الموضوع: الروح
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-18-2015, 12:23 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

الروح

وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : عن قول من يقول إنَّ الإنسان يتكون منْ عنصرين عنصر منَ التراب وهو الجسد، وعنصر منَ الله وهو الروح ؟.

فأجاب بقوله :

هذا الكلام يحتمل معنيين :

أحدهما : أنَّ الروح جزء منَ الله.
والثاني : أنَّ الروح منَ الله خلقا.

وأظهرهما أنه أراد أنَّ الروح جزء منَ الله، لأنه لو أراد أنَّ الروح مِنَ الله خلقا، لم يكن بينها وبين الجسد فرق، إذ الكل منَ الله - تعالى - خلقًا وإيجادا.

والجواب على قوله أنْ نقول : لا شك أنَّ الله أضافَ روح آدم إليه في قوله - تعالى - : ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي.

وأضافَ روح عيسى إليه فقال : ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فيهِ مِنْ روحِنا

وأضاف بعض مخلوقات أخرى إليه كقوله : ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

وقوله : ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ

وقوله عن رسوله صالح - عليه الصلاة والسلام - : ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا.

ولكنَّ المضاف إلى الله نوعين :

أحدهما :
ما يكون منفصلا بائنا عنه، قائما بنفسه أو قائما بغيره، فإضافته إلى الله - تعالى - إضافةَ خَلْقٍ وتكوين، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمة الله - تعالى - لعِظَمِ المُضاف.

فهذا النوع لا يمكن أنْ يكون منْ ذات الله - تعالى -، فلأن ذات الله - تعالى - واحدة لا يمكن أنْ تتجزأ أو تتفرق.

وأما كونه لا يمكن أنْ يكون منْ صفات الله، فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أنْ تنفصل عنه كالحياة، و العلم، و القدرة، و القوة، و السمع، و البصر، وغيرها، فإنَّ هذه الصفات صفات لا تباين موصوفها.

ومنْ هذا النوع إضافة الله - تعالى - روح آدم وعيسى إليه ، وإضافة البيت وما في السموات والأرض إليه، وإضافة الناقة إليه، فروح آدم وعيسى قائمة بهما، و ليست منْ ذات الله - تعالى -، و لا منْ صفاته قطعا.

والبيت وما في السموات والأرض، والناقة، وهي أعيان قائمة بنفسها، وليست منْ ذات الله ولا منْ صفاته.

وإذا كان لا يمكن لأحد أنْ يقول : إنَّ بيت الله، وناقة اللهِ منْ ذاته ولا منْ صفاته، ولا فَرْقَ بينَهما إذ الكل بائنٌ منفصلٌ عن الله - عز و جل -.

وكما أنَّ البيت والناقة مِنَ الأجسام، فكذلك الروحُ جِسمٌ تحلُّ بَدَنَ الحيِّ بإذن الله يتوفاها الله حين موتها، ويُمْسِكُ التي قضى عليها الموت، ويتبعها بَصَرَ المَيِّتِ حين تُقبَض، لكنها جِسمٌ مِنْ جِنْسٍ آخَر .

النوع الثاني منَ المضاف إلى الله : ما لا يكون مُنفصِلا عن الله بل هو منْ صفاته الذاتية أو الفعلية كَوَجْهِهِ، ويده، سمعه، و بصره، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك، فإضافته إلى الله - تعالى - منْ باب إضافة الصفة إلى موصوفها، و ليس منْ باب إضافة المخلوق والمملوك إلى مالكه وخالقه.

وقول المتكلم : (إنَّ الروح مِنَ الله) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا : إنه الأظهر وهو أنَّ البدن مادته معلومة، وهي التراب، أما الروح فمادتها غير معلومة، وهذا المعنى صحيح كما قال الله - تعالى - : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً

وهذه - والله أعلم – مِنَ الحكمة في إضافتها إليه، أنها أمرٌ لا يمكن أنْ يَصِل إليه علم البشر، بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل، ولا نحيط بشيء منْ هذا القليل إلّا بما شاء الله - تبارك وتعالى -.

فنسأل الله - تعالى - أنْ يفتح علينا منْ رحمته وعلمه ما به صلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.


__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس