عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 06-11-2012, 06:09 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
[الـدَّرس الثَّـامِن]
(الجزء الثَّاني)



إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
بناء على ما قررنا في شرحنا للقاعدة الأخيرة أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، لو سأل سائل فقال: ما حُكم الصلاة الرجبيَّة -مثلا-؟ تعرفون إيش الصلاة الرجبية؟
الصلاة الرجبية: صلاة تؤدى في التكايا والزوايا، تصلى مائة ركعة في رجب خاصة، وفي كل ركعة تُقرأ أم الكتاب و{قل هو الله أحد} عشر مرات، ويتعبدون الله تعالى بها في كل رجب، ولا سيما في ليلة المنتصف من رجب، يقوم يصلي بعد صلاة العشاء، ويصلي مائة ركعة، في كل ركعة يقرأ [الفاتحة] ويقرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات، إيش حكم هذه الصلاة؟ نريد جوابًا علميًّا بناء وتفريعًا على الأصل الذي قررناه وشرحناه والمعمول به عند أهل العلم.
إيش يمكن أن يقول طالب العلم؟ [مداخلة]
يا من تصلي هذه الصلاة لا يحل لك أن تصليها حتى يتبرهن عندك دليلٌ من كتابٍ أو سُنة أن هذه عبادة يحبها الله، فما لم يَقم دليل؛ فالأصل في مثل هذه العبادة وما هو على شاكلتها؛ الأصل فيه المنع.
فكيف وقد ذكر الإمام أبو شامة المقدسي -شيخ الإمام النووي وتلميذ ابن الصلاح-رحم الله الجميع-في كتابه البديع «الباعث على إنكار البدع والحوادث»- قال: «في رحلتي إلى بيت المقدس جاءني رجل من نابلس، وقال لي: إني وضعتُ الأحاديث التي فيها فضل الصلاة الرجبية، وكذبتُ فيها على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-».
ينبغي أن تقول: حتى يثبت، ما تقول: حتى يَرِد، ما تقول: هذا لا أتعبد بهذه العبادة حتى يَرِد عن رسول الله؛ يجب أن تقول: حتى (يثبت) مش يرِد.
يقول: أنا وضعتُ هذه الصلاة، أنا الذي كذبت على النبي، قال: واستتابني وتوَّبتُه، تاب، قال: أنا كذبت على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في هذه الصلاة، وبقيت الصلاة للآن موجودة، بقيت هذه الصلاة لهذه الساعة تُصلَّى في الزوايا والتكايا.
كذلك إحياء ليلة النصف من شعبان، ابن كثير في تفسير «سورة الدخان» {إنا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركة} يزيِّف ويضعِّف قولَ من قال إن ليلة القدر ليلة النصف من شعبان، ويقول ليلة القدر قطعًا هي في رمضان لأن الله يقول: {إنا أنزله} أي القرآن {في ليلة القدر}، فرجل يقوم ليلة النصف من شعبان، ويعتقد أن لها أجرا وفضلا، فما لم يرد دليل في هذه الصلاة؛ فممنوع هذا الاعتقاد.
لكن من قام ليلة النصف من شعبان كسائر الليالي، ليلة من الليالي وافق أن يسر الله له أن تكون ليلة النصف من شعبان، مثل الليلة التي قبلها والليلة التي بعدها، ولم يعتقد فيها أجرا؛ فهذا مما أطلقه الشرع، فالشرع أطلق قيام أي ليلة من الليالي.
لكن أن تقوم فقط ليلة النصف من شعبان، وأن تصوم فقط النصف من شعبان، ولم يثبت عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- شيء من ذلك؛ فالأصل في العبادات المنع، وبالتالي هذه العبادات كلُّها مردودة.
فكل عبادة من صلاة أو صيام أو حج، إيش حج؟
بدعة كانت قديمة معروفة عند أهل دمشق، وعرفت في العصور الأولى، تسمى التعريف، كان الناس يوم عرفة يتجردون من المَخيط وهم في دمشق، ويلبسون ملابس الإحرام، ويقفون في المساجد يتضرعون يتوجهون للقِبلة ويسألون الله تعالى!
أبو شامة بحث هذه المسألة أيضا في كتابه «الباعث» بحثًا عجيبا ونقل عن جملة من الأعيان من التابعين من أهل الشام أنهم كانوا لا يَخرجون بعد عصر يوم عرفة، كانوا يبقون من بيوتهم، ولا يخرجون يقفون مع الدهماء ومع العوام.
فلا يجوز تعبُّد الله عز وجل بأي عبادة من العبادات إلا إن ثبت ذلك.
لا يجوز لك أن تؤذن في وقت لا يشرع لك الشرع الأذان؛ لأن الأصل في الأذان التوقيف، لا يجوز لك أن تزيد على الأذان.
أتَعلمون أن خلاف المسلمين في بعض مسائل في الأذان، والأذان -في «سنن النسائي»- سبعة عشر كلمة، يقول ابن عباس، يعد الكلمات!
يعني إذا اختلفنا نحن في الأذان، هل الصلاة على النبي من الأذان ولا ليس من الأذان؟
يا جماعة، إذا نحن ما اتفقنا في عبادة تُنشر على الملأ وتُفعل في غير خفاء، ويُصاح بها صياحا وتُفعل في كل يوم وليلة خمس مرات، إذا ما اتفقنا عليها إيش نتفق؟
فالخلاف في الصلاة على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هل هي من الأذان ولا ليس من الأذان خلاف خطير، لا من حيث الماهية، من حيث النوعية، مسألة خطيرة جدا.
ابن عباس يقول: «الأذان سبعة عشر كلمة، آخرها: لا إله إلا الله»، والنبي يقول: «من قال مثل ما قال المؤذِّن (ثم) صلَّى علي».. يعني الصلاة علي (ثم) إيش يعني؟ ليست الأذان.
