عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-25-2017, 08:23 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (7) قول التكفيريين :عدم تكفير الحكام إنما هو الإرجاء بعينه

قول التكفيريين “عدم تكفير الحكام إنما هو الإرجاء بعينه ، وقد حذر السلف من المرجئة، بل بعضهم أخرجهم من الملة”

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (7)

الجواب على هذه الشبهة من جهتين :
الجهة الأولى : متى يصح إطلاق الكفر على الحكَّام ؟ :
والجواب على ذلك : أن تكفير الحكام منوطٌ بأحكام شرعية قام على مثلها الدليل، وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام هذه المسألة بياناً شافياً في جملةٍ من الأحاديث الصحيحة منها :
الأول : حديث عبادة بن الصامت قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا: ” أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان“([1]).
والثاني : حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله : أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا”([2]).
والثالث : حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة”([3]).
ونحوها من الأحاديث، وقد جاء في حديث عبادة السابق أن الوالي لا يكفر إلا إذا وقع في الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل.
وجاء في الحديثين الآخرين ( حديث أم سلمة وعوف بن مالك ) أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمر ما أقاموا الصلاة .
والحاصل : أن الوالي إذا وقع في الكفر الصريح وقامت عليه الحجة المبنية على برهان قاطع من كتاب أو سنة أو إجماع فقد وجب الخروج عليه والسعي لعزله بمحضر أئمة العلماء المجتهدين الذين لهم حق تقرير الحادثة.
قال الحافظ بن حجر: ” وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء .. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها" ([4])اهـ.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : ” فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة .
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين “([5]).
الجهة الثانية : حقيقة المرجئة والإرجاء :
المرجئة هم من يقول : لا تضر معصيةٌ مع إيمان، ومن هذا المنطلق قالوا : المؤمن من نطق الشهادتين وإن لم يعمل شيئاً.
وإليك مقالات أهل العلم في بيان الفارق بين المرجئة وأهل السنة:
قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله : ” خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث : نقول : الإيمان قول وعمل, وهم يقولون : الإيمان قول ولا عمل ، ونقول : الإيمان يزيد وينقص, وهم يقولون : لا يزيد ولا ينقص ، ونحن نقول : النفاق, وهم يقولون لا نفاق”([6]).
وعن إسماعيل بن سعيد قال: ” سألت أحمد عن من قال: الإيمان يزيد وينقص فقال: هذا بريء من الإرجاء “([7]).
وقال الإمام البربهاري- رحمه الله- : ” ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد ينقص فقد خرج من الإرجاء أوّله وآخره “([8]).
وقال الإمام أحمد ” والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنت، ونقصانه إذا أسأت، ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها، فإن تركها كسلاً أو تهاوناً كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه “([9]).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: ” ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة”([10]).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :” أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان“([11]).
وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :” وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد، والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها، بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين، ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له، فيما يستحقه على خلقه، من العبادات، والإلهية، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم والإيمان” ([12]).
وبهذه النقولات يتبين لطالب البصيرة الفرق الكبير بين أهل السنة والمرجئة ، وقد أراد بعض العصريين أن يقحم نفسه بإلصاق التهم في علماء أهل السنة باعتبار أنهم مرجئة لكونهم لم يكفروا حكام المسلمين، وهذا من المزالق الخارجية؛ لأن قضية التكفير مبنية على أدلة واضحة من الكتاب والسنة تخالف هواهم الذي يدعو إلى الخروج على ولاة الأمر بمجرد شبهٍ لا صلة لها بالشرع وأدلته.
قال الإمام اللالكائي رحمه الله : ” ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة، ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا، ولا ننزع يداً من طاعة، نتتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة”([13]).
وقال أبو أحمد الحاكم :” ولا نكفر أحداً بذنب إلا ترك الصلاة؛ وإن عمل بالكبائر، وأن لا نخرج على الأمراء بالسيف وإن حاربوا، ونبرأ من كل من يرى السيف على المسلمين كائناً من كان”([14]).
فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1854).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1855).
[4] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (13/7).
[5] مجموع مقالات وفتاوى ابن باز (8/202).
[6] صفة المنافق للفريابي (ص74).
[7] السنة للخلال (3/581).
[8] شرح السنة للبربهاري (ص57).
[9] طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى(1/343).
[10] شرح السنة للبربهاري(ص73).
[11] الدرر السنية، جمع ابن القاسم (1/ 102).
[12] الدرر السنية، جمع ابن القاسم(1/ 467).
[13] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي(1/177).
[14] شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم(ص31).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس