غير معقول - والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا، ثم أمر به أن يخرج] [مختصر العلو 141].

فقد أوّل المبتدعة الإستواء : بالإستيلاء. اعتمدوا على بيت شعر احتجوا به للأخطل النصراني، وهو :

ثم استوى بشر على العراق ........ من غير سيف ولا دم مهراق .

لم يثبت في اللغة لفظ استوى بمعنى استولى ، ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه ، وقالوا إنه بيت مصنوع لا يُعرف باللغة، ولو كان حديثا لرسول الله لاحتاج الأمر إلى التحقق من صحته !! فكيف ببيت شعر لا يُعْرَفُ إسنادُه ، وقد َطعَنَ فيه أئمةُ اللغة .

وقد ذكر أبو المظفر في كتابه الإفصاح عن الخليل ابن أحمد الفراهيدي أنه سئل : " هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى، فقال : هذا ما لا تَعْرِف العرب، ولا هو جائز في لغتها".
هذا جوابه وهو إمام معروف باللغة، وعلى ذلك حَمْلـُـهُ على ما لا يُعْرَفْ باللغـَـة حَـمْــلٌ باطـــل.

وقال جماعة من أهل اللغـــة : لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزا ثم ظهر، والله - سبحانه وتعالى - لا يُعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء -، والعرش لا يُغالبُهُ في حال.
فامتنع أن يكون استوى بمعنى : استولى. وقوله تعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [سورة طه 5]. ليس فيها قرينة تدل على أنه أراد بالآية الإستيلاء.

ولو كان لفظ الإستواء مجازيّ يدل على الإستيلاء – زعموا- فلا يجوز حمل الكلام إلا مع قرينة تدل على إرادته.

وقال أهل اللغة أيضا : لا يكون استوى بمعنى استولى إلا فيما كان منازعا مغالبا، فإذا غلب أحدهما صاحبه، قيل : استولى. والله - تعالى - لم ينازعه أحد في العرش فلو ثبت استعماله في هذا المعنى الخاص مع النزاع في إرادة المعنى الأعمّ لا يجب حمله عليه، إذ أن المؤوّلة ادّعوا أنه بمعنى استولى مطلقا في اللغة.

فكانت حجتهم حجة واهنة دامغة عليهم وذلك لبُعدهم عن فهم لغتهم العربية، لغة القرآن الكريم فهما سليما.

5. إن لم يتفق اللفظ اللغوي مع المعنى الشرعي وتعارض معه، يقدم المعنى الشرعي الذي يدل عليه سياق النص، ففي قوله – تعالى - : ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [سورة التوبة 84].
الصلاة تحتمل بالمعنى اللفظي الدعاء وصلاة الجنازة، والمعنى الثاني هو المقدم من خلال سياق الآية الكريمة الذي دلّ عليه المعنى الشرعي للصلاة في هذا المقام.

كذلك قول الله – تعالى - : ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة 103]. انظر : [البرهان للزركشي 2/ 167 وأصول التفسيرلابن عثيمين 29 – 30].

6. ومن التفسير الباطل الذي لم يتفق فيه اللفظ اللغوي مع المعنى الشرعي وتعارض معه،ما فسره الروافض لقول الله - تعالى – : ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [سورة يس 19]. على أنهما عليٌّ وفاطمة – رضي الله عنهما -.

وقوله – تعالى - : ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [سورة يس 22] يعني الحسن والحسين – رضي الله عنهما -. انظر : [تفسير القرطبي1/ 33]. وغير ذلك من الطامات التي سوّدوا بها كتبهم، ولا يتسع المقام هنا لذكرها.

وكم يؤلمني ويتفطر قلبي حزنًا على إخوة وأخوات وأبناء يعيشون في بلاد الغربة، لا يعرف أبناء بعضهم لغة الكتاب العزيز " القرآن الكريم "، رأيتهم بعيني !! يحتاجون إلى من يترجم لهم لغتهم !!.

هؤلاء الآباء أضاعوا إنتماءهم، وهُوِيَّتَهُم، ولغتهم، ففسدوا وفسد الحال والذرية والمآل - إلا مارحم ربي - وغداً عن كل هذا سيسألون. فإلى الله المشتكى !!.

وللأسف أصبح كثير من الناس يستحييون حتى من الإنتماء لأمة العرب، والتحدث بلغتها في بلادها، ويفرح بل ويفخر بالإنتماء إلى غيرها، بعد تطاول الزمان، وتباعد المكان.

في حين ... نرى ونسمع ما يُفرح القلب ويثلج الصدرعن همة عالية في تعلّم اللغة العربية وتعليمها مِن أبنائها، ومن أعاجم مسلمين، وحديثي عهدٍ بإسلام، يَوَدّ أن يبذل قصارى جُهده، ويُقدم أغلى ما يملك، من أجْل تعلم لغة القرآن الكريم، واقتناء كتبها، وتعلم مفرداتها ومدلولاتها، وذلك لفهم الشرع الحكيم، ومعرفة حقائقه، وأوامره ونواهيه، وعِبَرهِ وعِظاتِهِ، والعمل بها وتعليمها، كان الله – تعالى - لهم خير معين، وجعلهم على أثر البخاري ومسلم والألباني وغيرهم . رحمهم الله - تعالى -، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.



ومن أجَلّ كتب التفسير " بالمأثور " أو " النقل " :

1. " كتاب جامع البيان في تفسير القرآن " لإبن جرير الطبري . وكنيته [ أبو جعفر ] ، ولد سنة 224 هــ، وتوفي سنة 310 هــ رحمه الله - تعالى - .

2. تفسيرالقرآن العظيم للحافظ عماد الدين (إسماعيل بن عمرو بن كثير) : القرشي الدمشقي، وكنيته : [أبي الفداء] ولد سنة 700 هـ، وتوفي سنة 744 - رحمه الله تعالى -.
كان عالمًا بحرًا ذاخرًا بعلوم التاريخ والحديث والتفسير، قال عنه الإمام الذهبي : [الإمام المفتي، المحدث البارع، فقيه متفنن، ومحدث متقن، ومفسّر نقال، وله تصانيف مفيدة].

3. الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام السيوطي ، ولد سنة 749 هــ ، وتوفي سنة 911 هــ رحمه الله تعالى . قال في مقدمة تفسير " الدر المنثور " أنه لخصه من كتاب كتاب : " ترجمان القرآن " .

وقال في كتاب الإتقان : " أنه شرع في تفسيرٍ جامعٍ لما يحتاجُ إليه من التفاسيرِ المنقولةِ والأقوالِ المعقولة، والإستنباط، والإشارات والأعاريب، واللغات، ونكت البلاغة، ومحاسن البديع، وسماه : (مجمع البحرين، ومطلع البدرين). وهو غير التفسير المسمى " بالدر النثور ".

انظر : [التبيان في علوم القرآن ص 185].


يتبع إن شاء الله – تعالى -.


الساعة الآن 04:41 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.