طيب شو فيها يا شيخ نصلي على النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بعد الأذان في الميكروفون؟
طيب لو قرأنا الفاتحة بعد الصلاة شو فيها؟ شو الفرق؟
طيب؛ نقرأ الفاتحة في خطبة الزواج، إيش رايكم؟ قراءة الفاتحة عبادة ولا عادة؟ تدخل في (الأصل في الأشياء الإباحة) ولا تدخل في (الأصل في العبادات المنع)؟ تدخل في (الأصل في [العبادات المنع]).
طيب يا جماعة النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في زمنه كان فيه فاتحة ولا ما فيه فاتحة؟ فاتحة لنا ولا كانت عندهم؟ طيب كان عندهم زواج ولا ما كان عندهم زواج؟ طيب كانوا حريصين على الخير ولا مش حريصين على الخير؟ طيب؛ إيش كانوا يقولون في أعراسهم، في الخطبة إيش كانوا يقولون؟ إيش كانوا يقولون نقول.
يمكن نحن نفعل شيئًا أحسن مما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؟
طيب ... لو قرأنا {قل أعوذ بربِّ الناس} {قل أعوذ بربِّ الفلق} إيش المشكلة؟
أزيدكم شيئًا:
العادات إذا انقلبت عبادات وأصبح الناس يفعلونها على أنها عبادة، أو أنزلوها منزلةَ العبادة من حيث أنها فرضٌ لازمٌ، وحتم واجب؛ فينبغي للقدوات أن لا يفعلوها على هذا الوجه وأن يتركوها.
طيب؛ أزيدكم شيئا آخر:
السُّنة التي يحبها الله، المشروعة، إذا فعلها الناس على وجهٍ يُفهم منه أنها أصبحت واجبًا؛ فعلى أهل الفضل أن يتركوها بين الحين والحين.
النبي عليه السلام قام رمضان ليلتين تداعى الناس من كل مكان؛ فترك القيام، ما أظهر القيام قيام رمضان، إيش قال؟ قال: «مخافة أن تُفرض عليكم» فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- [...] ما أظهر القيام في الجماعة وعلَّل قال: «مخافة أن تُفرض عليكم».
عمر رأى الناس يصلون ويتركون كما كان الناس -كما في «موطأ مالك»- في زمن أبي بكر، يصلون عِزِين متفرِّقين، وكل جماعة بإمام، تأمل عمرُ فكَّر عمر: ليش النبي ما صلى جماعة؟ ليش ما جمع الناس على إمام واحد؟ قال: النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما جمع الناس؛ مخافة أن تفرض عليهم، والآن ما فيه وحي؛ فأنا أجمعهم.
فالعِلة التي خشيها -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ممنوعة، وأصل الاجتماع على الجماعة مشروع؛ لأن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فعله مرات قليلة، ولم يداوم عليه من أجلِ عِلة، فالعِلة انتفت، وأصل المشروعية حاصل؛ فجمعَ النساء على تميم الداري فأمَّ بهن، وجمع الرجال على أُبي بن كعب، ونظر إليهم فقال -وكان يصلي آخر الليل- فقال: «واللهِ إنَّ التي ينامون عنها خير من التي يُصلونها، نعمت البدعةُ هذه».
يعني: أحدث جديدا ليس بمعنى الإحداث الذي ليس له أصل؛ وإنما بمعنى أن المداومة ما داوم عليها النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وفعل النبي يأذن لأمثالنا أن نداوم عليها، لأننا لو داومنا نحن -عمر ومن بعده-؛ ما كانت واجبة على الأمة.
فبعض الناس يقول لك: كيف ما في في الدين بدعة حسنة وعمر يقول: «نعمت البدعة هذه»؟ نقول: يا مسكين! مش فاهم شو عمر فعل؟! اصنع صنيع عمر، وصنيعُ عمر على العين والرأس، فعمر أراد إحداث الاجتماع والمداومة على الاجتماع وهو مشروع وليس بممنوع، وكان الاجتماع أصله مشروعا، والمداومة عليه ممنوعة لعِلة في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فزالت هذه العِلة بوفاتِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
هكذا ينبغي أن نفهم هذه القاعدة لما نقول: الأصل في العبادات المنع.
فالأصل في العبادات المنع.
طيب؛ «صلاة الرجل في جماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» الحديث في «الصحيحين»، يا جماعة! تعالوا نصلي سُنة الظهر القبلية جماعة؟ إيش رايكم؟ أو الآن نقوم نصلي سُنة العشاء في جماعة؟ واحد يقول: النبي عليه السلام يقول: «صلاة الرجل في جماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين»؟
نقول: يا جماعة! هذا الحديث كيف الصحابة فعلوه؟ وكيف طبقوه؟ وكيف فهموه ينبغي أن نفهمه.
هل فهم الصحابة -وقبلهم رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أن صلاة المرء في جماعة خير من صلاة الفذ، أي صلاة؟ ولا صلاة معيَّنة؟ [صلاة معينة] أي صلاة؟ الفريضة.
طيب، لو كانت صلاة النوافل جماعة مشروعة، وفُهم أن الله يحبها، أما فعلها الصحابة؟
فلذا -يا إخواني- ما ينبغي أن نفهم الأحاديث النبوية -ولا سيما في باب العبادات- إلا كما فهمها أصحاب رسول الله؛ إلا في الواقع الذي ينبغي أن نُنزِلها في الواقع الذي طُبقت وفعلت فيه.
أما واحد يضحك علينا ويستدل لنا بحديث عام ويسرق عقولنا، ويُنسينا ما كان عليه الأصحاب، وما كان عليه القرون المفضَّلة من الصحابة والتابعين وتابعين [الذين] زكاهم النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- حيث قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قالها مرتين أو ثلاثا كما في «الصحيح»، «ثم يظهر السِّمن وتسبق شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه؛ فهذا تغرير.
ولذا -يا إخواني- الأصل في العبادات التوقيف.
طيب؛ نحن الآن نصلي قيام رمضان جماعة صحيح؟ هذا مشروع ولا ممنوع؟ مشروع، ليش؟ لما أسلفنا، والنبي أعطانا مشروعية فقال: «مَن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتبت له قيام ليلة»؛ يعني: فِعله ينبغي أن يُضم إلى قوله، والصحابة فهموا المداومة.
لو واحد قال: يا جماعة! اليوم ربنا يُعصى في الأرض، وفيه حفلات عيد ميلاد، نحن بدنا نقول الليل في المسجد، وبدنا نصلي قيام الليل جماعة مثل ما نصلي لقيام رمضان، طيب الأصل في العبادات المشروعية ولا المنع؟ مشروع هذا ولا ممنوع؟ نتداعى لصلاة قيام الليل ليلة من الليالي؟ مشروع ولا ممنوع؟ ممنوع.
طيب؛ أضرب لكم مثلا آخر:
شاب، أو مجموعة من الشباب يسكنون في غرفة -في غربة، في جامعة-، واحد منهم قام توضأ وصلى، فاستيقظ الآخر فنظر إليه فوجده يصلي فتوضأ ووقف بجانبه، ما اتفقوا ولا تواطؤوا على قيام هذه الليلة، هذا الفعل مشروع ولا ممنوع؟ مشروع، ليش مشروع؟ لأن النبي عليه السلام لما كانت نوبته من ميمونة فدخل ابن عباس ووجد النبي واقفا يصلي، فتوضأ ووقف بجانبه، فالنبي إيش فعل فعلناه.
لكن لما نصير نصيّح: يا جماعة كل يوم أربعاء بعد العشاء بدنا نقوم الليل!
أنت تستدرك على الشرع، الشرع يقول: كل رمضان نقوم الليل جماعة، سمعنا وأطعنا، لا نزيد.
لو الشرع جاء كل يوم أربعاء؛ قلنا: كل يوم أربعاء، لو قال: كل يوم سبت؛ قلنا كل يوم سبت.
فالأصل في العبادات المنع حتى يأتي الدليل، فإن جاء الدليل فنستخدمه كما استخدمه السابقون، كما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وكما فهمه الصحابة عن لسان الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
إن أذِنوا لنا أن نتوسع قليلا؛ كفِعل عمر لما داوم لِعِلة، عمر رأس المهديِّين، وعمر مُلهَم، وصنيع عمر حُجة.
طيب؛ عثمان.
يا شيخ مش عثمان زاد أذان يوم الجمعة؟ [...] عثمان زاد الأذان، قلنا: على العين والرأس، ما ورد عن عثمان نقول فيه، عثمان زاد أذان؛ على العين والرأس، لكن: وين عثمان زاد الأذان؟!
السوق اتسع، والدنيا اتسعت، والمؤذن ما فيه مكبرات صوت، والمؤذن يؤذن والناس يتبايعون في الأسواق، فعثمان بنى مكانًا في السوق بعيدا عن المسجد يُسمى الزوراء، فكان المؤذن يصعد على الزوراء فيُذكر أهل السوق بالأذان، ليش عثمان فعل هذا؟ لأن صوت الأذان لا يصل إلى السوق، فذَكَّرهم في السوق بالأذان حتى يتهيؤوا لصلاة الجمعة، فيأتون الجمعة.
فعثمان لم يُحدِث أذانا، لأن الصوت ينبغي أن يصل السوق، ولم يصل الصوت للسوق، بنى مكانا يصعد عليه المؤذِّن فيذكرهم بالصلاة.
طيب؛ لو كان الصوت يصل السوق، أأحدث عثمان هذا الأذان؟ لا.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في أواخر كتابه «الاعتصام» قال: «فلما تقادم الزمنُ نقل هشام بنُ عبد الملك الأذان الذي أحدثه عثمان من السوق، فأصبح يؤذَّن في المسجد».
من الذي أحدث الأذان الثاني في المسجد؟ هشام بن عبد الملك، هل هشام بن عبد الملك فعلُه مقبول؟ لا والله ليس بمقبول.
فِعل الخلفاء الراشدين الأربعة: «عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» أفضل.
ولذا الشافعي رحمه الله في كتابه «الأم» يقول: «وما كان في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وزمن صاحبيه أبي بكر وعمر أحب إليَّ مما أحدثهُ عثمان من الأذان للجمعة» هذا كلام الشافعي.
يا أخي! عثمان ما أحدث يعني ابتدع، دعت حاجة لإيجاد الأذان ليسمع أهل السوق.
في «البخاري» كان النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان بلال يؤذِّن فيصعد النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- على المنبر، أين كان الناس تصلي الجمعة القبلية، والنبي يخطب؟ يستحيل، والأصل في العبادات المنع، ما نصلي الصلاة إلا على ما ورد في الشرع، ولم يرِد دليل صحيح لصلاة السُّنَّة القبلية، فالأصل في صلاة السُّنَّة القَبلية ممنوعة مش مشروعة ويحرم أداؤها، والنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «من كان مُصليًّا فليصلِّ ركعتين أو أربعًا» فالجمعة لها سُنة بعديَّة لقوله الصحيح: «من كان مُصليًّا فليصلِّ ركعتين أو أربعًا»، إن شئت صلِّ ركعتين أو أربع ركعات بعد الجمعة، أما أن تصلي قبل الجمعة فهذه الصلاة ممنوعة وليست بمشروعة، ليش ممنوعة؟ لأنَّ الوقت هذا أصلاً مُحدَث، كان في زمن بني أميَّة، وفي زمن النبي وزمن أبي بكر وزمن عمر كانوا يؤذنون ويصعد الإمام على المنبر على طول ويخطب مباشرة، وفي زمن عثمان كذلك، لكن في زمن عثمان الناس ما كانوا يصلهم الأذان فأحدث لهم ليُبلغهم ليجهزوا أنفسهم للصلاة، هذا الذي فعله عثمان، أما عثمان ما فعل أذانا ثانيا في المسجد حتى يكون هنالك مجال لصلاة السُّنة القَبلية، فما لم يثبت حديث لصلاة سُنة الجمعة القبلية يحرم علينا أن نصليها ولا يجوز لنا أن نصليها؛ فهي في عداد الممنوع وليست في عداد المشروع.
هذه بعض الأمثلة التطبيقية المهمة التي تلزمنا، كل ذِكر تداوم عليه من رأسك ولم يرِد عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وتعتقد أن له خاصية أو أن له فضلا يلقنك إياه راقٍ -زعم- أو شيخ وهو لم يثبت في شرع الله سبحانه وتعالى؛ هذا افتئات على الشرع، تعدٍّ على الشرع.
الذي يقول لك: قُل كذا 444 مرة،4444 مرة مثل الصلوات النارية، وواحد راقي يقول لك اقرأ كذا 77 مرة و90 مرة و30 من رأسه! هذه من خواص لا يعرفها إلا الأنبياء، هذه أشياء أخذها خاصية -الذِّكر0.
فلا يجوز أن تتعدى طورك، ولا يجوز لك أن تتعدى على شرع الله سبحانه وتعالى.
فكل راقي إن أن أراد يقول لك تقرأ الفاتحة سبع مرات، تقول: نعم، ورد عند الترمذي أن أبا سعيد الخدري لما رقى سيد القوم قرأ عليه الفاتحة سبع مرات وأقره رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- على العين والرأس، إقرار النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ... على العين والرأس.
أما أن نزعم أن هنالك أسرارًا للصلوات وللأذكار وللأوراد، وِرد البحر، وِرد البر، وِرد النار، ورد الإيش! هذه كلها ما أنزل الله بها من سلطان.
الأصل في هذه الأمور المنع.
ورحم الله الإمام النووي ،كان عمليا، وكان مباركا، وكان موفقًا، نشأ في سورية، وبيئة صوفية، فيها أوراد، وفيها خلط في الأذكار التي يُعبد الله تعالى بها، ووُجد افتراءات واختراعات وموروثات أخذها التلاميذ والمريدون من المشايخ، فألَّف كتابًا بديعًا سماه «الأذكار» جمع فيه الأذكار الواردة عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وذكر كل الأذكار الواردة عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فقضى على الخرافات بِمثل هذا الكتاب، وببركة وصدق نية قائله -والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا- وضع الله له القبول، وأصبح الناس يأخذون الأذكار النووية، وفي الأذكار النووية غُنية، حتى قالوا في أمثلتهم: «بِع الدَّار واشترِ الأذكار» من شدة القَبول الذي وضعه الله تعالى لهذا الكتاب.
فالأذكار الواردة عن سيد الأخيار عن محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فيها الغنية وفيها الكفاية.
ولذا يا إخواني -بارك الله فيكم-: الأصل في كل ما يُتعبد الله به من عبادات وأذكار وصيام وصلوات وتقديس بِقاع، ما نقدس أي بقعة، نحن نقدس ونحترم ونعظم ما عظمه الله: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
انظروا إلى الحجر، عندنا في الحج نوعان من الحجر: حجر تأخذه وتحذفه عبادةً في رمي الشيطان، وحجر تُقبِّله عبادةً اتباعا للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-! لا إله إلا الله! ما الذي جعلنا نُقبِّل هذا الحجر ونرمي ذاك الحجر؟! وهذا حجر وهذا حجر؟! ما الذي جعلنا نفعل هذا؟ الشرع أمرنا أن نُقبل هذا وأمرنا أن نرمي هذا، هذا هو الشرع.
فما ورد في الشرع تعبَّدْنا الله تعالى به، ليس لعقولنا دَور إلا أن نفحص الخبر وصحة الخبر.
فالعبادات الأصل فيها التوقيف، لا يجوز لنا أن نفعل شيئا من العبادات التي نتعبد الله بنا وليس لنا على ذلك دليل.
فكل من طلب منك أن تعبد ربَّك بذِكر أو بصيام أو صلاة أو تعظيم مكانٍ، فإذا أتى بالدليل فعلى العين والرأس، ما أتى بالدليل؛ فلا.
لذا عُمر صرَّح بهذا فقال: «والله؛ إني أعلمُ أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولكنِّي رأيتُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يُقبِّلك فقَبَّلتُك» اتباع تام للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
طيب؛ نأتي لقاعدة جديد وبها نختم مجلسَنا حتى لا يطول إن شاء الله.
البيت الرابع والعشرين يقول الناظم:
24. وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ ... وَاحْكُـمْ بِهَـذَا الحُـكْـمِ لِلـزَّوائِــدِ
(الوسيلة): ما يُتقرب بها إلى الغير، وما تكون بين يدي الغاية، هذه الوسيلة.
و(المقصَد): قصدتُ الشيء أتيتُه، أي: الشيء الذي تُريده وتجعل الوسيلة بين يديه، بمثابة السُلَّم للسطح، السُّلَّم وسيلة للصعود على السطح.
يقول الناظم: (وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ) الوسيلة للحلال حلال، والوسيلة للمكروه مكروه، والوسيلة للحرام حرام، والوسيلة للواجب واجب، فتُعطي الوسيلةَ حكم الغاية.
الشرع أمرنا بأشياء هو لا يُريدها، وإنما أمر بها لتكون وسيلةً لشيء آخر.
يعني: الشرع طلب منا أن نتوضأ، ليش الشرع طلب منا الوضوء؟ الوضوء عبادة ولا وسيلة؟ وسيلة لعبادة، إيش العبادة؟ الصلاة.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- -في «الترمذي»-وهو الحديث الأول في «الترمذي»- يقول: «لا صلاة لمن لا وضوء له»، إذا الإنسان صلى من دون وضوء؛ لا صلاة له، فالوضوء وسيلة.
الصلاة واجبة، والصلاة لا تصح إلا بالوضوء، إيش حُكم الوضوء؟ واجب.
متى انتقض الوضوء؛ فيجب على الإنسان أن يتوضأ؛ لأن حكم الوسائل حُكم المقاصد.
