{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   مِن الآثَار السَّلبيَّة لِمَنهج الشَّيخ رَبِيع الطَّعن في الشّيخ بَن حنفِيِّة عابِدين (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=29380)

مختار طيباوي 07-09-2011 08:01 PM

مِن الآثَار السَّلبيَّة لِمَنهج الشَّيخ رَبِيع الطَّعن في الشّيخ بَن حنفِيِّة عابِدين
 
من الآثَار السَّلبيَّة لِمَنهج الشَّيخ رَبِيع
الطَّعن في الشّيخ بَن حنفِيِّة عابِدين
بسم الله الرَّحمَـن الرَّحيم

سؤال : أَبو عَبد الوَدُود ( مَازُونَة ـ غِلِيزان)
فَضِيلَة الشَّيْخ الطَيباوي متعك الله بِالعَافِيَةِ ، وأَطَال عُمركم فِي خِدمَة الأُلفَة و تَوحِيد الصَّفِّ - مُنذ مُدَّة وأَنَا أَتَمَنَّى لقيَاكم ، ولَكِن لَا أَعْرِف هاتِفَكم ، و لَاعُنوانكم أَرْجُو أَن تُزودُوني ـ فضيلتكم ـ بالعُنوان و الَهاتف عَن قَرِيب .
شَيْخنا ـ جَزَاكُم الله خَيْرًا ـ نُرِيد مِنْكُم مقَالَات مكثَّفة عَلَى مَا يَصْدُر فِي السَّاحَةِ العِلمِيَّةِ الجَزائِريَّة مِن إِثَارَة الفِتْنَة ، و التَّحْرِيشِ بَيْن أَهل العِلمِ ، مِن كِبَار الْمَشَايِخ كمَا يَقُولُون ( الشَّيْخ فركوس - عَبد المَجِيد جُمعَة - عَبد الحَكِيم - الأَزْهَر سنيقرة - عَبد الغَنِيّ ) فَضلا عَن طَلَبَتِهِم الكبراء أَمْثَال : ( رحيل الإمَام الَمُعسكري - أَحَمَد القاريَاتي الشلفِي ) .
وهؤلَاء هُم أَرْبَابُ الصِّناعَة التَّحْرِيشيَّة ، قَد ألَّبُوا النَّاسَ و طَلَبَةَ العِلمِ الّذِين يَجهَلُون العِلم و أسرَاره عَلَى الشَّيْخَين أَبَي سَعيد الجَزائريِّ و الْعَابِدِين الَمُعسكري.
وهَذَا الْأَخِير قَالَ لِي : إِنَّ الشَّيْخَ فَركوس قَد آذَاه ، و حَذَّرَ مِنهُ الْإِخْوَة ، وقَالَ : (( مَن يَحْضُر لِلشَّيْخِ الْعَابِدِين لَا يَحْضُر مَجالِسي)).
و السَّبَب انخِراط الشَّيْخ العَابِدِين فِي الجمَعيَّات ، فو الله إِنَّ الشَّيْخَ فِي غَيض مِن فيضهِم ، و المُشكِلُ الأَكْبَر كُلُّ مَن يَنْطِق بسُّنِّيَّة الشَّيْخِ وعَقِيدَتِه الصَّحِيحَة يَرْمُونَه بالتميِيع لَمَنهَجِ السَّلَفِ .
و الشَّيْخ فركوس صَدَر مِنهُ ذَلِك يَقِينًا حَيْثُ إِنَّه يَتَّهِم الشَّيْخَ العَابِدِين فِي عِلمِه ، و طَرِيقَةِ استدلَالَهِ ، فَضلاً عَن كَوْنِه مِن أَهلِ العِلمِ و حَفظَتِه ، فَلِأَنَّ طَرِيقَةَ الْقَوْمِ مِن كِبَارِ المَشَايِخ و طَلَبَتِهم فِي الجَزائِر هِي طَرِيقَةُ الشَّيْخِ رَبِيع و طَلَبَتِهِ ، نَرْجُو مِنْكُم لِدَقِيقِ تَحقِيقكم فِي مَسائِل النِّزَاعِ و الْحُكمِ عَلَى الأعيَانِ و الأَنواعِ أَن تُظهِرُوا الحَقَّ الَّذِي غَابَ وَرَاء التَّصْنِيفِ ، وتُبَيِّنُوا لِهؤُلَاء الشُّيُوخ نَمَطِية العِلم و الَابتِعاد عَن جَرحِ مَشايخ السُّنَّةِ و خَاصَّةً الشَّيْخ الْعَابِدِين مِن أَجلِ الَاتِّجاه الْفِقْهِيِّ ، وَبَارَك الله فِيكم .


الجَواب :

الحَمِدُ لِلّهِ وَحْدَه ، و الصَّلَاةُ و السَّلَامُ عَلَى مَن لَا نبيَّ بَعْدَه .
وبَعَد ، مَرحبًا بِك مَتَى قرَّرتَ زيَارَتِي ، وَقَد وردَ فِي فَضل الزِّيَارة أَحَادِيث كَثِيرَةٌ مِنها حَدِيثُ أبِي هُريرة أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عَلَيْه و سلَّم قَال : (( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا )) . رَوَاه التَّرمِذيُّ وحَسَّنَهُ .
أَمَّا رَقْمُ الَهاتِف فستَجِده فِي بَرِيدِك الَالَكترُونِي ـ إِن شَاء الله تَعَالَى .
بدايةً أَقُول:
الْعُلَمَاءُ هُم حَفَظةُ الدِّين وقادةُ المُسْلِمَيْن، ومَنزِلتهُم رفِيعةٌ عِنْدَ الله، و عِنْد صَالِح عبادِه و إِن أصابتهُم الوَضِيعَةُ.
ومِن أَعظَم صفاتهِم بَعد الإِيمَان: العِلم و الصِّدقُ، فمَن لَا يَكُون عالِمًا بِمَا يَقَوْل صادقًا فِيه، لَم يَكُن مِنهُم و إِن انتَسَب إلِيهِم.
وهَذَا تَعرِفُهُ مِن عِلم الرَّجل، هَل يتكَلَّم لإحَقَاق حَقٍّ، و ضَربِ باطِل، و القيَامِ عَلَى النَّاس بِالعَدْلِ، أَم يتكَلَّم ويَكتُب لِيَحشُد النَّاس إِلَى دَرسِه و شَخْصِه ؟
فمِن أَشْهَرِ قَوَاعِد السِّيَاسة البَاطِلَة: إِذًا أردتَ أَن تَصِلَ فأكثِر مِنَ الأصدِقاء، وأَقلِل ( قَلِّل ) مِن الْأَعْدَاء.
ومَعلومٌ أَنَّ مَن يَنتقِد و يُخالِف و يَنصَح يَكثُر أعداؤُه، ومَن يُداهِن يَكثُر أصدقاؤُه.
وعَلَيْه، فمَن كَان عَلَى هَذِه الصِّفات: العِلمُ و الصِّدقُ لَا يَكُون فِي صَدْرَه حَرَجٌ مَن قَوْل الحَقِّ والصَّدع بِهِ .
بالنِّسبَة لِي وَقَد بيَّنتُه بِعَشرات المقَالَات : مَنهجُ الشَّيخ رَبِيع ـ سدَّده الله ـ فِي النّقَد وَمَا يَتَعَلَّق بِه ـ مَنهجٌ مُنحَرِف ، يقُومُ عَلَى أَصُولٍ مَا أَنزلَ الله بَها مِن سُلطان ، إِنَّمَا هِي أَصُولٌ اختَرعها الشَّيخُ رَبِيع مُخَالِفًا للضَّرورة العِلميَّة و الفطريَّة .
وهِي مَنهجٌ شاذٌ قَتَلَ السَّلفِيَّةَ ـ أَو كَادَ ـ فِي الَمَهدِ ، لَولَا جِهَاد بَعْض العُلمَاء لَهُ ، ودفعهُم لتأصِيلَاته الباطِلَة ـ أَحْيَانًا ـ المُضحِكةِ للعُقلَاء ، لأَنَّها تقُومُ عَلَى إِنكارِ البديهِيَّات و الضَّرُورِيَّات كمَذهَبِهِ فِي المُوازَنَةِ ، وحَملِ الَمُجمَل .
فهُو مَنهَجٌ يَقُومُ كُلِيَّةً عَلَى انتِزاعِ كَلام السَّلفِ مِن سِيَاقِهِ بِدُونِ شَرطٍ أَو قَيد ، ثمَّ يُحمِّله مَا لَا يَحتَمِل ، كمَا فَعَل مَع كَلامِ شَيْخِ الإسلَام ابن تيميَّة فِي أَصَحَاب وَحدَة الوُجُودِ يَستَعمِلُه مَعَ كُلِّ خُصُومِهِ حتَّى مِن أَهَلِ السُّنَّة ؟َ!
وهَذَا مَثلُه مَثلَ مَن يَستَشهِد بِمَا يُبطِل أَصُولَ الجَهميَّة وهُو غَيْرُ لَازمٍ لغَيْرهِم لَاختِصاصِ الجَهميَّة بِهِ دُون مَن سِواهُم بِتِلك المَقَوْلَة .
أَمَّا عَن أَتْبَاع الشَّيخِ رَبِيع :
فأَنا أُميِّزُ تَمييزا واضحًا ـ فِي اللَّومِ ـ بَيْن مَن يَعتَبِر نَفَسَه ـ منهُم ـ مِن أَهَل العِلمِ ، و بَيْنَ صِغارِ طَلَبَة العِلمِ و عَوامِّ أَتْبَاعِهِ .
ومَن يَتعصَّب للشَّيخِ رَبِيع ، و يُقلِّدُه فِي جَرح عُلمَاء السُّنَّةِ ـ مِن هؤلاء ـ تَجِدُ فِيه مِن هَذَا الَانحرافِ أَضْعَافَ أَضْعَاف مَا فِي الشَّيخِ رَبِيع ، و بَعضُهم لَا نَصِيبَ لَهُ فِي العِلمِ إلَاَّ الوِشايَة للشَّيخِ رَبِيع ، وتَرْدِيد مُجازَفاتِه الَمَنهَجِيَّة ، و تأصِيلَاتِهِ البَاطِلَة ، و إلَاَّ مَاتَ عِلميًّا ، أَو ذَبُلَ فِي زاويَتِهِ .
لَا يَسْتَطِيع أحَدُهُم أَن يَجتَهِدَ فِي العِلم و الدَّعوةِ لأَنَّهُ لَا يَعرِفُ إلاَّ هَذَا الصَّنيع القَبيح ، وَقَد أدمَنُوا ـ لِكَثْرَةِ الَاستهَلَاك ـ التَّبدِيعَ !
وهُم مُتفاوِتُون فِي هَذَا الشَرِّ مَا بَيْن مُتحفِّظ يَحسِب لِلَمُستقبَل، و جاهلٍ لَا دَوْر لَهُ إلَاَّ تَقْدِيم التَّقارِير السَّنويَّة فِي تَتبُّع، بَل تَولِيد سَقطات لِلدُّعاةِ وكِبارِ طَلَبَة العِلمِ!
الخُلاصَةُ أَنَّ بَعْضَهُم أرجَحُ فِي أَهلِ جِنسِهِ فَيَجِبُ النَّظرُ إلِيهِم عَلَى هَذَا الأسَاسِ. ثُمَّ يَجِب أَن تَعَرِفَ أَنَّ الْعُلَمَاء و طَلَبَةَ العِلمِ مِن هَذِه الطَّائِفَة أَو مِن تِلْك ـ كمَا قَالَ ابنُ القيِّم ـ ليسُوا مَخلُوقات نَادِرَة عزيزةً، صَعبَة الْإِعَادَةِ أَو الَاستِبدالِ، فَيُغتَفَر لَهُم مَا يَقَعُ مِنهُم لأَنَّهُم صِنفٌ لَا يُعَاد ولَا يُستَبدَل.
وعَلَيْه، فليَنتَظِر كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا جزاءَه الشَّرعيِّ و القَدريِّ فإِنَّه آتِيه لَا مَحَالَة، و إِنا غدًا لَناظِرِهِ قَرِيب، نَسْأَل اللهَ تَعَالَى العَفوَ والعَافِيَةَ لَنا ولَهُم.
و لأَنَّ حَقِيقَةَ العِلم الجِهَادُ بِهِ فِي سَبِيلِ الهِا ، يُؤخَذُ عَلَى بَعْضِ طَلَبَة العَلمِ مَسكهُم الْعَصَا مِن الوَسَط ، وهَذِه وسطيَّةٌ تلفِيقِيَّةُ ، تلقِيطِيَّةُ عَدِيمَةُ اللَّونِ و الطَعم ، و حِيَادٌ سلبيٌّ ، وهَذَا كُلُّهُ لَا يتناسَب ومَنصِب الْعُلَمَاء و الدُّعَاةِ .
ولذلَك تَجدُ مَن حَرِصُوا عَلَى هَذَا المَبدَأ البَاطِلِ لَحِقَهُم الضَّرَرُ رَغمًا عَنهُم فتكَلَّمَ فِيهُم النَّاسُ كهَذِه الطَّائِفَةِ العُدوانِيَّة، فَلَئِن تُصاب لِصَدعِك بالحَقِّ خيرٌ لَك مِن أَن تُصاب لِمُداهنَتِك لِلبَاطِل.

ذمُّ التَّشدُّد بأَنواعِهِ :
يَعتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ التَّشدُّدَ مَا هَو إلَاَّ زِيَادَة فِي التَّقوَى و الْوَرَعِ .
و مِنهُم مَن يَعْتَقِد أَنَّ التَّشدُّدَ يَصُونُ الدِّينَ، و أَنَّ المُتَشدِّدَ هُو السُّنِّيُّ الحَقِّيقيُّ، و هُو السَّلفِيُّ بامتِيَاز، فكُلَّمَا خُيِّر بَيْن قَوْلِين اخْتَارَ أشدَّهُمَا إلَاَّ أَن يُوافِقَ القَوْل الْآخَر هَوى لَه.
ومِثلُ هَذِهِ الظُّنُّون لَها عَواقِب وخِيمَةٌ عَلَى الأفرادِ و الجمَاعَات، وعَلَى الدِّينِ فِي حَدِّ ذاتِهِ، لأَنَّ التَّشدُّدَ هُو الَّذِي يَجْعَل النَّاسَ يَنَظُرُونَ إِلَى الدِّينِ عَلَى أَنَّهُ صَعبٌ لَا يُطِيقه إلاَّ العُلَمَاء، أَو هُو خاصٌّ بِهم، كالرَّهبانيَّةِ فِي النَّصرانيَّةِ.
و التَّشدُّدُ يُنفِّرُ النَّاسَ مِن الدِّينِ ، ومِنهُ تَنْشَأ الجمَاعاتُ الَمُنحَرِفَةُ ، وتتسَبَّبُ فِي ظُهَورِ جمَاعات مُضادَّةٍ لَها .
فكَثِيرٌ مِمَّن يتَّبِع الشَّيخَ رَبِيعًا إِنَّمَا يتَّبِعه لِتَشَدُّدِهِ ، لأَنَّ العوامَّ وَجَهَلةَ طَلَبَة العِلمِ يَرَوْن أَو هَكَذَا يُخيَّل إلِيهم أَنَّ التَّشدُّدَ دَلِيلُ الأصَالَةِ ، و الوَرَعِ ، و الَاتِّباعِ ، و الْعَهْدِ الْقَدِيم؟!
ولِخُطُورَةِ التَّشدُّد ، و أَنَّهُ مِمَّا هَلَكَ بِهِ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ قَبلَ الإسلامِ حَذَّرَ مِنهُ النَّبيُّ صلَّى اللّه عَلَيْه وسلَّم فقَال : (( لَاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ { رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ})).
أخَرَجه أَبُو دَاودَ ( 5 / 209 ) ، وفِي سَندِهِ سَعيد بن عَبد الرَّحمَن بن أَبَي العجار قَال الحَافِظُ فِي ( التقَرِيب ) ( ص : 238 ) : مَقْبُول .
وحَكَمَ الألبانِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي ( مِشْكَاة المَصابِيح ) بِأَنَّهُ ضَعِيف، ثُمَّ صَحَّحَهُ بَعَد ذلَك، قَال فِي مُقَدِّمَةِ ( جِلْبَابُ الَمَرأة ): (( وَقَد وَصَلَتُ أَخِيرًا إِلَى أَنَّهُ صَحِيح ، وخَرَجته فِي الصَّحِيحة 3694 ))
فَفِي هَذَا الحَدِيث نَهِيٌ صَريحٌ عَن التَّشدُّدِ فِي الدِّينِ بالزِّيَادَةِ عَن الَمَشرُوعِ .
أَنواعُ التَّشدُّدِ:
والتَّشدِيدُ لَهُ حَالَاتٌ كَثِيرَة ، فتارةً يَكُونُ باتِّخاذِ مَا لِيس بواجبٍ ولَا مُستَحبٍّ بمَنزِلَةِ الوَاجِب والَمُستَحبِّ فِي العِبادات .
وتارةً باتِّخاذ مَا لِيسَ بِمُحرَّم ولَا مَكرُوهٍ بِمَنزِلَةِ الَمُحَرَّمِ والَمَكرُوهِ فِي الطَّيِّبات ، وَقَد علَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللّه عَلَيْه و سلَّم ذلَك بِأَنَّ الَّذِين شَدَّدُوا عَلَى أَنفُسِهِم مِن النَّصَارى شدَّدَ اللهُ عَلَيْهم لذلَك حتَّى آلَ الأَمرُ إِلَى مَا هُم عَلَيْه مِن الرَّهبانيَّة الَمُبْتَدَعةِ .
وفِيه ـ أَيْضًا ـ تَنبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّشدِيدَ عَلَى النَّفسِ ابتداءً يَكُونُ سَبَبًا لِتَشْدِيد آخَر يفعَلُهُ اللهُ إمَّا بِالشَّرعِ ، وإمَّا بِالقَدرِ .
كمَا قَال صلَّى اللّه عَلَيْه و سلَّم : (( إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ))
أخَرَجه النَّسَائِيُّ ( 5 / 268 ) وَإِسْنَاده صَحِيح .
وقَوله: (( إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ )) عامٌّ فِي جَمِيع أَنواعِ الغُلُوِّ فِي الَاعْتِقَادات والأعمَالِ.
والغُلُوُّ هُو مُجَاوَزَةُ الحَدِّ بِأَن يُزاد فِي حَمدِ الشَّيءِ أَو ذَمِّهِ عَلَى مَا يَستَحِقُّ وَنَحْو ذلَك.
الفِقْه كُلُّ الفِقْه : الَاقتِصادُ فِي الدِّين ، ومِن الَاقتِصاد فِي الدِّينِ الَاقتِصادُ فِي تتَّبُع زلَاَّت العُلَمَاء وأخطَائِهِم ـ خاصَّةً ـ إِذًا عُرِفُوا بالسُّنَّةِ و باعتِمَادِهِم عَلَيْها كمَصدَرٍ فِي التَّلقِّي ، وفِي الَاستدلَالِ .
فإِنَّ الَمُجتهدَ مِن هؤلَاء قَد اتَّقى اللهَ مَا اسْتَطَاع فِي طَلَبِ الصَّواب فهُو مُصيبٌ؛ لأنَّهُ مُطيعٌ لِلَهِ، لِيسَ بآثمِ، ولَا مَذمومٍ.
فقَد يَخصُّ اللهُ بَعْضَ الَمُجتَهدِين بِعلمٍ يُخفِيه عَلَى غَيْرِهِم ؛ ولَو اطَّلعَ عَلَيْه الآخَرُ لَاتَّبعَه ؛ فإِن لَم يَعلَم بِهِ سَقَطَ عَنهُ وُجُوب اتِّباعِهِ لِعَجزِهِ عَنه ، ولَهُ أجرٌ عَلَى اجتِهادِهِ .
أَمَّا الوَاصِلُ إِلَى الصَّوابِ فلَهُ أَجْرَان كمَا قَالَ النَّبيُّ صلَّى اللّه عَلَيْه وسلَّم فِي الحَدِيثِ الَمُتَّفقِ عَلَى صِحَّتِهِ : (( إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ))
وقَد ثَبَتَ عَنهُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ و سلَّمَ أَنَّهُ قَال : ( ( بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ)).
أحَمد ( 6 / 116 ) مِن حَدِيث عَائِشَة، قَالَ السَّخاويُّ فِي ( المَقاصِد )( ح214 ) بَعَد أَن عَزاه لأحَمد : " سَندُه حَسَّن " .
قَال بَعْضُهُم: أَيِ : السَّهَلةِ اللَّيِنَةِ .
فجمَع بَيْن كَوْنِها حَنِيفِيَّة وَكَوْنها سَمْحَة ، قَال ابنُ تيميَّة : فهِي حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوحيد سَمحَةُ فِي العَمَل .
فمَن جَعَل هَمَّهُ تتَّبُع زلَاَّت و أخطَاء الصَّالِحين مِن العُلَمَاء حتَّى اللَّفظيَّة مِنها أَو غَيْر المَقصُودة ، وفِي كَثِير مِنَ الْأَحْيَان يَتَصَوَّر لَهُم أخطاءً لَا وجُودَ لَها إلاَّ فِي ذِهنِهِ فَأَيْنَ تَكُونُ السَّمَاحةُ فِي عَمَلِهِ ، و هُو مُقَصِّرٌ فِي مَعالِي الأخلَاقِ ، مُجتَهِدٌ فِي الَمُشاحَّةِ و التَّضيِيقِ عَلَى أَهلِ العِلم بالمُطالَبَات المُجحِفَةِ ؟!
ومِن كَثرَةِ التَّشدِيدِ عَنْد الشَّيخِ رَبِيع وَكِبَارِ أَتْبَاعِهِ أُصِيبَ كثِيرٌ مِن أَتْبَاعِهِم بالمَلل و الكَسَلِ فِي العِلمِ حتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الَمَكتَبَات أغلَقَت أَبوابَهَا، فلَم يَعُد يُوجَدُ فِيها مَا يَقْرَأَهُ النَّاسُ إلَاَّ رَسائِل التَّجريحِ و السَّبِّ.
ومَعلُومٌ أَنَّ الدِّينَ لَا يَقُوم بِهَذَا وَحْده ـ مَع فَرضِ صِحَّتِهِ ـ فَكَيْفَ وهُم مُبطِلون فِيهِ، تائِهُونَ عَن مَنهَجِ السَّلفِ فِيه، خائِضُون فِيهِ بالشَّهَوةِ و الَهَوَى.
مَدَى بُعد الشَّيخ رَبِيع و أَتْبَاعِهِ عَن الَاعتِدالِ:
إِذًا خَرجَ جِسمُ الإِنسَانِ عَن الَاعتِدالِ زادَت حَرارَتُهُ أَو بُرودَتُهُ فيَمرَض، فكُلُّ مَا خَرَج عَن حَدِّ الَاعتِدال كَانَ مَرَضًا، ولو كانَ الحُبُّ و البُغضُ و اللِّينُ و الشِّدَّةُ، وجَمِيعُ الأخلَاقِ و الصِّفات الَمُتَضَادَّة أَو الَمُتَقابِلَةِ.
حتَّى الشَّمسُ عِنْدمَا تتَوَسَّطُ السَّمَاءَ ، يَتَوسَّطُ النَّهارُ ، وعَنْدمَا تَتَوَسَّطُ الفُلَكَ يَتَوَسَّطُ الجَوُّ ، فإِذًا انحَرَفَت عَن الوسَطيَّة فإمَّا حَرٌّ ، و إمَّا قَرٌّ ، ويومَ يَكُونُ مَنهَجُ الشَّيخ رَبِيع مَنهجًا وسَطيَّا ترَقَّبُوا الشَّمسَ !
فصلَاح القَلبِ فِي الْعَدْل، وفَسادُهُ فِي الظُلَمِ، و مُجَاوَزَةُ الحَدِّ خُرُوج عَن الاعتِدال لأَنَّ الاعتِدالَ هُو التَّوَسُّط، والاعتِدالُ يَستَلزِمُ إتمَامَ الطَرَفَين ـ فِي مَوضُوعِنا ـ أَي وَضَع اللِّين مَوضِعه، ووَضَع الشِّدَّة موَضِعها.
و التَّوَسُّط يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ و الَمُكنَةِ ، ويَدُلُّ عَلَى استِقرارِ الحَال ( العِلم ) بمَعرِفَة الطَرَفَين .
و السُّنَّةُ جَاءَت بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَ إهمَالِ بَعْض وَاجِبات الشَّريعَةِ وبَيْن الْإِسْرَافِ فِي ذلَك الوَاجِب حتَّى يُفضِي إِلَى تَركِ غَيْرهِ مِن الوَاجِبات الَّتِي قَد تَكُونُ أَوكَدَ مِنهُ أصلَا أَو عِنْدَ الْعَجَزِ عَنهُ.
والَانحِرافُ عَن الْوَسَطِ كَثِيرٌ فِي أُكَثَر الأَمُورِ ، فِي أَغْلَب الَنَّاسِ ، مِثل تَقابُلهِم فِي بَعْض الأفعَالِ يَتَّخِذها بَعْضُهُم دِيْنًا وَاجِبًا أَو مُستَحبًّا أَو مَأَمُورا بِهِ فِي الجُمْلَةِ وبَعْضُهُم يَعْتَقِدُها حَرامًا مَكْرُوهًا أَو مُحَرَّمًا أَو مَنهِيًا عَنهُ فِي الجُمْلَةِ .
وَمَا عَلَيْه الشَيْخُ رَبِيع و أَتْبَاعه مِن سَبٍّ و طَعن فِي العُلَمَاء و الدُّعَاةِ، و تَجرِيح مُنفَلت بِغَيْر وَجهِ حَقٍّ هُو دِيْنُهُم و إِن لَم يَقُلوهُ بِألسِنَتِهِم أَو تَعتقِدُ قُلوبُهُم أَنَّهُ قُرْبَةٌ لأَنَّ دِيْنَهُم حَالٌ لَا اعْتِقَاد، فحَالهُم وعَمَلهُم ـ بعضُ أتباعِهم ـ استِحسَانُ سَبِّ الَنَّاس بِعِبَارات الْفُجَّارِ يَقَوْلٌها بِاللُغَةِ الفُصحَى و لَكن فِي لُغَةِ أَمِّهِ و بَيْتِهِ هِي فُحشٌ لَا يَجْسر أَن يَقوْلهُ أَمَامَ وَالِدَيْهِ .
وَمَا الدِّيْنُ إلاَّ الاستِحسَان و الَمَحَبَّة فإِذًا أَحَبُّوا الشِّقَاقَ و الخِلَافَ، و تَتَبُّع عَوْرَات النَّاسِ، و افتعالَ الأخطاء لَهُم، و سَبَّهُم و الطَّعَن فِيهم بِكُلِّ طَرِيق مُمْكِن لَهُم كَان هَذَا دِيْنُهُم بَل حَقِيقَة دِيْنِهِم.
فهُم بَيْن اعتِبارِهِ مَصْلَحَة نافِعَة وهُو مَضَرَّةٌ مُخَالفَةُ لِلدِّيْنِ الصَّحِيحِ مُخَالَفَةً صَريحَةً، ولِجَهلِهم الَمُفرِط يَقِيسُونَ أَنفُسَهم بِأَئِمَّةِ السُّنَّة كأحَمد و الْبُخَارِيِّ و شتان بَيْن الصِّنفين ، كَيْف يَكُونون مِثلَهم و الْبُخَارِيُّ يَمْتَنِع عَن أَكَلِ الْبَصَل مَخَافَة أَن يَتَأَذَّى جلِيسُه، ولَم نَقْرَأ لأحَدِهِم أنَّهُ وَصَف أَهلَ السُّنَّةِ الَمُخَالِفِين لَهُ بِأنَّهُم "قاذُورَات ، ومُخنَّثون ، وزِبالَة (أتباعُ الشَّيخ ربيع) ، و أَضَرُّ عَلَى الْمُسْلِمَيْن مِن إبلِيس، و مِن النَّصَارَى و اليهُود(الشَّيخ ربيع) !
ومِن علَامَات غُلوِّ الْقَوْم و أَنَّ السُّنَّةَ الكامِلَة بَعِيدَة ٌ عَنهُم بَغيُهم فِي التَّجريحِ و الطَّعَن حَتَّى جَعَلوا التَارِكَ لَمُتابَعَتِهِم فِيه، و لِيسَ التارِك لِلجَرح الشَّرعيِّ الَمَعهُود خَارِجًا عَن ولَاية اللهِ، وعَن السُّنَّةِ!
مَع العِلم أَنَّ مَن تَرَكَ الجَرح و التَّعدِيل بِرُمَّتِهِ لَم يَكُن مُقَصِّرًا لأَنَّهُ ـ أصلاً ـ فَرضُ كِفَايَة عَلَى بَعْضِ العُلَمَاء.
حَتَّى صَار السَّلفِيُّ مَعَهم كَذَاك الرَّجُل الَّذِي ضَرَبَ زلزالٌ قَرْيَتَه فتهدَّمت كُلُّ الْبُيُوت إلاَّ بَيْته فخَرَج بمِعوَلَه يَهِدُّه (؟!) فَقِيل لَه: مَا تفَعَل يَا رَجُل قَد حَفظ اللهُ بَيْتَك، فَكَيْف تَهدِمُه؟!
قَال لَهُم ـ وهُو العاقل الصَّادِقُ ـ : أَخَشَى أَن يَقَوْلَ أَهَلُ القَرْيَةِ إِنَّني سَببُ مَا أصابَهُم ؟!
فترى الرَّجُلَ سَلِيم الفِطْرَة صَاحَب عَقَلٍ يُشارِكُهم فِي بَاطِلهِم مَخَافَة أَن يُتَّهَم و يُطعَن فِيه بِمُداهنَة المُبْتَدَعة و الثَّنَاء عَليْهم، و خذلَان أَهل الحَقِّ (نَشِيدُ شَيْخِهم المَشهُور)!
ولَو لخَّصنا ولحَّصنا وفَحصنا سلفِيَّة الشَّيْخ رَبِيع لَمَا تَجَاوَزْت حَدَّ تَحْرِيض السَّلفِيِّين عَلَى أَن يُقابِل بَعْضهُم بعضًا بالاعتِداء و التَّضلِيل و السَّبِّ و الطَّعَن !
فهِي بامتِيَاز سلفِيَّةُ التَّقْصِير فِي إتمَام وَاجِبات الدِّيْن، و فِي حَقُوق أَهلِ السُّنَّة و أُخُوَّة الدِّيْن، والَاعتِداء فِي المَأَمُورِ بِه فَرضًا عَلَى الكِفَايَة ( الجَرح و التَّجريح ) فقَد جمَعوا بَيْن الَاعتِداء فِي المَأَمُور بِه، و الَمَنهِي عَنه، وفِي نَفَس أَمر الَنَّاس ونهِيِهِم.
وكمَا قَال شَيْخُ الإسلَام (مجموع الفتاوى)(10/379): (( إِنَّ أَهل الوَسَط لَهُم العِلم والرَّحْمَة كمَا أَخْبَر اللهُ تَعَالَى عَن نَفسِه بقَوْلِه: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}.
وقَال تَعَالَى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
وقَال : { إنَّمَا إلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}
وكذلَك وَصَف العَبد الَّذِي لَقِيَهُ مُوسَى حَيْثُ قَالَ : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلمًا
})).
كُلَّمَا زادَ عِلمُك بالشَّريعَةِ و بِأحوالِ النَّاسِ و حَقائِقِهم، و بِالمَقالات و مَسالِكِها و أسبابِها، و أسبابِ الهُدى و التَّوفِيقِ، و أسبابِ الخَطأ و الخُذلان زادَت رحمَتُك بالنَّاسِ.
قَال تَعَالَى : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} فَذَكَر سُبحانَه و تَعَالَى القَلْبَيْن المُنحَرفَين عَن الاعتدال هَذَا بمَرَضِه (قلبُ المُنافِق) ، وهَذَا بِقَسوَتِه (قلبُ المُتَشَدِّد) ، وجَعَل إِلقَاء الشَّيْطَان فَتَنَةً لأَصَحَابِ هَذَيْن القَلْبَيْن .
كَلِمَةٌ عَن الشَّيخ بن حنفِيَّة عابِدين:
الَّذِي أَعرِفُه ـ حسَبَ مَبلَغ عِلمِي فإِنِّي لَم ألتَق بِالشَّيْخ ، ولَكن زَارَه فِي بَيْتِه أَخِي الشَّيْخ بَدرُ الدِّيْن الجزائريِّ ، وحَدَّثنِي عَنه بِكُلِّ طيِّب ، كمَا إنِّي التقيتُ مُنذ سَنَوَات بِمَدِينَة سَيِّدِي بَلعَباس بأحَد خَوَاصِّ أَصَحَابِه ، وهُو كَوكيل أعمَالِه ، يُنظّم لَه الَمُحاضَرات ، و تحَدّثنا عَن الشَّيْخ ـ أَنَّ الشَيْخ عابِدين بن حَنفِيَّة مِن فُضَلاء المَشايخ بِالجَزائِر ، وَقَد قَرَأَتُ بَعْضَ كُتبِه ورسائِلَه ، وهِي لَا تَخرُج عَن مَنهج السَّلفِيَّة ، وَكَوْن بَعْض الَنَّاس يُخَالِفُه فِي بَعْضِ الَمسائِل فهَذِه سُنَّة اللّه فِي خَلقِه ، ولَم يَسلم مِن الأخطَاء ـ إن وُجدت ـ إلاَّ مَن عَصَمَه اللهُ تَعَالَى .
ومَن دَعَا إِلَى الله تَعَالَى ، إِلَى القُرْآن ، و إِلَى السُّنَّة ، بالدَّعوَة إِلَى الإِيمَان بِه ، وبِمَا جَاءَت بِه رُسُلُه ، بِتَصدِيقِهم فِيمَا أَخْبَرُوا بِه ، وطاعَتِهِم بِمَا أَمَرُوا بِه ، ودَعَا إِلَى كُلِّ مَا يُحبّه اللهُ ورسولُه مِن الأقوَالِ والأعمَال الباطِنَةِ والظَّاهِرة بِمَا أَخْبَر بِه الرَّسُولُ مِن أسمَاء الله وصِفاتِهِ ، ومِن سَائِر المَخلوقات كالعَرش والكُرسيِّ، والمَلَائِكة، والأَنبيَاء ، والبَعْثِ بَعَد الَمَوتِ، والإِيمَان بالقَدر خَيْرِه وَشَرِّه ، وأَن يَكُون اللهُ ورَسولُه أَحَبَّ إلِيه مِمَّا سِواهُمَا فقَد دَعَا بِمَا تَضمَنته الشَهادتان ، وهُو عَلَى سَبِيل الرَّسُولِ ، وهُو مِن أَهل الْبَصِيرَةِ ، ومِن أَهل الحَقِّ بحسَب مَا أظهرَه مِن هَذَا .
فمَنهَج أَهلِ السُّنَّة أَنَّهُم لَا يمَنَعُون الَنَّاسَ مِن انتحَال السُّنَّة لأَنَّ هَذَا هُو الَمَطلُوب مِنهُم، ولَكن يذمُّونهُم عَلَى مُخَالَفَتِها .
فإِذًا وَجَدَتَ مَن يمَنَع الَنَّاسَ مِن انتحَال السُّنَّة بِنِسبَة أنفُسهم إلِيها ، و بِالاعتِمَاد عَلَيْها فِي العِلم و العَمَلِ فاعلَم أنَّهُ مُبْتَدِع، أَو جاهَلٌ مُخَالِف لأَهلِ السُّنَّة و الجمَاعَةِ، مُخَالِفٌ قبَل ذلَك للَكِتَاب و السُّنَّة ، قَال شَيْخُ الإسلَام ابن تيميَّة فِي ( الَمجموع ) ( 4/149 ) وهُو يُخاطِب ابنَ الجَوزيِّ : (( وَإِنْ أَرَدْت بِالتَّسَتُّرِ : أَنَّهُمْ يَجْتَنُونَ بِهِ ،وَيَتَّقُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ، وَيَتَظَاهَرُونَ بِهِ حَتَّى إذَا خُوطِبَ أَحَدُهُمْ قَالَ : أَنَا عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ - وَهَذَا الَّذِي أَرَادَهُ ـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَيُقَالُ لَهُ : لَا عَيْبَ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَانْتَسَبَ إلَيْهِ، وَاعْتَزَى إلَيْهِ، بَلْ يَجِبُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا ، فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا : فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْحَقِّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ دُونَ الْبَاطِنِ : فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِ ، فَتُقْبَلُ مِنْهُ عَلَانِيَتُهُ وَتُوكَلُ سَرِيرَتُهُ إلَى اللَّهِ ، فَإِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا نَشُقَّ بُطُونَهُمْ .))
ومَن بَاب الجَدَل أَقُول : و مَن يَطعَن فِيه ( بن حنفيَّة) لَم يسلَم هُو كذلَك مِن الأخطاء الَمَنهجيَّة والعقَديَّة ، وَقَد ضَرَبتُ أَمثِلةً بِبَعْضِهم مُنذ مُدَّة قَصِيرَةٍ ، وقَد تَتَبَّعتُ بَعْضَ مطاعِنهم عَلَيْه فوَجَدتُها تُشبِه عُقَولَهم الَنَّاقصة فِطنَة و فَهمًا و إحاطَة بسَبِيل أَهل العِلمِ و طَرِيقَتِهم .
أَمَّا اختيَاراتُه الْفِقْهِيَّة فلا علاقَة لَها بالسَّلفِيَّةِ لَا مِن قَرِيب ، ولَا مِن بَعِيد ، و لَا يُدخلُها فِي السَّلفِيَّة إلاَّ جاهِل بالسَّلفِيَّة ، يَظنُّها شَيْخاويَّة ؟!
الفِقْه بَابٌ وَاسِع ، و عِلم غَزِير ، و الَمُعتَبر فِيه اتّباع الدَلِيل فِي الفُروع ، أَمَّا فِي القَوَاعِد الأَصُولِيَّة فالَمرء و مَا اقتَنَع بِه .
ولَا يُوجَد مَن لَا يُقَلَّد إمَامًا مِن الْأَئِمَّة فحَتَّى أكبَر الَمُجتَهِدين اضطرُّوا ـ أحيَانا ـ للتَّقلِيد لضيقِ الْوَقْت عَن الاجتِهاد، أَو لِتَكافُؤ الأَدِلَّة فِي نَظَرهِم، أَو لِكَون الَمَسْأَلَة ليسَت مِن اختِصاصِهم ، و لَا أعلَم مُجْتَهِدًا مُطلقا فِي هَذَا الزمَان إلاَّ مَن يَجْتَهِد فِي الدَعَاوى العَريضَة .
وَكَوْنه عَلَى اختيَارات مَالك ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فمَالِك مِن سَادات أَئِمَّة السُّنَّة، ولا أَظُنُّ الشَّيْخ يُقَلَّد مَالِكا فِي المَسائِل الَّتِي تبَيَّن لَهُ ضَعفَ قَوْلِه فِيها ، فهَذَا لَم يفَعَله حَتَّى صغار الَمَالَكيَّة فَكَيْف بالشَّيْخ ؟!
أَمَّا مَسْأَلَةُ الَانتمَاء إِلَى جمَعيَّة الْعُلَمَاء الْمُسْلِمَيْن فهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَهمِه وفِطنتِه وغَور نَظرَتِه للسَّاحَةِ الدَّعويَّة الجَزائريَّة ، و المَرء يُحاسَب عَلَى أقوالِه و أفعالِه الَمُخَالِفَة للكِتَاب و السُّنَّةِ .
الَانخراطُ فِي هَذِه الجمَعيَّة لَا يُخَالِف الكِتَابَ و السُّنَّة فِي شَيء ، و إِنَّمَا هِي تَصوُّرات الشَّيْخ رَبِيع الَّذِي جَعَل كلَّ عَمَل جمَاعيٍّ حِزبيَّةً (!) ، وهَذَا بَاطِل مُخَالِفٌ للَكِتَاب و السُّنَّةِ .
وإِن زَعَم بَعْضُهم أَنَّ أُكَثر أَعْضَائِهَا فلَاسفةٌ، فهَذَا كَذِب، وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا القَوْل نَظَر فِي مدينَتِه وعمَّم الحُكم.
ثمَّ إِنَّه لِيس بَلَازم للشَّيْخ بن حنفِيَّة لأنَّهُ يَدْعُو إِلَى دِيْنِه ومَنهجِه مِن خلَال هَذِه الجمَعيَّة، ولَم أسمَع أَنَّهَ يُعلِّم الفَلسَفَة أَو شَيْئًا مِن البِدَع.
أَمَّا بِخُصُوص الشَّيْخ أَبِي سَعيد بَلعيد ، فهُو ـ حسَب علمِي ـ مِن الشُّيوخ العاملِين فِي حَقل الدَّعوةِ ، ولَهُ نَشاطٌ مَلحُوظ فِي تَعلِيم النَّاس ما يَنفَعهم عِندَ اللهِ، و ليسَ الطَّعن فِي العُلماء.
لَا يُمكنُنِي أَن أَقُول أكَثَرَ مِن هَذَا فلَم أَقَرَأ لَهُ أَيَّة رِسَالَة أَو كِتَاب، لَكن قَد مَدْحُه كَثِير مِمَّن أَعرِف، وسَمعتُ مِنهُم بَعْضَ أخبارِهِ الطيِّبة .
و النَّصِيحَة الَّتِي أقَدِّمها لَك، ولَمَن هَو مثَلك، أَي: لَه نَصِيبٌ مِن العِلم يُميِّز بِه ، أَو يَملِكُ عَقَلَا سَلِيمًا أَن لَا يَلْتَفِت إِلَى هَذِه السَفاسِف .
ومَن تكُلَّم فِي الدُّعَاة بِغَيْر طَرِيقَة النَّقَد العِلميِّ الَموضوعيِّ، و بَدَأ فِي التَّحذِير و الذَّمِّ و الإسقَاط ـ فِي مثل هؤلاء المَشايخ ـ فَانْبِذ عَنك كِتَاباته و أقوالِه، فإِنَّه إمَّا جَاهل، و إمَّا مُتوَدِّد لِجهَة مَا ، وإمَّا صَاحِبُ قَضِيَّة شَخصِيَّة مِن قَبيل جَرح الأقرَان .
أَمَّا بِخُصوصِ مَا يَذْكُرُه الشَّيخُ الفَاضِلُ محَمَّد فركوس فِي الشَّيخ بن حَنفِيَّة فهَذَا لَا عِلم لِي بِهِ ، إلَاَّ مَا أَخْبَرتنِي بِه ، وهَذَا يَقَعُ كَثِيرا بَيْنَ الَمَشايخ، فقَد وَقَعَ مِثلُه بَيْن محَمَّد بن يحي الذُّهلِيِّ والْبُخَارِيِّ، فكَان يَقَوْل : مَن يَحْضُر عِنْده لا يَحْضُر عِنْدي، أَو هَكَذَا عبارَة .
و الشَّيْخ فَركُوس أعلَمُ عَنه الَهُدُوء، و التَّحفٌّظ الشَّدِيد ، ولَم يسَبق لَه أَن أَطْلَقَ لِسانَه فِي الدُّعَاةِ ، بَل الَمَعرُوف عَنه الَمُناصَحة بالَّتِي هِي أحسَن .
وفِي الأَخِير: العِلمُ مَا قَام عَلَيْه الدَلِيلُ ـ فَقَط ، وفَقَط ـ و طَالِب العِلم الذَّكيُّ يَستَفِيد مِن الشُّيوخ مِن غَيْر أَن يَحْتَاجَ إِلَى تَحْرِير النِّزاع بَيْنهم، أَو ضَربِ كَلامهم بَعْضه بِبَعْض .
وهَذِه المَسْأَلَةُ: "نَهِيُ طَلَبَة العِلم" عَن إتيَان بَعْض المَشايخ وَقَعت لابنِ عٌقَيل ، وابن الجوزيِّ، والخَطِيب الْبَغْدَادِيّ و غَيْرِهم ، وكَانَت سَببًا فِي انتقَال بَعْضهم عَن مذهبِه، و تَفْوِيت عِلم غَزِير لبَعْضِهم الْآخَر .
أَمَّا تَأصِيلُ هَذِه المَسائِل فقَد كَتَبَتُ فِيها عَشرات المقَالَات ، وهِي عَلَى الشَّبَكَة مَن أَرَاد أَن يَنْتَفِع بَها فهِي لَه.
و إِن كُنتَ تَقصِد المَطاعِن الَمُوَجَّهة لِلشَّيْخ بَن حَنفِيَّة فمَا اطَّلَعَتُ عَلَيْه مِنها لا يَستَحقُّ الَالتِفات إلِيه ، فَإِنَّهُ لَا يَعْدُو كَوْنِه بضَاعَة تَالِفَة تافِهَة لِتَغلِيط الجمَارك (الشّيخ المَعصُوم) أو الرِّقابَة (البِطانَة) ( ! ) ، و اللهُ اعلم .
أرزيو /الجزائر بتاريخ 05 شعبان1432هـ
مُختار الْأَخْضَر طَيباوي

أبو الحارث المغربي 07-09-2011 09:37 PM

الله المستعان ، غفر الله للجميع

عمربن محمد بدير 07-09-2011 09:47 PM

جزى الله الشيخ مختار على هذه النصيحة القيمة ...
وما نُقل لك عن الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله حول الشيخ بن حنفيّة ثابت عنه للأسف الشديد ،ولشديد الأسـف..

ولعلهم وقعوا في عين ما حذروا بسببه من الشيخ بن حنفية حفظه الله..وهي قضية الجمعيّة [رغم كون القائم على فرع الجمعية تلك شيخ سلفيّ ؛فـلا ندري ما حكم جمعية الفرقان الإخوانيـّة !!
أما شيخنا أبو سعيد الجزائري حفظه الله ،فهو شيخ فاضل ،طالب علم متمكّن وهو من أهل العلم عندنا وممن يُرجع إليـه ـ وقد زكاه الشيخ عبد المالك وهو قرينه ـ وقوله معتبر ـ أو ـ كان مُعْتبرا ...
و سبب كلام القوم فيه هو مخالفته لهم في أحكام التبديع والتضليل ـ ...
حفظ الله مشايخ أهل السنة بالجزائر ..

عبد الكريم السلفي 07-10-2011 10:28 AM

الذي فهمت من الفتوى أنه لا يجب التحذير من أي كان إلا من الشيخ ربيع ومنهجه؟
فهل هذا صحيح؟

لؤي عبد العزيز كرم الله 07-10-2011 12:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم السلفي (المشاركة 135733)
الذي فهمت من الفتوى أنه لا يجب التحذير من أي كان إلا من الشيخ ربيع ومنهجه؟
فهل هذا صحيح؟

أنا لم أفهم هذا !! وإنما الذي فهمته أن طريقة الشيخ ربيع ومنهجه في التحذير غير صحيح ! وهذا لا ينازع فيه منصف .

عبد المالك العاصمي 07-10-2011 04:15 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مختار طيباوي (المشاركة 135660)


- عَبد الحَكِيم - رحيل الإمَام الَمُعسكري


من نقلة أخبار الشيخ العابدين بن حنفية لدعاة العاصمة!!!



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مختار طيباوي (المشاركة 135660)

و إِن كُنتَ تَقصِد المَطاعِن الَمُوَجَّهة لِلشَّيْخ بَن حَنفِيَّة فمَا اطَّلَعَتُ عَلَيْه مِنها لا يَستَحقُّ الَالتِفات إلِيه ، فَإِنَّهُ لَا يَعْدُو كَوْنِه بضَاعَة تَالِفَة تافِهَة لِتَغلِيط الجمَارك (الشّيخ المَعصُوم) أو الرِّقابَة (البِطانَة) ( ! ) ، و اللهُ اعلم .
أرزيو /الجزائر بتاريخ 05 شعبان1432هـ
مُختار الْأَخْضَر طَيباوي

بوركت شيخنا الكريم

عمربن محمد بدير 07-10-2011 04:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم السلفي (المشاركة 135733)
الذي فهمت من الفتوى أنه لا يجب التحذير من أي كان إلا من الشيخ ربيع ومنهجه؟
فهل هذا صحيح؟

بل أصحابك يا مخلوفي ! مقلدة له وعلى طريقته الآثمة في إسقاط اهل السنة والأثر ..
تتبع الزلات والبحث عن العثرات ...

فهم نسخة طبق الأصــل ..

فاتح ابوزكريا الجزائري 07-10-2011 05:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمربن محمدالبومرداسي (المشاركة 135677)
جزى الله الشيخ مختار على هذه النصيحة القيمة ...
وما نُقل لك عن الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله حول الشيخ بن حنفيّة ثابت عنه للأسف الشديد ،ولشديد الأسـف..

ولعلهم وقعوا في عين ما حذروا بسببه من الشيخ بن حنفية حفظه الله..وهي قضية الجمعيّة [رغم كون القائم على فرع الجمعية تلك شيخ سلفيّ ؛فـلا ندري ما حكم جمعية الفرقان الإخوانيـّة !!
أما شيخنا أبو سعيد الجزائري حفظه الله ،فهو شيخ فاضل ،طالب علم متمكّن وهو من أهل العلم عندنا وممن يُرجع إليـه ـ وقد زكاه الشيخ عبد المالك وهو قرينه ـ وقوله معتبر ـ أو ـ كان مُعْتبرا ...
و سبب كلام القوم فيه هو مخالفته لهم في أحكام التبديع والتضليل ـ ...
حفظ الله مشايخ أهل السنة بالجزائر ..

لا فض فوك وبارك الله فيك

عبد الكريم السلفي 07-10-2011 07:47 PM

أصلحك الله
إذا كان الشيخ ربيع أسقط أهل السنة والأثر كما تقول فاعلم علم يقين أن الله يدافع عن المومنين وأنه وليهم في الدنيا والأخرة وأن العاقبة للمتقين
فيستحيل أن يسقط السني الخالص بمجرد كلام الشيخ ربيع(ومنهجه الأثم كما تقول) بل الله عز وجل هو الخافض والرافع والمعز والمذل.

الغريب 07-10-2011 09:24 PM

لا أظن أنّ عبدالمجيد جمعة و الأزهر سنيقرة من كبار المشايخ فهذا خلط فاحش أن يقارنوا مع شيخنا محمد علي فركوس أما عبدالحكيم فهو في الحقيقة من أتباع عبدالمجيد و الأزهر أما رحيل فلست أدري كيف أصبح من كبار طلبتهم ؟ الله المستعان


الساعة الآن 08:54 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.