عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 06-15-2012, 02:36 PM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-

[الدَّرس الحادي عشر]

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-

إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فيقول الناظم في البيت الحادي والثلاثين:
31. وَمُتْـلِـفٌ مُـؤْذِيـهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ ... بَعْـدَ الدِّفـاعِ بِالَّتِـي هِـيَ أَحْسَـنُ
هذا البيت عبَّر فيه الناظم عن قاعدة كلية مهمة لها صلة بقاعدةٍ من القواعد المتَّفقِ عليها عند العلماء، وهي: (لا ضرر ولا ضرار).
هذه القاعدة تقول: ما آذى من الصائل يجوزُ دفعُه بالأقل فالأقل.
ما آذى من الصائل الذي يصول عليك ويعتدي، فيجوز لك أن تدفعه بالأقل فالأقل، وعبَّر الناظم عن الأقل بالأقل بقوله: (بِالَّتِـي هِـيَ أَحْسَـنُ) حتى قال الفقهاء: إذا كان الصائل لا يندفع إلا بالقتل؛ فلا دِية وجاز قتلُه، فلا دِية عليك، ولا كفارة عليك، وجاز لكَ أن تقتلَه.
ودل على هذه القاعدة كثير من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ولهذه القاعدة شروط ولها كلام لاحب وتفصيل واسع، نحاول أن نُلم بكليات لهذه القاعدة حتى نحسن فهمها -إن شاء الله تعالى-.
العمدة في دفع الصائل قول الله عز وجل: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فالمعتدي إن كان لا يدفع إلا بالاعتداء، وإن كان الاعتداء الأول حرام {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الاعتداء الأول حرام، فالله عز وجل يقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} الثانية هذه فعل أمر، وهي تدور عند الفقهاء بين الوجوب والحق، ولها صُوَر، ففي بعض الصُّور: يجب أن تَدفع ويحرمُ عليكَ أن تترك، وفي بعض الصور هي حق لك أن تَدفع وإن شئت أن تترك؛ فتترك.
فالاعتداء الأولى في قوله سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} تدلل على الحرمة، والثانية تكون للحق أو للوجوب، والله عز وجل يقول: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}، ويقول: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فالذي يظلم الناس ويريد البغي في الأرض بغير الحق فيجوز أن يُدفع بالتي هي أحسن بحيث يُدرأ شره ويُبعد خطرُه بالأقل فالأقل.
نظرية الدفاع عن النفس ورد الصائل لم تَعرفها القوانين الوضعية إلا في المائة الأخيرة، ولم تكنْ هذه النظرية نظريةً مقنَّنة على وجهٍ فيه تفصيل، وبقي فيه ثغرات في هذه النظرية في القوانين الوضعية، وليس همي أن أخوض في هذا الباب؛ وإنما همي أن نَفهم المسألة من وجهة نظر شرعية.
من المعلوم أن الشرع جاء للحفاظ على ضروريات الإنسان، فجميع تشريعات الشرع جاءت للمحافظة على النفس، وللمحافظة على العقل، وللمحافظة على المال، وللمحافظة على العِرض، فهذه التشريعات النصوص الشرعية إن حرَّمتْ فإنما تُحرم للمحافظة على أن يبقى الجسدُ سليما، والعقل سليما، والعِرض مصونًا، والمال محفوظًا، فجاء الشرعُ فجوَّز لمن أراد أن يعتدي على هذه الأمور الكُليَّة بأن يُدرأ وأن يُدفع بالتي هي أحسن.
في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم: ترافع إلى رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رجلان، فعضَّ أحدُهما يد الآخر كالفحل، فنزع يده فسقطت ثنيَّتُه -مقدمة أسنانه-، عضه فسحب يده فسقطت ثنيَّتُه -مقدمة أسنانه-، فبلغ الخبر النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فقال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «يعض أحدُكم يدَ أخيه كالفحل؟ لا دِيةَ له» لا يوجد دِية لهذا الإتلاف الذي ترتَّب على نزع اليد.
وعند أحمد والترمذي في الحديث الصحيح يقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «من اطَّلع في بيتٍ بغير إذنِهم ففقؤوا عينَه؛ فلا دِية له ولا قَصاص».
هذا إيش؟ رد صائل.
فهل يا ترى رد الصائل يكون فقط على النفس أم أنه يكون أيضا على العرض وعلى المال؟ فبلا شك: أنه يكون أيضا على العِرض وعلى المال، بل الراجح أنه يكون على مقدِّمات حفظ المال، وعلى مقدِّمات حفظ العِرض، وعلى مقدِّمات حفظ النفس.
إذا مجرد النظر في البيت والتجسس على العِرض، فهذا لو فقئ عينه فيقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «فلا دِية له ولا قَصاص».
درء أو دفع الصائل لا يكون شرعًا فقط على حفظ النفس، ومن حصره من أهل العلم على النفس؛ فهذا الحصرُ يرده حديث الترمذي: الاطلاع على بيت الغير، فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صرَّح بقوله: «ففقؤوا عينَه؛ فلا دِية له ولا قَصاص»، وأصل الحديث عند البخاري في «الصحيح» بلفظ: «لو أن امرءًا اطلع عليك بغير إذن فحذفتَه بحصى ففقأتَ عينَه؛ لم يكن عليكَ جُناح» لكن رواية الترمذي ورواية أحمد تقول: «فلا دِية له ولا قَصاص»، والمراد: فليس عليك جُناح -برواية البخاري- هو ما فصَّلها رواية أحمد والترمذي، (ليس عليك جُناح) معناها: «لا دِية له ولا قَصاص»، إيش «لا دِية»؟ العين لها دِية، وهذه التي تُسمى عند الفقهاء (الأُروش)، دِية النفس تسمى دِيةً، ودية العُضو تسمى عند الفقهاء (أَرْشًا) أَرْش: همزة مفتوحة مع راء ساكنة مع شين، فالأرش هو دِية العُضو، كم أَرش العين؟ دِية العين نصف دِية الرجل، من فقأ عين رجل دَفَع نصف دِيته، إلا إن كان من فقئت عينُه إلا إن كان أعور، فدِية فقءِ عين الأعور الدِّية بتمامها وكمالها، ومن جبَّ ذَكَر رجل إيش دية الذكر؟ عليه الدية بكمالها، من جب ذكر رجل قطع ذكره عليه الدية بتمامها؛ لأنه حرمه من الولد، الإنسان بالولد الولد يحمل الاسم والرسم، لذا العوام يقولون: من خلَّف ما مات، الفقهاء يقولون: الولد يحمل الاسمَ والرسم، مجرد ينظر إليه يقول: فلان سبحان الله شبيه أبيه، يشبه أباه، ويحمل اسمه، فالذي يجب ذكر آخر عليه دِيته بتمامه.
دية الأصبع: عشرة من الإبل، وهكذا في كتاب عمرو بن حزم ورد التفصيل في دِية الأعضاء والأُرُش.
فإذن: الناظم يقول: (وَمُتْـلِـفٌ مُـؤْذِيـهِ) ليس فقط في القتل، لا يُحصر دفع الصائل بالقتل، وإنما يكون فيما جاء الشرعُ بالمحافظة عليه في الأمور كلها وفي مقدماتها.
فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول فيما صح عنه: «من قُتل دون ماله فهو شهيد» فالشرع يحث الرجلَ على أن يدافعَ عن ماله، إن أراد رجلٌ أن يأخذ منه المالَ عنوة وغصبا، وإن قُتل دون ماله كمن يُقتل دون عرضه، وكذلك من قُتل دون عرضه فهو شهيد، والشهادة كما تعلمون ثلاثة أقسام:
هنالك شهيد في الدنيا والآخرة.
وهنالك شهيد في الدنيا دون الآخرة.
وهنالك شهيد في الآخرة دون الدنيا.
أما شهيد الدنيا والآخرة: من مات في سبيل الله لإعلاء كلمة الله مقبلا غير مدبر خالصا ومات في المعركة ولم يتطبب ولم يأكل ولم يشرب، سقط في المعركة؛ فهذا شهيد في الدنيا والآخرة.
فإن وقع كذلك ولم تصح نيتُه، وكان يقاتل لمغنم، أو كان يُقاتل ليُقال شجاع؛ فهذا شهيد في الدنيا وليس بشهيد في الآخرة، نعامله في الدنيا معاملة الشهداء: لا نكفنه ولا نُغسِّله ولا نصلي عليه وجوبًا، ففي الدنيا شهيد، أما عند الله ليس بشهيد.
وشهيد الآخرة: هذا النوع؛ من مات دون ماله، من مات دون عرضه، المرأة التي تموت بجَمع التي تموت بنفاس، المبطون، الغريق، من مات بذات الجَنب، فهؤلاء كلهم شهداء في الآخرة، وأما في الدنيا فليسوا بشهداء، فمنزلتهم في الآخرة عند الله منزلة الشهداء، وأما حالهم في الدنيا فيجب أن يُغسَّلوا وأن يكفَّنوا وأن يُصلى عليهم.
فالنَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن إضاعة المال، نهى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن كثرة السؤال، وعن قيل وقال وعن إضاعة المال، ومن مقتضيات إضاعة المال أن تحفظ مالك، حتى أن المال يجوز لك أن تقاتِل عليه، وإن قُتلتَ حتى تحافظ عليه؛ فإنك شهيد.
في «مسند الإمام أحمد» والحديث صحيح: قال رجل لرسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، فقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لا تُعطه» فقال الرجل: أرأيت إن قاتَلَني؟ فقال له النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «قاتِلْه».
وهنا وقع خلاف في حُكم الدرء درء من يأخذ المال، فمنهم قال بالوجوب؛ لأن النَّبي يقول: «قاتِلْه» وقاتِله: فعل أمر، لكن هذا أمر وارد بعد حذْر، إيش الحذر؟ حرمة دم المسلم، وحرمة مال المسلم، والأمر الوارد بعد الحذْر لا يدلل على الوجوب.
جنحَ جماهير أهل العلم إلى أن الأصل لا أريد أن أدخلَ في صُوَر وتفصيلات إلى أن الأصل في الدرء عن النفس وعن العِرض وعن المال الوجوب، قالوا: ومن قصَّر أثِم، قالوا: وهذا واجب.
يعني لو أنك رأيت رجلا يعتدي على زوجتك؛ فيجب عليك أن تدافع عنها، وأن تحفظ عرضك، إن رأيت رجلا يعتدي على مالك فيجب عليك كذلك، إن رأيت رجلا يعتدي على ولدك بلواط لا قدر الله فيجب أن تدفع عن ولدك، وإن لم تفعل؛ قد أثمتَ، هذا قول جماهير أهل العلم.
الإمام أحمد وهذا قال به بعض الشافعية وبعض المالكية قالوا: لا هذا حق، ليس هذا واجب، فلكَ أن تدرأ ولكن إن لم تفعل فكنتَ عبد الله المظلوم؛ فلا حرج، وهذا إن جاز فهذا يجوز في صُوَر دون صور، وفي حالات دون حالات، ومن أهم هذه الحالات أنك إن كنتَ في فتنةٍ عُمِّيَّة لا تعرف فيها الحق من الباطل فحينئذ يتنزل عليك قول نبيك -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «كُن عبد الله المقتول، ولا تكنْ عبد الله القاتل»، هذا يكون في الفتنة العُمية.
ويستدل الحنابلة ومن وافقهم على أن دفع الصائل حق لمن يُصال عليه، واستدلوا على ذلك بأن عثمان لما حوصِر وأراد جمعٌ قتلَه فقد أمر خدمتَه ومواليه ومُحبِّيه أمرهم أن يكفوا أيديَهم، فقالوا: هذا حق وليس بواجب، كان لعثمان حق أن يدفع لكنه رضي الله تعالى عنه تنازل عن حقه وليس بواجب.
ويقال: هو حق، ولكن إذا ترتب على ضياع هذا الحق اعتداء وترتَّب ضياع مال وضياع عيال وفساد وإفساد؛ فحينئذ يجب استخدام هذا الحق لمثل هذا الأمر، لكن إن آل الأمر في عدم استخدام هذا الحق إلى أن يؤثر الإنسان بنفسه ولا يترتب على ذلك كبير أمرٍ كما يُفهم من صنيع عثمان فحينئذ لا حرج لو أن الإنسان ترك ذلك كما ذكرتُ في الفتنة العُمِّية وما شابه.
إذن دفع الصائل معناه: واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره، وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل اعتداء غير مشروع بالقوى اللازمة لدفع هذا الاعتداء.
هنالك شيء -إخواني- في الشرع يسمى الإحسان الإلزامي، يوجب الشرعُ على المسلم كما يوجب عليه أن يُحسن لنفسه فيوجِب عليه أيضا أن يُحسن لغيره.
يعني: تاجر عنده مستودعات، جاء حريق يلتهم البضاعة التي في المستودع، فرغ من نقل بضاعته وبقي فارغا، وهنالك تاجر آخر له بضاعة في نفس المستودعات، فيجب عليه شرعًا أن يحفظ مال غيره وأن ينقل المال الذي لغيره دون إذنه، إذا كان يترتب على عدم النقل أن يضيع هذا المال؛ فالواجب عليك أن تحفظ مال أخيك، وإن أنفقت شيئا من مال يعني أجرة العتالة وأجرة السيارة وأجرة المخزن الجديد وما شابه فيجب على صاحب المال أن يدفع هذه الأجرة بأجرة المثل ويحرم عليه أن يمسك، ويحرم على من يستطيع الإنقاذ أن لا يفعل، وهذا من محاسن ديننا، وهذا الذي يسمى عند الفقهاء بالإحسان الإلزامي، التاجر يحسن إحسانا إلزاميا إلى أخيه التاجر الآخر فيحفظ ماله دون إذنه.
ولذا دفع الصائل كل من يصول عليك فيجب عليك أن تحفظه بل يجب عليك أن ترد المعتدي لحديث أنس في «الصحيحين» لما قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قالوا: عرفنا كيف ننصره مظلوما، لكن كيف ننصره وهو ظالم، كيف أنصر أخي وهو ظالم؟ فقال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أن تأخذ على يده» تنصر أخاك وهو ظالم أن تحبسه عن الظلم، أن تأخذ على يده، هذا واجب عليك إن رأيت أخاك يلوك في أعراض الناس ويخوض بالباطل ويعتدي على الخلق يجب عليك أن تجعله يكف، وأن تأمره، ولكن تدفع كما قال الناظم: (وَمُتْـلِـفٌ مُـؤْذِيـهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ) قال: (بَعْـدَ الدِّفـاعِ بِالَّتِـي هِـيَ أَحْسَـنُ).
الواجب الدفاع بالمقدار اللازم، ولا يجوز الاعتداء فيه، ولا يجوز رد الاعتداء بحرام، لا يجوز أن ترد الاعتداء بسِحر مثلا، فلا بد أن ترد الاعتداء بوسيلة مشروعة وبالمقدار الذي يندفع فيه الصائل، فإذا اندفع الصائل بالعصا فيحرم عليك أن تستخدم السيف، وإذا اندفع بالسيف فيحرم عليك أن تستخدم المسدس، بل قال بعض الفقهاء: لو دُفع بالإشهار؛ فيحرم عليك الضرب، بل قال بعضهم: لو دُفع بالوخز فيحرم عليك القطع، وهذا المراد من كلام الناظم قال: (بَعْـدَ الدِّفـاعِ بِالَّتِـي هِـيَ أَحْسَـنُ) الدفاع بالتي هي أحسن: وخز لا قطع، إشهار لا وخز، عصا لا سيف، سيف لا مسدس، مسدس لا بندقية، هذا هو المراد بالتي هي أحسن.
حتى قال العلماء: لو أن لصا جاءك فضربته على يده فهرب فلحقتَه فقطعتَ رجله؛ فأنت تضمن رجله ولا تضمن يده؟ تضمن قطع الرجل، ولا تضمن قطع اليد، كذلك لو أنه هرب فقتلته فإنك تدفع ديته، لأن الصائل قد هرب بعد الضربِ، فإذا هرب بعد الضرب فلا يجوز لك أن تلحقه حتى تصل إلى القتل، فيجب أن تستخدم في دفع الصائل وفي دفاعك عنه الأحسن فالأحسن.
تبين لنا من خلال كلام الناظم: (وَمُتْـلِـفٌ مُـؤْذِيـهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ).
مما يُتعارف عليه اليوم ولا سيما على ألسنة القانونيين يقولون: الصائل يُعفى من المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية، يعني: لا يضمن مالا ولا يُقتص منه، فالذي يدفع الصائل ليس بجانٍ إذا استخدمه بطريقة شرعية صحيحة، وإذا أتلف مالا له فإنه أيضا ليس بضامنٍ لهذا المال، فلا يضمن ما أتلف من نفسٍ أو عضو أو ما أتلف من مالٍ، فالصائل لا يضمن أي شيء من هذه الأمور.
طبعًا ليس كل من يهددك يكون صائلا، ولذا العلماء يذكرون شروطا للصائل، حتى يكون المعتدي صائلا فلا بد أن تتوفر فيه شروط؛ بأن يكون مثلا للاعتداء مظهر مادي، يعني ليس كل من دخل علي يقول: هذا جاء يقتلني، وصائل وقتلته، لا بد أن يظهر أنه مثلا قد أشهر سيفا، قد أشهر مسدسا، أن يُظهر شيئا، فأنا لو وجدتُ رجلا مقتولا في فناء بيت آخر فقيل له: يا فلان لم قتلتَ فلان؟ قال: هو صائل! نقول: لا؛ القاضي لا يحكم بكلامك حتى يَظهر للاعتداء مظهر مادي، يحمل مسدسا، يشهر سيفا، يَظهر شيء، حتى تقوم البيِّنة على ذلك، فحتى يكون المعتدي صائلا فلا بد أن يكون للاعتداء مظهر واضح مادي يظهر منه الاعتداء.
والثاني: أن يكون فعل الصائل محرَّمًا، فلو أن ولدًا قتل أباه، قال: ليش قتلتَ أبوك، قال: يريد أن يؤدبني، يريد أن يضربني، فعل الوالد في ضربِه لولده ليس محرَّما، تأديب الوالد لولده من شرع الله {يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم نارًا} قال علي بن أبي طالب: أي: أدِّبوهم، أدِّبوا أولادَكم، وكذلك السيد مع عبده، وكذلك الزوج مع زوجته، وكذلك الوالي على رعيته، لو مجرم جاء يُراد أن يُقام عليه الحد فَقَتل من يريد أن يُقيم عليه الحد، إيش يقال عن هذا؛ دفع صائل؟ لا؛ ليس بدفع الصائل، لماذا؟ لأن الفِعل ليس بمحرَّم، إقامة الحد أو إقامة القَصاص على المجرم من شرع الله، فلا يقال هذا الفعل محرم.
فإذن لا بد أن يكون للاعتداء مظهر مادي، الشرط الأول.
الشرط الثاني: أن يكون الفعل محرما، فإذا لم يكن الفعل محرما فلا يكون هذا دفع صائل.
والشرط الثالث: أن يكون الصائلُ أهلًا لتحمُّل المسؤولية، وهذا على خلاف بين العلماء.
لو صال عليك طفل، فهل لك أن تقتله؟ عند أبي حنيفة: الطفل والبهيمة هؤلاء دفعهم لا يجوز فيه القتل، قال هؤلاء لا يضرون، فالبهيمة لا تَعقل، والصبي لا يتمكن من القتل، ولذا هم ليسوا أهلا لتحمُّل المسؤولية، الصبي يُدرأ، يُنهر، يُشاح أي شيء في وجهه يهرب، فهو لا يقدر على أن يؤذي.
والشرط الرابع: أن يكون الخطرُ متحققا أو وشيك الوقوع.
يعني: لو واحد قال لك: افعل كذا، أو سأفعل فيك في قابل الأيام كذا وكذا، هذا لا عبرة بكلامه، فلا يجوز لك أن تقتله، ليش قتلتَه؟ قال: هذا اعتدى على عِرضي، اعتدى على نفسي، هددني بأنه سيقتلني! هذا ليس دفع صائل؛ لأن ضرره غير متحقق، ولا وشيك الوقوع، بخلاف ما لو حمَل سلاحا، أو أشهر سيفا، أو أشهر خنجرا، وكان بيده، وأنت قريب منه، ويتمكن من أن يُلحق الضرر بك، فحينئذ لك أن تدفع هذا الصائل، أما أن يهددك بكلام، أو أن تعلمَ أنه لا يقدر على أن أمثالك لا يُهدد من قِبل هذا الإنسان؛ فحينئذ: هذا معتدٍ، وهذا آثم، لكن لا يقال عنه أنه صائل، وأنه يجوز أن يُقتل.
هذه بالإجمال نظرية (دفع الصائل) عند العلماء.
31. وَمُتْـلِـفٌ مُـؤْذِيـهِ لَيْـسَ يَضْمَــنُ ... بَعْـدَ الدِّفـاعِ بِالَّتِـي هِـيَ أَحْسَـنُ
بعد هذا تطرَّق الناظم رحمه الله تعالى إلى الأبيات الآتية في مبحث مهم من مباحث علم أصول الفقه، يُذكر عند العلماء في العموم، اللفظ العام، ويستفيد منه طالب العلم في توجيه وربط الأحكام بالنص.
طالب العلم لما يستدل أولا يستدل بالآية بحق وعدل، ينزع الآية أو الحديث بعد أن يتثبت من دقة ألفاظ الآية، وبعد أن يتثبت من صحة قول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ثم يُنزل الآية أو الحديث الصحيح في مكانهما، فالحق: أن تَنزع النص وأن تحرره أن الله قال هذا وأن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قد قال هذا، والعدل: أن تُنزله في مكانه الذي يخصه.
وطالب العلم يتميز عن غيره أنه إن استدل بآية أو بحديث فإنه يَذكر وجهة الدلالة، يوجِّه كيفية الاستدلال بهذه الآية أو بهذا الحديث على هذا الحُكم، فذِكر وجهة الدلالة هذا من صنيع ومباحث علم أصول الفقه، فطالب العلم إن استدل قال: قال الله تعالى؛ فينبغي أن ينتقي وأن يختار الألفاظ الدقيقة التي تُدلل على دقة فهم، ودقة استحضار لمباحث علماء الأصول.
من بين المباحث العويصة والطويلة والتي لها حضور ولها تطبيقات في كثير من الآيات والأحاديث مباحث العموم، مبحث (العام).
العام من ضمن مباحثه مبحث يسمى (صيغ العُموم) للعموم صِيَغ، العرب إن عبرتْ عن العموم فإنما تُعبر بصِيَغ وهذه الصِّيغُ محصورة معدودة معلومة عند العلماء.
فالناظم في الأبيات الآتية في البيت الثاني والثلاثين والبيت الثالث والثلاثين والبيت الرابع والثلاثين والبيت الخامس والثلاثين، خصها في ألفاظ العموم، أربعة أبيات جعلها في ألفاظ العموم، أحاول دون كبير تفصيل أن أبين مراد [الناظم] وأضرب أمثلة إن شاء الله تعالى، ليتبين لنا، وأن تقرأ أي آية أو حديث تفهم أن هذه الآية يراد بها العموم، معنى (يراد بها العموم)؛ أي أنها تشمل جميع الأفراد دفعة واحدة، ولا يجوز لك أن تُخرج أي فرد من الأفراد إلا بنص آخر، والنص الذي يخرج فردا من أفراد ألفاظ العموم يسمى (المُخصِّص)، والحُكم الذي يقع عليه يسمى (التخصيص)، و(الإطلاق) (المُطلَق) الشرع في الإطلاق لا يريد جميع الأفراد دفعة واحدة، وإنما يريد جميع الأفراد ولكن بالانتقال من فرد إلى آخر، فدلالة العُموم على ألفاظه مرة واحدة، ودلالة المطلَق على ألفاظه بالتناوب -المرة هذا، ثم هذا، ثم هذا، ثم هذا-، وهذا الفرق بين التقييد والتخصيص، وهذا الفرق بين المقيَّد والمخصَّص.
طيب، نبقى على ألفاظ العموم، نضرب الأمثلة على ألفاظ العموم، ونحاول أن نفهم مراد [الناظم] رحمه الله، قال:
أل: الألف واللام، قال:
(أَلْ) تُفِيـدُ الْكُـلَّ فـِي الْعُـمُــومِ ...
يعني: احذف (أل) وضع بدلها (كل) فتصبح من ألفاظ العموم، فالألف واللام الـ(أل) بمعنى (كُل)، (فـِي الْعُـمُــومِ) في مباحث (العام)
32. وَ(أَلْ) تُفِيـدُ الْكُـلَّ فـِي الْعُـمُــومِ ...
لكن إيش قال؟ قال:
فـي الجَمْــعِ وَالإِفْــرادِ كَالْعَــلِيـمِ
(أل) في الجمع و(أل) في الإفراد يشمل العموم، يعني لما تقول (العليم) أنت لا تريد شخصا خاصا، أنت تعرف عشرة علماء مثلا، حصرتَ العلماء بأنهم عشرة أو عشرين أو أربعين، فتقول (العليم) فالعليم يشمل هؤلاء العشرة، يشملهم مرة واحدة، إن مدحت من اتصف بالعليم أو ذممته فإنما المدح أو الذم يشمل كل من يتصف بصفة العليم، فالعليم الألف واللام جاءت على المفرد، فلما تقول (العليم) كأنك تقول (كل عليم) يعني تصبح الألف واللام في المفرد والألف واللام في الجمع تصبح الألف واللام كأنها (كل عليم)، فإذا أصبحت (كل عليم) فشملت جميع الأفراد مرة واحدة، فأصبح هذا من ألفاظ العموم.
إذن من صيغ العموم: المفرد المحلى بالألف واللام، والجمع المحلَّى بالألف واللام.
من صيغ العموم: الصيغة الأولى: اللفظ المفرد، المحلى: المسبوق بالألف واللام، والجمع المحلى بالألف واللام.
لكن هذا يتطلب منا شيئًا من التفصيل:
يوجد الألف واللام في كلام العرب ويُراد بها الاستغراق، ويوجد في كلام العرب الألف واللام التي يُراد بها العهد، فإذا أريد الألف واللام للاستغراق كانت هذه هي الألف واللام إن دخلت على المفرد أو على الجمع يُراد بها (كل)، وإذا كانت على المعهود لم ينصرف ذهنك إلا لشخص معهود بالسياق، فالألف واللام التي هي للعهد إن دخلت على المفرد أو على الجمع؛ فقطعًا ليست من ألفاظ العموم، يقول الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام: {إنَّا أرسلنا إليكُم رسولًا شاهِدًا عليكم كما أرسلنا إلى فرعونَ رسولًا} إيش الرسول الذي أرسل إلى فرعون؟ موسى، {إنَّا أرسلنا إليكُم رسولًا شاهِدًا عليكم كما أرسلنا إلى فرعونَ رسولًا} قال الله بعدها مباشرة: {فعصى فرعونُ الرسولَ} الألف واللام في {الرَّسولَ} هل فرعون أُرسل له أكثر من [رسول] أم أرسل له موسى؟ أرسلَ له موسى، الألف واللام في {الرَّسولَ} في قوله: {فعصى فرعونُ الرسولَ} الألف واللام للعهد أم للجنس؟ للعهد، إيش يعني للعهد؟ الرسول المعهود، الرسول الذي أُرسل إلى فرعون المعهود، من؟ موسى، فالألف واللام في قوله: {فعصى فرعونُ الرسولَ} الألف واللام ألف ولام للعهد، فلا تدل لفظة (الرسول) في هذه الآية على العموم، لا يقول: فعصى فرعون (كل) رسول! لأن فرعون ما عصى إلا موسى عليه السلام.
»لقد هممتُ أن آمر فتى من فتياني أن يؤذِّن بالصلاة، ثم أنقلب إلى أناسٍ فأحرق عليهم بيوتَهم لأنهم لا يشهدون الصلاة» الحديث متفق عليه.
طيب؛ «لأنهم لا يشهدون الصلاة» هؤلاء الذين يُصلون في بيوتهم لا يشهدون أي صلاة؟ الصلاة المعهودة ولا لا يشهدون جنس الصلاة؟ الصلاة المعهودة، أي صلاة معهودة؟ صلاة الجماعة، فالسياق يفيدنا في بعض الأحايين، في بعض الآيات والأحاديث يفيدنا السياق أن الألف واللام تكون ألف ولام العهد ولا تكون الألف واللام الجنس.
فالمفرد والجمع المحلى بالألف واللام إن كان الألف واللام للجنس وليست للعهد؛ فهي من ألفاظ العموم.
مثل: قول الله عز وجل: {أو الطِّفلِ الذين لم يظهروا على عوراتِ النساء} إيش (الطفل) مفرد محلى بألف ولام، أي طفل، هل تشمل أولاد أبي أحمد وأولاد أبي محمود.. هكذا تشمل؟ لا، أو (الطفل) فهذه إيش المراد بها؟ كل الأطفال الذين لا يُميزون ولا يعرفون العورات فلهم أن يدخلوا على النساء وأن يروا النساء في الزينة، للأطفال الذين لا يَظهرون على عورات النساء، ولا يُميزون عورات النساء، الولد الصغير ابن ثلاث سنوات، أربع سنوات، خمس سنوات، ست سنوات، لو كان بيد أمه ودخلت على جاراتها على صاحباتها، وكان النساء اللابسات المعتاد، اللباس الذي فيه حشمة، لكن يظهر منه الشعر، ويظهر منه شيء من اليدين والقدمين، وتظهر للولد هذا ما فيه حرج، شو الدليل؟ قول الله عز وجل: {أو الطِّفل} الله ما يريد طفلا معينا، لأن السياق ما دلَّ على أن الألف واللام في {الطِّفل} للعهد؛ وإنما هي للجنس فتشمل جِنس الأطفال، فكل طفل بغض النظر عن ذكائه بغض النظر عن جنسيته، بغض النظر عن جِنسه -ذكر أو أنثى- أو ما شابه، فكل هؤلاء لهم أن يظهروا على عورات النساء.
طيب؛ {على عوراتِ النِّساء} (النِّساء)؟ جمع محلَّى بالألف واللام، هل هذا يشمل امرأة معينة؟ ولا يشمل جميع النساء؟ يشمل الكبيرات والصغيرات؟ يشمل الجميلات والقبيحات؟ يشمل العربيات وغير العربيات؟ يشمل كل النساء، لو قيل لك: ليش يشمل كل النساء؟ تقول: لأن (النساء) جمع، حليت بالألف واللام، فكان ذلك من ألفاظ العموم.
هذه الكلمات تدلِّل على أنك طالب علم، وأنك تتكلم بلغة العلماء، وأن توجِّه، فلما تذكر حكمًا وتذكر النصَّ وتربط بين الحُكم والنص التي يسمونها العلماء وجهة الدلالة تعبِّر بألفاظ العلماء، ولغة العلماء ينبغي أن تبقى لغة قائمة، تسمع كلمات من وعاظ وخطباء تضحك! يخبِّص، يتكلم بحرقة ويصرِّخ بس يخبِّص زي اللي يأكل وجنبه شوية فواكه ومنسف وشوية عصير وحط البيبسي على المنسف وجاب لبن المنسف وحطه على الكنافة .. هكذا يصنع بعض الناس!!
بل بعض الصُّوَر أبشع!! تسمع كلاما خربطة، لا له ذوق ولا له شيء! حتى طالب العلم المكين إن سمع يتقزَّز، يجد لعبًا بآيات الله، يجد خروجا عن منهج العلماء، والخروج عن منهج العلماء ثقيل للغاية، واحد يتسنّم نقول: ليس هذا عشك فادرجي! ما ينبغي أن تتكلم! اسكت! استر على نفسك، استر عيبك، لا تظهر سوأتك، تتكلم في الدين تكلَّم بعلم، ثم الناس تُقبِّل رأسك والناس تحترمك! أما أن تتكلم شرق.. غرب.. يمين.. شمال..!! هذا أمر ما يجوز شرعًا.
وللأسف الشيء الشائع: الخربطة!! ما فيه مسلك متَّبع!
ولذا الذي ننادي به: أن نبقى على مسلك علمائنا، على مسلك التأصيل، على مسلك تأصيل علمائنا رحمهم الله تعالى، نبقى نسير في قافلة ولها جذور امتدت من زمن النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وستبقى إلى يوم الدين، ولكن هذه الجذور قد في يوم من الأيام تظهر وقد يطغى عليها تراب، وقد يطغى عليها ضباب.. قد تنشر .. قد .. قد، لكن البقاء لها، ولا بد أن يذهب كل شيء دونها.
طيب؛ نذكر مثلا آخر: الله عز وجل يقول: {وأحلَّ اللهُ البيعَ} البيع مفرد، والألف واللام للجنس، فدل هذا على حِل جميع أنواع البيوع، إيش يقال؟ الأصل في المعاملات: الحِل، لو قيل لك: ما الدليل على أن الأصل في المعاملات الحِل؟ تقول: {وأحلَّ اللهُ البيعَ} ليش {وأحلَّ اللهُ البيعَ}؟ (البيع) مفرد، محلى بالألف واللام للجنس؛ فدل ذلك على أن جميع أنواع البيوع حلال، وإذا أردتَ أن تقول في معاملة من المعاملات، أو في نوع من أنواع البيوع حرام؛ فأنت المطالَب بالدليل، إذا قال لك المفتي: حلال، فقلتَ له: إيش الدليل على هذا؟ أنتَ لستَ بطالب علم! إن قال لك: حرام؛ تقول له: أين الدليل على هذا، أعطني الدليل أنه حرام، أما إذا قال لك في المعاملات الأصل أنها حلال، فهذا الأصل؛ لأن الألف واللام الداخلة على (البيع) اللفظ المفرد للجنس؛ فدل على أن جميع أنواع البيع {وحرَّم الربا} ألف ولام دخلت على لفظ مفرد، فدل على أن جميع أنواع الربا حرام، فاللي يقول لك: الحرام الربا الجاهلي بس وربا البنوك اليوم مش ربا، هذا ما يفهم أن جميع أنواع الربا وأن الأحكام الفقهية لا تتعلق بالأشخاص وإنما تتعلق الأحكام الفقهية بالأفعال، والرِّبا من رَبا يربو رَبوةً، والربوة: المكان الارتفاع، والربا سُمي ربا لزيادته وارتفاعه بسبب الزمن، فكل زيادة بسبب الزمن ربا، فلفظة الربا دلت على حرمة جميع أنواع الربا، ولفظة البيع دلت على حل جميع أنواع البيع.
{والعصرِ . إن الإنسانَ لفي خُسر} أي الإنسان لفي خسر؟ الإنسان: لفظ مفرد محلى بالألف واللام، فدلت ذلك على أنه من ألفاظ العموم، فدلت الآية بلفظها على أن جميع نوع الإنسان خسران، كل الناس خسران، جاء الاستثناء: {إِلا} ثم ذكر الله تعالى أربع صفات، فلا يكون ناجيا إلا من اتصف بالصفات الأربع معًا: إيمان وعمل صالح وتواصٍ بالحق وتواصٍ بالصبر، دون اجتماع الأربعة الإنسان في خُسر، دون أن تكون مؤمنا عاملا داعيا إلى الحق متواصيا مع إخوانك بالحق والصبر؛ أنت لست بناجٍ، أنت خسران!
فـ{إن الإنسانَ} (الإنسان) هذا من ألفاظ العموم، هذا يشمل جميع ألفاظ العموم.
طيب؛ {إنَّما المشركون نجَسٌ} أي نوع من أنواع المشركين النجَس؟ كل المشركين، ليش كل المشركين؟ المشركون جمع محلَّى بالألف واللام، فكانت من ألفاظ العموم، فدلت على أن جميع أنواع المشركين من عبَدَ النارَ ومن عبدَ الشجر ومن عبد القمر ومن عبَد النجوم، كل من عبد غيرَ الله نجس {إنَّما المشركون نجَسٌ} فالألف واللام في (المشركون) دخلت على الجمع، فجمعٌ محلى بالألف واللام التي هي للجنس، هذه من ألفاظ العموم، فدلت الآية على أن جميع المشركين في نجس.
طيب؛ لما نقول في صلاتِنا: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين» (الصالحين) من ألفاظ العموم ولا لا؟ إيش من ألفاظ العموم يعني؟ كيف نوجِّه أن الصالحين من ألفاظ العموم؟ جمع محلى بالألف واللام، فكما يقول ابن حجر في «فتح الباري» يقول: «من ترك صلاةً واحدة؛ فقد آذى عباد الله الصالحين منذ أن خلق الله آدم إلى يوم الدين، بتركه السلامَ عليهم»، وإيش (الصالحين) تشمل من؟ تشمل الملائكة؟ نعم، تشمل الجن؟ لما تقول: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين»؟ يا من تؤذي عباد الله، يا من تؤذي الملائكة، يا من تغتاب إخوانك، بعد الصلاة أنت ما تفهم إيش تقول في الصلاة، أنت في الصلاة تقول: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين» وبعد الصلاة تؤذي إخوانك بالغيبة والنميمة، ما فهمتَ إيش قلتَ؟ فلما تقول: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين» (الصالحون) جمعٌ محلى بالألف واللام فكان من ألفاظ العموم، فيشمل جميع الصالحين من جميع العوالم الإنس والجن والملائكة، ولذا قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود قال: «إنكَ إن قلتَ: (السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين)؛ فقد سلَّمتَ على كل عبدٍ صالح في الأرض والسماء» كل عبد صالح في الأرض والسماء لما تقول في صلاتك: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين»؛ دل هذا على أنها من ألفاظ العموم.
فإذن: استفدنا من البيت الثاني والثلاثين أن المفردَ المحلى بالألف واللام وأن الجمعَ المحلى بالألف واللام شريطة أن لا تكون الألف واللام للعهد وإنما تكون للجِنس؛ فهذه من ألفاظ العموم التي تشمل جميع أفرادها مرة واحدة.
نكتفي بهذا القدر، ونتكلم إن شاء الله في البيت الثالث والثلاثين في درسنا القادم.

انتهى (الدرس الحادي عشر).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
الحادي عشر
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس