عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 08-09-2010, 10:31 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

[الحَلْقة الرابعة عشرة]




إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:

فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ، أما بعدُ:

فهذا -إخواني المشاهدين! وأخواتي المُشاهِدات!- لقاء نتفقَّه فيه في دين الله -عزَّ وجلَّ-، والنَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يقول: «طلبُ العِلم فريضةٌ على كل مُسلم».

ذكرنا الإفطار بالنِّسبَة للصَّائم، ومتى يفطر، وأن ذلِك مرتبط بغروب الشَّمس، كما قَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «إذا أقبلَ اللَّيل مِن ها هنا، وأدبر النَّهارُ مِن ها هنا؛ فقد أفطر الصَّائم»؛ فهذه ثلاث صِفاتٍ هي الموجِبة -باجتماعها- لفِطْر الصَّائم.

قوله: «فقد أفطَرَ الصَّائمُ»؛ أي: حُكمًا؛ صار في حُكم المفطِر -حتى لو لم يأكُل-، فبعض النَّاس يقولون: نحن نريد الاحتِياطَ! فيَزيدون! فهذا الاحتياطُ جُوعٌ زائد! فالحُكم: أنك مُفطِرٌ بِمجرَّد غِياب الشَّمس الغِيابَ الحقيقيَّ عن عينَيْك والذي فيه إقبالُ اللَّيل وإدبارُ النَّهار -جميعًا-.

وروى عبدُ الرزَّاق الصَّنعانيُّ -رَحِمهُ اللهُ- في «مُصنَّفِه» عن التَّابعي عمرو بن ميمون الأودي -رَحِمهُ اللهُ- قَالَ: (كان أصحاب رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أسرع النَّاس إفطارًا، وأبطأهم سُحورًا). وذكرنا ما يتعلَّق بتأخير السُّحور -مِن قبلُ-.

والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يقولُ -كما يَرويهِ سَهلُ بنُ سعدٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-في «الصَّحيحَيْن»- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لا يَزالُ النَّاسُ بِخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْرَ»؛ فانظروا إلى رَبطِ الخيريَّة بتعجيلِ الفِطرِ.

وهذه السُّنَّة، وهذا التَّعجيل: المَقصُود به عدمُ التَّأخُّر عن الطَّعام أو الشَّراب بعد غُروب الشَّمس، فلا يَجوز أن يَتوهَّمَ مُتوَهِّمٌ أنه بِتعجيلِه يَجوزُ أن يَكون ذلِك قبل غروبِ الشَّمس! هذا يُعرِّضُ صِيامَه للفسادِ -عِياذًا بالله-.

وأيضًا: في روايةٍ أُخرى عن سَهل بنِ سعدٍ -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-نفسِه- في «ابنِ حبَّان»- قَالَ: «لا تَزالُ أمَّتي على سُنَّتي ما لم تَنتظِر بِفِطرِها النُّجومَ».

بعض النَّاس يؤخِّر! وهذا -للأسَف!- بعض الفِرَق المنتسبةِ إلى الإسلام تَفعلُه في المَغرِب، ليس-فقط- في الإفطار؛ بل حتى في الصَّلاة! وهذا: الأصْل أنه لا يَنبغي؛ لذلِك قَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «لا تَزالُ أمَّتي على سُنَّتي ما لم تَنتظِر بِفِطرِها النُّجومَ». . مِن باب الاحتياط! ومن باب التحقُّق! ولا أدري إلى غير ذلِك مِن أشياء ما أنزل اللهُ بها من سلطان.

وروى الإِمام أبو داود في «سُنَنه»: عن أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لا يزالُ الدِّينُ ظاهِرًا» أي: مُنتصِرًا، ومرفوعًا لِواؤُه، وعاليةً رايتُه «ما عجَّل النَّاسُ الفِطر»؛ لأن اليهود والنَّصارَى يُؤخِّرون، ونحن مُطالَبون بمُخالفة اليهود والنَّصارَى، وبِموافقة نبيِّ الإسلام ورِسالة الإسلام وهَديِ الإسلام ورَحمةِ الإسلام الَّتِي هي الدِّينُ الوَسَط، من غيرِ غُلوٍّ ولا تَقصير، ولا إفراطٍ ولا تفريط، كما قَالَ -سُبحانَهُ وتَعالَى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

وروى أبو الدَّرداء -رضيَ اللهُ عنهُ-: عن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-كما في «مُعجمِ الطَّبراني الكَبير» بالسَّند الصَّحيح- قَالَ: «ثلاثٌ مِن أخلاق النُّبوَّة»، وأخلاقُ النُّبوَّةِ: هي الحدُّ الأعلى الذي ما بعدَهُ حَدٌّ في أخلاق بني الإنسَان وفي آدابِهم وفي سلوكيَّاتهم، فكيف إذا عرفنا أن رسولَ الإسلام -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقولُ: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مَكارمَ الأخلاق»، «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ صالحَ الأخلاق»، «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ حَسنَ الأخلاق»؛ كل ذلِك بيان لأهمية الخلُق.

قَالَ أبو الدَّرداء: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «ثلاثٌ مِن أخلاق النُّبوَّة: تَعجيلُ الإفطار، وتأخيرُ السُّحور، ووضعُ اليَمين على الشِّمال في الصَّلاة».

هذه من أخلاق النُّبوَّة الَّتِي قصَّر فيها، وتساهل بشأنها كَثِير من النَّاس -وللأسف الشَّديد!-.

النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كان يعجِّل فِطرَهُ؛ وذلِك قبل الصَّلاة، وليس المَقصُود بالفِطرِ يعني أن تُوضَعَ الموائدُ وأصنافُ الشَّرابِ والطَّعام -كما يفعلُ أكثرُنا-؛ ولكنَّ المَقصُودَ بالفِطرِ هو شيء من التَّمر، أو شيءٌ مِن الماء، ثم يُصلِّي، ثم إذا أراد أن يرجعَ بعد الصَّلاة؛ فليفعلْ ما يشاء.

فالرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كما يَروي أنس -رضيَ اللهُ عنهُ-في «مُسنَد الإِمام أحمد»، و «سُنَن أبي داود»- قال: (كان النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يُفطِر قبل أن يُصلِّي عَلى رُطبات)؛ الرُّطَبُ: هي البلَحُ عند نُضجِه قبل أن يصير تمرًا، هذه هي الرُّطب (فإن لم يكن رُطبات؛ فتَمراتٌ)؛ التَّمر: هو المجفَّف، «فإن لم يكن تمرات؛ حسا حسواتٍ من ماء» شرِب جرعات يسيرة من الماء -صلى الله عَليهِ وآله وسلم-.

لذلِك: الحث على الفِطر بالتَّمر له فوائد -حتى- طبية؛ لأن الإنسَان يَفقِد السُّكرِّيَّات، وبالتَّالي إذا أفطر عَلى رُطبات أو على تَمر؛ فإنه سرعان ما يستعيد نشاطَهُ بهذه الرُّطبات، والله -تعالى- يقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، حتى النَّاحية البدنيَّة أَوْلاها رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- الاهتمام والتَّنبيه.

مِن السُّنَّةِ إذا أفطر أن يَدعوَ: فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقولُ: «إن للصَّائِمِ عِند فِطرِهِ لدَعوةً لا تُرَدُّ» وهذا الحَديثِ رواه ابن ماجة وغيرُه.

وأفضل الدُّعَاء ما ورد عن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- لما قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمأ، وابتلَّت العُروقُ، وثبت الأجرُ إن شاءَ اللهُ»، هذا الدُّعَاء هو الثَّابت عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.

بعض النَّاس يَروي دعاءً آخر: (اللَّهمَّ! لك صُمتُ، وعلى رِزقك أفطرتُ) هذه الزِّيادَةُ -في الحقيقةِ- لا تصحُّ ولا تَثبت عن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، وكما قَالَ عبدُ الله بنُ المبارَك: «في الحَديثِ الصَّحيح غُنيَةٌ عن الحَديثِ الضَّعيف».

وعن أبي هُرَيرَة أن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «ثلاثُ دعواتٍ مُستجابات: دعوةُ الصَّائم، ودعوةُ المظلوم، ودَعوة المُسافِر»؛ فالصَّائم يَجوز أن يدعو بهذا الدُّعَاء المشروعِ المسنون المتَعلِّق بالفِطر، ثم يَجوز أن يدعوَ لنفسه أو لغيره مِن خيرِ الدُّنيا والآخرة.

أيضًا: هُنالِك دعاء آخر؛ لكنه ليس متَعلِّقًا بنفسِك -أيُّها الصَّائم!- ولكنه متَعلِّق بالآخرين؛ فنحن نرى أبواب الخير تُفتح، وتراحُم النَّاس يَكثُر -ولله الحمدُ- في شهر رَمضان، فيدعو النَّاس بعضُهم بعضًا، ويَتزاوَرون، ويُفَطِّر بعضُهم بعضًا؛ حتى السُّحور -أحيانًا- يدعو بعضُ النَّاس بعضَهم على طعام السُّحور؛ مِن باب الرَّحمَة والمودَّة الَّتِي يجبُ أن تكونَ في الأمَّة.

فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قَالَ: «مَن فطَّر صائمًا كان له مِثلُ أجْرِهِ غير أنَّه لا ينقصُ مِن أجر الصَّائم شيئًا»، وهذا الحَديثِ رواه أحمد -رَحِمهُ اللهُ- في «مُسنَده».

إذًا: إذا فطَّرتَ صائمًا كان لك مِثلُ أجرِهِ.

وأنت -أيُّها الصَّائم الذي دَعاك أخوكَ- إذا أفطَرتَ عند الدَّاعي لكَ؛ يُسَنُّ لك أن تدعوَ له؛ فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- علَّمنا دعاءً أننا إذا طعِمنا عند أحدٍ مِن النَّاس طعامًا -سواء كان طعام إِفطارٍ أو غير إفطار- أن نقولَ: «أكلَ طعامَكُم الأبرارُ، وأفطَر عِندكُمُ الصَّائِمون، وصلَّت عَليكُم المَلائِكة».

وفي حديث آخَر: علَّمنا رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أن نقول: «اللَّهمَّ! اغفِرْ لهم، وارحَمْهُم، وبارِك لهم فيما رَزَقتَهُم».

الرِّوايَة الأولى فيها تَنبيهٌ «أكلَ طعامَكُم الأبرارُ، وأفطَر عِندكُمُ الصَّائِمون، وصلَّت عَليكُم المَلائِكة»: بعض النَّاس يَزيد: «وذَكَرَكُم اللهُ فيمَن عندَه» هذه الزياة لا تصحُّ -أصلًا- في هذا الحَديثِ؛ بل لم تَرِد مُطلقًا؛ وإنما وردت في حديثٍ آخر ليس له علاقَة ولا أدنى صلةٍ بهذا الحَديثِ.

إذًا: السُّنَّة في ذلِك أن تُجازي أخاك الدَّاعي لك بهذه الدَّعوة الطَّيِّبة الَّتِي يَكتب الله -عزَّ وجلَّ- لك فيها الأجر.

هنا -أيضًا- أمرٌ مُهمٌّ جدًّا، وهو متَعلِّق بموضوع الصِّيام والإفطار، وهي متَعلِّقة بالقَضاء:

ذكرنا مَن أفطر لعُذرٍ شرعيٍّ؛ فهذا الذي أفطر لعُذرٍ شرعيٍّ عَليهِ القَضاء، حتى الذي تعمَّد الفِطرَ ونقْضَ الصِّيام؛ هذا آثِم؛ لكن عَليهِ القَضاء.

بعض أهلِ العِلمِ يقول: يأثم ومِن شدة إثمِه لا نَأمرُه بالقَضاء.

لكن -الحقيقة- أن الرَّاجح عندي -والله-تَعالَى-أعلم-: أن من تعمَّد الفِطر يأثمُ، ويُلزَمُ بالقَضاء؛ كما مرَّ بنا في حديث: «مَن ذَرَعَهُ القَيءُ فليس عَليهِ قضاء، ومَن استقاءَ فَلْيَقْضِ»؛ هذا تعمَّد، إذًا: سواء تعمَّد الفِطر بأنه تعمَّد القيءَ، أو تعمَّد الأكل، أو تعمَّد أن يأتيَ أهلَه -كما في الحَديثِ الآخَر: (أمره بصيام شهرَين مُتتاليين)، وفي رواية: (وليقض يومًا مكانَه).

إذًا: المُفَطِّرات واحدة؛ لكن التَّعمُّد فيه إثم، ويَعظمُ الإثم بِعِظمِ الذَّنب، وأمَّا غيرُ التَّعمُّد وهو العُذر، أو الإفطار بسبب عُذر؛ فهذا عَليهِ القَضاء.

أول نقطة في أحكام القَضاء نذكُرها: ما يتعلَّق بالمبادرةِ؛ فالأصْل: المبادرة بالقَضاء.

كَثِير من النِّساء -وللأسف- تُؤخِّر قضاءَها -عن حيضٍ، أو نفاسٍ- إلى شعبان! وبَعضُهنَّ إلى النِّصفِ الأخير مِن شعبان! هذا مخالف لعموم النُّصوص القُرآنيَّة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، وفي مِثل قولهِ -تعالى-: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61]، {سَابِقُوا} [الحديد: 21]؛ كل هذا يُبيِّن أنَّنا ينبغي علينا أن نستعجِل.

لكنْ: بعضُ النَّاس قد يكون عنده عُذر؛ فهذا العُذر لو أخَّر بسبب عُذرِه أرجو أن لا بَأس -إن شاءَ اللهُ-تَعالَى-.

لكن: إذا كان غيرَ مَعذورٍ، ثم تَهاوَن في قضائِه حتى يأتي رَمضان الآخَر، ثمَّ أراد أن يقضيَ بعد ذلِك؛ فقد نقلَ الإِمامُ ابنُ قدامةَ في «المُغني» عن الصَّحابَة -رضيَ اللهُ عنهُم-: أنهم كانوا يُلزِمون مَن فعل ذلِك -مُتهاونًا، مُتساهِلًا- بالقَضاء، والكفَّارة (الفدية)؛ فإذا أفطرَ ثلاثة أيَّام يَصومُ ثلاثة أيَّامٍ ويُطعِمُ ثلاثةَ مَساكين. إذا عشرة أيَّام يَصوم عشرة أيَّام مكانَها وعشرة مساكين يُطعِمُهم. لكن هذا -كما قلتُ- إذا أخَّر -عن تَساهُلٍ- إلى ما بعد رَمضان القابِل.

بعض النَّاس -مِن النِّسوة- يَستدلِلنَ بِأثرٍ عن عائِشَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهَا-في «الصَّحيحَيْن»-: أنها قَالَت: (كان يكونُ عليَّ الصَّوم من رَمضان؛ فما أستطيعُ أن أقضيَهُ إلا في شعبانَ).

أوَّلًا: تقولُ: (فما أستطيعُ)؛ هذه إشارة مُهمَّة جِدًّا إلى أنَّها لو استطاعتْ؛ لعَجَّلتْ؛ فلا يَجوز أن نستدلَّ بهذا الحَديثِ -أصلًا- على التَّساهُل، أو التَّهاوُن، وبخاصَّة أن هُنالِك رواية: (لِما كان يَشغلنِي مِن شأن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-)؛ إذًا: اشتغالها وخِدمتها لِنبيِّها ورسولها وزوجِها -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- كان هو مِن أعظم الأسبابِ الَّتِي لم تجعَلْها تستطيعُ القَضاءَ -رحمها اللهُ، ورضيَ عنهَا، وألحقنا بها في الصَّالحين مِن عباده-.

بالنِّسبَة لهذا القَضاء: هل مَن كان عَليهِ ثلاثة أيَّام؛ هل يصَومها مُتتالِيَة؟ أو أسبوع: هل يصَومه متتاليًا؟ أم يَجوز التَّفريق؟

قَالَ ابن عبَّاس: لا بأسَ أن يفرِّقَ، قَالَ ذلك في تفسير قوله -تَعالَى-: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

أمَّا ما يُروَى أن الرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قَالَ: «مَن كان عَليهِ صومٌ من رَمضان؛ فَليَسردهُ ولا يُقطِّعه»؛ فهذا حديث ضعيفٌ، ولا يصحُّ عن النَّبي -صلى الله عَليهِ وعلى آله وصحبه أجمعيَّن-.

والإِمام أحمد -الإِمام المبجَّل، إمام أهل السُّنَّة-رَحِمهُ اللهُ- يَروي عنهُ أبو داود صاحب «السُّنَن» -وهو تلميذُه- أنه قَالَ -وقد سُئل عن قضاء رَمضان-: (إن شاءَ فَرَّق، وإن شاء تابَعَ).

إذًا: يَجوز التَّفريق، وإن أحد أراد المتابعة؛ فلا مانع مِن المتابعة، لكنَّنا نتكلَّم عن الجواز، حتى لا يُشدِّدَ بعض النَّاس على أنفسِهم، وقد صحَّ عن رسول الله 0صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أنه قَالَ: «لا تُشَدِّدوا على أنفسِكُم؛ فيُشدِّد اللهُ عليكم».
ثمة بعض أحكام للقضاء نذكرها في المجلس القادم -إن شاء الله-.
أسأل الله -عزَّ وجلَّ-لي ولكم- التَّوفيق والسَّداد، والهدى والرشاد؛ إنه -سُبحانَهُ- ولي ذلِك والقادر عَليهِ.

وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على رسولِ اللهِ، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعين-.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.

من هنا لسماع الحلقة الرابعة عشرة
رد مع اقتباس