عرض مشاركة واحدة
  #103  
قديم 12-29-2014, 12:59 PM
أبو عبد الرحمن الرباطي الأثري أبو عبد الرحمن الرباطي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 656
افتراضي

أخطاء حماس التكتيكية القاتلة

Sa 20 12 طوال اليوم نشر في المصري اليوم يوم 20 - 12 - 2008

أعلنت حركة «حماس» أنها لن تجدد التهدئة بينها وبين إسرائيل، اعتباراً من فجر أمس الجمعة وهو الموعد الذى انتهت فيه الشهور الستة التى تحددت لها منذ تم التفاهم بين الطرفين عليها بوساطة مصرية فى 19 يونيو من هذا العام.
وفى بيان أسباب ذلك، قالت «حماس» إن إسرائيل لم تلتزم بما تعهدت به، فهى لم تنه الحصار ولم تفتح المعابر، ولم تكف عن القيام بالغارات الجوية على القطاع، واتهمت الوسيط المصرى بأنه لم يبذل جهداً للضغط على إسرائيل لكى توفى بالتزاماتها، فأصبحت بذلك المستفيد الوحيد من التهدئة.. وهو نفس الكلام الذى قالته إسرائيل التى حمَّلت حماس المسؤولية عن إفشال التهدئة، وإنذار كل من الطرفين الآخر بأنه سيرد على أى تصعيد بمثله.
والإعلان عن عدم تجديد التهدئة، لا يغير من الوضع القائم الآن على «جهة القتال» بين الطرفين، وطوال الشهور الستة، والذى حكمه أسلوب «الرد خالص» و«واحدة بواحدة» و«كله سلف ودين من ضرب الصواريخ إلى المشى على الرجلين»، ففى أعقاب كل صاروخ يطلق على المستوطنات، تسارع إسرائيل بإغلاق المعابر، وتطيِّر طائراتها فوق القطاع، وترد على صواريخ القسَّام الغلبانة، بصواريخ حقيقية، تدمر المنازل وتقتل المدنيين والأطفال والمقاومين، وتحدث أكبر قدر ممكن من الدمار.
ومشكلة تفاهم التهدئة، أنه لم يكن «هدنة» بالمعنى المتعارف عليه فى الحروب النظامية، لأن أحد طرفيه وهو حكومة حماس، لا يملك جيشاً نظامياً حقيقياً، وهى لا تسيطر بشكل كامل على فصائل المقاومة الأخرى التى تنشط فى القطاع، بل تختل قدرتها - أحياناً - على السيطرة على المقاومين المنتمين إليها فى كتائب «عزالدين القسام»، بل إن من المشكوك فيه أن تستطيع قيادة كل فصيل من هذه الفصائل السيطرة دائماً على أعضائها، وإلزامهم بعدم خرق التهدئة وسط انفعالات الغضب التى يثيرها استخدام إسرائيل المفرط للقوة.
وربما لهذا السبب تفرق دم المسؤولية عن خروقات التهدئة بين القبائل، فإسرائيل تدعى كل مرة أن إطلاق الصواريخ من
غزة هو الذى يدفعها للرد عسكرياً، ولإغلاق المعابر وتشديد الحصار جغرافياً، وغزة تدعى العكس.. ولأنها «تهدئة» لا «هدنة» فليس هناك - على الأرض - مراقبون محايدون يستطيعون تحديد المسؤول عن الخروج عنها، فضلاً عن أن التفاهم بشأنها، شفهى، وبالتالى فلا يوجد تحديد واضح لالتزامات الطرفين.
والحقيقة أن فصائل المقاومة فى
غزة، قد أخطأت حين اتبعت تكتيك «واحدة بواحدة» فى الرد على الخروقات الإسرائيلية لتفاهم التهدئة، فأضاعت كثيراً من الثمار التى كان يمكن أن تجنيها منه، وأتاحت للعدو فرصة اختيار توقيتات المعارك الملائمة له وليس لها، وكبَّدت المدنيين من أهالى غزة من المصاعب ما يفوق قدرتهم على الاحتمال.. وفاتها أن موازين القوى بين أى حركة مقاومة وبين العدو، هى فى الأصل مختلة لصالحه، ومن واجبها بالتالى أن تستخدم قوتها المحدودة، فى التوقيت الأكثر ملاءمةً لها، بحيث توقع به أكبر قدر من الخسائر بمايتوازى مع الثمن الباهظ الذى سوف تدفعه.
لكن حماس التى تعرف أكثر من غيرها، أن التهدئة من مصلحتها، لأن ثمن إنهائها أن يتواصل الحصار فتفقد بذلك أهليتها لحكم شعب لم تجلب له سياساتها إلا الجوع والموت والدمار، تصر فيما يبدو على مواصلة هذا النوع من الأخطاء التكتيكية القاتلة وهو ما دفعها - خلال الأسابيع الأخيرة - للإعلان عن استعدادها لتمديد العمل بتفاهم التهدئة بشرط التزام إسرائيل بعدم إغلاق المعابر تحت أى ظروف ولشن حملة إعلامية سفيهة ضد الوسيط المصرى بهدف ابتزازه، وبدعوى أن وساطته لم تكن نزيهةً، فكانت النتيجة أن كفَّ يده عن الوساطة.
وما تتجاهله حكومة حماس هو أن تفاهم التهدئة كان الخطوة الأولى من سيناريو تم الاتفاق عليه بوساطة مصرية كذلك يتضمن فى خطواته التالية حواراً وطنياً بين جميع الفصائل الفلسطينية حول مشترك وطنى عام لاستراتيجية وتكتيكات حل المسألة الفلسطينية فى إطار الأوضاع الراهنة، يسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤهلة لرفع الحصار وباتفاق لتبادل الأسرى وأنها انسحبت من هذا الحوار فى اللحظة الأخيرة لسبب تافه، كان يمكن معالجته على طاولة الحوار نفسه هو اعتقالات
رام الله، وسبب أتفه منه هو إصرارها على أن يجلس خالد مشعل إلى جوار محمود عباس على منضدة رئاسة الحوار.
وهكذا توالت أخطاء حماس التكتيكية القاتلة منذ أن خاضت الانتخابات لتتخلى عن طبيعتها كحركة مقاومة وتتحول إلى سلطة إلى أن قامت بانقلابها فى
غزة لتنفرد بالحكم فيها وتعلى ما هو «حزبى» على ما هو «وطنى»، ويصبح هدف إقامة الإمارة الإسلامية فيها مقدماً على تحريرها من الاحتلال لتقودها هذه الأخطاء إلى المأزق الراهن، الذى سيدفعها - كما تشير إلى ذلك كل الدلائل - إلى محاولة تأزيم الوضع فى المنطقة مما يضطر إسرائيل إلى تشديد الحصار على أهل غزة، الذين أصبحوا محاصرين بسياسة حكومتهم وهمجية العدو، وتحولوا إلى رهائن بشرية تستغلها حماس للتمكين لحكمها.

منقول للفائدة
رد مع اقتباس