عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-17-2011, 09:08 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي حكم قراءة القرآن في المقابر

حكم قراءة القراءن في المقابر
نصُ أثر ابن عمر رضي الله عنه وتخريجهُ
عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ، عن أبيه أنه " أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة ، وخاتمتها ، وقال : سمعت ابن عمر يوصي بذلك" رواه الطبراني في الكبير و رجاله موثقون مجمع الزوائد ج3/ص44
قال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز مايلي:
جاء في (كتاب الروح) لابن القيم (ص 13): قال الحلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوارق: ثنا علي ابن موسى الحداد - وكان صدوقا - قال: كنت مع أحمد بن جنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة! فلما خرجت من المقابر، قال محمد بن قدامة لاحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، (الاصل: الحلاج وهو خطأ) عن أبيه أنه أوصي إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك.
فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل: يقراء).
فالجواب عنه من وجوه: الاول: إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لان شيخ الحلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الان من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقا، فإن الظاهر أن القائل هو الوارق هذا، وقد عرفت حاله.
الثاني، إنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن.
الثالث: أن السند بهذا الاثر لا يصح عن ابن عمر، ولو فرض ثبوته عن أحمد، وذلك لان عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من (الميزان): (ما روي عنه سوى مبشر هذا)، ومن طريقة رواه ابن عساكر (13 / 399 / 2) وأما توثيق ابن حيان إياه فمما لا يعتد به لما اشهر به من التساهل في التوثيق، ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في (التقريب) حين قال في المترجم: (مقبول) يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة، ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثا آخر (2 / 128) وليس له عنده سكت عليه ولم يحسنه!
(سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا).
= الرابع: أنه لو ثبت سنده كل عن ابن عمر، فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه أصلا.
ومثل هذا الأثر ما ذكره ابن القيم أيضا (ص 14): (وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون القرآن).
فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في (شرح الصدور) (ص 15) بلفظ: (كانت الانصار يقرؤون عند الميت سورة البقرة).
قال:
(رواه ابن أبي شيبة والمروزي) أورده في (باب ما يقول الانسان في مرض الموت، وما يقرأ عنده).
ثم رأيته في (المصنف) لابن أبى شيبة (4 / 74) وترجم له بقوله: (باب ما يقال عند المريض إذا حضر) ".
فتبين أن في سنده مجالدا وهو ابن سعيد قال الحافظ في (التقريب): (ليس بالقوي، وقد تغيير في آخر عمره).
فظهر بهذا أن الاثر ليس في القراءة عند القبر بل عند الاحتضار، ثم هو على ذلك ضعيف الإسناد.
وأما حديث (من مر بالمقابر فقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للاموأت أعطي من الاجر بعدد الاموات).
فهو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الحلال في (القراءة على القبور) (ق 201 / 2) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه، وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في (الميزان) وتبعه الحافظ ابن حجر في (اللسان) ثم السيوطي في (ذيل الاحاديث الموضوعة)، وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق في (تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الاحاديث الشيعة الموضوعة).
ثم ذهل السيوطي عن ذلك فأورد الحديث في (شرح الصدور) (ص 130) برواية أبي محمد السمرقندي في (1 فضائل قل هو الله أحد) وسكت عليه! نعم قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه، ولكن هذا لا، يكفي فإن الحديث، موضوع باعترافه فلا يجزي الاقتصار على تضعيفه كما لا يجوز السكوت عنه، كما صنع الشيخ إسماعيل العجلوني في (كشف الخفاء) (2 - 382) فإنه عزاه للرافعي في تاريخه وسكت عليه! مع أنه وضع كتابه المذكرر للكشف (عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس)! ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم من لا علم عنده به أن الحديث مما يصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الاعمال كما يقولون، وهذا ما وقع لهذا الحديث، فقد رأيت بعض الحنيفة قد احتج بهذا الحديث للقراءة عند القبور وهو الشيخ الطهطاوي على (مراقي الفلاح) (ص 117)! وقد عزاه هذا إلى الدار قطني، وأظنة وهما، فإني لم أجد غيره عزاه إليه، ثم إن المعروف عند
المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدار قطني مطلقا يراد به كتابه (السنن)، وهذا الحديث لم أره فيه.
والله أعلم.
أحكام الجنائز للشيخ الألباني (رحمه الله )
وقال الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (9/ 153):
[ وأما الأثر الذي أشار إليه البيهقي رحمه الله؛ فهو مع كونه موقوفاً ففيه عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج؛ وهو مجهول؛ كما حققته في "أحكام الجنائز" (ص 192) ، وقول الهيثمي في "المجمع" (3/ 44) :"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون".
فهو مما لا ينافيه، بل هو يشير إلى جهالته؛ لأن "موثقون" غير "ثقات" عند من يفهم الهيثمي واصطلاحه، وهو يعني أن بعض رواته توثيقه لين، وهو يقول هذا في الغالب فيما تفرد بتوثيقه ابن حبان، ولا يكون روى عنه إلا راو واحد، وهذا هو الواقع في عبد الرحمن هذا كما هو مبين هناك، وقد جهل هذه الحقيقة بعض أهل الأهواء؛ فقال الشيخ عبد الله الغماري في رسالته: "إتقان الصنعة" (ص 110) معقباً على قول الهيثمي "موثقون" ومعتمداً عليه:"قلت: فإسناده حسن"!
وجعله من أدلة القائلين بوصول القراءة إلى الميت، ولا يخفى فساده! ثم أتبعه بحديث الترجمة ساكتاً عنه، متجاهلاً تضعيف الهيثمي لراويه البابلتي، وهو على علم به؛ لأنه منه نقل أثر ابن اللجلاج المذكور آنفاً. ثم ادعى اختلاف آخر الحديث عند الطبراني عنه عند البيهقي، وهو خلاف الواقع.
وقد ستر عليه ظله المقلد له: السقاف؛ فإنه لم يذكر الحديث بتمامه حتى لا يخالف شيخه! انظر ما أسماه بـ "صحيح صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 243) .هذا أولاً.
وثانياً: إنه قال:"قلت: وهو حديث حسن، وحسنه شيخنا ... قلت: بل هو حديث صحيح، احتج به ابن معين كما في "تهذيب الكمال" للمزي (22/ 537-538) والإمام أحمد وعلي بن موسى الحداد؛ كما روى ذلك الخلال. وفي معناه حديث آخر ضعيف الإسناد إلا أنه حسن بهذا الشاهد ... ". ثم ذكر حديث الترجمة إلى قوله: "فاتحة الكتاب" دون تتمته؛ حتى لا يظهر بمظهر المخالف لشيخه كما ذكرت آنفاً!
وأقول: في هذا الكلام غير قليل من الأضاليل والأكاذيب، وهاك البيان:
الأول: ما عزاه لـ "التهذيب"؛ فإنه ليس فيه ما زعمه من الاحتجاج؛ فإن نصه فيه:
"وقال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر؟ فقال: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ... "
قلت: فذكر الأثر. فليتأمل القارىء كيف حرف جواب ابن معين للسائل إلى الاحتجاج بما روى له بالإسناد لينظر فيه؟!
الثاني: ما عزاه لأحمد؛ منكر لسببين:
أحدهما: أن شيخ الخلال فيه الحسن بن أحمد الوراق؛ لا يعرف.
والآخر: أنه مخالف لما رواه أبو داود في مسائله قال:
"سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا".
وهو مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك، وقال هذا:"ما علمت أحداً يفعل ذلك".
فكيف مع هذا كله يكون هذا العزو لأحمد، بل وأثر ابن عمر نفسه صحيحاً؟!
الثالث: ما عزاه لعلي بن موسى الحداد، يقال فيه ما قلنا في الذي قبله؛ لأن الراوي عنه هو الوراق المذكور آنفاً، بل وزيادة؛ وذلك؛ لأن الحداد هذا غير معروف في الرواة فضلاً عن العلماء، فكيف جاز لذاك السقاف أن يقرنه مع الإمامين ابن معين وأحمد، ولا يعرف إلا في رواية الخلال هذه؛ لولا الهوى والإضلال!
الرابع: قوله: "حديث حسن" يناقض قوله: "بل هو حديث صحيح"؛ لأن الأول - وهو قول شيخه الغماري كما تقدم - إنما يعني في اصطلاح العلماء أنه حسن لغيره، وهو حديث الترجمة، ولذلك ذكره عقبه، ولولا ذاك لقال: حسن الإسناد، كما لا يخفى على النقاد. وإذا كان الأمر كذلك، فاحتجاج ابن معين به وغيره لو صح عنهم - ولم يصح كما تقدم - لا يكون دليلاً على أنه صحيح؛ لأن الحسن يحتج به أيضاً عند العلماء.
فماذا يقول القراء الكرام فيمن يتكلف ما سبق في سبيل تقوية حديث واه جداً، مع مخالفته لما عليه جماهير العلماء من القول بكراهة قراءة القرآن عند القبور كما هو مشروح في الكتاب السابق: "أحكام الجنائز"؟! فليرجع إليه من شاء الزيادة. ] ا.هـ
قال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز:
"عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) . أخرجه مسلم . وقد ترجم البخاري لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ، ولا تتخذوها قبورا ).أخرجه البخاري (1/420) ومسلم (2/187) وأحمد (رقم4511، 4653 ، 6045 ) بقوله : ( باب كراهية الصلاة في المقابر ) .
وبين وجه ذلك الحافظ في شرحه فقال ما مختصره : ( استنبط من قوله في الحديث :(لا تتخذوها قبوراً ) أن القبور ليست بمحل للعبادة ،فتكون الصلاة فيها مكروهة ، وقد نازع الاسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال :الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر : قلت : قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) ، وقال ابن التين : تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر : وتأوله جماعة على أنه إنا فيه الندب إلى الصلاة في البيوت ، إذ الموتى لا يصلون ، كأنه قال : لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور ، قال : فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك . قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم . وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا ، فقد قدمنا وجه استنباطه ، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة . وكذا قال البغوي في ( شرح السنة ) والخطابي ) .
قلت : وهذا هو الأرجح أن الحديث يدل على أن المقبرة ليست موضعا للصلاة ، لا سيما بلفظ أبي هريرة فهو أصرح في الدلالة ، وقول الإسماعيلي : يدل على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر ، مع مخالفته الصريحة لحديث أبي هريرة ، فلا يحسن حمل حديث ابن عمر عليه ، لان الصلاة في القبر غير ممكنة عادة ، فكيف يحمل كلام الشارع عليه ! ؟ وقول ابن التين : ( هو من شراح (( صحيح البخاري )) واسمه عبد الواحد ) (( الموتى لا يصلون )) . ليس بصحيح ، لانه لم يرد نص في الشرع بنفي ذلك ، وهو من الامور الغيبية التي لا ينبغي البت فيها إلا بنص ، وذلك مفقود ،بل قد جاء ما يبطل إطلاق القول به ، وهو صلاة موسى عليه الصلاة والسلام في قبره كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به على ما رواه مسلم في(( صحيحه)) ، وكذلك صلاة الانبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدين به في تلك الليلة كما ثبت في (( الصحيح)) بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الانبياء أحياء في قبورهم يصلون)
أخرجه أبو يعلى باسناد جيد ،وقد خرجته في ( الاحاديث الصحيحة ) (622) . بل قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أعم مما ذكرنا ، وذلك في حديث أبي هريرة في سؤال الملكين للمؤمن في القبر :( فيقال له اجلس ، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد آذنت للغروب ، فيقال له : أرأيتك هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد عليه ؟ فيقول : دعوني حتى أصلي ، فيقولان : إنك ستفعل ) .
أخرجه ابن حبان في ( صحيحه) (781) والحاكم (1/379-380) وقال ( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي ! وإنما هو حسن فقط ، لان فيه محمد بن عمرو ولم يحتج به مسلم وإنما روى له مقرونا أو متابعة .
فهذا الحديث صريح في أن المؤمن أيضا يصلي في قبره ، فبطل بذلك القول بأن الموتى لا يصلون ، وترجح أن المراد بحديث ابن عمر أن المقبرة ليست موضعا للصلاة ، والله أعلم" أحكام الجنائز للشيخ الألباني (رحمه الله )


إذاً قراءة القرآن عند القبور ، مما لا أصل له في السنة ، بل الأحاديث المذكورة كحديث ابن عمر تشعر بعدم مشروعيتها ، إذ لو كانت مشروعة ، لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه ، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها-وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم-عما تقول إذا زارت القبور؟ فعلمها السلام والدعاء . ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن،فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها ، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الاصول ، فكيف بالكتمان ،ولو أنه صلى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا،فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع.ومما يقوي عدم المشروعية قوله صلى الله عليه وسلم :( لا تجعلوا بيوتكم مقابر،فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ) أخرجه مسلم (2/188) والترمذي (4/42) وصححه وأحمد (2/284،337، 378،388) من حديث أبي هريرة .
وله شاهد من حديث الصلصال بن الدلهمس .رواه البيهقي في (الشعب) كما في(الجامع الصغير) .
فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعا للقراءة شرعا ، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهي عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها ، كما أشار في الحديث الاخر إلى أنها ليست موضعا لصلاة أيضا ، وهو قوله : (( صلوا في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا )) . أخرجه مسلم (2/187) وغيره عن ابن عمر ، وهو - عند البخاري بنحوه ، وترجم له بقوله : بـ( باب كراهية الصلاة في المقابر ) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر،فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر،ولا فرق .ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم كراهة للقراءة عند القبور ، وهو قول الامام أحمد فقال أبو داود في مسائله ( ص 158 ) :((سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال :لا)).

قال ابنُ المنذِرِ في«الأَوْسَطِ»(2/185):(وَالذِي عَليْهِ الأَكثرُ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ : كرَاهِيَة ُ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، لحدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ ، وَكذَلِك َ نقوْل)اه.
قلتُ : مُرَادُ ابْن ِ المنذِرِ رَحِمَهُ الله ُ باِلكرَاهَةِ هُنَا : كرَاهَة َ التَّحْرِيْمِ ، لِذَا قالَ قبْلَ ذلِك َ(2/183) عَلى حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا«اِجْعَلوْا في بُيُوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ ،وَلا تَتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» قالَ:(ففِي قوْلِهِ:«وَلا تَتَّخِذُوْهَا قبوْرًا»: دَلِيْلٌ عَلى أَنَّ المقبَرَة َ ليْسَتْ بمَوْضِعِ صَلاةٍ ، لأَنَّ في قوْلِهِ «اِجْعَلوْا في بُيُوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ»: حَثا عَلى الصَّلوَاتِ في البيوْت .
وَقوْلِهِ «وَلا تَجْعَلوْهَا قبوْرًا»: يدُلُّ عَلى أَنَّ الصَّلاة َ غيْرُ جَائِزَةٍ في المقبَرَة).
وَقالَ ابنُ المنْذِرِ في مَوْضِعٍ آخَرَ(5/417-418):(وَفي حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ:«اِجْعَلوْا في بُيوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ ، وَلا تتخِذُوْهَا قبوْرًا»: أَبيَنُ البيان ِ عَلى أَنَّ الصَّلاة َ في المقبَرَةِ غيْرُ جَائِزَة)اهـ.

أقوال العلماء في قراءة القراءن على القبور
مذهب أبي حنيفة
وجاء في شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص 110) "ثم القراءة عند القبور مكروهة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله لأنه محدث لم ترد به السنة" وكذلك قال مثله شارح الإحياء (3/280) وقال الفيروزأبادي "قراءة القرآن بدعة مذمومة" (المجموع 10: 427).

وفي أصح الروايتين عن أحمد أنه قال " قراءة القرآن عند القبر بدعة" (المغني 2/566) قال أبو داود صاحب السنن في مسائله ص 192 (( سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر فقال : لا ))
وأما الرواية الأخرى المنسوبة للخلال وفيها أنه رأى أحمد يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور ففي سندها عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج كما تقدم
ورواية أن أحمد تراجع وكان آخر قوليه الفتوى بجواز القراءة على الأموات لاتصح أيضاً كما تقدم.

مذهب المالكية
قال الشيخ ابن أبي جمرة "إن القراءة عند المقابر بدعة وليست بسنة". كذا في الداخل. وقال الشيخ الدردير في (كتاب الشرح الصغير 1/180) "وكره قراءة شيء من القرآن عند الموت وبعده على القبور لأنه ليس من عمل السلف وإنما كان من شأنهم الدعاء بالمغفرة والرحمة والاتعاظ" وكذلك في حاشية العلامة العدوي على شرح أبي الحسن نقلاً عن المجموع شرح المهذب. وأما حديث "اقرؤوا على موتاكم يس" فهو حديث معلول مضطرب الإسناد مجهول السند" (10/427).
وقال الإمام الحطّاب المالكي في كتابه مواهب الجليل (2/625) نقلاً عن الشيخ خليل في التوضيح : (( ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور , نقله سيدي ابن أبي جمره في شرح مختصر البخاري قال : لأنّا مأمورون بالتفكّر فيما قيل لهم وماذا لقوا , ونحن مكلّفون بالتَّدبر في القرآن , فآل الأمر إلى إسقاط أحد العملين )) . انتهى.
قال ابن الحاج في المدخل (( و ينبغي أن لا يقرأ احد إذ ذاك القرآن لوجهين : احدهما إن المحل محل فكر و أعتبار و نظر في المآل و ذلك يشغل عن استماع القرآن ........ و الوجه الثاني : أنه لم يكن من فعل من مضى و هو السابقون و القدوة المتبعون و نحن التابعون فيسعنا ما وسعهم فالخير و البركة و الرحمة في اتباعهم وفقنا الله لذلك بمنه )) 3/275

ولعل الآثار الضعيفة السابقة التي وردت بجواز قراءة القراءن في المقابر ، جعلت كثير من الفقهاء عمل بهذا فقالوا باستحباب أو جواز القراءة في المقابر ، وقد تبين أنها لا تصح بل تخالف الحديث الصحيح الذي تقدم ، لذا كان الصحيح قول من منع القراءة في المقابر والله أعلم.
ومن المعلوم أن كل اجتهاد ثبت بعد ذلك خطؤه بدليل ، بحيث لو اطلع عليه المخالف لتراجع عن رأيه.
أو: سقوط مناط حكم المجتهد ، سقوطاً كلياً كمن استدل بحديث تبين ضعفه.
فهنا : المجتهد: يُخطَّئ ولا يُلام ، والمقلد يُنصح ويُعلم ويُبين له ، فإن أصرَّ على الخطأ تقليداً للمجتهد مع ظهور الدليل ، فإنه يلام.
ولا يجوز الاستدلال بالخلاف لتسويغ الفعل عند العلماء
قال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله :" الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله " جامع بيان العلم 2/89.
وقد قرر هذا كذلك الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله حيث قال:" وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف فإن له نظرا آخر".
إلى أن قال رحمه الله :" وهذا عين الخطأ على الشريعة، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا، وما ليس بحجة حجة " الموافقات 4/141.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( أجمع المسلمون على أن من استبانت لـه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد )
ولو جاز لكل مسلم أن يذهب إلى ما يهوى ويشتهي من هذه الأقوال والآراء لكان الدين هو هذه المذاهب ولم يكن حينها للكتاب والسنة كبير فائدة ، نعوذ بالله من ذلك .
وحينئذٍ نقول بما اتفق عليه المسلمون من وجوب رد المسائل المختلف فيها إلى الكتاب والسنة على فهم أئمة السلف والنظر في أقوالهم واجتهادا تهم وترجيح ما رجحه الدليل .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رد مع اقتباس