عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 01-05-2016, 10:00 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


الشيخ محمد رشيد رضا ينعى مقتل أخيه الشيخ محمد وصفي

قال في مجلة ((المنار)) :
كان هذا المصاب أثرًا من شر آثار الفوضى واختلال الأحكام ، وفساد الحكام في البلاد السورية ، وغيرها من البلاد العثمانية ، فقد اشتدت هذه الفوضى في وطننا ( لواء طرابلس الشام ) في السنة الماضية حتى ترك كثير من الأحداث والشبان الأعمال ، وتدججوا بالأسلحة النارية في عامة أوقاتهم ، وكثر حديثهم في الرجولية باستعمالها ، والفتك بها ، وزالت من نفوسهم هيبة الحكومة ، واعتقدوا أن القصاص قد نسخ منها ، ولم يبق بين الواحد منهم وبين قتل العمد إلا غضبة تعرض له ، أو استياء من أحد يلم بنفسه ، واتفق أن الفقيد صادف واحدًا من هؤلاء التحوت الأنذال يؤذي بنتًا في الطريق فنهره فاستلَّ النذل مديته وهجم بها على فقيدنا وقال له :
إنني أنتظر هنا لأقتلك أنت ، فقبض عليه الفقيد وما زال يعالجه حتى أخذ منه المدية ، وأراد أن ينصرف ، فأخرج الشقي مسدسه وأطلقه عليه ست مرات وكان في كل مرة يروغ فتخطئه الرصاصة حتى أصابته السادسة فحملها وذهب إلى الدار .
وعلم بذلك الأصدقاء في طرابلس فبادروا مع طبيب عسكري وطبيب غير
عسكري إلى الكشف عليه فلم يهتد الأطباء إلى الرصاصة وظنوا من غير عملية جراحية أنها غير قاتلة ، وقد كتب الفقيد إليَّ وإلى شقيقنا السيد صالح بطاقة هذا نصها :
سيدي الشقيقين :
إني أحمد الله إليكما أن نجاني من مصاب كبير ، وخطر خطير ، وذلك أن
الشقي عبد الوهاب الباشا أطلق علي عيارات نارية أصابني واحد منها في أليتي وقد ضمد الجرح الآن ، على أنه لم يمض عليه أسبوع ، ولا بد من بقائي في البيت أيامًا .
وصل كتابك الأخير وسأجيبك عنه إن شاء الله تعالى ، الجميع بخير .
... ... ... ... ... ... ... ... 3 المحرم سنة 1330
... ... ... ... ... ... ... ... ... حسين وصفي رضا

فكتبت إليه وإلى غيره إنني لا أطمئن ولا يرتاح قلبي إلا إذا استخرجت
الرصاصة أو عرف مكانها وأنه غير مقتل ، ولكن لم يرجع إلا النعي ، فقد تبين أن الرصاصة اخترقت الجنب ووصلت إلى الأحشاء ، وفعلت فعلها في الأمعاء ، وذلك مساء عاشر المحرم ، وخرجت روحه الطاهرة في صبيحة حادي عشره ، بعد أن نطق بالشهادة وحمد الله أنه لم يسفك دمًا ، ولا قارف محرمًا ، وكانت هذه البطاقة آخر العهد بكتابة فقيدنا رحمه الله تعالى .
كان المصاب بالحسين عظيمًا على كل من عرفه من أهل العلم والفضل
والأدب أو عرف شيئًا من مزاياه العالية ، وما عارِفُوه على حداثة سنه بالقليلين .
وسنذكر نموذجًا من تعازيهم في جزء آخر ، ونكتفي هاهنا بكلمة من كتاب تعزية لأحد أهل العلم والأدب في طرابلس الشام في سوء الحال والفوضى هناك وهو الشيخ محمد نجيب الحفار قال :
أرفع لمقامكم السامي هذه العريضة ، وإن قلمي يضطرب من شدة هول تلك الحادثة التي أودت بجميع من عرف ومن لم يعرف صفات فقيدكم بل فقيد جميع الناس المرحوم أخيكم السيد حسين رضا من رصاصة أتته من يد أثيمة كلا بل من دولة أثيمة لا تعرف للإنسانية حقًّا ولا للرعية ذمة يجبرانها على القيام بحفظ أموالهم وأعراضهم وأرواحهم وخصوصًا أهل العلم والفضل والشرف منهم الذين يذهبون كل يوم ضحية تهاملها وتكاسلها عن تعقيب أولئك الكفرة الفجرة الذين يعيثون في الأرض فسادًا لا يهابون الناس ولا الحكومة بدليل أنها أرسلت منذ عشرة أيام أحد ضباطها رديف بك وهو من خيرة رجالها لتعقيب بعض الأشياء الذين عجزت عن إلقاء القبض عليهم نظرًا لعدم اهتمامهم بقوة الحكومة وسطوتها فرجع المسكين محمولاً على الأكف مدرجًا بدمائه الطاهرة بعد أن كان كالأسد لا يهاب من وظيفته أحدًا فواروه جدثه ولم تزل الأشقياء للآن زُمرًا زمرًا داخل البلدة وخارجها يقومون بأعمال لا قِبل للإنسانية على تحملها وأصبحت الأهالي في اضطراب شديد من هول هذه الأعمال القبيحة ، ومن جملتها مصيبتنا بالغصن الرطيب والركن العلمي والذكي المفرط المرحوم السيد حسين رضا ) إلخ . اهـ.
قال أبو معاوية البيروتي: وأبعها الشيخ محمد بأربع مقالات جمع فيها ما قاله أهل العلم والفضل في أخيه، وأقام فضلاء أدباء بيروت حفل تأبين لأخيه في مساء الثلاثاء ليلة 17 صفر سنة 1330 - 6 فبراير سنة 1912 م، وكان قد كتب العديد من المقالات في مجلة المنار، منها (رحلة القسطنطينية) و(الصحف في البلاد العثمانية) و(نهضة الأزهريين) وغيرها.
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس