عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-17-2017, 03:57 PM
ابوعبد المليك ابوعبد المليك غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 4,441
افتراضي السّلام .. سِمَةُ الإسلام





حاجةُ الإنسانيَّةِ إلى السلام غرِيزةٌ فِطريَّة، وضرورةٌ بشريَّة، ومصلَحةٌ شرعيَّة؛ إذ لا بِناءَ ولا إعمار، ولا رُقِيَّ ولا ازدِهار، ولا تنمِيةَ ولا ابتِكارَ إلا به، وبضِدِّه الدَّمارُ والتَّبارُ والبَوَارُ.

لقد كان العالَمُ قبل الإسلام تحكُمُه العصبيَّةُ القَبَليَّة، يُشعِلُون الحُروبَ لقُرونٍ طويلةٍ مِن أجلِ سَبقٍ أو نَيل ثَأرٍ، ويُهدِرُون في ذلك الدِّماءَ ويُقيمُون العدَاوات. فجاء الإسلام وعُنِيَ عنايةً فائِقةً بالدعوةِ إلى السلام، ونَبذِ الحُروبِ والنِّزاعات، والقَتلِ والصِّراعات، ورتَّبَ على ذلك عظيمَ الأجر والجزاء.

فالإسلامُ حسَمَ شِرَّةَ الخُطُوب والكُروب، وانتَشَلَ الإنسانيَّةَ مِن أوهاقِ البَغضاءِ والشَّحناء إلى مراسِي التوافُقِ والصَّفاء، والسِّلمِ والوَفاء.
هو البَلسَمُ الشَّافِي لكلِّ عوِيصَةٍ ***أعيَتْ مخاطِرُها عُقُولَ أُباتِها
للهُ قد فَطَرَ النُّفُوسَ على الهُدَى *** وأنَارَ بالإسلامِ دَربَ هُداتِهَا

إنه دينُ السِّلم والسلام، والوِفاقِ والوِئام، وما شُرِعَت أحكامُ الشريعة إلا لمصالِحِ العباد في أُمورِ المعاشِ والمعادِ، وحيثُما وُجِدَت المصلَحةُ المُتيقَّنة فثَمَّ شرعُ الله.
وليس مُصادفةً أن تكون كلمةُ “السلام” مُشتقَّةً مِن الإسلام؛ فلم يعرِف العالَمُ الإسلامَ إلا بعد بِعثةِ سيِّد الأنام – عليه الصلاة والسلام -، وفي ظلِّ شريعة الإسلام.

ولقد جاءَت لفظةُ “السلام” في كِتابِ الله في أربعةٍ وأربعين موضِعًا، بينما لم تَأتِ مُفردةُ “الحرب والقتال” إلا في ستة مواضِع فقط.
الله هو السلام.
وهو السَّلامُ على الحَقيقَةِ سَالِمٌ ***مِن كلِّ تَمثِيلٍ ومِن نُقصَانِ
وتحيَّةُ الإسلام السلام، والجنةُ دارُ السلام، ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس: 25]، ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 127].

ولقد دلَّت وقائِعُ السيرة النبوية والفُتُوحات الإسلاميَّة على أن الدِّعامةَ الأُولى والأساسَ لانتِشار الإسلام: الدعوةُ بالحُسنَى، والموعِظة البلِيغَة، والكلمةِ الطيِّبة، والمُعاملةِ الحسنة حتى في أوقاتِ الحربِ والقتالِ.
روى الإمامُ مُسلمٌ في “صحيحه” مِن حديثِ بُريدة بن الحُصَيب – رضي الله عنه – قال: كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سرِيَّة، أوصَاه في خاصَّتِه بتقوَى الله ومَن معَه مِن المُسلمين خيرًا، ثم قال: «اغزُوا ولا تغُلُّوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تَقتُلُوا وَلِيدًا ولا امرأة».
وفِي رِوايةٍ: «ولا تُحرِقُوا كَنِيسةً، ولا تَعقِرُوا نَخلًا».

الله أكبر! بهذه الألفاظ مِن دُرر الخُلُود، وهذه الحَبَّات مِن نفَحَات القُدس الشُّهُود، فاضَت الوصايَا المُحمديَّة العِظام بمجامِعِ الرحمة، وزخِرَت بمعاطِف الرَّأفَة. فأيُّ سلامٍ أعَمُّ وأشمَلُ وأجمَلُ، وأروَعُ وأبهَى وأكمَلُ مِن هذا السلام الذي يعُمُّ الكَونَ بكائِناتِه وجَماداتِه ونباتاتِه؟!

فهل رأَت الدنيا، وسمِعَ التأريخُ بمبادِئ ومُثُلٍ أخلاقيَّةٍ وسُلوكيَّةٍ أشمَلَ وأكمَلَ مِمَّا جاءَ به الإسلام؟! فهل يعِي ذلك دُعاةُ العُنف والإرهاب؟!
لقد جاءَت الشريعةُ العادِلة بحِرصِها على الأمنِ والسلامِ دُون إفساد أو تدميرِ مُمتلَكات العدُوِّ، فكيف بالأخ والصَّدِيق؟! وما تقومُ به منافِعُ العِباد، ويُصلِحُ عَمارَ الأوطان والبلاد.

قال الإمامُ عليُّ بن أبي طالبٍ – رضي الله عنه – لقائِدِ جيشِه: “ولا تَدفعَنَّ صُلحًا دعاكَ إليه عدُوُّك ولله فيه رِضا؛ فإن في الصُّلحِ دَعَةً لجُنودِك، وراحَةً مِن هُمُومِك، وأمنًا لبلادِك”.
أنا مُسلمٌ والسِّلمُ فِي وِجْدَانِي ***سِلْمًا مِن الإرهابِ والعُدْوَانِ
رَبِّي السَّلامُ تقَدَّسَتْ أسمَاؤُهُ ***ذُو الفَضلِ والإكرامِ والإحسَانِ

وإن مِن الفِرَى التي أُلصِقَت بالإسلام دُون إرواءٍ أو إحجامٍ، وكانت مَثارَ التوجُّسِ والخَوفِ مِنه: اتِّهامَه بالإرهابِ والسَّيف، والعُنفِ والظُّلم والحَيف. وتلك أُكذوبةٌ ظاهِرٌ عَوَارُها، ويُفنِّدُها أُوَارُها.
فالإسلامُ كان ولا يزالُ وسيظلُّ – بإذن الله – في علُوٍّ وانتِشارٍ، وانتِصارٍ وازدِهارٍ؛ لأنه دلَفَ إلى القُلُوبِ بالحِكمةِ والمَوعِظةِ الحسَنَة والمعروفِ، لا بالغِلظةِ والحُتُوف. وأيُّ نِعمةٍ تُزجَى، أو ثَمَرةٍ تُرجَى مِمَّن أُكرِهَ على الإيمانِ بالهُندوانيِّ والسِّنان؟! وقَد قال ربُّ العالَمين: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].

بل إنَّ دَعوَتَهُ السَّلامُ ودِينُهُ ***رِفقٌ ولَمْ يَثلِمْ تُقَاهُ خِصَامُ
فوُعُودُه دارُ السَّلامِ، وربُّه *** مِنهُ السَّلامُ، ودِينُهُ الإسلامُ

فالإسلامُ – ولا غَير – هو المِلَّةُ التي لا تقُومُ الدنيا إلا على ضِيائِها، ولن ترشُدَ إلا بهَديِهَا وسَنائِها.
وألِيَّةٌ لا حِنثَ فيها أن العالَمَ قد خسِرَ الخُسرانَ المُبين بتأخُّر المُسلمين عن منازِلِ السِّيادة والرِّيادة، ومرافِئِ السَّعادةِ والقِيادة، لما أوصَدَت كثيرٌ مِن المُجتمعات دُون تشريعاتِهِ أبوابَها، وأرصَدَت دُون إنسانيَّةِ تعالِيمِه أبوابَها.

لكنه التفاؤُلُ يتملَّكُنا بشَبابِ الأمةِ الواعِي في هذا العصرِ، عصر التِّقانات والتحديات.
ولقَد أصبَحَ الأمانُ لدَى كثيرٍ مِن المُجتمعات اليوم كسَرابٍ بِقِيعَةٍ يحسبُه الظَّمآنُ مَاءً، وإن السَّلامَ الحقيقيَّ والأمنَ المُجتمعيَّ لا يكونُ بانعِدامِ التوتُّر بين الأفرادِ والبُلدان، بل بتحقيقِ العدالَةِ فيما بينَهم، فلن يسُودَ السَّلامُ هذا العالَم إلا بإقامةِ الحقِّ والعَدلِ، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه.

اللهُ قد خَلَقَ الشُّعُوبَ سَواسِيَة ****لا ربَّ بينَهُمُ ولا مربُوبَا
لَن يَستَقِيمَ لكُمْ سَلامٌ ما شَكَا ****شَعبٌ ضَعِيفٌ حَقَّهُ المغْصُوبَا
ولا يتجسَّدُ هذا العدلُ إلا في ظلِّ الإسلامِ الوَرِيفِ.
فيا أحبَّتنَا الأكارِم في سَائِرِ الأقطارِ والدِّيار! اللهَ اللهَ في تحقيقِ الأمنِ والسَّلامِ، والمحبَّةِ والمَودَّةِ والوِئام. تسامَحُوا .. تراحَمُوا .. تآلَفُوا .. اتَّحِدُوا ولا تَخالَفُوا، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
وصُونُوا أوطانَكم عن أوابِدِ العُنف والتخريبِ، وانأَوا عن مغَبَّات التلاوُمِ والتثرِيبِ، والتخذِيلِ والإرجافِ؛ فإنهما مِن أنكَرِ الأوصافِ.

كُونُوا المِرآةَ العاكِسةَ لجَمالِ الشريعةِ ومبادِئِها العِظام، وخَيريَّتها على سَائِرِ الأنام، وتلك هي المَدامِيكُ التي تُحقِّقُ الطُّمُوحات ذاتِ العَزِيمة، وتشمَخِرُّ عنها المُجتمعاتُ المُتراصَّةُ الكريمة، المُتعانِقةُ الرَّحيمة. وبذلك تُفوِّتُون الفُرصَ على اتِّهام الإسلام بالعُرَر اللَّئِيمة، والهُراءات السَّقِيمَة، وتُرِكُون أنَّ الإسلام ليس مُجرَّد رسالة سَلامٍ، بل هو السَّلامُ الحقيقيُّ ذاتُه والوِئامُ.

فالإسلامُ وبكلِّ فَخرٍ واعتِزازٍ قدَّمَ للعالَم أعظمَ حضارةٍ عرفَها التأريخ، وهو – بفضلِ اللهِ – عصِيٌّ على الغُلُوِّ أو الانهِزاميَّة والذَّوَبان.
أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208].

ويجِبُ العملُ على شرِ ثَقافَةِ السَّلام، لاسيَّما في مناهِجِ التعليمِ، ووسائلِ الإعلام، ومواقِعِ التواصُل الاجتماعيِّ، خاصَّةً بين فِئاتِ الشَّبابِ، وأهميةِ ترسِيخِ آلِيَّات الحِوار، في برامِج تَوعَوِيَّة لمُكافَحةِ التطرُّف، وتَعزِيزِ قِيَم التسامُحِ والتعايُشِ، وإحلالِ الأمنِ والسِّلمِ الدوليَّين، ورَفضِ أعمالِ العُنفِ والصِّراعات الدمويَّة، وخِطابِ التحريضِ والكراهِيَة، ودعَوَات العصبِيَّة والطائِفِيَّة، وما يبُثُّ الفِتنةَ، ويهُزُّ اللُّحمةَ الوطنيَّة.

وهذا – ولله الحمدُ والمِنَّة – هو دَأبُ هذه البِلاد المُبارَكة – حرَسَها الله – بلدِ الإسلام، ورَمزِ السَّلام، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32].

—————————
د عبدالرحمن السديس

رابط الموضوع : http://www.assakina.com/news/news1/1...#ixzz4swR7jnfm
__________________
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا

قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"

قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"

السير6 /369

قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"

الفتاوى السعدية 461

https://twitter.com/mourad_22_
قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/channel/UCoNyEnUkCvtnk10j1ElI4Lg
رد مع اقتباس