عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-09-2017, 12:15 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,646
افتراضي

شروط النسخ

1. أن يكون الحكم المنسوخ شرعيا :
وقد ذكر السيوطي في الإتقان كثيراً من أمثلة ذلك، ومنه ما في سورة البينة : {أن ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ومن يعمل خيرًا فلن يكفره}. رواه [الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

فعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) فقرأ عليه {لم يكن الذين كفروا} وفيها : {إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من يعمل خيرًا فلن يكفره}، وقرأ عليه : {لو أن لابن آدم واديًا من مال لابتغي إليه ثانيا، ولو كان له ثانيًا لأبتغي إليه ثالثا، ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب} قال أبو عيسى (الترمذي) : هذا حديث (حسن) وقد روي من غير هذا الوجه رواه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن).
وقد رواه قتادة عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيّ بن كعب - رضي الله عنه - : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) [جامع الترمذي 5/ 711 رقم 3898].

2. أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم دليلًا شرعيًا متراخيًا عن الخطاب المنسوخ حكمه. "وذلك يعني أن الناسخ لا بد أن يكون متأخِّرا عن المنسوخ، فلا يصح أن ينزِلا في وقت واحد.

3. ألا يكون الخطاب المرفوع حكمُهُ مقيدًا بوقت معين. مثل قوله - تعالى - : {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} [سورة البقرة:109] لأن العفو والصفح مقيدٌ بمجيء أمر الله.

حكمة وقوع النسخ :

1. يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الرسالات السماوية :
حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبهذا التشريع بلغت الإنسانية بفضل الله – تعالى - الغاية في كمال التشريع.

وتفصيل هذا : أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورًا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجةً وبساطة، وضعفًا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدًا رويداً، ومرّوا في هذا التحول أو مرَّت عليهم أعراض متبانية، من ضآلة العقل، وعماية الجهل، وطيش الشباب، وغشم القوة على التفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعًا لهذا التفاوت.

حتى إذا بلغ العالَم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان ومتممًا للشرائع، وجامعًا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية و مرونة القواعد، جمعًا وفَّقَ بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد، وأسر، وجماعات، وأمم، وشعوب، وحيوان، ونبات، وجماد، مما جعله بحق ديناً عامًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

2. ومن الحكمة في النسخ أيضًا التخفيف والتيسير : مثاله : إن الله - تعالى - أمر بثبات الواحد من الصَحابَة مقابل العشرة في قوله - تعالى - : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [سورة الأنفال 65].

ثم نسخ بعد ذلك بقوله - تعالى - : {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [سورة الأنفال:66].
فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتيسير ورفع المشقة والحرج، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.

3. مراعاة مصالح العباد : قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة 234 ].

انتسخت بالآية الكريمة في قوله - تعالى - : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [سورة البقرة 240] .

4. ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس : قال الله - تعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ۞ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 143 - 144].


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس