عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-16-2013, 01:05 PM
عبد الرحمن عقيب الجزائري عبد الرحمن عقيب الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 759
افتراضي الذهب الإبريز في نثر مسائل فاتحة الكتاب العزيز

الحمدُ للهِ الذى جعلَ القرآنَ آيةً عَلَى مِثلِهَا آمَنَ البَشَروَأُصَلِّي وَأُسُلِّمُ على محمَّدٍ خَيرِ مَن بَشَّرَ وأنذَر وَعَلَى آله وَصَحبِه وَأتباعه ومَن تَذَكَّرأمَّا بعدُ :
اعلم رحمك الله أن التفسير من خير ما اشتغل به العبد وذاكر فيه عالم ومتعلم وتلاه قارئ وأقرأه مقرئ فخيرنا من تعلمه وعلمه وتدبره وعمل بما فيه كما قال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب
و َالتَّدَبُّرُالتَّفَكُّرُ وَالتَّأَمُّلُ الَّذِي يَبْلُغُ بِهِ صَاحِبُهُ مَعْرِفَةَ الْمُرَادِ مِنَ الْمَعَانِي، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ قَلِيلِ اللَّفْظِ كَثِيرِ الْمَعَانِي الَّتِي أُودِعَتْ فِيهِ بِحَيْثُ كُلَّمَا ازْدَادَ المتدبر تدبرا انكشفت لَهُ مَعَانٍ لَمْ تَكُنْ بادية لَهُ بادىء النَّظَرِ انتهى من التحرير والتنوير
واعلم أبقاك الله على السنة أن تفسير كلام الله تعالى وبيان أوجه إعجازه هو أوسع العلوم وأجلهاوأفيدها وأشملها على معنى ما روي في الأثر في وصف القرآن لا تنقضي أعاجيبه أي لا تنتهي لطائفة ودقائقه وغرائبه التي يتعجب منها كما قال الشراح كيف لا وهو كلام الله تعالى المباين قطعا لكلام البشر المعجز بنظمه وتركيبه ولفظه ومعناه
فلا غرو إذا أن يكون المشتغل به ناجحا وفي تجارته رابحا لا حرمنا الله الانتفاع بكتابه تدبرا وتعلما وقراءة وإقراء وتدريسا ومذاكرة
ومساهمة مني في تقريب معاني فاتحة الكتاب شرعت في جمع ما تيسر لي من فوائدها واجتمع عندي من مباحثها وما يتصل بها لسيما ما وقفت عليه في غير مظانه
واعلم أنني سطرت هذا البحث المتواضع على شكل مسائل ومباحث مرتبة لتكون أنفع لطالب العلم
والله أسأل الإخلاص والقبول وأن ينفع به مَنْ كَتَبَهُ أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقُنَا لِصَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

فأقول مستعينا بالله تعالى :
القول في تأويل قول الله تعالى الحمد لله رب العالمين وفيها ثمان وعشرون مسألة :
1 – في وقوعها في محل نصب بقول محذوف مقدر
2 – فائدة كونها جملة اسمية
3- في كون أصلها جملة فعلية
4 – إذا قدرنا خبرها جملة فعلية فهل يخرجها عما تفيده الجملة الاسمية من الاستمرار والثبوت
5- دلالة أل في الحمد
6- سبب تقديم لفظ الجلالة في بعض السور على الحمد وتقديم الحمد في سورة الفاتحة
7- تعريف الحمد
8- آلة الحمد
8- سبب الحمد
9- الفرق بين الحمد والشكر
10- تعريف الشكر وآلته وسببه
11 – تعريف الثناء
12- تعريف التمجيد
13- تعريف المدح
14- في ترتيب حروف الحمد والمدح
15- في سبب كون الحمد لله تملأ الميزان
16- معنى اللام في لله
17- معنى لفظ الجلالة
18- فائدة تعليق الحمد بها
19- بيان اشتقاق لفظ الجلالة والدليل على كونها مشتقة
20- أصل لفظ الجلالة
21- دلالتها على التوحيد
22- معنى قوله رب العالمين
23- أصل كلمة رب
24- دلالتها على توحيد الربوبية
25- فائدة تعليق الحمد بلفظة رب
26- معنى قوله العالمين
27- في كون العالمين ملحق بجمع المذكر السالم لا اسم جنس خلافا
لبعضهم
28- الثناء يتضمن الدعاء
المسألة الأولى : 1 – في وقوعها في محل نصب بقول محذوف مقدر
اعلم أن مناسبة قوله في أثناء السورة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أن يكون من قول العبد أي مما أمر الله عباده أن يقولوه حمل بعض العلماء على إضمار قول محذوف دل عليه السياق وعليه فالسورة في محل نصب بفعل محذوف وممن قال بذلك شيخ المفسرين ابن جرير الطبري والجلال المحلي وصاحب التفسير الكبير وغيرهم
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره 1/139 : فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله "الحمد لله"؟ أحَمِد الله نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها، ثم علَّمنَاه لنقول ذلك كما قال ووصَف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذًا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهو عزّ ذكرُه معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قِيلِ جبريلَ أو محمدٍ رَسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بَطل أن يكون ذلك لله كلامًا.
قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جلّ ذكره حَمِد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثم علَّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم قولوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . فقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) مما علمهم جلّ ذكره أن يقولوه ويَدينُوا له بمعناه، وذلك موصول بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.
فإن قال: وأين قوله: "قولوا"، فيكونَ تأويلُ ذلك ما ادَّعَيْتَ؟
قيل: قد دللنا فيما مضى أن العرب من شأنها - إذا عرفتْ مكان الكلمة لم تَشكَّك أنّ سامعها يعرف، بما أظهرت من منطقها، ما حذفت حذفُ ما كفى منه الظاهرُ من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حُذفت، قولا أو تأويلَ قولٍ ، كما قال الشاعر:
وأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ... إذَا سَارَ النَّوَاعِجُ لا يَسِيرُ
فَقَالَ السّائلون لِمَنْ حَفَرْتُمْ? ... فَقَالَ المُخْبِرُون لَهُمْ: وزيرُ
قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميِّتُ وزيرٌ، فأسقَط الميت، إذ كان قد أتى من الكلام بما دلّ على ذلك انتهى كلامه رحمه الله وقد استشهد به الشيخ عبد الكريم الخضير في تعليقه على تفسير الجلالين
وقد بين صاحب التحرير والتنوير قرينة القول المحذوف بأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِمَّا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ كَثِيرًا فَصَارَتْ كَالْمَثَلِ فِي إِنْشَاءِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّه انتهى
قال سليمان الجمل في حاشيته على الجلالين 4/659 : سلوك التقدير يؤدي إلى التوافق في كون الكل من مقول العباد والتوافق أبلغ من التخالف ( مع التنبيه على صحة التخالف فيكون بعضها الأول من مقول الله كما في فاتحة الأنعام والكهف )
وفي الخطيب : والبسملة وما بعدها إلى آخر السورة مقول على ألسنة العباد ليعلموا
كيف يتبرك باسمه ويحمد على نعمه ويسأل من فضله ويقدر في أول الفاتحة قولوا كما قاله الجلال المحلي ليكون ما قبل إياك نعبد مناسبا له في كونه من مقول العباد انتهى
المسألة الثانية : اعلم أن جملة الحمد لله جملة اسمية والجملة الاسمية آكد
وأقوى وأثبت من الجملة الفعلية ومنه التعبير القرآني فيما فرض لازم
يؤتى فيه بالجملة الاسمية مثل قوله تعالى فعدة من أيام أخر أي فالواجب عدة من أيام أخر وكقوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
أي فالواجب أو فعليه ما استيسر من الهدي أما إذا أريد الاستحباب
جيء بالفعلية كقوله تعالى فضرب الرقاب لأن ضرب مصدر نائب عن فعله
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بَعْدَ تَقْدِيرِهِ أي قول الله تعالى فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ : فَالْحَكَمُ أَوِ الْوَاجِبُ اتِّبَاعٌ قال رحمه الله وَهَذَا سَبِيلُ الْوَاجِبَاتِ، كَقَوْلِهِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْصُوبًا كَقَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ انْتَهَى.
قال أبو حيان في البحر المحيط معللا قول ابن عطية هذا :
وَلَا أَدْرِي هَذِهِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ إِلَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِابْتِدَائِيَّةَ أَثْبَتُ وَآكَدُ مِنَ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي لَحِظَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ هَذَا انتهى
إذا تقرر ذلك فاعلم أن جملة الحمد لله تدل على ثبوت الحمد لله واستقراره ودوامه فالجملة الاسمية تدل على ثبوت الحدث وتدل على دوامه بخلاف الجملة الفعلية فإنها إنما تدل على التجدد والحدوث
قال صاحب كتاب لمسات بيانية في نصوص من التنزيل : 1/10
فلماذا لم يقل " الحمدَ لله " بالنصب؟
الجواب أن قراءة الرفع أولى من قراءة النصب ذلك أن قراءة الرفع تدل على أن الجملة اسمية في حين أن قراءة النصب تدل على أن الجملة فعلية بتقدير نحمد أو احمد أو احمدوا بالأمر. والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الجملة الفعلية لأنها دالة على الثبوت.
وقد يقال أليس تقدير فعل الأمر في قراءة النصب أقوى من الرفع بمعنى "احمدوا الحمد لله" كما تقول "الإسراع في الأمر" بمعنى أسرعوا؟ والجواب لا فإن قراءة الرفع أولى أيضاً ذلك لان الأمر بالشيء لا يعني أن المأمور به مستحق للفعل. وقد يكون المأمور غير مقتنع بما أمر به فكان الحمد لله أولى من الحمد لله بالنصب في الاخبار والأمر.
وقال أيضا : ومن ناحية أخرى أنه قال: الحمد لله ولم يقل أحمد الله أو نحمد الله وما قاله أولى من وجوه عدة:
إن القول " أحمد الله " أو " نحمد الله " مختص بفاعل معين ففاعل أحمد هو المتكلم وفاعل نحمد هم المتكلمون في حين أن عبارة "الحمد لله" مطلقة لا تختص بفاعل معين وهذا أولى فإنك إذا قلت " أحمد الله " أخبرت عن حمدك أنت وحدك ولم تفد أن غيرك حمده وإذا قلت " نحمد الله " أخبرت عن المتكلمين ولم تفد أن غيركم حمده في حين أن عبارة "الحمد لله" لا تختص بفاعل معين فهو المحمود على وجه الإطلاق منك ومن غيرك.
وقول " أحمد الله " تخبر عن فعلك أنت ولا يعني ذلك أن من تحمده يستحق الحمد؛ في حين إذا قلت " الحمد لله" أفاد ذلك استحقاق الحمد لله وليس مرتبط بفاعل معين. وقول " أحمد الله " أو " نحمد الله " مرتبط بزمن معين لأن الفعل له دلالة زمنية معينة، فالفعل المضارع يدل على الحال أو الاستقبال ومعنى ذلك أن الحمد لا يحدث في غير الزمان الذي تحمده فيه إلى أن قال : وقول "أحمد الله" جملة فعلية و"الحمد لله" جملة اسمية والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد في حين أن الجملة الاسمية دالة على الثبوت وهي أقوى وأدوم من الجملة الفعلية. فاختيار الجملة الاسمية أولى من اختيار الجملة الفعلية ههنا إذ هو أدل على ثبات الحمد واستمراره.
المسألة الثالثة : في كون أصل الحمد لله بالرفع جملة فعلية بتقدير نحمد أو احمد أو احمدوا بالأمر
اعلم أن أصل الحمد لله أحمد أو حمدت الله فحذف الفعل اكتفاء بدلالة مصدره عليه. ثم عدل إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبوت
وقد ورد ما يدل على ذلك فقد قرأ قرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد
ولذلك قال الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير : وَاعْلَمْ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ وَإِنْ كَانَتْ شَاذَّةً إِلَّا أَنَّهَا مُجْدِيَةٌ هُنَا لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارٍ عَرَبِيٍّ فِي تَطَوُّرِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْمَشْهُورِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ نَطَقُوا بِهِ فِي حَالِ التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَنْسَوْا أَصْلَ الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ اه
فما يردنا شَاذًّا عن بعض العرب مفيد في معرفة أصول الكلمات والتراكيب العربية
وفائدة هذا العدول عَنِ النَّصْبِ المستلزم فعلا عاملا فيه هُنَا إِلَى الرَّفْعِ لِيَتَأَتَّى لَهُمُ الدَّلَالَةُ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ والاستقرارِ المدلول عليه بالجملة الاسمية
قَالَ الزمخشري فِي «الْكَشَّافِ» : «إِنَّ الْعُدُولَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْمَعْنَى وَاسْتِقْرَارِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ رَفْعُ السَّلَامِ الثَّانِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِمُ» اهـ.
واعلم أنه لو لم يعدل إلى الرفع لانتفت الدلالة على الدوام وهو كذلك كما صرح به الرضي في باب المبتدأ لأن بقاء النصب صريح في ملاحظة الفعل وتقديره وهو يدل على التجدد فلا يستفاد الدوام إلا بالعدول إلى الرفع كما في الصبان
وقال خطيب المفسرين أبو السعود في إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 1/19 : وإيثار الرفع على النصب الذى هو الأصل
للإيذان بأن ثبوت الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مثبت وأن ذلك أمر
دائم مستمر لا حادث متجدد كما تفيده قراءة النصب وهو السر في كون تحية الخليل للملائكة عليهم التحية والسلام أحسن من تحيتهم له
في قوله تعالى قالوا سلاما قال سلام انتهى
المسألة الرابعة : إذا قدرنا خبرها جملة فعلية فهل يخرجها عما تفيده الجملة الاسمية وذلك أن الجار والمجرور يصح تعليقه بالفعل كما يصح تعلقه باسم الفاعل
قال الصبان في حاشيته على الأشموني 1/14 : لا يقال الاسمية هنا خبرها ظرف متعلق إما بفعل وإما باسم فاعل بمعنى الحدوث بقرينة عمله في الظرف فيكون في حكم الفعل، والاسمية التي خبرها فعل تفيد التجدد والحدوث لا الدوام، لأنا نقول: لا نسلم كون اسم الفاعل هنا للحدوث حتى يكون في حكم الفعل ويكفي لعمله في الظرف رائحة الفعل فيعمل فيه بمعنى الثبوت أيضا، ولئن سلمناه فمحل إفادة الاسمية التي خبرها فعل للتجدد إذا لم يوجد داع إلى الدوام، والعدول المذكور داع إليه ذكره الغزي انتهى
المسألة الخامسة : دلالة أل في الحمد
اختلف العلماء في معنى أل في الحمد على ثلاثة أقوال :
1- قيل للاستغراق 2 – وقيل للعهد 3 – وقيل للجنس
وأكثرهم يحكي قولين في المسألة = العهد والاستغراق
قال الناظم : أَل فِي حَمدِ رَبِّنَا الرَّزَّاقِ * مُحتمِلُ العهدِ والاستغراقِ
وزعم الزمخشري أنها للجنس وناقشه العلماء واتهموه في اختياره هذا
وسأنقل بحثا ماتعا وحوارا رائعا أفاض فيه الجلال السيوطي في حاشيته على البيضاوي المعروفة ب نواهد الأبكار وشوارد الأفكار
"أل" قد تكون لتعريف العهد فيكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله أو الحمد الكامل الذى حمد الله به نفسه ثابت لله وقد يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق فيدل على استغراق الأحمدة والمحامد كلها لله تعالى ورجح بعضهم المعنى الأول ورجح بعضهم المعنى الثاني بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عن أبيه قال قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: " اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ أخرجه أحمد (3/424) ، والبخارى فى الأدب المفرد (1/243، رقم 699) ، والنسائى فى الكبرى (6/156، رقم 10445) والحاكم 3/23- 24
صححه الشيخ الألباني في تخريج فقه السيرة (264)
وصححه محقق مختصر تلخيص الذهبي
وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (6/ 122).
وقال المعلق على كتاب عمل اليوم والليلة للنسائي: إسناده صحيح.
فدل قوله لك الحمد كله على استغراق الحمد كله فعلى هذا يكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله على سبيل الاستغراق والإحاطة فلا يخرج عنه شيء من أفراد الحمد وأنواعه ولا أجناسه
قال البيضاوي في تفسيره 1/27: والتعريف فيه للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرف كل أحد أن الحمد ما هو وقيل للاستغراق إذ الحمد في الحقيقة كله له إذ ما من خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط انتهى
وإيك ما وعدت به سالفا من تفصيل القول في هذه المسألة من حاشية السيوطي على البيضاوي
قال السيوطي في نواهد الأبكار وشوارد الأفكار ص263 المجلد 1
دراسة وتحقيق أحمد حاج محمد عثمان ( وهي رسالة مقدمة إلى قسم الكتاب والسنة لنيل درجة الدكتوراه جامعة أم القرى ) :
وحاصله أنه رَدَّدَّ بين كون اللام للجنس والاستغراق ، منكرا بالمعنى على الزمخشري حيث قصرها على الأول ووَهَّم من ذهب إلى الثاني
وقد قيل إن ذلك منه نزعة اعتزالية *1
*1 قال محقق الكتاب : نعم ، قد يكون في هذا دسيسة اعتزالية ، وإشارة إلى مذهب كلامي وهو أن الأفعال الاختيارية خيرها وشرها يخلقها العبد فله من جنس الحمد عليها قدر ، لخلقه الأفعال كما أن لله من جنس الحمد قدر ، لخلقه الذوات والنعم الوافرة ، فللعبد قدر من جنس الحمد ولله قدر من جنس الحمد وليس كل الحمد لله
قال شيخ الاسلام مبينا هذه الدسيسة : إذا أثبت جنس الحمد من غير استغراق فإن هذا لا يثبت خصائص الرب التى بها يمتاز عن غيره ، فإن الحمد إذا كان للجنس أوجب أن يكون لغيره أفراد من أفراد هذا الجنس كما تقوله القدرية ، وأما أهل السنة فيقولون : الحمد لله كله .
قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات 41 انتهى
أقول : لو عَبَّرَ المحقق عمَّا يثبُتُ للعبد بأفراد الحمد كما عَبَّرَ شيخ الاسلام لكان أحسن أي جنس الحمد لله وأفرَادٌ منه بحسبِ فعلِ العبدِ للعبدِ
قال السيوطي بعد كلامه السابق : وقد قيل إن ذلك منه نزعة اعتزالية = بناء على أن العبد موجِدٌ لأفعاله بالاستقلال فيستحق بذلك بعض
الحمد فلا يكون كل الحمد لله وقد أشار المصنف إلى رده بأن كل خير فهو تعالى موليه بواسطة أو بغيرها ، فالحمد في الحقيقة كله له ، ثم إن المحققين ذهبوا إلى الاستغراق فكان ينبغي للمصنف تقديمه .
قال الإمام فصيح الدين في الفرائد : كأن الزمخشري أراد بما قاله أن بعض الحمد لله بناء على مذهبه ، وليس كذلك فإنه لا حمد إلا لله تعالى
نعم تعريف الجنس ليس مما يقتضي الاستغراق ولكنه يحتمله ، فإن لم يمنع مانع واقتضاه المقام كان مرادا منه ، والحمد لما كان هو الوصف
بالجميل على جهة التعظيم والله تعالى خالق كل جمال وكمال ، وخالق كل من له الجمال والكمال ، وخالق كل مايستحق به الحمد من الأفعال فله الحمد في الحقيقة وإن أضيف في الظاهر إلى غيره .
وقال صاحب اللباب في تفسير الفاتحة : توجيه ما قاله الزمخشري أن اللام لا تفيد شيئا سوى التعريف ، والاسم لا يدل إلا على نفس الماهية المُعَبَّرِ عنها بالجنسية فإذن لا يكون ثَمَّ استغراق .
قال الطيبي : وهذا ذهول عن قول صاحب المفتاح : إن الحقيقة من حيث هي صالحة للتوحد والتكثر ، لاجتماعها مع كل واحد منهما فإذا اجتمعت مع المفرد والجمع في المقام الخطابي حملت على الاستغراق
قال الطيبي : والحق أن الحمل على الجنس أو على الاستغراق إنما يظهر بحسب المقام .
وبيانه هنا أن في تعقيب هذه الصفات للحمد إشعارا بأن الحمد إنما استحقه لما أنه متصف بها ، كما صَرَّحَ به في قوله : وهذه الأوصاف دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحقَّ منه بالحمد والثناء .
وقد تقرَّر في الأصول أن في اقتران الوصف المناسب بالحكم إشعارا
بالعِلِيَّة ، وهاهنا الصفات بأسرها تضمنت العموم ، فينبغي أن يكون العموم في الحمد ثابتا .
وبيانه أن الشكر يقتضيالمُنعِمَ والمُنعَم عليه والنعمة والمُنعِمُ هو الله وخص اسمه المقدس لكونه جامعا لمعاني الأسماء الحسنى ، ما علم وما لم يعلم ، والمنعم عليهم العالمون ، وقد اشتمل على كل جنس مما سمي به وموجب النعم الرحمن الرحيم ، وهو قد استوعب جميع النعم فإذن
ما الذى يستدعي تخصيص الحمد بالبعض سوى التحكم والتوهم .
وفي اللطائف القشيرية : واللام في الحمد للجنس ، ومقتضاها الاستغراق لجميع المحامد لله تعالى إما وصفا وإما خلقا ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر لوفور إحسانه
التفسير الكبير : لو قال أحمد الله كان قد ذكر حمد نفسه فقط وإذا قال الحمد لله فقد دخل فيه حمده ، وحمد غيره جميعا من لدن خلق العالم إلى انتهاء دخول أهلِ الجنةِ الجنةَ
الإنصاف : تعريف النكرة باللام إما للعهد، وإما للجنس، والذي للعهد إما أن ينصرف العهد فيه إلى فرد معيّن من أفراد الجنس نحو (فعصى فرعون الرسول) [سورة المزمل 11] وإما أن ينصرف إلى الماهية باعتبار تميزها عن غيرها، كقولك: أكلت الخبز.
والجنس هو الذي ينضم إليه شمول الآحاد، كقولك: الرجل خير من المرأة ، وكلا نوعي العهد لا يوجب استغراقاً، إنما يوجبه الجنس ،
والزمخشري جعل تعريف الحمد من النوع الثاني من نوعي العهد، وعَبَّرَ عنه بتعريف الجنس، لعدم اعتنائه باصطلاح أصول الفقه، وغير الزمخشري جعله للاستغراق، وليس ببعيد .
الطيبي (فتوح الغيب 1/107) : ليس المراد من تعريف الجنس في الحمد الماهية من حيث هي هي، نحو الرجل خير من المرأة، بل المراد منه فرد غير معيّن بحسب الخارج، نحو دخلت السوق في بلد كذا .
قال الشيخ أكمل الدين في حاشيته : (وهو تلخيص جيد وفيه رد على صاحب الانصاف في تفريقه بين تعريف الجنس والعهد الذهني ) قال : تعريف الجنس هو الذي يقال فيه: العهد الذهني عند المحققين، فإنهم قالوا: لام التعريف هو الدال على الحاضر في ذهن السامع، وهو إما أن يكون كليا أو جزئيا، والأول يسمى عهدا ذهنيا، ويعبر عنه أيضا بتعريف الجنس، والثاني يسمى عهدا خارجياً، والتعرض للأفراد المعني بقولهم: الاستغراق ليس للام دلالة عليه، وإنما هو بحسب المقام، فإذا كان خطابيا مثل " المؤمن غر كريم " حمل المعرف باللام مفردا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد إلى فرد، دون فرد آخر مع تحقق الحقيقة فيهما يعود إلى ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح.
قال: وفسر المصنف تعريف الجنس بقوله: ". ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد أن الحمد ما هو " أي إلى حقيقة من الحقائق، والمراد بها الإشارة العقلية؛ لأن الكليات لا تدرك إلا بالعقل.
قال: ونسب من ذهب إلى أنها للاستغراق إلى الوهم، فاختلف الناس في بيان ذلك.
فمنهم من قال: إنما فعل ذلك بناء على مذهبه، وليس في كلامه ما يشعر بذلك، على أن هذا لا يصح إلا إذا كان نفيه الاستغراق في هذه المادة خاصة، وأما إذا كان مراده أن الاستغراق لا يستفاد من اللام أينما كانت فليس بصحيح، لعدم وجوده في غير هذه المادة.
ومنهم من قال: إنما نسبه إلى الوهم؛ لأنه قدم أن أصل الكلام نحمد الله حمدا، فيكون الحمد منزلا منزلة حمدا، ومفهومه ماهية الحمد؛ لأنه مفعول مطلق للتأكيد، فيكون المراد بالحمد ماهيته.
وفيه نظر؛ لأنه يفيد الاختصاص بالمادة، وتشبيهه ب " أرسلها العراك " ينافيه، ولأنه منزل منزلة حمدا في تقدير الناصب، لا في كونه نكرة.
ومنهم من قال: إنما فعل ذلك بناء على ما ذكرنا أن اللام للعهد، والاستغراق ناشئ عن المقام، وهذا المقام آبٍ عن الاستغراق؛ لأن اختصاص حقيقة الحمد به تعالى أبلغ من اختصاص أفراده جمعا وفرادى، وفيه إشعار بأن حمد كل حامد، لكل محمود، حمد لله تعالى على الحقيقة؛ لأن الحمد إنما يكون على الفعل الاختياري بالجميل، وكل ما يصدر من الفعل من كل محمود فإنه فعل خلقه الله تعالى، فيكون الحمد المقابل الله خالقه.
وردّ بأن إباء المقام عن الاستغراق ممنوع؛ لأنه مقام خطابي يستدعي الحمل على الاستغراق، وبأن كون اختصاص حقيقة الحمد أبلغ ممنوع، فظهر من ذلك كله أن جعل اللام للحقيقة ليس أولى من الاستغراق إلا إذا كان مراده بكلامه ذلك أن جعل اللام موضوعة للاستغراق وهم، فإنها موضوعة للعهد. انتهى
يتبع
رد مع اقتباس