عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 04-06-2010, 02:27 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم – أجمعين

3. تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم – أجمعين :

تفسير القرآن الكريم بأقوال خير الصحبة، صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين – الذين امتدحهم الله - تبارك وتعالى - بقوله : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة 100].

وامتدحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه عنه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) (متفق عليه).

إنهم خير الناس، الجيل القدوة، وصفوة الصفوة، الذين استقوْا المنهج الرباني من النبع الصافي، تلقوه غضاَ من فمه الشريف - صلى الله عليه وسلم –، وعرفوا أحواله، وفهموا مراده، وتمسكوا بما جاء فيه، عملوا بأوامره واجتنبوا نواهيه.
أكرمهم الله – تعالى – بأن أنزل القرآن على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلغتهم فعَقلوه، وأن اختارهم الله – عزّ وجلّ – لحفظ دينه بَعْدَ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فأدوا الأمانة وبلغوا هديه - صلى الله عليه وسلم - عن علم وفهم ودراية، وشيدوا به أركان العزّ والفخار.
فتحوا البلاد وقلوب العباد، فكانوا خير سلف لخير خلف، جزاهم الله عنا خير الجزاء، وجعلنا على إثرهم.

قال الإمام السيوطي في ( الإتقان ) : [اشتهر بالتفسير من الصحابة - رضي الله عنهم - عشرة : الخلفاء الراشدون الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيَ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبدالله بن الزبير .

ومن أبزر الصحابة الذين أكثروا الرواية والتفسير غير العشرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله، والسيدة عائشة من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم أجمعين -.

أما الخلفاء الراشدون فأكثرهم رواية (علي بن أبي طالب ) - رضي الله عنه -، والرواية عن الثلاثة قليلة جدا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم ]. انتهى كلامه.

وأما الحَبْرِ البَحْر »عبد الله بن عباس « - رضي الله عنهما - ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترجمان القرآن، فقد دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له قائلا : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (متفق عليه) .
وفي رواية أخرى عنه - رضي الله عنهما - قال : » ضمّني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره فقال : (اللهم عَلمْهُ الحِكمَة) وفي رواية : (علمه الكتاب) (صحيح رواه البخاري) .

روى مسروق عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : [ نِعْمَ الترْجُمان للقرآن ابن عباس ] انظر : (مقدمة التفسير ص 254) لشيخ الإسلام رحمه الله - تعالى -.

وروى البخاري – رحمه الله - من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( كان عمر يُدخلني على أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقالوا : لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن علمتم (يعني من عرفتم ذكاءه وعلمه) فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليُريَهُم ! فقال : ما تقولون في قول الله - تعالى - : (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم : أمَرَنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصِرْنا وفُتِحَ علينا "، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي : أكذلك يا ابن العباس ؟ فقلت : لا، فقال : ما تقول ؟ فقلت : " هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، فقال عمر : واللهِ لا أعلم منها إلا ما تقول) (صحيح البخاري. باب : فضائل الصحابة).

روى الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن] انظر : [مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ص 254).

وقد كان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - من السابقين إلى الإسلام، وكان يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى صلة وثيقة به، فنهل من علمه وتأدب بآدابه، وروى عنه الكثير وفسر.

همـــّـــة عاليـــــــــة

وروى الإمام البخاري رحمه الله - تعالى – عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قوله : (والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله - تعالى - مني تناله المطايا لأتيته) وفي رواية : (تبلغه الإبل لركبت إليه) .

سبحان الله !! كانت لديهم همَم تجاوز الثريا، يَدفعُها همَ حمل الأمانة، وتبليغ الدين على الوجه الأكمل، ومع ذلك كانوا شديدي الورع والتقوى في تفسير ما لا يعلمونه، لا يمنعهم الحياء من الجهل بالتأويل عن التوقف عند الحدود، وعدم الخوض فيما لا يعلمون، خشية الوقوع بالإفتراء على الله – تبارك وتعالى - والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله - تعالى - : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [سورة الإسراء 36].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (متفق عليه) عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه -. ‌

ورع

وعن أبي معمر قال : قال أبو بكر - رضي الله عنه -، عندما سئل عن قوله - تعالى - : ﴿وَفاكِهَة ً وَأبّا : [ أيَ أرض ٍ ُتـقِلَني ، وَأيّ سماءٍ ُتظلني إذا قلتُ في كتاب اللهِ ما لمْ أعلم ] .

وعن أنس - رضي الله عنه - : [ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ على المنبر قوله - تعالى - : ﴿وَفاكِهَة ً وَأبّا فقال : " هذه الفاكهة عرفناها فما الأبَ ؟ ثمَ رَجَعَ إلى نفسِهِ فقال : إنّ هذا لهو التكلفُ يا عمر" وفي رواية : فما عليك أن لا تدريه !!].

وعن محمد بن سيرين رحمه الله - تعالى - قال :" سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن ، فقال : [ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن، فاتَق الله، وعليك بالسداد].

وعن مسروق قال : [اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله].

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله - تعالى - بعد أن ساق هذه الأدلة : [فهذه الآثار، وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تـَحََرّجـِهـِم عن الكلام في التفسير بما لا عِلمَ لهُم به.
فأما من تكلم بما يَعلمُ من ذلك لغة ً وشرعاً فلا حرج عليه، فلهذا ورد عن هؤلاء وغيرهم أقوالٌ في التفسير، ولا منافاة، لأنهم تكلموا فيما عَلِموه، وسَكتوا عَمّا جَهلوه .

وهذاهو الواجب على كل أحد . فإنه كما يجب السكوت عَمّا لا عِلمَ لهم به، فكذلك يجبُ القولُ فيما سُئل عنهُ مما يَعلمُه، وذلك لقوله - تعالى - : ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [سورة آل عمران 187].

ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) [صحيح الجامع 6284] انتهى. انظر : [مجموع الفتاوى مقدمة التفسير ص 259 ــ 261].

قال العلماء من سلفنا الصالح جزاهم الله خيرا : [ إذا سئل الصحابي عن أسباب نزول آية، أو عما يتعلق بالعقيدة وصحت نسبته إليه، فإنه يؤخذ بقوله رفعه أو لم يرفعه.

أما إذا فهم من النص ما يوافق الكتاب والسنة، فله حكم الموقوف، إذا كان يقول به. لا من جهة الرأي ].

وقد اعتنى التابعون رحمهم الله - تعالى - بتلقي التفسير عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - فبرز منهم الكثير : أمثال مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى بن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع ، وطاووس ، وسعيد بن المسيب ، وأبي العالية والربيع بن أنس ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم وغيرهم .

فعن أبان بن صالح، عن مجاهد قال : [عرضت المصحف على ابن عباس - رضي الله عنهما - ثلاثُ عَرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها] .

وعن أبي مليكة قال : [رأيت مجاهدًا سأل بن عباس - رضي الله عنهما - عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال : فيقول له بن عباس : اكتب، حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا كان سفيان الثوري يقول : " إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك] انظر : [مجموع الفتاوى ــ مقدمة التفسير ص 257].


فالحمد لله على فضله ومنـّـه وكرمه ، الحمد لله على نعمة الإسلام، وأسأل الله - تعالى أن يبلغني وإياكم درجة الإحسان .

وجزاهم الله خير الجزاء على ما نقلوه لنا من خير عميم، وأثقل لهم به الموازين، وجعلنا وإياكم ممن تبعهم بإحسان يوم الدين.

من محاضرات مادة التفسير : في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس