عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-06-2018, 01:03 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

عبد الفتاح أبو غُدَّة ابتدأها، وعبد العزيز العسكر طار بها، فليهنا الخرافيون.

((الحلقة الثالثة))

ما أشبه الليلة بالبارحة: قبل ثلاثٍ وعشرين سنة، أثار عبدالفتاح أبو غُدَّة انتقادات على الشيخ الألباني، فتصدى لها الألباني في كتابه: (كشف النقاب عمَّا في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات) (طبع عام 1395هـ).

فماتت هذه الفتنة آنذاك، حتى أحياها الآن الدكتور العسكر بترديد ما سطره أبو غدة، ومتابعته في افتراءاته على الألباني.

وإن من بين ما انتقده عبد الفتاح أبو غدة وعبد العزيز العسكر على الشيخ الألباني: زعمهما بأن الألباني يقدح في الدولة السعودية. وأتركك ـ أيها الأخ الموفق ـ مع الألباني ليجيب عن هذه الفرية قبل قرابة ربع قرن من الزمان. قال الألباني تحت عنوان: (بُهْتٌ جديد واستعداء غير شريف) ـ من كتابه (كشف النقاب) (ص43) ـ...] : [بعد أن يئس ـ أبو غدَّة ـ من تحريك المسؤولين هناك ـ أي في المملكة العربية السعودية ـ ضدّ تعليقات الألباني وتخريجه لشرح الطحاوية، عاد يفتش في كتب الألباني الأخرى لعله يعثر فيها على زلَّةٍ يتشبث بها وقد وجد في بعضها كلماتٍ فيها تذكيرٌ للمسؤولين هناك ببعض الأمور المنكرة التي تقع في المدينة المنورة، ليبادروا إلى تلافيها قبل أن يتسع الخرق على الراقع.

فاعتبر ذلك أبو غدة تنديدًا ونيلاً من العلماء والمسؤولين هناك... ثم ساق الألباني النصوص التي أوردها أبو غدة من كلام الألباني وحملها على أنها قدح في المسؤولين، وردَّ عليه.

وأثبت أنه حذف من كلامه هذه الجملة: (ثَبَّتَ الله خطاها ـ يعني الدولة السعودية ـ ووجهها إلى العمل بالشرع كاملاً، لا تأخذها في الله لومة لائم، وهو المستعان) قال الألباني (ص46):

(وحَذْفُه ـ يعني أبا غدة ـ لهذه الجملة من أبين التحريف؛ لأنه لو أثبتها لانكشف افتراؤه للقراء بداهةً؛ ولذلك حذفها تضليلاً للقراء وبهتًا للأبرياء، فعليه من الله ما يستحق. وهذه الجملة لأكبر دليلٍ على أننا نريد النصح بهذه الكلمات للدولة السعودية وحكامها، ولا نريد الطعن والنيل منهم، كما يريد أن يقول هذا الأفاك الأثيم). اهـ.

وقال الشيخ ـ أيضًا ـ (ص 45) في المقارنة بين السعودية وبين أبي غدَّة :[... مع أنهم ـ أي الدولة ـ في العقيدة سلفيون، وهو ـ أي أبو غدَّة ـ خلفي).

وقال الشيخ ـ أيضًا ـ (ص21): (ومن الواضح أن الوهابيين عند ـ أي عند أبي غدَّة ـ وهو يخطب في حلب، إنما يعني السلفيون في حلب وغيرها من البلاد السعودية الذين أقضُّوا مضجعه بدعوتهم الناس إلى الكتاب والسنة ومحاربة الشرك والبدعة) اهـ.

فهذه أمثلة من موقف الألباني من الدولة السعودية في كتاب واحدٍ له فقط ! يجد فيها المنصف الصورة الواضحة لموقفه من الدولة السعودية.

إلا أن الألباني لو جعل نصحه هذا سرًا لوافق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ..) فلعله أن يراجع ذلك.

أما تشنيع أبي غدة وتابِعِهِ عبد العزيز العسكر على الألباني في مسألة المذاهب، فما صَدَقا فيما قالا من أن الألباني يلغي هذه المذاهب أو يجعلها ضلالاً، وأترك الحديث للألباني حتى يوضح ما يَدين الله به في ذلك.

قال الألباني في (كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات) (ص27):

[إن الانتساب إلى أحدٍ من الأئمة كوسيلة للتَّعرفِ على ما قد يفوت طالب العلم من الفقه بالكتاب والسنة أمرٌ لا بد منه شرعًا وقدرًا، فإن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى هذا جرى السلف والخلف جميعًا، يتلقى بعضهم العلم عن بعض، ولكن الخلف ـ إلا قليلاً منهم ـ خالف السلف حين جعل الوسيلة غاية، فأوجب على كل مسلم مهما سما في العلم والفقه عن الله ورسوله من بعد الأئمة الأربعة أن يُقَلِّد واحدًا منهم، لا يميل عنه إلى غيره] اهـ.

فهل بالله عليك ـ أيها المنصف ـ يصدر هذا الكلام ممن يضلل المذاهب الأربعة ويلغيها؟ وكيف يُصَدّقُ عاقل ذلك وكُتب الألباني مليئة بالنقل عن هذه المذاهب المباركة والاستفادة منها. بل قد خرج أحاديث كتاب (منار السبيل في شرح الدليل) وهو كتاب فقهٍ حنبلي ومؤلفه نجدي.

وفي الجواب عن الفرية التي أثارها أبو غدة، وتابعه العسكر وهي أن الألباني قرن المذهب الحنفي بالإنجيل، فاسمع إلى الألباني قبل ربع قرنٍ من الزمان يردها، قال أبو غدة ناقلاً تعليق الألباني على حديث نزول عيسى بن مريم وحكمه بالشرع الإسلامي: (إن عيسى عليه السلام ـ أي عند نزوله ـ يحكم بشرعنا، ويقضي بالكتاب والسنة لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه الحنفي ونحوه. قال أبو غدة: وقد أفاد قولهم هذا: أن الفقه الحنفي ونحوه ليس من شرعنا، وليس من الكتاب والسنة). اهـ.

قال الألباني: أقول: في هذا الكلام من الكذب والضلال ما لا يصدقه إنسانٌ يحترم دينه وعقله، بل ويحترم إخوانه وأصدقاءه، وإليك البيان ... إلى أن قال (ص48): وأشرتُ فيه بذكر (الإنجيل) إلى الرد على النصارى الذين يزعمون أن عيسى عند نزوله لا يحكم بالقرآن، وإنما بالإنجيل. وبذكر الفقه الحنفي الردُّ على بعض متعصبة الحنفية الذين يجزمون بأن عيسى ـ عليه السلام ـ سيحكم بالمذهب الحنفي.. وقلت: (ونحوه) تسوية بينه وبين المذاهب كلها في أن عيسى لا يحكم بشيء منها، وإنما بالكتاب والسنة فقط..) اهـ.

وهكذا ترى ـ أيها المحب ـ التوافق الكبير بين ما يطرحه الخلفيون وما يردده العسكر {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ولذا أقول: إن كتاب (كشف النقاب) هو ردٌّ على الشيخ أبي غدة ـ عفا الله عنه ـ وهو في الوقت الحاضر يتجدد ليكون ردًا على التابع له: العسكر. فمن شاء التوسع فليرجع لهذا الكتاب وليتأمله، يرى إبطال هذه الشبهة وأمثالها، ويرى شدَّةَ غَيْرَة الشيخ الألباني عندما يقدح قادح في (الوهابيين!).

وأحب أن أشدَّ الانتباه إلى قضية مهمة، وهي أن كلام الألباني ـ هذا الذي نقلته ـ في أن الانتساب للمذاهب كوسيلة للتعرف على ما قد يفوت طالب العلم من الفقه بالكتاب والسنة ... إلخ، يجب أن يعيه أولئك الذين يعتنون بكتب الشيخ الألباني، وليعلموا أن ما يقع من عبارات الشيخ التي ظاهرها نقد التمذهب إنما هي منصبة على التعصب الأعمى وهو تقديم القول الذي يعارضه دليل صحيح في الشرع على الدليل، وأن لا يأخذوا كلام الشيخ دون حمل بعضه على بعض.

والذي أعتقده ـ أن كاتب هذه الأحرف ـ في موضوع المذاهب: أن التزام الطالب بالتعلم على مذهب بلده، معتمدًا على معرفة المذهب بدليله، أمرٌ محمود وهو الذي عليه المسلمون من قرون متطاولة. وليحذر من التعصب فهو مجمع على تحريمه. والله أعلم.

كتب ذلك:

عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم

23/11/1418هـ

محاضر بالمعهد العالي للقضاء.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس