عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-18-2009, 08:31 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

وهذه الأحاديث -في الحقيقة- تضمنَّت فوائدَ عِدة:

منها: وقوعُ عاشوراء في شهر اللهِ المحرَّم، وهو خيرُ الشُّهور صِيامًا بعد رمضان.

ومنها: أنه يومٌ صالح عظيم مِن أيام الله.

ومنها: أنه يُكفِّر السَّنة الماضية؛ أي: ذنوبَها وآثامَها ومعاصيها.

ومنها: تَحرِّي النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صومَه على سائرِ الأيام -بعد رمضان-.

ومنها: أنه يومٌ نجَّى اللهُ فيه موسى وقومَه، وأغرق فرعونَ وقومَه.

ومنها: أن صومَ عاشوراء كان واجبًا، فلما فُرض رمضان صار مُستحبًّا.

ومنها: أنَّ مَن أفطر غير عارٍف الحُكم، ثم عرَفَه؛ يُتمُّ صومَه، ولا شيءَ عليه، سواءٌ ذلك في يوم عاشوراء لمَّا كان فرضًا-كما جاء بذلك الرِّوايات-، أو ما يُحمل عليه مثلُ ذلك مِن صيام رمضانَ لمَن لم يَعْلَمْه.

ومنها: أنه ليس عيدًا، ولو كان عيدًا؛ لاعتبره النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كذلك.

قال الحافظ ابنُ رجب في "لطائف المعارف" -عندمما أورد حديثَ أبي موسى: أن اليهود كانوا يتَّخذون يوم عاشوراءَ عيدًا- قال: "وهذا يدل على النَّهي عن اتخاذه عيدًا؛ وعلى استحبابِ صيامِ أعياد المشرِكين؛ فإن الصَّوم يُنافي اتخاذَه عيدًا، فيوافَقون في صيامِه مع صيام يومٍ آخرَ معه؛ فإنَّ في ذلك مخالفةً لهم في كيفيَّة صيامِه -أيضًا-؛ فلا يَبقَى فيه موافقةٌ لهم في شيءٍ بالكليَّة".


إذًا: خالفناهم في صيام يوم العِيد، وخالفناهم في الإِفراد، فلم يبقَ لهم شيءٌ يختصون به دون المسلمين -لا في قليلٍ ولا في كثير-.


ومنها: استحباب وتحبيبُ أن يصوم .. [انقطاع ، ولعل النقص: (الصغار)] .. وأمرهم بذلك وحضُّهم عليه. فقد روى الإمام الطيالسي في "مسنده": عن الأسود بن يزيد قال: "ما رأيتُ أحدًا كان آمَرَ بصوم عاشوراء مِن عليٍّ وأبي موسى -رضي الله عنهما-".

ولعليٍّ وأبي موسى مَزيَّة وخَصيصة: أنهما مِن فقهاء الصحابة القلائل الذين أرسلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى البُلدان -اليمن وغيرها-، يَنشرون دعوة الإسلام، ويُعلِّمون الناس الدِّين والأحكام، فالذين يَخرجون ليَقوموا بالدَّعوة إلى الله هم العلماء، ليسوا الجهلاء! الجهلاء مكانُهم الجثُو على الرُّكَب بين أيدي أهل العلم، أما العُلماء هم الذين يَخرجون، ويُعلِّمون الناس؛ {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] هذا هو الحق في هذه القضية، هكذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُرسل معاذًا.. يرسل عليًّا.. يُرسل أبا موسى.. يرسل هكذا مِن أعيان الصحابة والقِلة منهم؛ حتى يُعلِّموا الناس الخير.



ذكر الإمامُ ابن القيم في "زاد المعاد" فائدةً مُهمة، قال: "مَراتب صومِ عاشوراء ثلاثٌ؛ أكملُها: (أن يُصامَ قبله يومٌ، وبعدَه يوم)، ويَلي ذلك: .. " المرتبة الثانية -الأقل- "(أن يُصام التاسع والعاشر)، وعليه أكثرُ الأحاديث، ويلي ذلك: (إفرادُ العاشِرِ وحدَه بالصَّوم)".



إذًا: أكملُ المراتب : أن يُصام ثلاثة أيام: (التاسع، والعاشر، والحادي عشر)، والثاني منها: (أن يُصام التاسع والعاشر)، والثالث: (إفراد العاشر)؛ وكلُّ ذلك جائز، ليس منه شيءٌ محرَّم، ولكن؛ إنما هذا التفاضُل بالمراتب والأجرِ والدَّرجات.



ثم قال ابن القيم: "وأما إفرادُ التَّاسع؛ فمِن نقصِ فَهمِ الآثار، وعدم تتبُّع الألفاظ وطرُقِها، وهو بعيدٌ عن اللُّغة والشَّرع".



قال بذلك بعض العلماء: (أنه لا يصام إلا التاسع)؛ وهذا قول -كما سمعنا- نفاه ابنُ القيم -رحمه الله-تعالى-.



وهنالك رواية عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- تؤيِّد هذا المعنى في صيامِ التَّاسع والعاشر والحادي عشـر: ففي "المعجم الكبير" للطبراني: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "إنْ عِشْتُ إنْ شَاءَ اللهُ إِلى قَابِلٍ؛ صُمْتُ التَّاسِعَ؛ مَخافَةَ أَنْ يَفُوتَني عَاشوراءُ" مخافة الفَوتُ -في الحقيقة- تكون قبله بِيَوم، وبعده بِيَوم؛ لأن الشَّهر قد يُخطئ المخطِئون فيه، والمعَيِّنون له فيما هو أقل، وقد يُخطئون فيما هو أكثر؛ فصيامُ يومٍ قبله، ويوم بعده؛ فيه ضمان ألا يفوت المسلمَ صومُه وصيامُه.



ذكر الإمامُ ابن القيم اغترار بعض الناس -في كتابه: "الدَّاء والدَّواء"-، وأنهم يعتمدون على صيام عاشوراء، أو يوم عرفة؛ يقولون: نحن نفعل المعاصي.. وما شاء الله! هذا صيام عرفة يُكفِّر عنا سَنَة ماضية، وسَنَة لاحقة، وصيام عاشوراء يكفِّر سَنَة ماضية! "حتى يقول بعضُهم" والكلام لابن القيم ينقله عن هؤلاء البعض، قال: (يقولون) "صوم عاشوراء يكفِّر ذنوبَ العام كلَّها، ويبقى صومُ عرَفة زيادة في الأجر"!



قال ابنُ القيِّم: "لم يَدرِ هذا المغترُّ أن صومَ رمضان، والصَّلواتِ الخمس أعظم وأجلُّ مِن صيام يوم عَرفة، ومِن صيام يوم عاشوراء، وهي؛ إنما تُكفِّر ما بينها إذا اجتُنبت الكبائر؛ فرمضان إلى رمضان، والجمعةُ إلى الجمعة لا يَقْوَيان" وهما فرائض "لا يَقويان على تكفير الصَّغائر إلا مع انضمام تَرْك الكبائر إليها" يعني: لا بُد لمن أراد أن تُكفَّر صغائرُه؛ أن يجتنبَ الكبائر؛ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ..} {إِنْ}: شرطية {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، قال: "فيَقْوَى مجموعُ الأمْرَيْن" العمل الصالح، واجتناب الكبائر "فيقوى مجموعُ الأمرَين على تكفير الصغائر".




يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس