عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-26-2011, 11:37 PM
أبو عثمان السلفي أبو عثمان السلفي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 804
افتراضي

[درر من كتاب «مدارك النظر»]

الإصلاح السياسي

المشكلة في هذا الصراع المحتدم ثنائية:

الأولى: هل الإصلاح يتم عن طريق إصلاح الحاكم أو عن طريق إصلاح الأمة؟
الثانية: إذا كان لا بدَّ من الممارسة السياسية فمن هم أهلُها؟

أما الجواب عن الأولى ففي نص آية وحديث ـ ولا اجتهاد مع النص ـ قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

فما أوضحه من بيان! لكن مع وضوحه فأكثر من تسمَّوا بأسماء حركات إسلامية قد اجتهدوا وجاء لسان حالهم يقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكوماتهم!! ولا حول ولا قوة إلا بالله، غاضِّين الطرف عن السيرة النبوية المفسرة لهذا البيان، غافلين عن أنه لا عزّ لهم حتى يتحكم الدين في نفوسهم، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» رواه أبو داود وهو حسن.

هذا حكم الله ورسوله {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}؟!

فاحذروا ـ أي إخواننا! ـ من رد الحق تحاكماً إلى واقعكم أو اغتراراً بتجربتكم أو إرضاءً لنخالة أذهانكم! أوَ ليس قد حكم الله أن لا تمكين في الأرض ولا استخلاف ولا أمن ولا نصر إلا بأمة، وأي أمة؟! إنها أمة العبادة مع توحيد خالص فاقرأ كلاماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي قال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِين ءامَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.

وعلى كل حال لا أطيل في هذا، وإنما أحيلكم على كتاب لم تقع عيني على مثله في هذا الزمان، وهو بعنوان « منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل» للدكتور ربيع بن هادي المدخلي، ولا تغترُّوا بمن حاول أن ينسج على عنوانه الماتع ما يضاهيه؛ فإنه لم يأت إلا بالباطل و بما يشبه خيوط العنكبوت.

وفي الجواب عن المشكلة الثانية أقول:

أوّلاً: لست بحاجة إلى تقرير أن السياسة من الدين؛ لأنني لا أظن أن مستواكم الخلقي قد هبط بكم إلى رمي أخيكم ـ كاتب هذه السطور ـ بأنه يفرق بين الدين والدولة بعد أن قال الله تعالى: {إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}.

وأخبر أن تعطيل الشريعة اتباع للهوى فقال: {وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ ومُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ولاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ}.

وليس تعطيل الشريعة إلا جاهلية مقيتة قال الله تعالى: {أَفَحُكمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون}.

وثانياً : اعلم أن سبب فشل الحركات الإسلامية اليوم في إصلاح هذا الفساد العام هو خطؤها طريق الإصلاح حين دخلت المعترك السياسي وجعلته أصل عملها التغييري، مهما زعم كل منها سلامة المنهج وشمولية الدعوة وإحكام التنظيم، لذا فإن حديثي هنا منصب فقط على من اضطر إلى أن يفتي في السياسة اضطرارا لا مناص منه.

أما ممارسة السياسة اليوم فهو عمل لا يدخله إلا من استدرجه الشيطان ليُهلكه في أسوإ الخواتيم، فأَقْنَعَه بأنه لا يجوز ترك هذه الوظائف للفساق والعلمانيين، وأنه لا يجوز للمسلم أن يتقوقع حول نفسه، وأن قانون فلان الشيوعي كاد يطبق في بلاد ما لولا وجود الوزير الفلاني إلى غير ذلك من زخرف القول الذي لم يؤسس على النظر الشرعي بقدر ما أسس على النظر الواقعي مع إغماض؛ إذ الصادق في تأمله يرى قوماً دخلوا ليغيِّروا فتغيَّروا، وحق فيهم قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: « من أتى باب السلطان افتتن» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والبيهقي في (( الشعب )) وهو صحيح.

ودليل المنع من مخالطتهم عند ممارستهم لسياساتهم الجائرة هو قول الله تعالى: {وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُم في الكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم}.

وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب! فنزل فقال له: أنَزَلْتَ في إبلك وغَنَمك وتركْتَ الناس يتنازعون المُلْك بينهم؟ فضرب سعد في صدره! فقال: اسكت! سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الله يحبُّ العبد التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ » رواه مسلم.

فإذا تعارضت مصلحتك الدينية مع مصلحة غيرك فقدم مصلحتك ما دام في الجمع بينهما خيفة على النفس، قال الله تعالى: {يَأَيُّها الَّذين ءَامَنُوا عَلَيْكم أَنفُسَكمْ لاَ يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ}.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ ذكروا الفتنة، أو ذكرت عنده قال: « إذا رأيتَ الناس قد مرجت عهودُهم وخفَّت أماناتُهم وكانوا هكذا » وشبّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: «الْزَمْ بيتك، وأملك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة» » رواه أبو داود والحاكم وأحمد وهو صحيح.

فإن قيل : ولكن المجتمع بحاجة إلى هذه المناصب ؟ قلنا: نعم! ولكن بشرط أن لا يَمتهن المرءُ فيها دينَه؛ لأنه إن رضي لنفسه أن يكون حطب جهنم في سبيل إنقاذ غيره، فإن له أسوة بمن قال فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: « لا بد للناس من عريف، والعريف في النار» رواه أبو الشيخ في « طبقات الأصبهانيين » وغيره( ).

ومعناه: أن مَن لم يمكنه أن يحظى في عمله إلا بمفسدة محضة أو راجحة ورأى دينه إلى نقصان؛ كأن يُضطرّ إلى ترك الواجبات، فليسارع إلى إنقاذ نفسه حتى لا يكون جسراً يُقطع به إلى الجنة وعند الباب تقع الفرقة! ويكفيه في قضاء حوائجه هؤلاء العرفاء الذين لا يَخلو منهم مجتمع.

فإن قيل: ومن يقضي لكم حوائجكم إذا شحَّ العرفاء؟ قلنا: قال الله تعالى: {ومَن يَتَوَكَّلْ علَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه}. هذا الحكم تابعٌ لبيئة قد تمحَّض فيها الشرّ أو رجح.

ولست أعني هنا عدم النصيحة لولاة الأمور بالطريق المشروع وممن ينفع الله به وإعانتهم في الخير؛ فقد فعله يوسف –عليه السلام- من قبل حين قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، كما أن سيرة السلف في الإخلاص في النصيحة لولاة الأمور وعدم غشِّهم فيها معروفة، ولا سيما إذا كانت البلادُ بلادَ توحيد ومحافظة على الصلوات وحبّ للخير( ).

ولكنني محَذِّر من سياسة مَدّ الجسور التي عند الإخوان المسلمين! أوَ ما رأيتم ما أصابهم مِن رقَّة دين وفتنة فيه؟!( )

هذا وهم من أغشّ عباد الله لحكامهم في الوقت الذي يُظهِرون لهم التجاوب التامّ مع الأوامر؛ بدليل أنهم ما يَجدون فرصةً للانقضاض على سلطانهم إلا فعلوا، إما ببيعات! أو بتحزّبات! أو بانتهاز أوقات الثورات ...!

وأخيراً فالجواب عن المشكلة الثانية التي طرحتها عند مطلع هذا الفصل هو الآتي في الفصل الذي يليه
__________________
«لا يزال أهل الغرب ظاهرين..»: «في الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة المتمسكين بها،والذابين عنها،والصابرين في سبيل الدعوة إليها». «السلسلة الصحيحة» (965)
رد مع اقتباس