عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 11-22-2010, 01:31 AM
أبومسلم أبومسلم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,410
افتراضي ******* القراء السبعة ( 8 ) *******

التدوين في علم القراءات وأشهر المؤلفات فيها


كلمة موجزة عن بدء تدوين القرآن الكريم:

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتنزل عليه الوحي وهو لا يعرف القراءة ولا الكتابة مما دعاه إلى اتخاذ كُتَّاب للوحي من أجلاَّء الصحابة كعلي, ومعاوية, وأُبي بن كعب, وزيد بن ثابت ( انظر البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب كاتب الوحي 6/ 99 ), فحينما تنزل الآية يأمرهم بكتابتها ويرشدهم إلى موضعها من سورتها حتى تظاهر وتناصر الكتابة في السطور ما جمع وحفظ في الصدور.

ولم تكن هذه الكتابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعة في مصحف عام, بل عند هذا ما ليس عند الآخر, وقبض الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور ومكتوب في الصحف بالسبعة الأحرف ولم يجمع في مصحف عام حيث كان الوحي يتنزل تباعاً فيحفظه الصحابة ويكتبونه ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر, وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل, وكانت الكتابة على اللخاف (حجارة بيض عريقة رقاق. لسان العرب مادة (لخف) ) والعسيب ( جريد النخل المستقيم. لسان العرب مادة (عسب) ) والكرانيف ( أصول السعف الغلاظ العِراض. اللسان مادة (كرنف) ), والرقاع ( جمع رُقعة وهي الخرقة. اللسان مادة (رقع) ), والأقتاب ( جمع قتب هو رجل البعير وإكافه على قدر السنام. اللسان مادة (قتب) ), والأكتاف ( جمع كتف وهو العظم المعروف في الإِنسان والحيوان. اللسان مادة (كتف) ) وقطع الأديم ( الجلد أيّا كان نوعه.اللسان مادة (أدم) ) مما يدل على مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة في كتابة القرآن حيث لم يتيسر لهم أدوات الكتابة إلا بهذه الوسائل, فرضي الله عنهم وجزاهم عنا وعن القرآن خير الجزاء.

ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حرب المرتدين استحر القتل بالقراء في اليمامة حتى قتل منهم سبعمائة ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب جمع القرآن 6/ 98) عندئذ خاف الفاروق عمر رضي الله عنه ضياع القرآن بضياع حفاظه فأشار على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحف واحد وتردد الصديق إلا أن عمر لم يزل به حتى أقنعه فأوكلا هذه المهمة لزيد بن ثابت كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهد العرضة الأخيرة فقام بها خير قيام وجمع القرآن في مصحف واحد مشتملاً على الأحرف السبعة.

ويمضي الزمان وتكثر الفتوحات وينتشر الصحابة في الأمصار وأخذوا يقرئون الناس القرآن وكل يقرأ بحرف غير الحرف الذي يقرأ به الآخر, الأمر الذي أوشك أن يؤدي إلى اختلافهم في القرآن وكان ذلك في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه, وفي فتح أرمينيا وأذربيجان (أرمينيا: بلد معروف شمال العراق. وأذربيجان: بلاد تلي الجبل من العراق وتلي بلاد أرمينيا من جهة المغرب, انظر: معجم ما استعجم للبكري: 1/ 141, 129, والروض المعطار للحميري: 20 ) رأى الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه هذا الإختلاف فخشي على الأمة من الفرقة, والاختلاف, فجاء إلى عثمان, وقال له: أدرك الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود, والنصارى.

فما كان من عثمان إلا أن لبى النداء, وطلب الصحف التي جمعت على عهد الصديق وطلب من الجامع الأول زيد بن ثابت بمساعدة ثلاثة من القرشيين أن يجمعوا القرآن على حرف واحد ليجمع عليه الأمة ففعلوا وأرسل المصاحف والمعلمين إلى الأمصار ليعلموهم ويجمعوهم على مصحف وحرف واحد فقطعت الفتنة ودفنت جذورها ( البخاري, كتاب فضائل القرآن, باب جمع القرآن 6/ 99 ).


أول إمام معتبر ألف في علم القراءات


لقد بدأ التدوين في علم القراءات كغيره من العلوم, منذ وقت مبكر, غير أنه لم يشتد إلا في القرن الثالث الهجري, عصر التدوين والانفتاح العلمي في شتى العلوم, ولقد كانت القراءات, ولا تزال, محل اهتمام العلماء خاصة أولئك الذين جعلوا أنفسهم وأوقاتهم وقفاً في سبيل خدمة القرآن وعلومه ومساهمة في تحقيق الضمان الذي تكفل الله سبحانة وتعالى به للقرآن الكريم, ذلك الضمان هو حفظ القرآن وصونه من التحريف والتبديل. قال تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )). ( الحجر(9))
  
وكيف لا يقوم العلماء بخدمة القرآن, والقراءات شرحاً, ونظماً وتأليفاً, وهم يعلمون أن علم القراءات علم شريف, يتعلق بأشرف كتاب, وهو القرآن, وكما هو معلوم, أن شرف العلم من شرف من ينسب له, ولا أشرف ولا أعز من الله تعالى, الذي أنزل القرآن, وتكلم به حقيقة.

وبإلقاء نظرة فاحصة على أول من ألف في علم القراءات, نجد أن العلماء المؤرخين, والمهتمين بحركة التأليف عموماً, وبحركة التأليف في علم القراءات على وجه الخصوص, قد ذكروا أسماء عديدة رشحوها لأن تكون هي البادئة بالتدوين والتأليف في هذا العلم, إلا أننا عند النظر والفحص الدقيقين لا نسلم لهم القول في ذلك بالأولية, فإن أكثر الذين ذُكروا على أنهم هم أول من ألف في القراءات إنما ألفوا في جوانب قليلة ومختلفة من علم القراءات وليسوا من أولئك العلماء الذين برزوا في القرن الثالث الهجري وما بعده الذين جمعوا القراءات فأوعوا وألفوا المؤلفات المفيدة, وإليك فيما يلي بياناً لمن ذُكروا على أنهم أول من ألف في علم القراءت مع الموازنة, والترجيح إن شاء الله.

إن التأليف في علم القراءات القرآنية قد مرّ بمراحل والمعتمد في هذه المراحل كلها هو الرواية الموثوقة عن الحفّاظ.

1- ومن هذه المراحل مرحلة الرواية الشفوية, ( من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى 60 ه ) إذ كان القرآن محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الوسائل المعروفة في ذلك الوقت.

وهذه المرحلة تشمل صدر الإسلام, واستمرت حتى ظهور نقط الإعراب ( انظر أخبار النحويين للسيرافي: 35, وطبقات النحويين للزبيدي: 21 ) على يد أبي الأسود الدؤلي (ت 69ه).


2- وهناك مرحلة ثانية ( 60ه-255ه ) وهي مرحلة ضبط القراءات برموز الإعراب والإعجام, وقد ظهرت في هذه المرحلة أوائل محاولات التأليف في بعض فروع علم القراءات, أهمها ما يلي:


1- يرى بعض المتأخرين ( انظر: القراءات القرآنية للفضلي: 27, وتاريخ التراث للسزكين: 1/ 22) أن أول من ألف في علم القراءات هو يحيى بن يَعْمَر ( العَدْواني من التابعين ومن قرّاء البصرة, وهو أول من نقَّط المصحف, وكان فصيحاً عالماً, روى عن ابن عمر وابن عباس وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي
( ت 90ه وقيل 129ه ), انظر ترجمته في أخبار النحويين للسيرافي: 40 – 42 وطبقات النحويين للزبيدي: 27 – 29 ومعرفة القراء: 1/ 68 )
وهو أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي, وله كتاب في القراءة, لكنه ليس جامعاً للقراءات بل اعتنى بجانب واحد منها وهو مرسوم الخط.


2- عبد الله بن عامر( هو عبدالله بن عامر بن يزيد اليحصبي ( 8 – 118ه), إمام أهل الشام في القراءة, أخذ القراءة عن أبي الدرداء وعن المغيرة بن أبي شهاب وغيرهما, وولي القضاء بدمشق. انظر ترجمته في غاية النهاية 1/ 423 – 425 ) وكتابه " اختلافات مصاحف الشام والحجاز والعراق
" ( انظر: تاريخ التراث لفؤاد سزكين: 1/ 22 ).


3-أبان بن تغلب الكوفي
( هو أبان بن تغلب الربعي الكوفي (ت 141ه), مقرئ, نحوي, ثقة, قرأ على عاصم وأبي عمرو والشيباني وغيرهما, انظر في ترجمته: غاية النهاية 1/ 4 ), قال ابن النديم ( هو: محمد بن إسحاق بن محمد أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم, صاحب كتاب الفهرست, وكان وراقاً يبيع الكتب, وكان معتزلياً متشيعاً توفي سنة 438ه. انظر: الأعلام 6/ 29 ) في الفهرست: له من الكتب كتابان: كتاب معاني القرآن, وكتاب القراءات
( الفهرست ص 276 ).


غير أن هذا الكتاب لم نطلع عليه, ولم نعثر له على أثر, ولم يتعرض أحد من العلماء لذكر ما اشتمل من القراءات فهو كتاب أبهم اسمه فلم يعلم هل استوفى القراءات أم لا ؟ ولذلك لا نعتبره من أول من ألّف في القراءات إلا بعد اليقين, وليس لدينا يقين بذلك, ولا شيء موثوق به وصلنا من العلماء الموثوقين نأخذ به.


4- مقاتل بن سليمان ( بن بشير الأزدي الخرساني البلخي المفسر, من العلماء المتبحرين في التفسير. ( توفي سنة 150ه ) انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 279 – 285, وانظر: الفهرست: 227, وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 331 والأعلام: 7/ 281) وله كتاب القراءات.


5- أبو عمرو بن العلاء ( التميمي المازني البصري وقيل اسمه: زبان, من الأعلام في القرآن ومن القراء السبعة ( توفي سنة 154ه ). انظر: ترجمته في أخبار النحويين للسيرافي: 46 – 48, وطبقات النحويين للزبيدي: 35 – 40 وغاية النهاية: 1/ 290, 330 ) وله كتاب القراءات.


6- حمزة بن حبيب الزيات ( بن عمارة الزيات التميمي الكوفي( 80ه - 156ه )أحد أصحاب القراءات السبع. انظر ترجمته في: غاية النهاية ( 261 – 263 ) له كتاب القراءات.


7- زائدة بن قدامة الثقفي ( أبو الصلت الثقفي الكوفي عرض القراءة على الأعمش وعرض عليه الكسائي وكان ثقة حجة ( توفي 161ه ). وانظر ترجمته في: الفهرست: 282 وغاية النهاية 1/ 288 , وتهذيب التهذيب 3/ 306 – 307 ) وله كتاب القراءات.


8- هارون بن موسى الأعور ( هو هارون بن موسى أبوعبدالله الأعور البصري (ت 170ه), من القراء, روى القراءة عن عاصم الجحدري وابن أبي النجود وأبي عمرو وغيرهم.) قال ابن الجزري في غاية النهاية 2/ 348: " قال أبو حاتم السجستاني كان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبع الشاذ منها, فبحث عن إسناده: هارون بن موسى الأعور وكان من القراء".


9- عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الكبير ( أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الكبير (ت 177ه) روى عنه يونس وابن دريد. انظر ترجمته في طبقات النحويين 40).


10- علي بن حمزة الكسائي ( هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي (ت 189ه) وهو أحد القراء السبعة, وقد أدّب ولد الرشيد. انظر ترجمته في طبقات النحويين 127 – 130, وغاية النهاية 1/ 535 – 540 ) وله كتاب القراءات.


11- يعقوب بن إسحاق الحضرمي ( يعقوب بن إسحاق بن زيد أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري أحد القراء العشرة(117ه – 205ه). انظر ترجمته في طبقات النحويين 54. وغاية النهاية 2/ 386 – 389 ) وله كتاب سماه " الجامع ", جمع فيه عامة اختلاف وجوه القرآن, ونسب كل حرف إلى من قرأ به ( طبقات النحويين 54. ومعجم الأدباء لياقوت الحموي 20/ 52 – 53 ).


12- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224ه), وقد ألّف كتاب " القراءات " وجمع فيه قراءة خمسةٍ وعشرين قارئاً ( النشر 1/ 34 ).


13- أبو عمر حفص بن عمر الدوري ( هو حفص بن عمر بن عبد العزيز (ت 246ه), أبو عمر الدوري الأزدي البغدادي النحوي إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه. انظرترجمته في: غاية النهاية 1/ 255 – 257, وكتابه " قراءات النبي صلى الله عليه وسلم " طبع مؤخراً بتحقيق د. حكمت بشير ياسين – مكتبة الدار بالمدينة المنورة ط1: 1408ه ) , قال عنه ابن الجزري: أول من جمع القراءات.


14- أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ( هو سهل بن محمد بن عثمان أبو حاتم السجستاني (ت 255ه), إمام البصرة في النحو والقراءة, أخذ القراءة عن يعقوب الحضرمي وغيره ) قال ابن الجزري في الغاية 1/ 320: وله تصانيف كثيرة وأحسبه أول من صنف في القراءات.


إلى غير ذلك من الأعلام الذين قيل عنهم إنهم أول من ألفوا في علم القراءات. وكل ما ذكرناه من أسماء أو أغفلناه منها ففي النفس منه من كونهم أول المؤلفين في علم القراءات نظر, إذ القول بأن هؤلاء هم أوائل المؤلفين مفتقر إلى برهان قاطع, وليس ثمة دليل على ذلك, والذي تطمئن إليه النفس أن القرنين الأول والثاني الهجريين كانا عصري حفظ وليسا بعصور تدوين, ومع ذلك فلا مانع من أن تكون هناك كتابات في علم القراءات, غير أنها ليست شاملة وجامعة كما سبق.


لقد كان أبو عبيد القاسم بن سلاَّم هو أول إمام معتبر دوّن القراءات وجمعها في مؤلف واحد, وجعلهم خمسة وعشرين قارئاً مع القراء السبعة.

قال الحافظ ابن الجزري – رحمة الله - : " فلما كانت المائة الثالثة واتسع الخرق وقل الضبط, وكان علم الكتاب والسنة أوفر ما كان في ذلك العصر, تصدّى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات, فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد القاسم بن سلاّم, وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئاً مع هؤلاء السبعة " ( النشر: 1/ 33 – 34, وغاية النهاية: 2/ 17 – 18 ).



يتبع بعون الله

رد مع اقتباس