طيب؛ إيش حكم الوضوء لصلاة الضحى؟ حتى تصح صلاة الضحى؛ نتوضأ، فالوضوء شرط لصحة الصلاة.طيب.
الوضوء يتعبد الله به هو عبادة يتعبد الله به؟
يعني: الآن ونحن جالسون رجل خرج على المُوضَّأ دخل توضأ، ثم خرج ودخل، خرج ودخل! يا أبا فلان! إيش تعمل؟ قال: الوضوء عبادة وأنا أعبد الله بالوضوء!
يا حبيبنا! الوضوء وسيلة، توضأ، اعبد الله بالوسيلة، صلِّ ركعتين، روح جدد الوضوء، ما فيه مشكلة.
توضأ، اجعل وضوءك وسيلة، صلِّ ركعتين، وروح جدد الوضوء، ما فيه مشكلة، النبي توضأ وهو متوضئ، لكن بعد أن جعل الوضوء وسيلة.
لذا: لما كان الشرع لا يريد الوضوء لذاته؛ وإنما أراده وسيلة، فإذا نقضتَ وضوءك بكل ناقِض، بعشر نواقض تتوضأ كم مرة؟ مرة واحدة.
وكذلك الغُسل: لو الإنسان نقضَ غُسله بعدة أسباب: امرأة كانت جنبا وحائضا فاغتسلت، تغتسل كم مرة؟ غُسلا واحدا، هو وسيلة، ما فيه داعي تغتسل مرتين.
ولا فيه داعي لمن أكل لحم الجزور وأخرج ريحا وبال وتغوط في مرات متعددات، على كل ناقض من النواقض يتوضأ وضوءا! فكل هذه وسائل تكفيها الوضوء الواحد.
طيب؛ إذا كنت لا تحضر صلاة الجمعة إلا بأن تسعى لها وأن تمشي لها، إيش حكم المشي والسعي لصلاة الجمعة؟ واجب، ليش واجب؟ لأن صلاة الجمعة واجبة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فالله يقول: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، فصلاة الجمعة واجبة، ولا يمكن للإنسان أن يؤديها إلا بأن يسعى إليها، فالسعي وسيلة، والجمعة مقصد، وحُكم الوسائل حُكم المقاصد.
فلو سألك سائل فقال: إيش حكم السعي لصلاة الجمعة؟ واجب؛ لأن فرض الجمعة لا يسقط من الذمة إلا بالسعي، وحُكم الوسائل حُكم المقاصد:
وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ
طيب؛ إيش حكم الجلوس بين يدي العلماء وفي حلقات الذِّكر؟ وسيلة الطلب، وسيلة أن تتفقه في الدِّين، وسيلة تحقيق قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «طلب العلم فريضة -أو واجب- على كل مسلم» هذا الحديث له طرق عديدة جدا، أول من حسَّنه المِزي، وللسيوطي جزء مطبوع في طُرقه.
فالوسيلة التي تتحصل فيها على العلم واجبة، النبي يقول: «إنما العلم بالتعلُّم».
النبي قال: «طلب العلم» ولم يحدِّد الوسيلة، فكل وسيلة تحصل بها على العلم؛ فحينئذ تجب عليك.
يعني إنسان لا يقرأ ولا يكتب؛ يجب عليه أن [...] للركب بين يدي العلماء، ما يحسن القراءة ولا الكتابة.
فالوسيلة لطلب العلم واجبة، لكن غير محصورة بشيء خاص.
لكن: أبرك الوسائل وأكثرها أجرا وأقلها خطرا وأبعدها عن المزالق والعوائق والقواطع والمصائب والبلايا والرزايا أن تجلس بين يدي المشايخ، لا أن تجلس أمام نِت، أو أمام شريط! مع أن الجلوس أمام الشريط وسيلة، النبي قال: «طلب العلم» لم يحدِّد الوسيلة؛ لكن الذي حدد هذا الطلب وحدد هذا النوع من الطلب: القرون السابقة الفاضلة، فأن نبقى على هديِهم وأن نسير على منوالهم؛ فهذا آمن طريق، وأخصر طريق، وأفضل طريق، وأقرب طريق.
لكن بأي طريق؛ لو قرأت كتابا، سمعت شريطًا، اتصلت بالشيخ على الهاتف، كل هذه وسائل.
وقول النبي: «طلب العلم» تشمل كل هذه الوسائل، النبي ما حدد الوسائل، لكن الوسيلة التي أحبها الله، وارتضاها الله للسابقين من الأولين، من المزكَّين هذه الوسيلة؛ وسيلة الجلوس؛ طلب العلم في حلقات الذِّكر، هذه أبرك الوسائل، وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى.
المشي للمسجد عبادة ولا غير عبادة؟ ليش المشي للمسجد عبادة؟ كل خطوة ترفع درجة وتحط سيئة وتكتب حسنة، ولما كان المشي للمسجد عبادة حكمه حكم العبادة؛ قال النبي في «سنن أبي داود» من حديث كعب بن عجرة -رضي الله تعالى عنه-: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءَه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد؛ فلا يُشبِّكنَّ بين أصابعه فهو في الصلاة» متى يبدأ الإنسان في الصلاة؟ من الوسيلة، مجرد ما تخرج من بيتك للمسجد ممنوع تشبك إيديك وأنت ماشي هذا التشبيك.
طيب؛ النبي عليه السلام في «البخاري» قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبَّك بين أصابعه، إيش حكم التشبيك بين الأصابع؟
أنبهكم على فائدة:
الناس يذكرون: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص» وكلمة (المرصوص) لم تَرِد ولا في أي رواية من روايات الحديث، أسقطها لما تستدل بالحديث لا تقل (المرصوص) لم ترد ولا في أي رواية من الروايات، لا تقل: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص» قُل كما قال رسول الله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبَّك بين أصابعه.
قال العلماء: التشبيك بين الأصابع بعد الصلاة غير حُكمه قبل الصلاة، النبي شبَّك بعد الصلاة نشبِّك بعد الصلاة، قبل الصلاة وفي الطريق للمسجد ممنوع، ما فعله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نستدل به على القيد الذي ورد فيه، النبي صلى وقام بعد الصلاة وقال: «المؤمن للمؤمن...» وشبَّك بين أصابعه، نشبِّك بعد الصلاة، وقبل الصلاة ما يُشبك، ليش؟ لأن الأصل في العبادات المنع، إذا شبكت أصابعك عبادة؟ [...].
طيب النبي نهاك، الأصل في الأشياء الحل حتى يأتي صارف، التشبيك بين الأصابع ممنوع في المسجد وممنوع أنت تمشي في الطريق، هذا ترفع ما يُفعل في المسجد، والنبي قال: «فإنه في صلاة» وأنت ماشي قال: «فلا يشبِّكنَّ بين أصابعه فإنه في الصلاة» من بيتك جعل النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- المشي للمسجد وهو وسيلة فأعطاه حكم المقصد وهو انتظار الصلاة، انتظار الصلاة وسيلة، فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال في انتظار الصلاة: «انتظار الصلاة للصلاة» قال: «فذلكم الرباط» فهو في صلاة، وسيلة الانتظار أجرها عند الله أجر من كان مصليًّا، فالوسائل لها حُكم المقاصد.
طيب؛ رجل كما علِمنا لا تُقبل صلاتُه إلا بالوضوء، ولم يجد ماء إلا بالشراء، فهل يجب عليه شراء الماء أو لا يجب؟ يُنظر: إذا كان سعر الماء سعر مثله يجب عليه أن يشتري، ولو يسيرا بنزر يسير يشتري، أما لو طُلب منه أن يدفع أموالا مضاعفة وبأسعار عالية فهذا ليس بقوام المشتري، هذا يدخل تحت {فإن لم يجِدوا} فصَّلنا {فإن لم يجِدوا} إيش معناه في الدرس الماضي.
فلما كان الوضوء وسيلة للصلاة، والصلاة لا تُقبَل إلا بالوضوء، والوضوء وسيلة لمقصد، وللوسيلة حُكم المقصد؛ فيجب شراء الماء على من يجده بسعره فيجب عليه أن يشتريه.
طيب؛ النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يَقوت»، «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يَعول»، رجل مليان عنده أموال كثيرة يجب عليه العمل؟ ما يضيع من يعول.
طيب؛ إنسان لا يجد مالا، وإذا ما اشتغل؛ أولاده يضيعون، ويسألون الناس، وحتى لا يُضيع من يعول والنفقة على الأولاد واجبة، والوسيلة للنفقة السعي في العمل، فحُكم السعي في العمل حُكم النفقة.
فالذي يستطيع العمل ويجلس ولا يعمل، هذا ممدوح في الشرع ولا مذموم؟ مذموم وليس بممدوح إن ترتب على عدم عمله ضياع أهله.
يقول عمر: «إني لأرى الشاب فأرى تنسُّكه فيعجبني فأسأل عن مهنته فيُقال لي لا يعمل، فيسقط من عيني»! فالإنسان يحرم عليه أن يضيع من يعول.
فإذا كنت لا تستطيع أن تتجنب تضييع من تعول إلا بالكسب؛ فالكسب في حقك واجب، والوسائل لها حكم المقاصد، وهي شيء زائد عن المقاصد، فهي لا تُراد لذاتها؛ وإنما تراد لثمرتها، وتُراد للشيء الذي ينبني عليها.
طيب؛ أنت تبيع في السوق، تبيع فاكهة بما فيها العنب، وعندك بساتين عنب، فجاءك رجل يشتري منك 2 كيلو، 3 كيلو ويبيع خمرا، حلال تبيع له العنب ولا حرام؟ إيش الجواب؟ [حرام]، لا أنا أقول: حلال... طيب؛ هو مش له أولاد؟... يشتري 2 كيلو 3 كيلو يصنع خمرا؟!
فجاءك واحد بياع خمر جاي يشتري منك من البسطة 2، 3 كيلو، بناء على أي قاعدة؟ الأصل في الأشياء الحل.
طيب؛ جاء يتفق معك يشتري كل منتوجك وكل ما عندك في المزرعة من عنب، فيه أحد يشتري لأولاده مزرعة كاملة عنب؟ حلال تبيع له ولا حرام؟ حرام تبيع له، شو الفرق أنك تبيع 2 كيلو حلال، وتبيع له منتوج المزرعة حرام؟ هل حرام بيع العنب للذي يصنع الخمر حرام لذاته؟ لو كان حراما لذاته لَحَرم أن نبيع كيلو ونصف كيلو والحبة تصير حراما، لكن هو حرام لغيره، حرام أن تبيعه العنب على أن يكون وسيلة لصنع الخمر، فإن لم يكن وسيلة لصنع الخمر؛ لك أن تبيعه.
يعني: واحد عنده مصنع مربى، يعمل مُربَّى عنب، وجاء يشتري منك كل منتوجك من العنب، حلال ولا حرام؟ المربَّى حلال، الأصل في الأشياء الحل، فالوسيلة لصُنع الحِل، الوسيلة للحلال حلال، صنع المربى حلال، بيع العنب لمن يصنع المربى حلال، بيع العنب حلال، الوسيلة لصنع العنب حلال؛ فبيع العنب ثمرة البستان بتمامه لمن يصنع المربى حلال.
شخص يصنع خمرًا تبيعه [العنب] حرام.
طيب؛ رجل حداد يصنع علب زجاج أو علب حديد، يُنظر إيش يوضع في العلب، إذا هذه العلب يُصنع فيها الخمر تصنيعها حرام؛ لأن الوسيلة للحرام حرام، فالخمر لا تُباع بالزجاجات أو لا تُباع إلا بعلب، فالذي يريد أن يملأ هذه الزجاجات الفارغة خمرًا يحرم عليك أن تبيعه.
طيب، واحد عنده مصنع ماء، عنده مصنع عصير، عنده مُخلَّلات، فتبيعه الآنية التي توضع فيها هذه الأشياء، الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، والوسيلة للحلال حلال، والوسيلة للحرام حرام.
طيب؛ واحد أجَّر بيته، تأجير البيت حلال ولا حرام؟ حلال، لكن تؤجر بيتك -والعياذ بالله- لقوم أصحاب عُهر وأصحاب زنا، يجوز تؤجر بيتك لامرأة تأتي بالرجال بالحرام بالزنا في البيت؟ حرام، تأجير البيت، أو تأجير المحل، عندك مجموع محال، تؤجر لواحد يبيع خمرا، حرام، الوسيلة للحرام حرام.
طيب؛ عندك محال واحد أراد أن يتأجر منك بنكًا ربويًّا، يصير تؤجره المحل؟ ليش حرمة التأجير؟ الوسيلة للحرام حرام، البنك حرام، فيحرم عليك أن تؤجره.
وكذلك البيع، وكذلك الحداد، أو النجار، أو المواسرجي، أو الدهَّان، دخل يعمل محلا، فعلِم من قرائن الأحوال أن هذا محل خمر، فيحرم على الحداد أنه يصنع حديدا للخمارة، ويحرم على الدهَّان أن يصنع دهان الخمارة، ويحرم على النجار أن يعمل رفوفا.. لأن الوسيلة للحرام حرام، والوسيلة للمُباح مباح.. وهكذا.
والوسيلة للواجب واجب، إيش حكم السعي في حق الفقير؟ واجبة، لا يستطيع أن يتخلص من الإثم «كفى بالمرء إثما» إلا بالسعي، هو يسعى، الواجب عليه السعي، والله الرزاق، السعي لا يلزم منه الرزق، لكن هو يسعى يأخذ بالأسباب.
طيب؛ نتوسع شوية: امرأة متبرجة، وأنت تبيع ملابس، جاءتك تشتري منك اللباس الذي تلبسه وتتبرج فيه، حرام تبيعها ولا حلال؟ حرام تبيعها.
طيب؛ امرأة مستورة جاءت تشتري لباسا فاضحا لكن هي لا تظهر فيه، تتزين فيه لزوجها، إيش هذا الحكم؟ حلال، ليش حلال؟ الأصل في الأشياء الحل، الأصل في الملابس الحل، «البس ما شئت» النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول، البسي ما شئت، فالمرأة تلبس ما تتزين به لزوجها، وما تعفه ويعفها، وما يترتب على ذلك؛ هذا ليس بحرام، هذا أمر الأصل فيه الحل.. وهكذا.
فكل وسيلة للحرام حرام، وكل وسيلة للمباح مباح، وكل وسيلة واجب واجب، وكل وسيلة للمكروه مكروه.
فالناظم يقول في هذه القاعدة التي عبَّر الناظم بهذا البيت على قاعدة: (الوسائل لها حُكم المقاصد).
يقول الناظم: (وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ) مضاف ومضاف إليه؛ يعني كأنه يقول: الوسائل..
وَسَـائِــلُ الْأُمـورِ كَـالمَقـاصِــدِ: الوسائل لها حكم المقاصد.
... وَاحْكُـمْ بِهَـذَا الحُـكْـمِ لِلـزَّوائِــدِ: [...] الوسيلة للحلال حلال، الوسيلة للواجب واجب، الوسيلة للحرام حرام، وهكذا.
ولذا: يمكن لنفس الفعل يكون حلالا وعبادة في بعض الأحايين، ويكون حراما في بعض الأحايين، يكون حلالا في حق بعض الأشخاص، حراما في بعض الأشخاص، هذا يلتقي مع موضوع النية.
يعني: إنسان يضع الطيب والعطر على بدنه، ويضع الطيب ويكون هذا الطيب وسيلة لأن يُميِّل النساء إليه، إيش حكم هذا؟ حرام.
طيب؛ يضع الطيب ويحضر الجماعة لأن الملائكة تشهد الصلوات وتشهد الجمعة، حتى يدخل الرائحة الطيبة على المسجد وعلى إخوانه المُصلين، إيش حكم الطيب هذا؟ هذا مندوب، مش حلال، هذا مندوب، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «فليُصب من طيبه ما شاء» فهذا المندوب، فأنا واضع طيب، وجاي للجماعة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، والنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رغَّبنا بالطيب في الجماعة والجمعة فوضعتُ الطيب؛ سُنة، أجر.
لكن: رجل فاجر -والعياذ بالله تعالى- يضع الطيب ليميِّل النساء، أو امرأة تضع الطيب لتميل الرجال، إيش حكم المرأة تضع الطيب؟ آثمة وزانية!
يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في حديث عند ابن ماجه والنسائي في «الكبرى» عن أبي هريرة -والحديث خطير جدا-، يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
أعيد الحديث.. الحديث مهم، وفيه أحكام، وبعض الناس يلعب بالحديث، وبعض الشياطين يسوِّلون لشيطانات باسم الدين فيتطيَّبنَ! وأدقق على الحديث قليلا وأختم مجلسي، لا أريد أن أطيل لعلي وصَّلت ما أريد من القاعدتين بالأمثلة.
الحديث: عن أبي هريرة -أخرجه النسائي في «الكبرى» وابن ماجة وغيرهما- يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
«أيما امرأةٍ استعطرت»: أي وضعت عطرا طِيبا «ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة».
طيب؛ نتخيل الآن.. يجوز نتخيل المرأة؟! هب أن امرأة.. واحد يقول لي: الوسيلة للحرام حرام! هو محق لو قال!!
طيب؛ رجل يجامع أهله ويتخيل غيرها، حلال ولا حرام؟ هذا حرام.
هب أن امرأة قلنا لها: يا أختاه أنت خرجتِ متطيبة وحرام عليك هذا، والنبي يقول في الحديث: «أيما امرأةٍ استعطرت ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة»، فقالت: الحديث صحيح... والنبي يقول: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» وأنا ما تعطرت ليجد الرجال ريحي، أنا تعطرت لأني أحب الفل أو أحب الورد أو أحب الياسمين، أنا الله يعلم من قلبي أني ما تعطرت حتى أميِّل الرجال إلي، ولا خاطر في بالي الرجال! والنبي يقول: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها»، وأنا لما تعطرت ولا خطر ببالي الرجال أبدا، وبالتالي كيف يسقط علي الحديث؟!
هذا كلام يظهر منه علم! صحيح؟ طيب؛ كيف نرد على هذه المرأة؟ [الوسائل لها حكم المقاصد]
نحن طلبة علم.. نقف شوي عند اللام، «أيما امرأةٍ تعطرت (ليجد) الرجالُ ريحها» استدلالها صحيح إذا كانت اللام للتعليل، اللام في العربية على ضروب لها عدة معانٍ، فاللام (لِ) -هذه- لها عدة معانٍ، فنقول لها: يا أختاه أنت فهمت الحديث: «أيما امرأةٍ تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» فهمت أن هذه اللام لام التعليل، وأنت وضعتِ الطيب وليس قصدك، وليس العلة من وضعك للطِّيب أن يجد الرجال ريحَك، كلامُكِ صحيح، إذا كانت اللام للتعليل، لكن: ارجعي لمعنى النصوص، هل كُل لام في النصوص الشرعية للتعليل؟ الله يقول في «القصص» في اتخاذ فرعون موسى في أوائل «القصص» قال: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} آل فرعون التقطوا موسى، هل معقول آل فرعون التقطوا موسى حتى يُدخل عليهم الحُزن؟ لا، فيه لام في العربية تسمَّى (لام العاقبة)، يعني: فرعون التقط موسى وعاقبةُ أمرِ موسى أن يكون عدوًّا وأن يُدخل الحزَنَ على نفس فرعون، فمستحيل أن يلتقطه ليكون له عدوا، فهنالك لام تسمى (لام العاقبة)، وقد ورد في بعض الأحاديث -لكن الحديث لم يثبت ولم يصح بالزيادة- قال: «من كذَب عليَّ (ليضلَّ الناسَ) فليتبوأ مقعده في النار» زيادة: (ليضلَّ الناسَ) لم تثبت، ولو ثبتت فاللام هذه ليست لام التعليل؛ وإنما هذه لام العاقبة، فكل من يَكذب على رسول الله؛ لا محالة أن يضل الناس، اللام (ليضلَّ الناسَ) ليست لام التعليل؛ وإنما هي لام العاقبة.
فقول الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ} اللام لام العاقبة.
وقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأة تعطرت ليجد الرجال ريحها» هذه اللام لام العاقبة، كل من يشم الرجالَ رائحته من النساء؛ فهذا يذكِّرهم بالنساء، معقول امرأة تمر أمامك وريحة الطيب تفيح منها، وأنت لا تتذكر النساء؟
عند أحمد في «المسند» من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي كان يسير في الطريق، فرأى امرأة تسير في الطريق فأتى أهله.
امرأة لابس العبي.. مجرد ما تنظر للمرأة تتذكر الشهوة، فالنبي كان يسير في الطريق فرأى امرأة فتذكر النساء فأتى أهله، وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «من رأى امرأة فليأت أهله» فيها زيادة لم تثبت: «فإن معها الذي معها» هذه زيادة لم تثبت.
فالمرأة تُذكَّر الرجل بالشهوة، تخيل امرأة تمر بك، وواضعة الطيب، إيش عاقبة أمرها هذه؟ يجد الرجال ريحها، فاللام هذه ليست لام التعليل، ليش ليست لام التعليل؟ لأن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «طِيبُ النساء لونٌ لا رائحة فيه» المرأة إذا أرادت أن تتطيب تضع اللون وتغطي هذا اللون، لا تضع الرائحة، طِيبُ النساء لونٌ تمر أمام الرجال واللون على وجهها لا رائحة له وتغطي وجهها، طيب المرأة لون لا رائحة له، كانت المرأة تكتحل تضع أشياء على وجهها؛ فالأصل في طيبها أنه لون لا رائحة فيه.
أما إن وضعت الرائحة؛ فلا محالة أنها إن مرت بين الرجال؛ فعاقبة أمرها أن يشتهيها الرجال.
ولذا قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أيما امرأة تعطرت ليجد الرجالُ ريحها» هذه اللام لام العاقبة، لام الصيرورة والعاقبة، يصير أمرها، عاقبة أمرها «ليجد الرجالُ ريحها؛ فهي زانية» وإذا أرادت أن تصلي بعد ما تخرج بالعطر في عملها -مدرِّسة، أو موظفة في بنك أو موظفة في شركة أو سكرتيرة-؛ يحرم عليها شرعًا أن تصلي حتى تغتسل؛ يعني: كأنها زنت على الحق والحقيقة، المرأة التي تخرج وتضع الطيب ويشم الرجال الطيب منها؛ فإنه لا يُقبل لها صلاة حتى تغتسل.
قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «فهي زانية، وعليها غُسل الجنابة»؛ فكأنها زانية على الحق والحقيقة.
وهذا من التدابير الوقائية لأن الوسيلة في التطيب زنا، فجعلها النبي زانية؛ فالوسائل لها حكم المقاصد.
قوله: «فهي زانية» وقوله: «أيما امرأة تطيبت» فجعل النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الطيبَ زنا، فأن تضع المرأةُ الطيب وتخرج جعل حُكمها حُكم المرأة التي يُزنى بها، فلا يَقبل الله لها صلاةً حتى تغتسل من الجنابة.
وهذا الحديث دليل من أدلة قاعدة: (الوسائل لها حكم المقاصد).
بذا نكون قد وقفنا عند البيت الرابع والعشرين....
انتهى (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة

الثامن الجزء الثاني
..
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس