عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 06-17-2012, 10:30 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم


شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-

[الدَّرس الثَّاني عشر]

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فوصل بنا المقام إلى مبحث أصولي مهم، يكثر دورانه، وتلهج الألسنة به في كتب التفسير وفي كتب شرح دواوين السنن، فضلا عن كتب الفقهاء والأصوليين، وهذا المبحث هو صِيَغ العموم.
فالنص إن شمل جميع أفراده دون خروج أي فرد من الأفراد؛ فلهذا النَّص صِيَغ معلومة اعتنى بها الناظم في ثلاثة أبيات، وفاتته أشياء يأتي التنبيه عليها في حينه إن شاء الله، قال الناظم في البيت الثاني والثلاثين -وقد فرغنا منه في الدرس الماضي-، قال:
32. وَ(أَلْ) تُفِيـدُ الْكُـلَّ فـِي الْعُـمُــومِ ... فِي الجَمْــعِ وَالإِفْــرادِ كَالْعَــلِيـمِ
العليم: مفرد محلى بألف ولام، فالألف واللام التي تفيد الجنس لا العهد إذا دخلت على لفظ مفرد، أو دخلتْ على جمع؛ فإنها تشمل جميع الأفراد ولا يخرج فرد منها لأنها من صِيَغ العموم.
ذكرنا أمثلة كثيرة على هذا.. تذكرون.. إيش ذكرنا من الأمثلة؟
[مداخلة: قوله -عزَّ وجلَّ-: {فعصى فرعونُ الرسولَ}] قلنا: الرسول هذه للعهد، وهذه لا يراد بها إلا موسى، هذه ليست للجنس فهي من ألفاظ العموم، لأن الشرط في المفرد أن تكون الألف واللام للجنس لا للعهد.
نريد الألف واللام للجنس حتى يكون الأمر عاما.... [مداخلة]
{ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}، {والعصر. إن الإنسان لفي خسر} الإنسان: مفرد محلى بالألف واللام يشمل جميع الإنسان.
{وأحل اللهُ البيعَ وحرَّم الربا} البيع -قلنا- مفرد محلى بالألف واللام، والربا مفرد محلى بالألف واللام؛ فجميع البيوع مشروعة.
بيع المعاطاة: اليوم كل البيوع بيع اسمه بيع المعاطاة، إيش يعني بيع المعاطاة؟ يعني تحمل السعلة وتضع الثمن وتمشي دون عقد ودون كلام، أغلب البيوع اليوم اللي على الكاش في السوبر ماركت وتحمل السلة ولا العرباية تجمع مجموعة أغراض تضعها على الصندوق ويحسب، وترى على الشاشة الرقم، تدفع المال وتمشي، تم عقد؟ تم إيجاب وقبول؟ فيه كلام؟ ما فيه كلام، بس تم إيجاب وقَبول؟ نعم، فيه إيجاب وقبول، إيش إيجاب وقبول؟ القرينة. القرائن لها اعتبار.
تخيل: ترى واحد شاب يركض وبيده شماغ، وخلفه ختيار كبير يركض وراءه ورأسه مكشوف، إيش تقول؟ من القرائن إيش تقول؟ أنت ما شاهدت شيئا! أن تقول: الشاب سرق شماغ الختيار، والختيار يركض وراه يريد الشماغ.
فالقرائن لها اعتبار.
عثمان جلد رجلا لأنه قاء الخمر، وعمر رجم امرأة لأنها جاءت حُبلى، يعني حبلى وما زنت! ورجل قاء الخمر وما شرب خمرا!
فالقرائن لها اعتبار.
ولما فتح النبي خيبر كان كعب بن أُبَي -رئيس اليهود- كان عنده أموال كثيرة جدا، والنبي باغتهم، فقال النبي للمقداد وعلي أدِّباه وخذا ماله، أخرِجا مالَه، فهدَّداه بالضرب، فأبى أن يظهر ماله، وقال: لقد أنفقتُها، فقال له النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «المال كثير والعهد قريب» إيش يعني؟ يعني: القرائن معتبرة.
لذا العلماء يذكرون: هل يجوز في الشرع أن يضرب الشُّرَطي المتهم، يجوز ولا لا يجوز؟ إيش رايكم؟ حسب القرائن: إذا جاء إنسان متهم لأول مرة ولا يُعرف له أسبقية لا يُضرب، لكن جاء رجل وقد سرق مرات ومرات يُضرَب وهو برئ، هو مش بريء بحُكم الأسبقيات، فالقرائن لها اعتبار.
طيب؛ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} إيش المؤمنون؟ جمع محلى بالألف واللام، كل من كان مؤمن بالله ورسوله كلهم أولياء بعضهم بعضا، هذه الآية تهدم الحزبية، إذا كنتَ في حزبي معي، وإذا ما كنت في حزبي مش معي! المؤمنون كلهم، لفظ عام، كل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، كل المؤمنات بعضهن أولياء بعض، ما فيه ولاية خاصة وولاية عامة، المؤمنون يحبون بعضهم بعضا وينصر بعضهم بعضا إلخ.
إذن: من ألفاظ العموم: اللفظ المفرد المحلى بالألف واللام إن كانت للجنس، ولفظ الجمع المحلى بالألف واللام.
هاتان صِيغتان، نأتي لصِيَغ أخرى، يقول الناظم في البيت الثالث والثلاثين، شرحنا البيت الثاني والثلاثين بالتفصيل، نأتي الآن للثالث والثلاثين:
33. وَالنَّـكِـراتُ فـِي سِـيَـاقِ النَّـفْــيِ ... تُعْطِـي الْعُمُومَ أَوْ سِيـاقِ النَّهْــيِ
فإذا عندنا نكرة جاءت في سياق نفي -بغض النظر عن أداة النفي: لن، لم، لا- أو نكرة في سياق النهي -فالنهي يشمل النفي وزيادة-، ونحن نضيف من عندنا شيئا فات الناظم فنقول أيضا: (أو في سياق الشرط).
فالنكرة يعني غير المعرَّفة، التعريف عند العرب يكون أحيانا بالإضافة، وتكون أحيانا بالألف والله، فالذي يسبقه ألف ولام معرَّف، والذي لا يسبقه ألف ولام يكون نكرة، وإذا أضفتَه يكون معرَّفًا، وإذا لم يُضَف يكن نكرة.
فالنكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النهي، والنكرة في سياق الشرط: هذه كلها من صِيغ العموم بلا خلاف.
والعموم فُهم عقلًا لا وضعًا، ولا أريد التفصيل، أريد أن أبقى في الكليات حتى نفهم الأمر على وجهٍ حسن.
فمثلا: الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (لن) إيش هذه؟ لن نفي، وأقوى أنواع النفي الـ(لن)، و(الكافرين) غير محصورين غير معروفين هم نكرات من أي جنس كانوا، {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (سبيلا) نكرة ولا معرَّفة؟ نكرة، طيب؛ السبيل المَنفِي للكافرين على المؤمنين ما هو؟ كل أنواع السبيل، إيش يعني كل أنواع السبيل؟ هل للزوج على زوجته سبيل؟ لك قوة على زوجتك؟ الزوج بالقوة؟ له ولا ما له؟ هل يمكن أن نستدل بهذه الآية على حرمة تزوج المسلمة من كافر؟ يمكن؟ عند من يمكن؟ عند الأصولي يمكن، هل يجوز أن تستعين بالكافر على المسلم؟ يجوز ولا لا يجوز؟ ليش؟ عند الأصولي، الكافر ما يكون له سبيل على المؤمن.
هل يجوز أن يعمل المسلم عملا ذليلا فيه إهانة له عند الكافر؟ يعني تعمل كناسا خادما ذليلا كأنك متاع أو سقط، ولا رأي لك ولا وزن، يجوز للمسلم أن يعمل هذا النوع من العمل عند الكافر؟ لا يجوز ليش؟ لأن من عمل هذا العمل يصبح للكافر عليه سبيل، والله يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فالسبيل نكرة، وهذه النكرة جاءت في سياق النفي، فهي تشمل وتعم كل نوع من أنواع السبيل.
هل يجوز تمكين الكافر من المصحف على غير وجه الهداية؟ أنه يهتدي للدين؟ ليس له علينا سبيل، ليس له أن يتمكن من ديننا وأن يكون له سبيل في كتابنا، ولذا نهى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن السفر بالقرآن إلى أرض الكفار، فليس لهم سبيل، أي نوع من أنواع السبيل مَنفي في شرع الله -عزَّ وجلَّ- عن الكافرين؛ لأن الله في سُنته في كونه وشرعه أراد العِزَّة للمؤمن، المؤمن عزيز، لا يَقبَل للكافر أن يكون له عليه سبيل.
فكل ما يخطر في بالك من سبيل -مادي أو معنوي- لأي كافر على المسلم ممنوع ومنفي، فيشمل جميع أنواع السبيل.
الله يقول: {ولم تكنْ له صاحبةٌ} من صاحبتك؟ أنت من صاحبتك؟ لك صاحبة؟ الزوجة في القرآن هي الصاحبة بالجنب، وين ما لفيت جنبك صاحبتك جنبك، ما أجمل الزوجة أن تكون زوجةً وصاحبة، الرجل يحتاج للمرأة في الأوائل على حال وفي النهايات على حال، لذا قال الله تعالى: {وَجَعل بينكُم مودَّةً} في الأوَّل {ورحمةً} في الآخِر، أوَّل الحياة تحتاج للمودَّة: حب وعواطف، وفي آخِر الحياة إيش ينبغي أن يكون بين الأزواج؟ {الرَّحمة}، وليش قال الله: {وجعَل} ولم يقل: وخَلَق؟ لأنها تأتي شيئًا فشيئًا، لو قال: خلق؛ جاءت مرة واحدة، لكن قال: {وجعَل} حتى تحصِّل الرحمة والمودة درجة درجة شيئًا فشيئًا، فالأصل في الأزواج كلما تقدم بهم الوقت تكون العلاقة بينهما أمتن وأهنأ وأمرأ وأفضل وأقرب إلى الله -عزَّ وجلَّ-.
طيب؛ نعود للآية، الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {ولم تكنْ له} الكلام عن (له) لمن؟ لله سُبحانه، {ولم تكنْ له صاحبةٌ} (لم) نفي، و(صاحبة) نكرة، إيش المنفي عن الله؟ أي نوع من أنواع الصحبة -صحبة مساعدة، صحبة حاجة، صحبة شهوة- أي نوع من أنواع الصحبة مَنفية عن الله -عزَّ وجلَّ-.
ولذا الذي يُهنئ النصارى بعيدهم لَما تقول للنصراني: مبروك ميلاد الله -عزَّ وجلَّ-! الله ولد اليوم مبروك! لذا العلماء يعتبرون تهنئة النصراني بعيده كُفر، انتبهوا: ما يعتبرون أن المهنئ كافر، ليس كل من وقع في الكفر كافر.
يقول ابن القيم في «أحكام أهل الذمة»: «تهنئة النَّصراني في عيدِه أبغض عند الله من الزنا واللواط وشرب الخمر والسرقة مجتمعات» أوه! مصيبة! تهنئة النصراني بِعيدِه أبغض عند الله من هذه الكبائر مجمتعة، لما تقول له: مبروك! شو يعني مبروك؟! يعني ولم تكن له صاحبة منفية، هذه لا وجود لها، فإيش يعني {ولم تكنْ له صاحبةٌ}؟ جميع أنواع الصحبة منفية عن الله -عزَّ وجلَّ-، فـ(صاحبة) لفظ عام يشمل نفي جميع أنواع الصحبة.
الآن لما فهمنا القاعدة اتسعت مداركُنا، {ولم تكنْ له صاحبةٌ} (صاحبة) نكرة (لم) نفي، نكرة في سياق النفي، فتنفي عموم أنواع الصحبة.
طيب؛ الله يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (لا) إيش اللا هذه؟ نفي، و(شيء) نكرة، (ولا يحيطون) إيش تحيط أنت بشيء من علم الله؟ عِلمك بالنسبة إلى عِلم الله لا شيء، هذه الـ(شيء) هذا الاسم (شيء) يعم كل شيء، يعم كل ما يخطر في بالك، فالإحاطة ممتنعة، لا يمكن لعبد مهما كان -سواء كان نبيا مرسلا أو ملَكا مقرَّبا- لا يمكن أن يحيط بعلم الله، فالإحاطة بعلم الله -سُبحانه وتعالى- منفية بالكلية.
{لا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها} (لا) نافية، و(نفسًا)؟ نكرة، طيب؛ {لا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها} تشمل من؟ تعم جميع الخلق، جميع الخلق من الأنبياء من الصالحين الفاسدين ما فيه نفس تكلَّف تشمل وتعم جميع المكلَّفين -الجن الإنس-، كل المكلَّفين، {لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها} فـ(نفس) نكرة جاءت في سياق النفي فعمَّت جميع ما يشمله اسم (النفس).
{لا ظُلمَ اليوم} (ظلم) نكرة (لا) نافية، أي نوع من أنواع الظلم منفي؟ تعم جميع أنواع الظلم، يوم الآخرة ما فيه ظلم، الدنيا يقع ظلم.
رجل أعرابي، والأعراب على السجية، رأى رجلا مظلومًا، وقف على مظلمته، فمات ولم يَقتص من ظالِمه، فقال: والله؛ إني تيقَّنتُ على اليوم الآخر! ما دام أنت مظلوم، ومت وأنت مظلوم إذن لا بد فيه حياة أخرى؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- عادل.
فالدنيا يقع ظلم، أما في الآخرة الله -عزَّ وجلَّ- ماذا قال في الآخرة؟ قال: {لا ظُلمَ اليوم} يقتص الناس يوم القيامة من حسناتهم، «أتدرون من المفلس؟» قالوا: من لا درهم له ولا متاع يا رسول الله! قال: «لا، المفلس من جاء وضرب هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته» فالقصاص يوم القيامة بالحسنات.
الله يقول: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (أحد) نكرة، (لا) ناهية، فالنكرة في سياق النهي تفيد العموم فتشمل جميع المنافقين، جميع من تيقن النبي على نفاقهم فلا يجوز له أن يصلي على قبره.
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} (شيء) نكرة، و(لا) ناهية، إيش {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} يشمل كل شيء، أي شيء في المستقبل تريد أن تعمله قُل: إن شاء الله؛ لأن (شيء) نكرة في سياق النهي، والنكرة في سياق النهي تفيد العموم.
{واعبُدوا اللهَ ولا تُشرِكوا به شيئًا} (لا) ناهية، (شيئا) نكرة، تشمل كل أنواع الشرك، الشرك اللفظي ممنوع، تقول: (ما شاء الله وشئت) ممنوع، والأمانة؟ هذه عبارة كثيرة على ألسنة الناس، النبي يقول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «ليس منا من حلَف بالأمانة»، لا تقُل: (بالأمانة)، لا تحلف إلا بالله، والحلف بالله إن خرج من القلب على وجه التعظيم له فهذه عبادة، فتعظيم الله عبادة من العبادات، ولذا النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أكثر من الحلِف.
{ولا تُشرِكوا به شيئًا} يشمل شِرك اللسان، شِرك القول، شِرك العمل، شِرك القلب، فـ{ولا تُشرِكوا به شيئًا} تشمل جميع أنواع الشرك؛ لماذا؟ لأن (شيئًا) نكرة جاءت في سياق النهي وهي تدل على العموم.
في «الصحيحين» لما سقط رجل وكان مُحرِمًا في الحج عن دابته، فقال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لمن أراد يغسِّله: «ولا تمسُّوه بطِيب» هذه الـ(لا) ناهية، والـ (طيب) نكرة، أي نوع من أنواع الطيب ممنوع أن يمس المُحرم إن مات في تغسيله؟ جميع أنواع الطيب، كل أنواع الطيب ممنوعة.
فقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «ولا تمسُّوه بطِيب» تشمل كل شيء، الملاحظ أن أداة النفي وأداة النهي تدخل أحيانا على النكرة مباشرة، وأحيانا تدخل على عامل النكرة، وكلاهما في الحُكم سواء.
طيب؛ نأخذ مثلا جملة من الأدلة في نكرات في سياق الشرط، وهذا الذي أهمله الناظم رحمه الله.
الله يقول -عزَّ وجلَّ-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يعني: أي الأمور تُرد عند النزاع إلى الله والرسول؟ الأشياء الفخمة، الأشياء الكلية، الأشياء الكبيرة؟ ولا كل الأشياء؟ إيش الجواب؟ كل الأشياء، لماذا كل الأشياء؟ لأن (شيء) نكرة جاءت في سياق الشرط، إيش الشرط؟ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} (إنَّ) للتأكيد، أما (إنْ) حرف شرط، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} (شيء) نكرة جاءت في سياق الشرط فتعم كل الأشياء المنازَع فيها، كل شيء تنازعت أنتَ وأخوك فيه؛ فحقُّه أن يُرد إلى الله ورسوله.
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (وما) هذه الـ(ما) أيضا من ألفاظ العموم كما سيأتينا في البيت الذي بعده، هذه (ما) الموصولة التي هي بمعنى (الذي)، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} الذي اختلفتُم فيه فردوه إلى الله ورسوله.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول عن الكفار: {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً} (آيةً) نكرة، و(إن) شرطية، أي الآيات إن رآها الكفار يُعرضوا؟ أي آية، الكافر لو رأى الجبال تتناطح بين يديه يُعرِض ولا يؤمن؛ لأن الكفر عناد، الكافر معاند، فالله -عزَّ وجلَّ- أخبرنا عن الكفار فقال: {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً} أي آية، آية نكرة في سياق الشرط فتعم فتشمل جميع الآيات مفردة مجتمعة جميع أنواع الآيات.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} الكلام عن الزوجات الناشزات، المرأة لما تنشز توعَظ، ثم تُهجر في الفراش، ثم تُضرب ضربًا غير مبرِّح لا يكسر عظما ولا يعلم ولدًا بما يجري بين الأزواج، كله في غرفة النوم كما يقولون اليوم، ما أحد يعلم ماذا يجري بين الزوجين، فإن بقيت المرأة ناشزا ثم أظهرت الطاعة، فماذا يقول الله -عزَّ وجلَّ-؟ يقول: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} إيش (إن) هذه؟ شرطية، يقول: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} إيش السبيل الذي لا يجوز للرجل أن يستخدمه في حق المرأة الناشز إن عادت للطاعة؟ كل أنواع السبيل، إيش السبيل؟ الكلام الخشن يُمنع استخدامه، الضرب يُمنع استخدامه، التعنيف التأنيب، أي نوع من أنواع السبيل الذي هو للزوج منفي عنه إن أظهرت المرأة النشاز الطاعةَ لزوجها، {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} الزوج النشاز إن أطاعت فالله يقول للأزواج إيش: {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} تشمل إيش (السبيل)؟ تشمل الطلاق، إذا كان زوجتك ناشزًا وعادت للطاعة حرام عليك تطلقها، الأصل في الطلاق الحُرمة، الأصل في الطلاق الحظر، لكن لا يَلزم ممن أوقع الطلاق أن يُخبر عن السبب -حتى لا يقع إخواني في إشكال- لا يَلزم لمن أوقع أو لمن أراد أن يوقِع أن يُخبر، هذه حياة خاصة بالأزواج، ما أحد يعرف ماذا يجري، لكن الموجود في أعماق كل مسلم أنه لا يجوز له أن يضار زوجته، ولا يجوز أن يكون ذواقًا، يطلق اليوم وبكرة يتزوج وبعده يطلق.. هذا ممنوع شرعًا، لأن الله يقول: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} ما دامت المرأة على الطاعة إذا كان هذا الحُكم بعد النشاز، فكيف إن كان الحُكم قبل النشاز؟ إذا كان الحُكم قبل النشاز من باب أولى صحيح؟ فإذا كانت المرأة طائعة، فلا يجوز أن تستخدم السبيل عليها، والواجب عليك أن تعاشرها بالمعروف، {وعاشِروهُنَّ بالمعروفِ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} شو (السبيل) هذه؟ من ألفاظ العموم، ليش من ألفاظ العموم؟ لأنها نكرة في سياق الشرط فتعمُّ، فأي نوع من أنواع السبيل ممنوع في حق الرجل.
طيب؛ الآية التي دائما نقرؤها أو نمثِّل بها: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (تجدوا) فعل، فاعل (تجدوا) إيش؟ الواو، الواو نكرة أم معرَّفة؟ نكرة، مش معروفين، هذه نكرة، جاءت في سياق (الشرط) (فإن لم..) [تنبيه: الشيخ -حفظه الله- ذَكَر الآيةَ على أنَّها (فإن لم تجدوا..) وليست كذلك].
فكل أنواع عدم الوصول للماء ووجود الماء سواء وجود حسي أو وجود معنوي، نتحول من الماء إلى التيمم، قد أجد الماء حسيا لكن لا أستطيع أن أستخدمه لمرض أو برد فأنا لستُ واجدًا للماء، فيكون إيش هنا؟ عموم جميع أنواع الوجود، فكل الأنواع داخلة تحت الآية (فإن لم تجدوا الماء) [سبق التنبيه على أن الآية: {فلم تجدوا ماءً}] هؤلاء إن لم يجدوا الماء، إن وجد بينهم وبين الماء سبع، إن عُرض عليهم بأضعاف كثيرة من سعره المعتاد هذا لم يجد الماء، إن وَجده لكنه كان بعيدًا جدا عنه؛ هذا لم يجد الماء، قد يقال للإنسان بعد 20 كيلو فيه ماء؛ أنت ما وجدت الماء؛ لأنها من ألفاظ العموم.
طيب؛ النكرة في سياق الإثبات إيش تفيد؟ النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم.
إذن استفدنا من البيت السابق والبيت اللاحق أن من ألفاظ العموم عند الأصوليين:
1- المفرد المحلى بـ(أل) إذا كانت الألف للاستغراق.
2- الجمع المحلى بـ(أل).
3- النكرة في سياق النفي.
4- النكرة في سياق النهي.
وأضفنا صيغة خامسة:
5- النكرة في سياق الشرط.
هذه خمس صيغ من صيغ العموم.
نأتي الآن لصيغ أخرى ذكرها الشارح أيضا، وهي الأسماء المبهمة.
فالأسماء المبهمة مثل: (من) و(ما) هي من ألفاظ العموم.
يقول الناظم:
34. كَذاكَ (مَـنْ) وَ(مَـا) تُفيـدانِ مَعَـا ... كُلَّ الْعُمـومِ يَـا أُخَــيَّ فَاسْمَـعَــا
(كَذاكَ (مَـنْ) وَ(مَـا) تُفيـدانِ مَعَـا ... كُلَّ الْعُمـومِ) تفيد (كل) بمعنى: العموم (يَـا أُخَــيَّ فَاسْمَـعَــا)
إيش الفرق بين (مَن) و(ما)؟ الغالب في استخدام (مَن) للعاقل، واستخدام (ما) لغير العاقل، هل هذا أمرٌ مُطَّرد؟ غير مطرد، طيب؛ هل مِن شواهد؟ [مُداخلة: {إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ}] (ما بقومٍ) هذا لغير العاقل. نريد (ما) للعاقل؟ [مداخلة: {ولله ما في السماوات..}] هذه (ما) للعموم تشمل كل شيء، ولا نريد أن نعمل مشكلة: هل الملائكة عقلاء أم غير عقلاء!
تعرفون المشكلة التي جرت بين العلماء في الملائكة هل هم عقلاء أم غير عقلاء؟
جرت قطيعة وردود شديدة بين إمامين من أئمة العصر: الشيخ أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقي، فالشيخ حامد الفقي كان يقول: الملائكة لا نصفهم بأنهم عقلاء، والشيخ أحمد شاكر كان يقول: نصفهم بأنهم عقلاء، وكتب بعضهم على بعضٍ ردودا لسنا بحاجة لهذا المثال، حتى لا يُقال أننا مع فريق دون فريق!
لكن الله -عزَّ وجلَّ-: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} إيش هذه (ما)؟ بمعنى (مَن) للعقلاء، الله قال: {فانكِحوا ما طابَ لكم من النساء} هذه (ما) إيش تفيد؟ هي بمعنى (مَن)، والله -عزَّ وجلَّ- يقول بعد أن ذكر المحرَّمات من النساء قال: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (ما) هنا بمعنى (مَن).
فهذه مواطن ثلاثة في كتاب ربنا جل في علاه جاءت فيها (ما) للعاقل.
الغالب في استخدام (مَن) أنها للعاقل، والغالب في استخدام (ما) أنها ليست للعاقل، ولكن قد تأتي (ما) للعاقل كما في الآيات الثلاثة التي سمعناها.
نعود لكلام الناظم، يقول:
34. كَذاكَ (مَـنْ) وَ(مَـا) تُفيـدانِ مَعَـا ... كُلَّ الْعُمـومِ يَـا أُخَــيَّ فَاسْمَـعَــا
فـ(مَن) الشرطية و(مَن) الموصولة، و(مَن) الاستفهامية كلها من ألفاظ العموم.
متى وجدت هذه (مَن) وكذلك (ما) في الآيات والأحاديث فهي تشمل كل الخلق.
فربنا يقول -سُبحانه وتعالى- في (مَن) الشرطية يقول: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} {فَمَنْ شَهِدَ} تشمل إيش هذه؟ كل مكلًَّف عاقل بالغ يجري عليه القلم، يشهد هلال رمضان؛ الواجب عليه الصيام، حتى قال بعض العلماء بناء على العموم الذي في الآية: من شهد الشهرَ ولو شهد يومًا واحدًا فمات ولم يصمهُ فعلى أوليائه أن يدفعوا كفارة الشهر كاملًا.
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والمسألة قائمة على أصل: هل رمضان يتجزأ أو لا يتجزأ، هل نحتاج لنِية في كل يوم أم أن النيَّة الواحدة عن كل الشهر تجزئ، فمن قال: النية تجزئ والشهر لا يتجزأ ولا يتبعَّض؛ قال: من شهد يومًا فمات فيجب على أوليائه أن يدفعوا كفارة الشهر كاملًا.
ومن قال أن كل يوم يحتاج لنِيَّة وهذا هو ظاهر الحديث لقوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لا صيام لمن لم يُبيت الصيام من الليل» قال: بمقدار ما أفطر ندفع الفِدية، ولو دُفعت الفدية عن كل الشهر؛ حسَن، ليش حسن؟
طيب؛ أسألكم: كم مقدار صدقة الفطر؟ 3 كيلو إلا قليل من الأرز، صاع، لو الإنسان دفع 5 كيلو أرز صدقة فطر جائز ولا غير جائز؟ [مداخلة: جائز]
طيب؛ إنسان معه ألف دينار، كم زكاة الألف دينار؟ 25، دفع أربعين دينارا، جائز ولا غير جائز؟ [مداخلة: جائز] جائز؟
طيب؛ إنسان صلى الظهر خمس ركعات بدل أربع ركعات؟ [مداخلة: غير جائز] طيب شو الفرق؟ ليش في الزكاة الـ(25) تجوز الأربعين، وفي الصلاة بدل ما تصلي أربع ركعات نصلي ست ركعات ليش خمسة؟ فيه فرق؟
طالب العلم يقول دائما حديث عائشة: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
فلو قال لك قائل: صدقة الفطر صاع، فأنت قدمتَ صاعين، وبعض الناس يكون عن نفسه أو هو وزوجته وأولاده يقدم [...]، عليهم مثلا: عشرة كيلو أو أقل أو أكثر يقدم خمسين كيلو، مشروع ولا ممنوع؟
ما نريد من ثمرة هذا الدرس أن البعض يمتنع عن الخير، لا؛ يجوز تقدِّم وتزيد في صدقة الفطر، ويجوز تزيد في زكاة المال، لكن لا يجوز لك أن تزيد في الصلاة، شو الأصل إخواني يا طلبة العلم؟ إيش الأصل؟ تفضل! [مداخلة: العبادات توقيفية] ما هي الزكاة عبادة توقيفية...
العبادات توقيفية، والزكاة عبادة ولا مش عبادة؟ [مداخلة: عبادة] صدقة الفطر؟ [مداخلة: عبادة] فلو احتج عليك الذي يمنع الزيادة في صدقة الفطر والزكاة بقوله: هذه عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، فإيش جوابك؟ أنت انتبهتَ للصلاة فأصبتَ، لكن بقي عليك أن تجاوب على صدقة الفطر والزكاة.
طيب؛ نسمع من عنده جواب؟... [مداخلة: شيخنا إذا كان النفع متعديا أو قاصرا، نفرق في العبادة ما إذا كان النفع متعديا أو قاصرا، فالصلوات النفع قاصر على المرء وفي الزكاة يجوز الزيادة بنِيَّتين يعني في الزكاة هذه نية، والزيادة تنوي لها] تقصد أن تقول: أن الذي يدفع هو ما نوى الأربعين دينارا زكاة، هو نوى (25) زكاة و(15) صدقة، مثل من يريد أن يصلي ست ركعات، نقول له: صل أربع ركعات فريضة، بعد ما تفرغ من أربع ركعات فريضة قم وصل ركعتين سنة، فيه مشكلة؟
حتى نساوي بين المسألتين: واحد قال: أنا أصلي الظهر ست ركعات، نقول: لا؛ ما يجوز لك شرعًا، وإذا اعتقدت أن ست ركعات فرض الظهر أنت كافر ؛ لأنك خالفت المتواتر من الدين، لكن بدّك تتطوع صلِّ أربع ركعات، وسلِّم من أربع ركعات فرض الظهر، وبعد ما تفرغ من أربع ركعات قم وصلِّ ركعتين، فيه مشكلة هنا؟ ما فيه مشكلة.
لو اعتقدت أربعين دينارا زكاة غلطان أنت، ما يجوز لك شرعًا، حرام، تقول: الواجب في ذمتي أدفع زكاة الله كلَّفني بأربعين دينارا، أنت آثم بهذا الاعتقاد؛ لأنك خالفتَ دين الله، لكن أنت تقول: الله أوجب علي أدفع (25) والله جل في علاه أطلق لي الصدقة، فالله كلَّفني بـ(25) دينارا، هذه (25) زكاة، والـ(15) صدقة، فيه مشكلة هنا؟ ما فيه مشكلة.
مثل: إنسان يريد بعد ما صلى الفريضة بالمقدار الذي أمره الله تعالى بها يقوم ويتطوع ما شاء، على أن لا يتخذ ذلك عادة حتى لا يغتر الناس به، وهذا الذي يسمى في القواعد الفقهية -وذكرناه أكثر من مرة- الذي يسمى: المتصل والمنفصل، فيه أشياء تَقبل الاتصال وفيه أشياء لا تقبل الاتصال.
في الزكاة: إن زدنا عليها؛ كانت منفصلة، وأما الصلاة: فهي متصلة، ولا يَقبل أن يوصَل بها غيرُها.
يعني أضرب لكم أمثلة، وهذه الأمثلة مشهورة جدا عند العلماء، يقولون: إنسان ينظر، فوقعت عيناه على امرأة جالسة على بلكونة، ولم يرَ منها إلا شعرها، ما رأى من المرأة إلا شعرها، هل يجب عليه أن يغض بصره عن شعرها؟ يجب غض البصر.
طيب؛ امرأة قطعت شعرها فرمتْهُ، فرأيتَ شعرها في الزبالة، فهل يجب عليك أن تغض بصرك عن شعرها؟ لا، شو الفرق؟ هناك متصل، وهنا منفصل.
هذا العلماء يقولون (المتصل والمنفصل)، أحكام الاتصال غير أحكام الانفصال.
وأكثر مثل يذكرونه الفقهاء في هذا الباب: مسألة الطلاق، الفقهاء جميعا يُفرِّقون بين من يقول لزوجته: يدك طالق، رأسك طالق، رجلك طالق، يقولون: هذه تطلق.
وبين من يقول لها: ثوبك طالق! يقولون: هذه لا تطلق؛ لأن الثوب منفصل عنها، الثوب طالق؛ خلعنا الثوب ورميناه! وخلاص! أزال الطلاق.
أما اليد والرأس والقدم؟ لا يمكن الانفكاك عنه، فاليد والقدم متصل، والثوب منفصل.
ولذا: العلماء يفرقون بين أحكام الاتصال وأحكام الانفصال، فيقولون: المتصل لا يُعطى حُكم المنفصل.
فالزكوات قائمة على الانفصال، وصدقات الفطر قائمة على الانفصال، ما فيش فرق، تقول: هذه 3 كيلو صدقة فطر، وهذه 10 كيلو فوقهم أو 7 كيلو فوقهم عبارة عن صدقة مطلقة، فلو حَمَلت العشرة كيلو أرز مع بعض ووديته للفقير فأنت: 3 كيلو صدقة فطر، و7 كيلو.. فهذا يَقبل الاتصال.
والصلوات الخمس ركعات والست ركعات لا تَقبل الاتصال، فلا بد لها من انفصال، لا بد تؤدي الأربع ركعات الأول وبعد الأربع ركعات تؤدي الركعتين.
مثل ستر العورة، إنسان فيه خرم في ثوبه تبان عورته، وله لحية طويلة، فيستر هذا الخرم بلحية طويلة جدا، والأمر ممكن، فهل ستر العورة باللحية الطويلة تجزئ؟ لا تجزئ، ليش لا تجزئ؟ لأن اللحية متصلة به، لكن لو سترها بشعر منفصل؛ لأجزأ.
فالاتصال والانفصال له أحكام كثيرة.
[مداخلة: لعل في الصلاة الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «وتحليلها التسليم» فهنا يكون فيه انفصال... أما في الزكاة لا يوجد هذا]
بلا شك، لا يلزم الاتصال فقط النص، أحيانا العقل والفهم كما ذكرنا في الثوب والرأس، ما فيه نص، لكن عقلا يقبل هذا الانفصال، وهذا لا يقبل الانفصال وهكذا.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} هذه (مَن) إيش؟ شرطية، تشمل من؟ تشمل كل مكلَّف، كل إنسان، كل من يعمل سوءًا لا بد أن يجزى به، كل من مكر وفعل سوءا لغيره لا بد أن يجازيه الله به، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فـ(مَن) هذه شرطية، وهي من ألفاظ العموم، تعم جميع المكلَّفين.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هذه (مَن) إيش؟ شرطية، تشمل تعم كل المكلفين، كل من يقتل فجزاؤه جهنم، كل من يقتل مؤمنا متعمدا، طبعا ما لم يكن حلال الدم، فهذا جزاؤه جهنم.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} هذه تشمل كل من يعمل خيرًا أو شرًّا.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} هذه (مَن) تشمل كل متَّقٍ مهما ضاقت به الأمور إن اتقى الله -عزَّ وجلَّ- لا بد أن يجعل له مخرجا، فهذه (مَن) شرطية من ألفاظ العموم.
الله يقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} هذه (مَن) تشمل من؟ تشمل كل معتدٍ، كل من يعتدي عليك فلك شرعًا أن تعتدي عليه بالمثل {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، فهذه (مَن) شرطية من ألفاظ العموم.
(مَن) أحيانا تأتي بمعنى (الذي)، وهي التي تسمَّى في العربية (الموصولة)، فـ(مَن) الشرطية و(مَن) الموصولة كذلك من ألفاظ العموم، كقوله -عزَّ وجلَّ-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الذي في السماوات والذي في الأرض، فكل الناس عباد لله بالاضطرار، فالسعيد من كان عبدا لله بالاختيار أيضا، كُن عبدًا لله بالاختيار كما أنك عبد لله بالاضطرار.
فـ(مَن) هذه تشمل جميع من في السماوات وجميع من في الأرض، هم عبيد لله -سُبحانه وتعالى-.
الله يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} هذه إيش (مَن)؟ من ألفاظ العموم.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} من ألفاظ العموم.
فإذن: (مَن) من ألفاظ العموم، وكما يقول الناظم: (كَذاكَ (مَـنْ) وَ(مَـا))، و(ما) أيضا تكون من ألفاظ العموم سواء كانت شرطية أو كانت الموصولة بمعنى (الذي)؛ كقوله -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} هذه (ما) إيش؟ (ما) شرطية، فأي شيء تعمله الـ(ما) تشمل كل عمل فهي من ألفاظ العموم تعم جميع الأعمال التي تعملها فإن الله -عزَّ وجلَّ- يعلمها، علم الله يشمل كل شيء، يشمل العلم في الكليات والجزئيات، هذا مذهب أهل السنة.
طيب؛ إيش نرد على من قال: {[الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا]} في «الأنفال»؟ المعتزلة قالوا: علم الله يشمل الكليات ولا يشمل الجزئيات؛ لأن الله يقول لأهل بدر: {[الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا]}، إيش جواب أهل السنة عليهم؟ قالوا: هذا علم ظهور، ظهر الضعفُ الآن، فالعلمُ الآن علم الله؛ ظهَر الضعفُ، أما علم الله -عزَّ وجلَّ- به كان سابقًا، فعِلمه سُبحانه يشمل الكليَّات والجزئيَّات؛ لعموم قوله تعالى: {وما تفعلوا مِن خيرٍ يعلمه الله}.
{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} في «البقرة» إيش (ما) هذه؟ لعموم الآيات، كل آية نُسخت فالله -عزَّ وجلَّ- يأتي بخير منها أو مثلها.
كذلك الـ(ما) الموصولة، الله يقول: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} تشمل جميع من في السماوات ومن في الأرض {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وهذه (ما) تشمل كل شيء؛ فهي من ألفاظ العموم.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} أي شيء تقدمه، تشمل كل شيء، فهذه الـ(ما) والـ(مَن) من ألفاظ العموم.
فمتى جاءت هذه الأسماء المبهمة وما يحلق بها فهي من ألفاظ العموم، وللكلام تتمة نُكمله إن شاء الله تعالى في درسنا القادم.

انتهى (الدرس الثاني عشر).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
الثاني عشر..
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس