عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 03-23-2012, 04:17 PM
خالد بن إبراهيم آل كاملة خالد بن إبراهيم آل كاملة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 5,683
افتراضي

السؤال 251: هل يصح أن تكون الآيات شواهد للأحاديث الضعيفة فتصححها؟ وكذلك هل يصحح الحديث بما جرى عليه العمل؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن معنى الآية صحيح، فالآية تكفي، لكن هنا ملحظ مهم ودقيق يجب أن نلتفت إليه وهو لما نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نأتي بآية، فنحن نريد شاهداً ليس على كون هذا الكلام حقاً أم باطلاً، فإن القرآن كله حق، ولكن نريد أن نأتي بشاهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قال هذا أم لم يقله، فهل ممكن أن نأتي بالآية لكي تسعفنا وتجبر لنا الضعف الوارد في الإسناد فتجعلنا نقول: إن النبي قال هذا الكلام، فهل يصلح هذا؟ هذا لا يصلح، فإن الآية لا تصلح شاهداً للحديث الضعيف من حيثية أن النبي قد قال هذا الكلام، أما من حيثية أن هذا حق فإن الآية فيها الغنية وفيها الكفاية، وهي حجة.
أما ما عليه العمل، فهذا كلام واسع، ولا يجوز لنا أن نغض النظر عن الضعف، فالحديث الذي ضعفه يسير، وجرى عليه العمل عند الصحابة، والتابعين، فهذا يسعف أن نشد هذا بهذا، أما ما جرى عليه عمل المتأخرين، ونجعله جابراً لحديث واهٍ ضعيف جداً فيه متروك أو مجهول، فلا، أما حديث ضعفه يسير، وعلمنا من أحوال الصحابة والتابعين أنهم على هذا، فهذا يقبل الجبر، وهذا كلام ابن عبدالبر وغيره، والله أعلم...

السؤال 252: كيف لا يكون الحديث المرسل غير حجة، وهو الذي سقط من إسناده الصحابي والصحابة كلهم عدول؟
الجواب: لو نظرنا في مذاهب أهل العلم لوجدنا أن أبا حنيفة يعتبره حجة، ومالك يعتبره حجة، إذا وافق عمل أهل المدينة، والشافعي يعتبره ضعيف لكن يقبل الجبر، وأحمد لا يعتبره حجة بإطلاق، والصواب أن المرسل ضعيف ويقبل الجبر.
ولا يوجد تعارض بين أن الصحابة عدول وأن المرسل ضعيف، لأننا لو علمنا فقط أن الواسطة بين التابعي وبين النبي صلى الله عليه وسلم هي الصحابي فقط، لقلنا هو صحيح، لكن التابعون يروي بعضهم عن بعض، فقد يوجد ثلاثة من التابعين أو أكثر، يروي بعضهم عن بعض، فلكون الواسطة مجهولة واحتمال كونها من غير الصحابة كان المرسل ضعيفاً وليس بحجة.
ويوجد بعض الصحابة أيضاً يروي عن التابعين وقد ألف ابن حجر كتاباً سماه: "نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين" فلا يلزم أن التابعي يروي عن الصحابي فقد يروي عمن هو مثله وعمن هو دونه، وأما مرسل الصحابي فإن الصحابي لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يتقن منه، ورواية الصحابي عن التابعي نادرة وليست هي الأصل، والله أعلم...

السؤال 253: ماذا يفعل المسبوق في صلاة الجنازة؟
الجواب: الصلاة التي يشترط لها الوضوء، والتي تنطبق عليها جميع أحكام الصلاة، كما قال ابن تيمية رحمه الله، هي الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، وصلاة الجنازة كذلك، ولذا ذهب جماهير أهل العلم إلى أن المسبوق في صلاة الجنازة يأتي بالتكبيرات، فإن أدرك تكبيرتين يأتي باثنتين، وإن أدرك ثلاثاً يأتي برابعة وهكذا.
والمسألة الخلاف فيها بين الصحابة والتابعين، فمنهم من قال بتسليم الإمام، ومنهم من قال تأتي بالتكبيرات، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: {ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا}، ومنهم من قال: الفاتحة والصلاة الإبراهيمية هما بمثابة الثناء على الله والصلاة على نبيه بين يدي الدعاء فمن أدرك التكبيرة الثالثة، يكبر ويقول: الحمد لله والصلاة على رسول الله، ويبدأ بالدعاء للميت، وهذا القول أضعفها.
والذي تطمئن إليه نفسي أن المسبوق إن أدرك أربع تكبيرات مع الإمام يسلم، فالإمام قد يكبر ستاً أو سبعاً فإن فاته شيء منها وأدرك أربعاً فلا داعي للقضاء ويسلم، وإن لم يدرك أربعاً فليتمم على الأربع، هذا الذي أراه صواباً، والله أعلم..

السؤال 254: هل حديث: {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، وما رأيكم في الحزبية، وما هو أحسن كتاب ألف فيها؟
الجواب: أما حديث {أنا بريء ممن فرق واحتزب}، فوجدت حديثاً قريباً منه، فهو من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: {إلا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب}، وهذا الحديث أخرجه القاضي اسماعيل في أحكام القرآن فيما نقل عنه الشاطبي ولم أقف على إسناده حتى أحكم عليه، ووجدت في "الدر المنثور" معزواً إلى عبد بن حميد في التفسير، وهذا التفسير للآن نقول عنه مفقود، ولعله يظهر، وكذلك عزاه لابن منيع في مسنده، ولأبي الشيخ، وظفرت بإسناد ابن نيع في مسنده في كتاب "اتحاف الخيرة المهرة" برقم (767) وفيه راوٍ مجهول، ولذا قال البوصيري عقبه: إسناده ضعيف.
لكن الآية: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعياً لست منهم في شيء}، وفي قراءة لورش والكسائي والحسن البصري ولعلي بن أبي طالب: {إن الذين فارقوا دينهم......} وفي هذا إشارة إلى أن من فرق دينه فإن مآله أن يفارق دينه.
والحزبية معناها أن نتعصب أو تتحزب لشيخ أو اسم أو شارة أو جماعة، وهذه مذمومة، والأصل في المسلم أن لا يتعصب لأحد، والأصل فيه أن لا يعقد سلطان الولاء والبراء والحب والبغض إلا على دين الله، فيزداد حبك لأخيك بازدياد دينه وعباداته وعلمه وأمانته، أما أن يتعلق قلبي بفلان لأنه من حزبي وإن كان قليل دين، وأبغض آخر لأنه ليس من حزبي، وإن كان عالماً أو صاحب دين فهذا تحزب مذموم.
والحزبية والعياذ بالله من أشد الموانع لقبول الحق فسبب عدم قبول الحق الحزبية، تأتيه بدليل واضح من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فيردها عليك لما تعود من الألفة التي هو عليها، وكلنا يعلم أن أنصارياً ومهاجرياً حصل بينهما نزاع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل منهم نادى على عشيرته؛ فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، والمهاجرون والأنصار اسمان جليلان شرعيان محببان إلى الله، وهما خير من الأسماء الموجودة اليوم، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الرجلين قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم!}.
فمن حكم حزبه وانصاع إليه دون بينة ولا سيما إن كان في ذلك مخالفة لدين الله، فهذه جاهلية، فعلينا ألا نتعصب إلا للحق، وأن نحب ونبغض ونوالي ونعادي في دين الله وليس في حزب وعلى شيخ، والشيخ الذي يجمع التلاميذ حوله ويأمرهم وينهاهم ألا يسمعوا من غيره هذه حزبية وهذه جاهلية، وكان أيوب السختياني يقول: ((إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك فجالس غيره))، فمن يدعوكم ألا تسمعوا إلا منه فهذه حزبية، واسمعوا من كل الناس واجلسوا بين كل العلماء وطلبة العلم، فالحزبية لها أشكال ولها ألوان، وينبغي أن يكون الإنسان حراً طليقاً يدور مع نصوص الشرع، ولا يقبل أن يدور مع نفس الأشخاص المخلوقين.
أما أحسن كتاب كتب عن الحزبية، فقد رأيت كتاباً لصفي الرحمن المباركفوري الهندي اسمه "الأحزاب في الإسلام" وهو من أحسن ما كتب في رأيي وظني، من الحزبية، والله أعلم...

السؤال 255: ما هو الحكم الشرعي في الخلُّوات؟
الجواب: الخلوات الكلام عليها طويل وهي مذكورة في كتب فقهائنا وعلمائنا، وألف فيها غير واحد، ووجدت من قريب مجموع فيه ثماني رسائل مخطوطة عن الخلوات في تونس.
والخلوات اليوم موجودة على غير حال الأول، فالحال الأول الخلوات كانت تبحث في كتب الوقف، فمثلاً واحد أوقف مدرسة على مبنى وله أساتذة وطلبة على تعليم صحيح البخاري أو غيره، وطالب له محل في هذه المدرسة له مبيت وطعام وشراب، وأراد آخر أن يحل محله، فكان قديماً مقابل أن يتنازل له عن حقه في هذا الحضور يعطيه خلواً وبعض الفقهاء يسمونه [نقل القدم] أو [المفتاح] أو [الجلسة] أو [القفلية] ولها أسماء عديدة.
والآن الخلوات نقلت إلى الأجارات، والأجارات اليوم على النحو الذي تنعقد فيه شبيهة بالوقف فالبيت الذي أملكه أملك منه المنفعة، فإذا أخذت منفعته مني فأصبح لا أملك شيئاً فالمنفعة الآن ولما أصبح المستأجر كأنه مالك ولا يخرج ،وجدت الخلوات، فالخلو مقابل أن يملك الرجل المستأجر هذا المكان ومنفعته دون تحديد زمان.
لكن لو كانت المدة ملزمة لظهرت مسألة الخلوات بشكل واضح جلي، فواحد تأجر عند آخر محلاً لمدة عشر سنوات فاستغل المحل خمس سنوات وبقيت خمساً أخرى، وطرأ عليه أمر فأراد أن يسافر، فله أن يأخذ خلواً مقابل الخمس سنوات المتبقيات، لكن لو مضت العشر سنوات فلا يجوز له أن يأخذ خلواً فلو كانت المدة في عقد الإيجار ملزمة لظهرت مسألة الخلوات على وجه أحسن، لكن اليوم بما أن المالك يعلم أنه لا يقدر على إخراج المستأجر فهو يأخذ منه شيئاً زائداً مقابل أن يمكله المنفعة، لذا يجوز أخذ الخلو من المحل وإن لم يكن قد شغله.
وواقع الخلوات التي تعطى اليوم في المتاجر هي مزيج من حقوق متعددة من حق الاسم التجاري وموقع المحل، ومزاحمة الأقدام عليه وماأحدثه المستأجر في ملك المالك وهذا يسمى عند الفقهاء [حق الكدك]، والكدك هو ما يحدثه المستأجر من بناء دائم في ملك غيره، فلما يخرج من المحل يأخذ مقابله مالاً، فالخلوات اليوم في واقعها الموجود مباحة، وتؤخذ مقابل تمليك المدة، وفي بعض الأحايين، مقابل الاسم التجاري وما يحدثه المستأجر في ملك من شيء دائم لا يزول بخروجه منه، والله أعلم...

السؤال 256: قرأت في كتاب "أحكام الجنائز" لشيخنا رحمه الله، حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال الملكين للمؤمن في قبره: ((.... فيقال له اجلس وقد دنت له الشمس وقد آذنت للغروب، فيقال له: أرأيت في هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ ماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان إنك ستفعل)) فقال الشيخ الألباني معلقاً على هذا الحديث: صريح في أن المؤمن يصلي في قبره، وذكر حديثاً {أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون}، ما صفة هذه الصلاة، هل هي كصلاتنا أم ما هي صفتها؟
الجواب: الله أكبر، المؤمن في قبره لما يأتيه الملكان عقله وقلبه متعلق بالصلاة، فيقول للملائكة: دعوني حتى أصلي، ثم اسألوني، وهكذا شأن المؤمن.
والكلام على دار البرزخ، ودار البرزخ قوانينها ليست كقوانين الدنيا، ولها قوانين خاصة، والروح والبرزخ أشياء لا تدرك بالعقل ولا يجوز أن تخضع للمألوف، فعالم البرزخ العقل يبحث فيه عن صحة النقل فقط، فإن كان صحيح نقول يصلي، وكيف يصلي؟ لا ندري، والأنبياء لهم حياة في قبورهم، وكيف هذه الحياة، لا نعرفها، فهذا خبر في عالم الغيب، ليس للعقل إلا أن يتلقى ويبحث عن الصحة، فإن صح الخبر نقول: سمعنا وأطعنا.
وبهذا نرد على المفوضة وعلى الذين ينكرون صفات الله فإذا كان الإنسان نفسه عندما ينتقل من دار لدار العقل يتوقف، فكيف نعطل صفات ربنا عز وجل بحجة أنها تشبه صفات الخلق؟ فنحن نثبت صلاة للأنبياء وللمؤمن في القبور، بل نثيت حجاً وعمرة للأنبياء، كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى يحج في المنام ورؤيا الأنبياء حق، فنثبت ما ورد فيه النص ونسكت ونعرف قدر أنفسنا ولا نزيد على ذلك، ولا يوجد أحد ذهب لعالم البرزخ فجاء فأخبرنا وفصل لنا والعقل لا يدرك والنص قاضٍ على العقل، والله أعلم...

السؤال 257: ما الحكم الأكل من المزارع والبساتين العامة؟
الجواب :حكمه جائز بشرط الاستئذان، فمن دخل مزرعة فاشتهت نفسه ثماراً على شجرها يستئذن قبل أن يأكل، وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتيت على راعي الإبل فناد يا راعي الإبل، ثلاثاً فإذا أجابك، وإلا فاطلب واشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط(أي بستان) فناد يا صاحب الحائط ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد، وفي رواية من غير أن تحمل}، فكل من غير إفساد أو حمل، ورد شهوتك، وقد ألف محمد بن عبد الهادي جزءاً مفرداً في الأحاديث التي فيها الأكل من الثمار التي في الحيطان ، والله أعلم ...

السؤال 258: ما هو أحسن تفسير لكتاب الله عز وجل؟
الجواب: هذا سؤال قد سئله غير واحد، فمنهم من قال: قلبك ،ومنهم من قال: الدهر، أي الزمن يكشف لك عن عجائب القرآن.
وربنا يقول: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}، فالقرآن سهل، ولكن العلة في النفوس التي تقبل على القرآن، فهو سهل ميسور ربنا يسره، والعلة في نفوس الناس، فربنا يقول: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فالناس لا تنتفع بالقرآن لوجود الأقفال على القلوب..
والمطلوب منا التخلية قبل التحلية؛ أن نخلي نفوسنا عن هواها، وعما يدنسها وعن أمراضها وأن نقبل على كتاب الله بنفوس مطمئنة طيبة، وللقرآن وحشة، والبعيد عنه لما يقرأه يستثقله فالمطلوب أن نزيل هذه الوحشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يبين في الحديث أن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، لذا فالمطلوب منا أولاً مع القرآن أن نقبل عليه بنفوس مطمئنة، وقلوب فيها حياة سليمة فيها رقة، فإن فعلنا فهذا هو مفتاح التعامل مع القرآن، والكلام الصعب تقبل على أي تفسير فتقرأه.
والتفاسير متنوعة، وأنصح طالب العلم أن يقرأ من التفاسير ما يخدم تخصصه، فالفقيه يلزمه تفسير القرطبي مثلاً، والمحدث يلزمه أن ينظر في تفسير الطبري أو ابن كثير، وهكذا.
فالعلة في عدم فهم القرآن القلوب المليئة بالشهوات الحريصة على الدنيا، وغير المقبلة على الآخرة، وهذا أكبر سبب لصد الناس عن القرآن.
وبعد أن يقبل الإنسان على قراءة القرآن بالمفتاح الموجود يقرأه قراءة يستكشف الكلمات الصعبة فقط، بتفسير موجز مثل: "زبدة التفسير" أو تفسير السعدي "تيسير الكريم المنان" ثم يبدا يتوسع فيقرأ "مختصر ابن كثير" ثم يرجع لـ "تفسير ابن كثير" وهكذا، وقد يضطر طالب العلم أن ينظر في بعض الآيات من أكثر من تفسير.
ويعجبني مسلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله، ففي تفسيره قال: لا يلزم كل آية تفسر، ففسر الآيات التي تحتاج إلى استنباط أحكام ووقع فيها خلاف فحررها وأبدع رحمه الله تعالى، فأنصح بالنظر في تفسير "أضواء البيان".
لكن المهم أن الذي يريد أن يستفيد من القرآن أن يقبل على الآخرة وألا يتعلق بالدنيا، وأن يطهر نفسه من أدناسها فحينئذ ينتفع بالقرآن، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}، فيكون شهيداً حاضراً فهنا يقع النفع من القرآن.
أما إن كنت تقرأ القرآن على خطاب من قبلنا وأنت غير معنى، أو على أنه كتاب ثقافة كما تقرأ غيره، فالنفع حينئذ بالقرآن قليل، فالعلة في عدم استفادة الناس من القرآن اليوم نفوسهم وقلوبهم وعدم التزكية وتدنيس النفس بالذنوب والمعاصي، والله أعلم..

السؤال 259: هل يجوز للعريس التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بسبب عرسه ثلاثة أو سبعة أيام؟
الجواب: ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين وفيه: {للبكر سبع وللثيب ثلاث}، لكن الناس للأسف يفهمون هذا الحديث على غير موضعه، وهذا الفهم الخاطئ وجدت ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام ينبه قديماً على أن بعض الناس فهم منه أنه يجوز للعريس إن تزوج بكراً أن يتخلف عن الصلاة أسبوعاً وإن تزوج ثيباً يجوز له أن يتخلف عن الجماعة ثلاثاً، ثم قال: وهذا خطأ لم يقل به فقيه معتبر.
وإنما معنى الحديث: أن الرجل إن تزوج امرأة ثانية، فإن كانت بكراً خصها جائزة بسبعة أيام، وإن كانت ثيباً فجائزتها أن يخصها بثلاث، ثم بعد ذلك تجب عليه القسمة، هنا يوم وهنا يوم.
والجماعة واجبة على العريس والجمعة أوجب ولا يجوز له أن يتخلف.

السؤال 260: هل هناك حديث فيه أنه من اتبع جنازة وتصدق يدخل الجنة؟
الجواب: أضمن لكم بإذن الله دخول الجنة وبضمان رسول الله، وليس من رأيي ولا من عقلي، إن جمعت هذه الأعمال في يوم ولو مرة واحدة، فاحفظوا هذه الأعمال وهذا أخرجه مسلم في صحيحه (برقم 1820) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أصبح منكم اليوم صائماً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن تبع منكم اليوم جنازة؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن منكم عاد اليوم مريضاً؟} فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة}.

السؤال 261: أشعر أن كثيراً من وقتي يضيع دون فائدة، فما هي نصيحتكم؟
الجواب: نصيحتي أن تعلم أنك وقت، ولو قال لك رجل أعطني أصبعك بمبلغ كذا، فهل تقبل؟ فأنت وقت إن مضى يوم مات بعضك، كالرزنامة كل يوم تنزع ورقة، ولا بد أن يأتي يوم تنتهي الرزنامة، فأنت مع الأيام هذا حالك، وقال عمر بن عبد العزيز: ((ابن آدم الليل والنهار يعملان فيك اعمل فيهما)) وكان الحسن البصري يقول: (لقد أدركت أقواماً هم أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم).
ووالله إن الوقت أهم من المال، فمن أضاع ماله سفهاً دون فائدة يحجر عليه، مع أن المال إن فات يعود، أما الوقت إن فات فلا يعود فهذا سفه، أكثر من تضييع المال.
فنصيحتي لكم أن تحرصوا على أوقاتكم ولو بالذكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن يسر: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله}، فابق قل: سبحان الله والحمد لله، فوقتك أهم من مالك وأهم من ولدك، ووقتك حياتك فمن ضيع حياته فالويل له.

السؤال 262: ما هو علاج الوسوسة؟
الجواب: الوسوسة؛ وما أدراك ما الوسوسة؟ هذا الداء الذي لا ينجع فيه دواء إلا من صاحبه. والوسوسة كما قال الإمام الشافعي: (لا تكون إلا من خبل في العقل، أو جهل في الشرع) وجاء رجل إلى ابن عقيل وقال له: يا إمام أضع يدي في الماء، وأغمسها ثم أرفعها، وأشك هل غسلت يدي أم لا؟ فقال له ابن عقيل: لا صلاة عليك، فقال: يا إمام كيف لا صلاة علي، فذكر له حديث رفع القلم عن ثلاث ومنهم المجنون حتى يبرأ.
والموسوس يحتاج إلى عزيمة في داخله، فلا يقضي على الوسوسة إلا العزم الداخلي، ووالله أعلم طالب علم أظنه من أهل الصلاح ويحفظ كتاب الله، وكان إمام مسجد وكان يبدأ الوضوء مع أذان الظهر، ويقول لي: ويؤذن العصر وأنا لم أتوضأ ولم أصلي.
والوسوسة تبدأ بالطهور والصلاة، وتنتهي بالله جل في علاه، والوسوسة من الشيطان تحتاج من الإنسان أن يعتصم بالله، قال السبكي لابنه: يا بني إذاكنت تسير ونبحك كلب، فماذا تفعل؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ قال: أرميه بحجر، قال: ثم نبحك؟ ففطن الإبن أن أباه يريد شيئاً آخر، فقال: يا أبت ما أفعل؟ قال: ناد بأعلى صوتك وقل: يا صاحب الكلب كف عنا كلبك، لذا أحسن وسيلة للوسوسة أن تلتجئ إلى الله، وقل: يا رب ابعد عني الشيطان، وهذا معنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والإنسان ضعيف والشيطان ضعيف، وإن التجأت إلى ربك القوي فستغلبه، وعلى الموسوس، أن يعلم الأحكام الشرعية وحدودها، وعليه أن يأخذ برخص العلماء، فيقرأ في الرخص، ولا يقرأ في التشدد، أما أن يستسلم الإنسان للوسوسة، فهذا داء عظيم، ولا يوجد له دواء، إلا من نفسه، لأن الوسوسة داء في العزيمة، فالعلاج وأن تقوى عزيمته، وأن يلجأ إلى الله، وأن يلوذ بحماه، وأن يعلم المطلوب منه وحدوده ولا يتعد ذلك، وأن يعلم أن التنطع في الدين ليس من دين الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لن يشاد الدين أحد إلا غلبه}، والله أعلم..

السؤال 263: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {الولد للفراش وللعاهر الحجر}؟
الجواب: الحديث دل بمنطوقه على حكمين: أن المرأة إن كانت لها فراش شرعي وزنت، والعياذ بالله، فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي، فوجود الزنا لا يمنع من نسبة الولد لأبيه، ودل على أن العاهر أي: الزاني له الحجر أي: يرجم.
ودل الحديث بإشارته على أنه لا يقع الزنا بالمتزوجة، إلا من رجل قد تزوج، فالذي يرجم بالحجر هو المحصن، والذي يزني بامرأة متزوجة هو رجل قد عرف أسرار النساء وغالباً غير المتزوج يطمع بالبكر.

السؤال 264: ضمني مجلس مع رجل يطعن في عثمان بن عفان، فماذا تنصحني أن أقول له؟
الجواب: نعوذ بالله من غضب الله، من طعن في صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على خطر عظيم، ورضي الله عن أبي زرعة الرازي شيخ البخاري، فقد قال: ((لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)).
وقيل للإمام أبي حنيفة، في محلتنا رجل قاص يطعن في عثمان ويقول إنه يهودي، فمذا نصنع معه، وكان أبو حنيفة رجلاً نبيهاً، فقال على الفور: أله ابنة غير متزوجة؟ قالوا: نعم، قال: أخبروه أن أبا حنيفة سيزورك ويطلب ابنتك، فجاء إليه، فقال له: إني أريد ابنتك لرجل يقرأ القرآن في ركعة، حيي، كثير النفقة، إلا أنه يهودي، فقال له: معاذ الله! فقال أبو حنيفة: أ أنت أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زوج ابنتيه لعثمان؛ فقال: أستغفر الله ،فجعله يقلع عن ذنبه بهذا الخبر.
وأعجب كل العجب كيف يطعن في عثمان والنبي يزوجه ابنتيه، فو الله لا يفعل ذلك الواحد منا، فلو جاءك رجل مطعون في دينه أتزوجه ابنتك؟ فكيف النبي يزوج ابنتيه لعثمان وهو مطعون فيه؟ إن هذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما سئل أبو عبيد القاسم بن سلام عن الرافضة، قال: (هم أحمق خلق الله، لو كانوا دواب ما كانوا إلا حميراً) فهم يتكلمون في أبي بكر والنبي تزوج ابنته، ويتكلمون في عمر وعمر تزوج ابنة علي، ويتكلمون في عثمان والنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه لعثمان، فنبرأ إلى الله ممن يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبلادنا للأسف أصبح فيها رافضة، أتونا بسبب مصيبة حلت في بعض ديار المسلمين، وأصبحنا نسمع في الأزقة والشوارع أناساً يسبون أبا بكر وعمر، ونبرأ إلى الله من هذا، وهذا الأمر يحتاج منا إلى فطنة وإلى أخذ بالعزيمة، والداء في أوائله يمكن القضاء عليه، أما إن استشرى فمصيبة من المصائب، ولذا كل من يسمع الذي يشتم أن يأمر وينهى، وإن سكت اليوم عن أصحاب رسول الله، فو الله إنا غداً ساكتون عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده القرآن وبعده عن ربنا عز وجل.
ومن يطعن في الصحابة يطعن في القرآن، لأن القرآن لم يصلنا إلآ من خلالهم، فلو كان الصحابة الذين نقلوا لنا القرآن مطعون فيهم فلا نأمن على القرآن، وسنجد من يشكك في القرآن، لأن الذين نقلوا لنا القرآن فيهم، وصدق أبو زرعة لما قال: ( لا يطعن في أصحاب رسول الله إلا زنديق)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لو أن أحدكم تصدق كل يوم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم من البر أو نصيف المد}، أين نحن وهم، {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}
وسئل سعيد بن المسيب عما جرى بين الأصحاب من الفتنة، فقال: (فتنة نجى الله منها أيدينا فننجي منها ألسنتنا) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}، فدعوكم من الخوض في الفتنة ومن سماع الأشرطة التي تخوض في الفتنة، والعلاج الناجع أن نمسك وألا نخوض، ونقول هم خير منا.
وعلي أفضل من معاوية، لكننا نحب جميع أصحاب رسول الله؛ ولا نتبرأ من واحد منهم ونتبرأ ممن يطعن ولو في واحد فيهم، هذه عقيدتنا بإجمال في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال 265: ما هي الأيام التي كان يصومها النبي صلى الله عليه وسلم من كل شهر؟ هل هي في أوله أم أوسطه أم آخره؟
الجواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقصد ألا يفوته شيء ولا يصوم فيه، وثبت في صحيح مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام}، قالت عائشة: نعم، فقالت معاذة: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ فقالت عائشة: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالي من أي أيام الشهر يصوم.
فلو صام الإثنين والخميس أو الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، أيام الليالي البيض لا حرج، والله أعلم..

السؤال 266: ما صحة هذا الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل معاذاً عند سفره إلى اليمن: {بماذا تحكم بين الناس؟} قال: بكتاب الله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: بسنة رسوله، قال: {فإن لم تجد؟}، قال: باجتهادي))؟
الجواب: هذا الحديث مشهور الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية عند علماء الأصول ويكثرون من ذكره، والحديث فيه ثلاث علل؛ فهو ضعيف ضعفه المحققون من أهل العلم، بل أفرده غير واحد بالتصنيف، وبين ضعفه.
وهذا الحديث فيه معنى منكر ،وهو أن السنة لا يلجأ إليها إلا بعد أن يفقد الحكم من كتاب الله، لأن السنة حجة بذاتها، لا أنها يلجأ إليها بعد أن لا نجد الحكم في كتاب الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا ألفين أحدكم متكئ على أريكته شبعان ريان، يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، أي السنة، وقال الأوزاعي وغيره: السنة قاضية على الكتاب فهي حجة بنفسها، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله وسنة رسول الله معاً، فالصلاة واجبة في الكتاب والسنة، فإذا أخذنا بالقرآن لا نعلم عدد الركعات ولا نعلم كيفية الصلاة فالقرآن أوجب الصلاة والسنة فصلت الصلاة، فلا يوجد في القرآن أن صلاة الفجر ركعتين والظهر أربع وهكذا، وكذلك الزكاة، لذا فإن هذا الحديث منكر لأن السنة حجة بذاتها.
وبعض الناس يظن أن الوارد في القرآن واجب، وأن الوارد في السنة هو سنة، وهذا خطأ، ففي السنة شيء حرام، وشيء واجب، فالسنة لها معنيان: معنى حكم تكليفي وهو من الأحكام الخمسة فوق المباح ودون الواجب، ومعنى آخر السنة كمصدر تشريعي فهي كالقرآن فيها الأحكام الخمسة.
فمن استغنى عن السنة ضال مبتدع ومن أنكر حجية السنة، واعتمد على القرآن فقط فهذا كافر.
ولذا إنكار بعض الناس على طلبة أنهم مشغولون بالسنة وتاركون للقرآن لأنهم يظنون أننا لا نلجأ إلى السنة، إلا لما نفقد الحكم من القرآن، وهذا معنى خطأ أصلاً ومنكر في دين الله. فالسنة في التحليل والتحريم كالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه}، فالنبي يقول مثله، والنبي صلى الله عليه وسلم هوالذي فصل والقرآن الكريم فيه إجمال، ولو قيل: إن القرآن بعموم تشريعاته جاء ليضبط المفاهيم والتصورات وإن السنة جاءت بعموماتها لضبط السلوكيات، لكان الكلام فيه نصيب كبير من الصحة.
ولا يجوز لأحد أن يعيب على أحد بأن يقول: قال رسول الله فمن عاب هذا ما عرف معنى لزوم "أشهد أن محمداً رسول الله} لـ "أشهد أن لا إله إلا الله" فهما شهادتان متلازمتان لا تنفكان إلى يوم الدين، وهذا التلازم من ثمرته في الحياة أن يبقى على اللسان :قال الله، قال رسول الله، وهذا هو ديننا، فإن فقدنا ذلك في النازلة نذهب لأشرف الناس وهم الصحابة .
ومن أعجب العجب أن بعض يقول: فلان الخطيب لا يقول على المنبر إلا "قال الله" "قال رسول الله" سبحان الله! ماذا تريد أن يقول؟ أيحضر معه راديو على المنبر ليفتح على الأخبار؟ فلم يصعد الخطيب على المنبر إذن؟ من أجل "قال الله، قال رسول الله".
لكن ينبغي أن نفهم معناها ونربي الناس عليها، لأن في ذلك الغنية، ولكن نحتاج إلى المعاني الجيدة وعقل وقاد يربط كل شيء بـ"قال الله، وقال رسول الله" فلا نقبل لأحد أبداً أن يقرر شيئاً من عنده.
ومن لم يضبط المسائل المنصوص عليها من "قال الله وقال رسول الله" لن يفلح أن يستنبط منهما الأشياء التي تلزم الناس فالأمر الطبيعي أن نتدرج، والأمثلة التي وردت فيها النصوص مثل مدرس الرياضيات الذي يدرس الأمثلة النموذجية فنفهم هذه الأمثلة النموذجية، ونهضمها ولا تغيب عنا؛ حتى نتعداها إلى غيرها، فإن قصرنا فيها ممن باب أولى أن نزل بغيرها، فواحد ما عرف الأصول ولا السنة، ولم يقبل القرآن ثم يتزعم المسائل التي يحتار فيها العلماء ويتكلم فيها، ويتجرأ على كبار العلماء، وهذا من مفارقات أهل هذا الزمان.
فالأمة ضائعة والناس محتارون، والحلقة مفرغة، وبقي الناس يحتاجون إلى من يوصل هذا الفراغ وهم العلماء.
واعلموا أن سبيل الإصلاح في آخر الزمان هو سبيل العلماء كما قال مالك والفضيل: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
وكل الناس العاملين اليوم على نوايا طيبة وعلى حب الشرع وحرقة عليه، يحاولون أن يسدوا مسد العلماء الربانيين ولن يقدروا، فكم من مريد للخير لا يصيبه فالذي يريد أن يصيب الخير لا بد أن يكون عنده الأدوات والأدوات كما قلنا يبدأ بالأمثلة النموذجية ويحذقها حتى يصل إلى الأشياء التي الأمة بحاجة إليها.
وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الشرور والمنكرات ورزقنا وإياكم الإنصاف والتقوى، وأبعدنا عن الهوى وعن ركوب ما لا يرتضى.

السؤال 267: استشكل علي العلم؛ فتارة أقرأ فقهاً وتارة عقيدة، وتارة أحفظ، فإنني مشتت الفكر فلم أستطع أن أحفظ كما كنت سابقاً، فأرجو من فضيلتكم النصح مع إرشادي لبعض كتب كي أعتكف عليها، ليس فقط لفهمها، ولكن لحفظها، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما الاستشكال فهذا لا يقع إلا من حريص على الوقت، وأن يقع الإنسان في الاستشكال فهذا علامة من علامات بدايات الفهم، وكثير من الطلبة يبدأ متحمساً وبعد أن يقرأ مجموعة من الكتب يبدأ يستشكل المسائل، وهذا الاستشكال ينبغي أن يدفعه إلى الأمام، وما ينبغي أن يصيبه إحباط بسببه ذلك. أن أول علامات الفهم استشكال المسائل، ورحم الله الشافعي، فإنه كان يقول: كلما تعلمت مسألة ازداد علمي بمقدار جهلي، فأكثر الناس علماً هم أكثرهم هضماً لأنفسهم، ولذا قالوا: العلم ثلاثة أشبار من دخل الشبر الأول منه تكبر، ومن دخل الشبر الثاني منه تواضع، ومن دخل الشبر الثالث منه علم أنه لا يعلم شيئاً، فمآل العلم أن يعلم الإنسان أنه يعلم شيئاً فينظر إلى نفسه ويعرف حقيقة نفسه الأمارة بالسوء.
وطالب العلم ينبغي أن يحرص على وقته، وكان عمر يقول: (تفقهوا قبل أن تسودوا) أي احرصوا على الفقه قبل أن تصبحوا أصحاب سيادة، وكان سفيان يقول: (طالب العلم إن تزوج ركب البحر، فإن جاءه الولد انكسر به المركب) فإن كان طالب العلم شاباً صحيحاً ليس ذا عيال ولا مسؤولية ولا مهنة، وإنما هو في طور الطلب، فهذا بإمكانه أن يبني نفسه بنفسه، وأن يتقدم، وينبغي أن يكون التقدم سريعاً وتكون القراءة والتحصيل كثيراً، وهذا يحتاج إلى همة.
وقد ألف الإمام الصنعاني رسالة بديعة سماها: "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" قرر فيها أن الاجتهاد في عصره أيسر بآلاف المرات من الاجتهاد في العصور الأول، لأن العصور الأول كان الإنسان لا يستطيع أن يتحصل على الكتب، ولا أن يضبطها وكانت الكتابة قليلة، والآن الكتب كثيرة، والفهارس موجودة، لكن العلة اليوم في الهمة، وما أيسر الطلب وما أكثر العلم، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من أشراط الساعة ظهور القلم}، ومع استخدام القلم فإن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويلقى الجهل.
وياليت كثيراً من الناس لا يحسنون القراءة والكتابة، حتى يعرفون الحرص على حلق العلم، فكثير من الناس لا يجلسون في حلق العلم بسبب أنهم يعرفون القراءة والكتابة، فيقول أنا أقرأ، لكنه لا يجلس ولا يقرأ ولا يتعلم ويبقى جاهلاً ويستخدم القلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونصيحتي لطالب العلم أن يكون كالشجرة التي ينبغي إن نبتت أن تكون وارفة الظلال شديدة قوية، يجلس حولها ويتفيأ في ظلها عدد كبير، وألا يكون كالبقلة فينشغل بمسائل طنانة ومسائل موسمية، من غير ملكة ولا يكون فقيه نفس، ولا يتأصل ولا ينشغل بمسائل الباعث لانشغال بها غالباً الرئاسة والتقدم وأن يكون له وجود في المجالس، فالنبتة التي تزرع بسرعة كالبقل وغيره تنبت خلال أيام، لكن لا يتفيأ أحد في ظلها.
واليوم الناس بحاجة إلى من يغرس نفسه في باطن التربة، وأن يطول عليه الأمد والزمن، بحيث إن خرج يكون شجرة وارفة الظلال، يتفيأ الناس في ظلها، من حرارة الشبهات والشهوات الموجودة في المجتمعات بحيث يقع النفع والبركة بهذا الطالب.
وطالب العلم يستخدم المثل الذي يذكر على وجه الذم، لكن هو يحوره ويستخدمه على وجه المدح، وهو ((فرق تسد)) فهذا مثل سيء يقصد فرق بين الأمم تسد، لكن طالب العلم يستخدمه استخداماً شرعياً صحيحاً، فيقول: أفرق المسائل وأفرق العلوم حتى أسود، فينشغل بالمهم فالأهم، وينشغل بداية في بعض العلوم حتى ترسخ قدمه فيها، ثم ينتقل إلى علوم أخر.
ويصعب على طالب العلم أن ينشغل على وجه الحذق والإتقان ومعرفة العلوم على التفصيل في جميع أنواع العلوم فلا بد أن يفرق بين هذه العلوم فيبدأ مثلاً بالتوحيد والتفسير، ثم بعدها مثلاً يبدأ باللغة والأصول، وبعدها بالفقه وعلم المصطلح، وهكذا، يفرق بين العلوم حتى ترسخ قدمه فيها.
وينبغي لطالب العلم على أن يتقن العلوم على المتون المعتبرة عند أهل العلم، فتضبط أي علم على متن معتبر عند العلماء.
أما بالنسبة للحفظ فالذي أنصح به أنه أولى ما يتوجه إليه الحفظ كتاب الله، ثم أحاديث الأحكام مثل عمدة الأحكام أو بلوغ المرام فإن يسر الله لهذا الطالب أن يبقى مستمراً في الطلب حتى يجلس ليدرس ويقع الانتفاع به، فإنه سيسأل عن الأحكام الشرعية وجل الأحكام الشرعية مركبة على أحاديث الأحكام، فهو بحاجة إلى أن يحفظها ويستحضرها، وحفظ النصوص التي فيها العصمة مقدم على حفظ كلام البشر.
وطلبة العلم متفاوتون في الحفظ ووجدت بالتجربة ومن خلال المقابلة مع مجموعة من الأعلام والعلماء في هذا الزمان أن من رزقه الله حفظاً فتحقيقه قليل، ومن رزقه الله تحقيقاً فحفظه قليل، وقل من يجمع بين الأمرين، وهذا دلالة على نقصان الإنسان، وعلى أن التفرد إنما يكون لله عز وجل في الكمال.
ولا بد لطالب العلم أن يكون في محفوظه شيء من نصوص الوحي، وأيضاً مما يستملح من الآثار ومن أقوال السلف، ومن الأشعار ومن الحكم والأمثال والقصص فهذه أمور حسنة، وهي بمثابة الملح، لكن لا ينشغل بها، فطالب العلم ما ينبغي أن يكون قصاصاً، لكن لا بد أن تكون له مشاركة في أن يمس مشاعر الناس وأن يحفظ شيئاً مما يحتاجه الناس في الوعظ وغيره، هذه نصيحتي للسائل والله الموفق...

السؤال 268: هل يؤجر المكلف إذا ذكر الله في نفسه دون أن ينطق بلسانه؟
الجواب: نعم؛ ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، والشاهد فيه: {إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي}.
وقوله: {وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}، يدل على أن الملائكة في مجموعهم أفضل من مجموع البشر لكن الآدمي الذي ينازع نفسه ويجاهدها، وينعى على الاستقامة ويترك الشهوة واللذة من أجل الله، ولا يأخذ منها إلا المباح فهو بفرده خير من المخلوق المجبول على الطاعة، فمحمد صلى الله عليه وسلم بعينه أفضل من الملائكة بأعيانهم، وهكذا، والله أعلم...

السؤال 269: ما حكم من عمل عملاً أراد به ابتداءً وجه الله بنية خالصة، ثم لما رأى غيره ينظر إليه دخل في قلبه الرياء، فأخذ يزين العمل ويحسنه مع بقاء النية الأصلية موجودة، ولكن أحب أن ينظر هذا إليه، فهل هذا يحبط العمل بالكلية وما هي الأسباب التي تعين على الإخلاص؟
الجواب: يقرر الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين" أن النية على ثلاثة أقسام: رجل دخل في عبادة ونيته أصالة الرياء فقال: هذا لا نصيب له من عبادته، والقسم الثاني رجل دخل بنية فيها إخلاص ودخل عليه الرياء فينقص من عمله من الأجور بمقدار الرياء الذي دخل عليه، والثالث رجل دخل في عمل بنية فيها إخلاص وبقي على الإخلاص ثم دخل عليه العجب بعد العمل فالعجب يأخذ من حسنة عمله بقدره، وقد يحبط العمل بالكلية، وقد قال بعض السلف: لأن أنام طول الليل وأصبح نادماً أحب إلي من أن أقوم طول الليل وأصبح معجباً.
لكن لو رجل دخل في صلاة ونوى أن يطيل فيها، ثم اطلع عليه بعض الناس فيقول: أريد أن أختصر صلاتي خوفاً من الرياء، هذا مخطئ، والصواب أن يبقى على نيته وأن يحسنها، فإن الإنسان إن أراد أن يعمل عملاً صالحاً فإن الشيطان يحاول ما استطاع أن يشوش عليه عمله، فنقول له: حسن نيتك وابق على عملك، فإن التقصير يكون من الشيطان، وهذه وصية لبعض السلف.
وفرق بين من هذا حاله وحال من دخل في الصلاة وهو ينوي التطويل والرياء.ويذكر ابن الجوزي في كتابه "أخبار الحمقى والمغفلين" عن بعض المغفلين أنه دخل الصلاة للرياء فصلى وأطال القيام وهو يصلي، والناس يثنون عليه، وهو مسرور من ثناء الناس فقال لهم وهو لا يشعر: ومع هذا فأنا صائم.
لذا فإن أهم شيء في تحصيل الإخلاص النية، أن تكون لك نية صالحة قبل العمل وأثناء العمل وبعد العمل، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: ((إن أعجبك حديثك فاسكت، وإن أعجبك سكوتك فتحدث)) فقد يقع الرياء في السكوت أن يقال عنه مثلاً صاحب سمت طيب ومؤدب.
فالإخلاص يتحصل أكثر شيء بالنية، وكان بعض السلف يقول: (أحب أن تكون لي نية صالحة في قيامي، وقعدتي، ونومي وأكلي وشربي)، فيستحضر الإنسان النية قبل كل عمل، فقبل حضور الدرس المدرس والحاضر يستحضر أن هذا علم شرعي وأن هذا طاعة جليلة، ويستحضر انتظار الصلاة إلى الصلاة، وما فيها من أجر.
ومن الأسباب المعينة على الإخلاص، أن يحاول الإنسان أن يكون له في خلوته عبادة وطاعة وأن يحسنها أكثر من تحسينها لعبادته في جلوته.
ومن أسباب الإخلاص أن يدعو الإنسان ربه دائماً أن يرزقه الإخلاص وأن يتعوذ بالله من الرياء وأن يأخذ بالمأثور من قوله صلى الله عليه وسلم في أدعية الصباح والمساء ثلاثاً: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه}، فكان النبي يتعوذ به وهو أكمل الخلق، فما بالكم بغيره؟
ومن أسباب الإخلاص أن يعلم العبد أهميته وأن يعلم أن العمل لا يقبل إلا به، وأن الإنسان مهما كثر من عمل، فإنه لا يرفع له عمل دونه، فالأعمال صورة، وروحها الإخلاص وسر قبول الأعمال عند الله عز وجل، أن يكون صاحبها مخلصاً، وإن قصر فيها.
وأن يعلم الإنسان أن للإخلاص بركة وثمرة في هذه الدنيا قبل الآخرة، فالله عز وجل يبارك للمخلص في عمله ويرقيه من منزلة المخلِص إلى منزلة المخلَص بحيث لا يكون لنفسه ولا لشيطانه نصيب في عمله أو في قوله ولا في سكوته فيبقى ربانياً خالصاً، فالمخلص هو الذي يصطفيه الله عز وجل.
وببركة الإخلاص ينجو الإنسان، وتعلمون قصة الثلاثة في الغار كيف نجاهم الله بإخلاصهم، ونصرة الأمة تقع بالإخلاص، ويذكرون أن رجلاً كان يتزين بزي النساء، ويدخل الأفراح والمآتم، فدخل مأتماً يوماً، فضاعت درة، فقال أصحاب البيت: أغلقوا الباب كي نفتش، فأخلص لله في الدعاء، وعاهد الله تعالى لئن نجاه الله من هذه الورطة ليتوبن ولا يعودن لمثلها أبداً، فبقي يؤخر نفسه حتى وجدوا الدرة مع التي قبله، فقالوا: أطلقوا الحرة لقد وجدنا الدرة، فاستجاب الله له ببركة إخلاصه.
واعلموا أنه لا يخاف من الرياء إلا المخلص، وأن المرائي لا يسأل لا عن رياء ولا عن إخلاص، فإن خفت على عملك من الرياء، فاعلم أنك تعرف مقدار الإخلاص، وإن لم تخش على نفسك من ذلك فأنت على خطر، فنسأل الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يرقينا في هذا المقام حتى يجعلنا مخلصين.
أما الرضا عن النفس فهو عارض، وأما العجب فهو دائم، فيظل المعجب يرى في نفسه تيهاً وكبراً، والرضا عن النفس هو ثمرة كاللذة فالطعام وهو بين أسنانك تشعر بلذته، فإن انتهى الطعام زالت اللذة، فيعود الإنسان ويبقى على خطر عند ذهاب اللذة.
ومن أشنع ثمار الرياء وأبشعها أن صاحبه لا بد أن ينتكس في الدنيا قبل الآخرة ،فلا يسلم المرائي له عمل في الدنيا قبل الأخرة، لكن الذي يرضى عن نفسه قليلاً هو يرتقي وهذا الرضا عارض.
وقد ورد في حديث نعرفه جميعاً فيه زيادة قد تغيب عنا، وهي مهمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، هذا أمر خطير جداً أن يعمل الواحد بعمل أهل الجنة حتى تصبح الجنة قريب منه بمقدار ذراع فيسبق عليه الكتاب والعياذ بالله، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وفي رواية في صحيح مسلم: {وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها}، فهو يعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر لكن الباطن خراب، فهذا مآله أن يسبق عليه الكتاب ويعمل بعمل أهل النار.
لذا لا يسلم ولا ينجو إلا المخلص، وحبل الكذب قصير والإنسان يتعامل مع الله عز وجل، الذي يعلم السر وأخفى.

السؤال 270: هل يجوز استخدام سن من ذهب؟
الجواب: استخدام السن من الذهب، إن كان تجملاً فلا، وأما إن كان تطبباً؛ وفي الذهب ما ليس في غيره فجائز، وقد ثبت عن عرفجة، الصحابي البدري، أنه أصيب في بدر بأنفه، فاتخذ أنفاً من ذهب، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، واتخاذ السن كاتخاذ الأنف.
أما أن يكون الرجل أسنانه سليمة، ويتخذ سناً من ذهب زينة، لا تطبباً فهذا غير جائز، أما في التطبب فجائز ولا حرج، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا.

السؤال 271: ما هو القول في كتاب "الحيدة" من حيث ثبوت نسبته إلى عبدالعزيز الكناني، وما رأيكم فيه؟
الجواب: كتاب "الحيدة" مادته حسنة بالجملة، وهو مناظرات من عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي أمام المأمون، والمناظرات قوية مفحمة، تبين سداد وصواب مذهب أهل السنة في مسألة كلام الله عز وجل، وأن القرآن غير مخلوق، فمادته علمية جيدة.
لكن شكك غير واحد من أهل العلم في صحة نسبته لصاحبه، والتشكيك له أسباب وهي: ما ذكره الحافظ ابن حجر في "اللسان" في ترجمة عبدالعزيز الكناني، قال: كيف ينصر المأمون الاعتزال ويؤذي أهل السنة، وقد قامت هذه المناظرات بين يديه، كما هو في الكتاب، وقد أفحم بشر المريسي ولم يتكلم بكلمة، فالأصل أن يكون المأمون إن كانت هذه المناظرات واقعية صحيحة أن ينصر مذهب أهل السنة، لأن الحج لائحة، ولم يبق كلام أبداً لبشر، فيستبعد أن يبقى المأمون على مذهبه وأن يؤذي أهل السنة، وهذا كله قد جرى على هذه التفصيل بين يديه.
وقد قال ابن حجر هذا الكلام بعد أن نقل كلام الذهبي في الميزان، وهو أن في إسناده هذا الكتاب رجل اسمه محمد بن الحسن بن الأزهر، اتهمه أبو بكر ابن الخطيب بالوضع، فقال عنه: وضاعاً، فكتاب في سنده وضاع وحاله كما قال ابن حجر، قال: فهذه النسبة لم تثبت.
وهناك مسألة الخلاف فيها كبير بين العلماء، وهي هل يحتاج الكتاب إلى إسناد كالحديث؟ أم أن شهرته تكفي؟ فمنهم من قال تكفي الشهرة فإذا اشتهر عند أهل العلم أن فلاناً قد ألف كتاباً، فهذا يكفي، فما نحتاج لأن نثبت أن البخاري ألف صحيحاً مع أن إسناد البخاري موجود إلى اليوم.
وطبع حديثاً الشيخ علي الفقيهي كتاب "الحيدة" ومال في مقدمته إلى صحة النسبة، وأيد كلامه بأمرين، بعد مناقشة ما ذكره الحافظ ابن حجر في المأمون، فقال قد يبقى الإنسان على مذهبه ويسمع كلاماً يفحم، ويكون هناك دواعي تبقيه، فهذا لا يكفي.
ثم قال: أما موضوع إسناد الكتاب وأن فيه وضاعاً، فقد ثبت نقل لابن بطة في كتابه الإبانة، ينقل عن كتاب الجيدة بإسناد آخر رواته ثقات، فيا من تنكرون هذه النسبة بسبب هذا الرجل، هناك سند آخر، وأكد كلامه بالشهرة وأفاض في نقل العلماء عن هذا الكتاب فأثبت أن ابن تيمية وابن القيم والذهبي وحتى ابن حجر قد نقلوا عن هذا الكتاب وعزوه إلى صاحبه، فالقلب يميل إلى صحة النسبة، مع وجود إسناد ابن بطة في كتاب الإبانة، والله أعلم...

السؤال 272: ما صحة القاعدة الآتية: يحرم ما يأكل بنابه أو بمخلبه؛ أي اشتراط أكله بالناب أو بالمخلب، وعلى هذا ما حكم أكل الفيل؟
الجواب: القاعدة يدل عليها حديث نبوي شريف، ورد في صحيح مسلم عن أبي ثعلبة الخشاني رضي الله عنه، قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع} وأخرج أيضاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل ذي ناب من السباع فأكله حرام}، وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير}.
إذن فكل حيوان يأكل بنابه ويفترس بنابه وكل طير يفترس بمخلبه فأكلهم حرام، كالأسود والفهود، والصقور والنسور فهذه قاعدة صحيحة.
ويستثنى الضبع كما جاء في مسند الإمام أحمد، فهو صيد، والراجح أنه يجوز أكله، وإن كان الضبع يأكل بنابه، وهنالك تصور عند كثير من الناس أن الشق الأيمن من الضبع حلال، والشق الأيسر حرام، وهذه خرافة ما أنزل الله بها من سلطان.
والضبع استثنى بنص، مع القول بأن الجماهير يحرمونه، لأنهم قالوا إن الحديث مضطرب، ولكن الاضطراب مرفوع، وليس كل اضطراب يعل به الحديث، وكل ما في الأمر هو هل الحديث مرفوع أم موقوف.
أما الفيل فقد ألف الدميري شيخ الحافظ ابن حجر، كتاباً سماه "حياة الحيوان الكبرى" رتب فيه أسماء الحيوانات على الحروف، وهو يشمل كل ما يتعلق بالحيوان فذكر عن كل حيوان تعريفاً به، وخواصه وذكر عن كل حيوان حكمه، من حيث الحل والحرمة على المذاهب وما ورد في ذلك من أحاديث وآثار وقصص وأشعار، وذكر ما يؤول في المنام إن رآه النائم، فهو كتاب موسوعة حول الحيوان.
ومما ذكر فيه عن الفيل (ص 234/ جـ2) قال: يحرم أكل الفيل على المشهور، وعلله في "الوسيط في الفقه" (أبو حامد الغزالي) بأنه ذو ناب مكادح، وقال: وفي وجه شاذ لأصحابنا بالجواز، فالقول المعتمد بالحرمة لأن له ناباً، وقال: قال الإمام أحمد: ليس الفيل من أطعمة المسلمين، وكرهه أبو حنيفة ورخص بأكله الشعبي.
فالراجح أن أكله حرام، كما قال أحمد: ليس من طعام المسلمين ولأن له ناباً، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذي ناب من الحيوان، والله أعلم..

السؤال 273: هل يمكن أن يكون النوم عن صلاة الفجر من الابتلاء؟
الجواب: من نام عن صلاة الفجر فهذا معاقب، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من نام حتى يصبح فقد بال الشيطان في أذنيه}، وهذا الحديث وضعه البخاري في كتاب التهجد وقال أي: من نام حتى يسمع أذان الفجر فما بالكم من نام حتى تطلع الشمس فماذا نقول عنه؟ نسأل الله العفو والعافية.
والنوم عن صلاة الفجر إن كان فلتة لعرض بحكم تعب وما شابه فهذا وقع مع النبي في سفرة من الأسفار.
أما أن تكون هذه عادته فتفوته الصلاة، وتكون ثقيلة عليه، فهذه من صفات المنافقين لأن أثقل صلاة على المنافقين الفجر والعشاء ،ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.
ويذكرون عن سجان الحجاج، قال: كنت سجاناً للحجاج مدة طويلة فما دخل أحد السجن إلا سألته: هل صليت الفجر في جماعة؟ فيقول لي: لا، ولم يقل لي واحد منهم أنه صلى الفجر في جماعة.
لذا فمن صلى الفجر في جماعة فهو رعاية الله وكنفه، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، فلنحرص على صلاة الفجر في جماعة والله الموفق.

السؤال 274: هل الركوب مع سائق التكسي دون محرم يعد خلوة محرمة لا تجوز؟
الجواب: نعم، المرأة إن ركبت مع السائق ولا يوجد بينهما أحد حالها كحال من جلست مع رجل أجنبي في حديقة عامة على مقاعد المتنزهات، فهي خلوة غير شرعية، {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما}، كما صح عند الترمذي بإسناد جيد.
وبعض الناس يلبسون ويشوشون ويسقطون شروط الخلوة الشرعية، التي تترتب عليها آثار وأحكام مقررة في الفقه، فيأخذون هذه الشروط ويجعلونها للخلوة المحرمة.
والعلماء يذكرون الخلوة الشرعية بين الزوج وزوجته التي عقد عليها، ولم يدخل بها، ويذكرون لها شروطاً إن وقعت فيجب لها المهر كله، فيقولون شروط الخلوة أن لا يكون مانع حسي من الدخول بها، كأن لا تكون حائضاً مثلاً وأن لا يكون هنالك مانع شرعي كأن يكون أحدهما صائماً صيام فريضة، وأن يوجدا في مكان يغلقان عليهما الأبواب ويسدلون الأستار، وألا يكون بينهما مميز، فهذه شروط الخلوة بين الزوج وزوجته التي لم يدخل بها.
وبعض أبالسة الإنس في هذا الزمان يجوزون للرجل أن يجلس مع المرأة ويعللون بأن شروط الخلوة الشرعية غير متوفرة، فمثلاً يقولون: الحائض يجوز أن تجلس معها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، فهم متساهلون جداً في فقه المرأة، فيقولون: لو أن المرأة لبست بنطالاً ضيقاً وسترت شعرها وبشرتها فهذه تلبس لباساً شرعياً ولو صلت على هذه الحال فصلاتها جائزة.
فهذا الصنف أخذ شروط الخلوة الشرعية ووضعها في غير مكانها، فأن يخلو الرجل بالمرأة حرام، ولا يشترط في الخلوة أن يكون المكان مغلقاً، ولا يكون هناك مانع حسي، ولا شرعي، ولا مميز، لكن كلما وجدت هذه الشروط كانت الحرمة أشد، وكان الشيطان أغلب، وكم من سائق يرتكب الفواحش في سيارته على قارعة المكان، فهذه خلوة محرمة، والذي يشترط هذه الشروط يضع الأشياء في غير مكانها.
ولو كانت أكثر من امرأة مع الرجل في السيارة تخف الخلوة، لكن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن اجتماع مجموعة رجال مع امرأة أهون من اجتماع مجموعة نساء مع رجل، لما ثبت في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه كانوا يدخلون النساء اللاتي غاب عنهن أزواجهن في الجهاد.
وقال الإمام النووي في شرحه على هذا الحديث: وفيه جواز دخول أكثر من رجل على المرأة إن دعت حاجة، لا سيما إن كانوا معروفين بالفضل والديانة والمروءة، أما اجتماع أكثر من امرأة على رجل فهو شر من ذلك، والله أعلم..

السؤال 275: هل يجوز أن أقول للشخص الذي أخذت منه شيئاً: يخلف عليك، فيرد هذا الشخص: على الله؟
الجواب: ربنا يقول: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}، فالله الذي يخلف ومن الذي يخلف غير على الله؟ فبعض الناس اليوم لما يأخذ من آخر شيء ويشكره فيقول يخلف على الله.
ومن الذي يقدر أن يخلف على الله، وله سبحانه ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فهذه مقولة آثمة خاطئة ليس فيها أدب مع الله عز وجل.

السؤال 276: ما هو الأفضل العلم الشرعي أم الزواج؟ ومن هو الأولى؟
الجواب: الأصل ألا يوجد تعارض بين العلم والزواج، والأصل في الزواج أن يعين على الطلب، لكن بشرط حسن الاختيار.
وكثير من طلاب العلم لما تسأله تزوجت، يقول لك:لا أنا طالب علم، وما الذي يمنع أن تكون طالب علم ولك زوجة، لا سيما إن أحسن الإنسان الاختيار، واختار طالبة علم، فإنه يعمر وقته معها ويتقدمان في الطلب.
فلا يوجد مفاضلة بين الزواج وبين طالب العلم، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سيد العلماء وله زوجات، فطالب العلم لا يمنعه طلبه أن يتزوج، إن كان الانقطاع الكلي للعمل يحتاج إلى فترة ويحتاج إلى نوع تفرغ.
لكن إن كانت الشهوات والفتن قريبة من الإنسان ونفسه تنازعه فحينئذ التخلية قبل التحلية، فأن يخلي الإنسان نفسه من شرورها مقدم على أن يحليها في الطاعة.
والزواج سكن فالإنسان يحتاج إلى الزوجة، لا سيما في هذا الزمان ،وأنا أنصح طلبة العلم، وأنصح أولياء الأمور للذكور والإناث أنصحهم وأدعوهم إلى الزواج المبكر، وأرى أن في الزواج المبكر فوائد عظيمة، لا سيما فيمن رزقه الله سعة من المال، فالزواج المبكر يعجل في رجولة الولد، والزواج المبكر يؤتي بثماره من حيث الولد، فالعنوسة تأخير الزواج من أسباب الفتنة في المجتمعات هذه الأيام.
وينبغي للغيَّر على الفضيلة وعلى الديانة، لا سيما من الأثرياء أن يكون لهم خطوات عملية في المجتمع تحد من العنوسة ومن صعوبات الزواج أمام الشباب لا سيما أن الزواج من الحاجيات الأصلية التي يجوز مساعدة الفقير عليها من مال الزكاة، فأنا أرى من مصارف الزكاة المهمة التي لها ثمرة وبركة هي أن يبحث الإنسان عن رجل صالح يريد أن يعف نفسه ولا يقدر على الزواج، فيعطيه من مال الزكاة فيكون سبباً في وجود الأولاد الصالحين، فهذه أشبه ما تكون بالصدقة الجارية. وهذا الباب ينبغي أن يعالج. فأهل الفساد وللأسف يتفنون في فسادهم وفي عرضه ويؤصلونه ويدعون إليه بقوة، وأهل الخير نائمون وغافلون، ومع وجود الملذات والشهوات إن أهل الخير غفلوا وأهل الشر تفننوا وجدوا واجتهدوا فمن الطبيعي أن نرى ما نرى هذه الأيام في المجتمعات .

السؤال 277: لي أخ، وفي بعض الأحيان أكرهه في الله، وفي بعض الأوقات تمر فترة طويلة جداً وأنا لا أتكلم معه بسبب معاصيه، وهو يصر أحياناً على المعصية، فهل انقطاع حديثي معه لفترة طويلة جداً تسبب لي الإثم، أم لا، لأني أبغضه في الله عز وجل؟
الجواب: بالنسبة للهجر فهو مشروع عند الضرورة، وأما أن يكره الرجل أخاه لله فهذا من علامات الإيمان فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}، فالبعيد المؤمن مقدم على القريب الفاسق في الحب.
وأما أن تهجر أخاك فهذا لا يجوز إلا بعد النصيحة، وبعد أن يغلب على ظنك إن بقيت معه فإنك ستتأثر به سلباً أو إن غلب على ظنك إنك إن هجرته فإن هذا يردعه ويعيده إلى حظيرة الحق، والبعد عن الباطل، ويقرر العلماء أن الهجر دواء ينبغي أن يستخدم في وقته وبمقداره دون زيادة، فالأصل في المسلم أن تكون علاقته مع أقاربه لا سيما أشقائه حسنة، لكن إن خاف على نفسه من قربه منه أو إن قاطعه فيعيده للحق فهنا هجران شرعي صحيح.
وعلى العاقل أن يتدبر بواعثه ودوافعه للهجران وأن يكون ذلك من أجل الله عز وجل. فقد تهجر أخاك لمعصيته وتكون لك علاقة حسنة مع بعض الأصدقاء وهو شر حال من أخيك من حيث ديانته فهذا هجران ليس من أجل الله.
وذكر ابن أبي جمرة في "بهجة النفوس" قيداً نافعاً عزيزاً في الهجران، حتى يكون من أجل الله، وحتى يكون من أجل حظ النفس، وهذا القيد ذكره ابن أبي جمرة في حادثة الإفك، فمسطح الذي خاض في عرض عائشة، رضي الله عنها، كان أبو بكر رضي الله عنه، ينفق عليه لفقره، ولما خاض في عرض عائشة، بقي أبو بكر ينفق عليه، فلما أنزل الله براءة عائشة من السماء قطع أبو بكر النفقة على مسطح، فقال ابن أبي جمرة: (لو أن أبا بكر قطع النفقة بمجرد خوضه قبل نزول البراءة، لهجره من أجل حظ نفسه، ولكنه بقي ينفق عليه، وقطع النفقة عنه بعد أن أنزل الله برائتها فقطعه من أجل الله). فانظروا إلى دقة الباعث فقد يهجر بعض الناس من أجل الله طاعة وعبادة لكن في الوقت والقدر وعليه أن يبحث عن بواعث هذا الهجران وأن يخلص فيه لرب العالمين.

السؤال 278: ما حكم أكل الدجاج هذه الأيام، ونحن نعلم أن المزارع غالبها تستخدم الأعلاف المركزة، وهي عبارة عن جيف الحيوانات مثل الخراف والأبقار والدجاج، ومن ريش وعظم ودماء، كما نقل من بعض أصحاب هذه المزارع وذلك لاضطرارهم لفعلهم هذا لجلب الربح علماً بأن الدجاج في خلال شهر واحد منذ تفقيسه يصبح جاهزاً للأكل وهل يجوز أن نربي الدجاج في البيت مدة ثلاثة أيام ونطعمه من القمح والشعير حتى يخرج من حكم الجلالة إذا اعتبرنا أن هذا الدجاج الذي في المزارع حكمه حكم الجلالة؟
الجواب: الدجاج إن أكل النجاسات فهو جلالة، ولا يجوز أكله حتى يطعم الطاهر ثلاثة أيام فيتغير لحمه.
وأما بالنسبة إلى ما ذكر في السؤال مما يسمى اليوم عند أهل هذا الاختصاص بالعلف المركز، ويكون من الريش وبواقي الدجاج وغيره، ويخلط ويطعم، وينمو الدجاج نمواً سريعاً في وقت قصير.
ويذكر في هذا الباب أمور: الأمر الأول أن هذا نسبة من العلف وليس هو كل العلف، وفيما ينبغي أن هذه النسبة قليلة والغالب الحل، والأمر الثاني أن هذا الطعام يكون في مدة معينة، يطعم للدجاج ثم بعد هذه المدة يطعمونه العلف الطبيعي، وهذا يجعله يتغير ويصبح حلالاً والأمر الثالث أن في نجاسة الدم خلاف بين أهل العلم.
ولذا لا أرى حرجاً من جواز أكله والأحسن أن يتأكد الإنسان ويطعمه العلف الطاهر ومن وجد في نفسه شيئاً لا يأكل لكن لا يحرم على الناس ، والله تعالى أعلم.

السؤال 279: ما حكم نسيان التسمية على الذبيحة؟
الجواب: المسلم إن ذبح لابد لذبحه من شروط ومنها أن يذكر الله تعالى، ووقع خلاف بين أهل العلم، المسلم إن ذبح ولم يذكر اسم الله ناسياً فحرم ذبيحته الحنابلة، وجوزها الشافعية، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: ((ذكر الله في قلب المسلم ذكر أو لم يذكر)).
أما مجرد الذكر على الشريط دون تسمية من الذابح فهذا مقصور وهذا لا يجوز والله تعالى أعلم.

السؤال 280: ما هو حكم العزل؟
الجواب: قد ثبت عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قوله: {كنا نعزل والقرآن ينزل}، وقول الصحابي: والقرآن ينزل فيه دلالة واضحة قوية على أن ذلك كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل، فقال: {تلك المؤودة الصغرى}، ولذا قال العلماء: إن العزل مكروه لأن النبي قال عنه: مؤودة، وفعل الصحابة له يدلل على عدم الحرمة، والعلماء يقولون الكراهية تشتد إذا عزل عن الحرة دون إذنها؛ فإن في النكاح عفة للذكر والأنثى، وكما أن للرجل حق التمتع بالزوجة، فإن للزوجة حق التمتع بالرجل، فلا يجوز للرجل أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، خلافاً للأمة، فلا حق لها في ذلك.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: {لو أن أحدكم أراق ماءه على صخرة، وشاء الله أن يكون الولد لكان فإن الولد ليس من جميع الماء}.
والدعوة التي في الإعلام لتقليل المسلمين من أنسالهم دعوة باطلة، ودعوة يكرهها من يحب تكثير المسلمين، ونقول هذا وفي لوعة وحسرة، نحب أن يكثر عدد المسلمين بالعزة، وأن يكثر عدد الأمة المحمدية الحقة، وليست هذه الأمة، أمة الغثاء، التي أصبحت لا تسأل عن أحكام الله، وأصبح الواحد له من الذرية ماله، وكأنه محكوم عليهم بالنيران فكم من رجل يكون معنا في المسجد وأولاده لا يأتون المسجد ولا يصلون ولا يعرفون القبلة.
ولما نقول: تناكحوا وتناسلوا يا أمة محمد، ونرى المسلمات في التبرج، والمعاصي فيدخل في حزن ونحن نريد أن نكثر أمة محمد أمة الدعوة والدين، أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نريد أن نكثر أمة الغثاء، التي جلبت لهذه الأمة الأدواء.
وأعجب كل العجب ممن يحرص على المسجد وينس ابنه، وفي النهاية سيكون ابنه عدواً له في الدنيا والآخرة فإن أردت من ابنك أن يطيعك اليوم، لم يبق لك إلا أن يتقي الله ويخاف الله، ومجيئك بابنك إلى مسجد هو لك ،وأحضره صغيراً حتى لا تلام.
وأعجب كل العجب من امرأة شمطاء كبيرة، وهي تمشي في الطريق تتعاهد خمارها خشية أن يظهر شعرها، والبنت التي معها متبرجة، فإن جاز الكشف اكشفي أنت واستري على ابنتك، فأنت لست مطموعاً فيك، وابنتك مطموع فيها، فأعجب جداً من النساء، ابنة في سن الشباب والفتنة، تخرج متعطرة متبرجة متزينة، ثم أمها تجعل نفسها ورعة، وتتستر وتحرص على حجابها، فأي منطق وهذا وأي مفهوم وأي دين وأي عقل هذا وأي عادات؟! وأنا لا أتكلم عن كوكب آخر، وإنما أتكلم عن كوكبنا وعن حارتنا، وهذا واقعنا للأسف وموجود في كل مكان، والله لو أن أبناء المسلمين في المساجد لما بقي هذا حالنا.
وكلنا يهدم الدين، ويحمل في يده معول ويضرب الدين ضربات يتصدع الدين منها، ثم كلنا يبكي على الدين، فاليد تهدم واللسان يولول والعين تبكي، والأعين كاذبة والألسن كاذبة، فمن أراد أن يبني فليبين بنفس مطمئمنة وبخطة بعيدة، فالذي عنده ابن شارد يدفع ضريبة الشرود نتيجة إهماله لكن لتكن عنده خطة بعيدة يستوعب فيها الولد، وليفكر بتحسينه كما يفكر بتحسين وظيفته وأثاث بيته، فالواحد الذي يريد شراء الأكواب التي يستخدمها في الضيافة يتردد، ويقف طويلاً ويدخل محلات عديدة، وهو يبحث عن النوعية واللون والمنظر، فاجعلوا أبنائكم مثل هذه الأكواب، فو الله إن أكواب الشاي التي في البيوت أعز علينا من ديننا ومن ربنا فالولد إن شتم الرب، الأم والأب كأنهم لا يسمعون، وأما إن كسر كوب الشاي، فتقوم الدنيا ولا تقعد، فبالله عليكم أما نستحق ما نحن فيه، وكل الذي يحصل لإخواننا في جميع الدنيا بأيدينا ومنا.
والخطوة الصحيحة أن نبدأ بأنفسنا فربنا قال ذلك: {إن الله لا يغير ما تقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ولكننا لا نريد التغيير، ولكننا كاذبون، والذين يتكلمون، يتكلمون وهم لا يعون، ولا يعرفون، وحالنا لا يسوى إلا أن نكون هكذا، ونكون ذيلاً وعبيداً مستحقرين، دماء الكلاب خير من دماء الواحد منا، فهذا حالنا فلنعرف قدر أنفسنا ولنعرف أعمالنا، ولنتفقد أحوالنا لعل الله عز وجل يرزقنا أن نغير ما بأنفسنا لعل الله يغير ما بنا ويرحمنا.

السؤال 281: ما صحة هذا الحديث: {مسكين رجل بلا امرأة مسكين رجل بلا امرأة، مسكين رجل بلا امرأة، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل، مسكينة امرأة بلا رجل}؟
الجواب: طال بحثي عن هذا الحديث، ووجدته مشتهراً على ألسنة الوعاظ قديماً ولم يرد مسنداً في كتاب ولذا وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في كتابه "أحاديث القصاص" (ص30-31) وفي مواطنين من مجموع الفتاوي (جـ11،ص125، 380) يقول: (هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما أظن أجده مروياً ولم يثبت).
ثم وقفت على عبارة للإمام المنذري في كتابه البديع "الترغيب والترهيب" فقال بعد أن أورده وأورد قبله قوله صلى الله عليه وسلم: {الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة}، ثم أورد هذا الحديث، فقال: ذكره رزين، ورزين هذا الأحاديث التي ينفرد بها جلها لا خطام لها ولا إسناد، قال المنذري: ولم أجده في شيء من أصوله، وشطره الأخير منكر، أي: {مسكين رجل امرأة.....}، وأما ما قبله: {الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة} فهذا صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.
وإيراد ابن تيمية لهذا الحديث في كتابه "أحاديث القصاص" فيه إشارة إلى شهرته عند القصاص قديماً، ولا زال الأمر كما يقال : التاريخ يعيد نفسه، فلا يجوز لواعظ ولا لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى رسول الله { البتة، فهو ليس بحديث ولا يوجد له إسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم...

السؤال 282: هل يجوز للمرأة أن تترك الصلاة بسبب الحمل ومشقته؟
الجواب: لا يجوز لأحد أن يترك الصلاة، ما دام عاقلاً يقظاً، وصورتان لا ثالث لهما، يمكن للإنسان أن يترك فيهما الصلاة، النسيان والنوم، والناسي يصليها متى ذكرها ، والنائم يصليها متى استيقظ، والمرأة الحامل إن كانت لا تقدر على القيام تصلي جالسة، فإن لم تقدر على الصلاة جالسة تصلي مضطجعة.
وكان عمران بن حصين معه الناسور، نسأل الله لنا ولكم العافية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الصلاة، فقال: {صل قائماً فإن لم تستطع فجالساً، فإن لم تستطع فعلى جنب} رواه أبو داود.
فلا يجوز للمكلف أن يترك الصلاة أبداً، فهذه المرأة إن لم تستطع أن تصلي قائمة تصلي جالسة، فلا يجوز أبداً ترك الصلاة، وترك الصلاة كبيرة من الكبائر، وربنا سمى تاركي الصلاة مجرمين، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نكن من المصلين} فمن صفات المجرمين ترك الصلاة، ولذا بعض الناس لا يقدر أن يعيش في بيته ولا يهنأ به، لأنه يعيش مع مجرمين، فسعادة بعض الناس أن يقضي أوقاته خارج بيته، لأنه في سجن، فلو أن أولاده وأهل بيته عمروا هذا البيت بالصلاة وذكر الله، لوجد هناءة في بيته.
ومن السنة أن يتخذ في البيت مكان للصلاة، وبوب الإمام أبو داود في سننه باب تجمير المساجد التي في البيوت، فمن حق البيت كما أن فيه غرفة للضيوف وغرفة طعام وغيره، أن يكون فيه مكان للذكر والصلاة ولقراءة القرآن فعلينا أن نؤدي هذه الزكاة، زكاة البيت، وهذه الزكاة تزكي البيت، وتجعل فيه الطمأنينة والهناءة ،وفقنا الله لما يحب ويرضى.

السؤال 283: هل لأحد الأبوين أن يلزم ولده بنكاح من يريد؟
الجواب: لا يجوز للأب أن يجبر ابنه على نكاح من يريد، فإذا كانت البنت البكر لا يجوز نكاحها إلا بعد أن تسكت لحيائها، فما بالكم بالشاب الذي يقول بأعلى صوته: لا أريد فلانة، والأب يقول لا أزوجك إلا إياها، فاتق الله أيها لأب هذا أمر لا يجوز لك شرعاً.
ووجدت شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي يستدل على الجواز هذا بكلام بديع، يقول: (ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد وأنه إذا امتنع لا يكون عاماً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك).
فلا يجوز للأب أن يجبر ابنه على أن يتزوج امرأة بعينها، لكن له أن يجبره على أن يتزوج امرأة بصفات معينة كأن تكون ذات دين مثلاً، أما فلانة بعينها فلا، والله أعلم..

السؤال 284: أنا مدرس أعمل في إحدى مدارس وكالة الغوث الدولية، الحالة الحادثة كما يلي: يتم اقتطاع مبلغ من الراتب بنسبة 7% من راتب المدرس ويضاف حوالي 14% من إدارة الوكالة تجمع له في رصيدي الخاص، يستلمه في نهاية خدمته وهذا المبلغ أثناء الخدمة يتم تشغيله، في أوجه لا يعلمها المدرس، أهي مشروعة أم لا، خصوصاً أن القائمين عليها مؤسسات دولية يتم إعلام المدرس سنوياً بما حدث في رصيده التوفيري، من ربح أو خسارة، واحتمالية الربح والخسارة واردة بشكل فعلي، وقد حدث ذلك، فالسؤال هل يجوز الانتفاع بهذه الأرباح أم لا؟ وفي حالة الحرمة ما هي أوجه صرف تلك الأموال؟ وهل يجوز أخذ قرض من الوكالة، علماً بأن هذا القرض حسن بلا فوائد لكن يؤخذ مبلغ من الأموال زهيد بدل خدمة من ورق وأدوات قرطاسية وما شابه؟
الجواب: لو قال السائل علماً بأن هذا القرض حسن بلا ربا، لكان أحب إلي فإن الربا لا يجوز أن نسميها فوائد، وإن جاز لنا أن نغير اسمها فلنسميها مضار.
أما جواب السؤال فأقول –وأستعين بالله أولاً- ما يقتطع من راتبك لك، ثانياً ما تضيفه الجهة التي تعمل عندها عملاً حلالاً هو لك، تم تشغيل الأموال هذا الحلال منه لك، والحرام منه ليس لك، بمعنى أنك لا تملك ملكاً شرعياً.
وأما قول السائل بأن المدرسين لا يعلمون كيف تشغل هذه الأموال فليس بصحيح، فقد زارني منذ فترة بعض القائمين على مجلس المعلمين وقد أخبروني بأن النسب يعرفونها، وكل نسبة ربح يعرفون بماذا تعمل، فبعضها تربط مع بنوك على أمد بعيد بربا، وهذه ليست لك، وبعضها يكون من خلال متاجرات معينة وصفقات معينة وهذه لك، والنسب عندهم في كل عام معروفة، والمسألة تحتاج إلى أناة، وتحتاج إلى ورع وتقوى.
والمال الذي ليس للمعلم لا يجوز أن ينتفع به، ولا في معاشه ولا في درء المظلمة عن نفسه، كدفع الضرائب وما شابه ولكن يتصدق به، مع مراعاة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، فالصدقة لا تقبل إلا إن كانت طيبة لكن أرجو أن يكون لهذا المتبرع أجر ناقل الصدقة، وليس أجر الصدقة، فلا يترك هذا المال في البنك، حتى لا يتقوى البنك بأموال المسلمين، والأفضل أن يخرجه في المرافق العامة للمسلمين ،مثل بناء الأدراج أو تعبيد الطرق، أو أشياء مهانة كحمامات المساجد، أو أشياء زائلة غير دائمة، وعموم النفقة جائزة إن شاء الله، فالقاعدة الفقهية عند أهل العلم أن المال الخبيث سبيله الصدقة والخلاصة أنه ما قطع من مرتبة أو أضيف عليه وما شغل بالحلال، وما شغل بالحرام يؤخذ ولا يترك وينفق ولا يستفاد منه، ولا في درء المظلمة.
أما بالنسبة للقرض فلا أرى حرجاً أن تأخذه، بل أنا أشجع على أخذه لأنه يقلل من عملية الربا لاسيما أنه كما وصفه بأنه حسن، وأما ما يدفع من كلفة القرطاسية وما شابه فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، وبعد التمحيص والنظر مع السائلين من تلك اللجنة قالوا: إننا احتطنا ما استطعنا في أن تكون النسبة المخصومة بمقدار الكلفة فحسب، فإن زاد فإننا نعيد الأموال هذه إلى من أخذوا القرض فهذا أمر حسن والحمد لله، والله أعلم...

السؤال 285: انطلاقاً من قوله عليه السلام: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى شعر البنت أو رجليها قبل الخطبة؟ وما صحة الأثر المروي عن عمر بن الخطاب أنه نظر إلى ساق إحدى النساء حتى يكون أدعى لخطبتها؟ نرجو التوضيح والتفصيل.
الجواب: مذهب الجماهير الفقهاء المحررين منهم، لا يجوز للخاطب إلا النظر إلى الوجه والكفين، والعلماء يقولون: الوجه هو مكمن الجمال، والكفان بهما يعرف الخاطب هل المخطوبة سمينة أم نحيفة؟
أما قوله صلى الله عليه وسلم: {فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل}، فهذا من غير علمها فكان بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المغيرة بن شعبة يختبئ لمخطوبته، فإن أوقع الله عز وجل في قلب رجل أن يخطب امرأة بعينها، واستطاع من غير أن تعلم أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فلا حرج، لكن دون أن تعلم، أما أن تخرج عليه كاشفة الشعر أو الساقين أو اليدين، فهذا قول ضعيف، مرجوح عند الفقهاء.
وهناك قول ضعيف يستدلون بقصة عمر مع ابنة علي، وهذه القصة ضعيفة، ولم تثبت والقصة تقول إن عمر خطب إلى علي ابنته، أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له إن ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك، فإن رضيت بها فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عمر عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لفقأت عينك، وهذه القصة ضعيفة ؛ فيها إرسال وانقطاع، وكان شيخنا يصححها، ثم تراجع عن تصحيحها، وهذا ما تقتضيه قواعد الصنعة الحديثية، وما رام التفصيل فلينظر في السلسلة الضعيفة الجزء الثالث ص 433؛ فالقصة لم تثبت لكن ثبت أن عمر تزوج أم كلثوم ابنة علي، وهذه حبة رمان في أعين الرافضة، فلو كان عمر ليس بمرضي، فكيف علي يزوج ابنته له؟ فهذا أطعن في علي، وقبح الله الرافضة فيتكلمون على أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة أبي بكر، فهذا أطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلمون على عمر وعمر تزوج ابنة علي، وبعض الرافضة والعياذ بالله، وهم لا عقول لهم كما قال أبو عبيدة القاسم بن سلام، بعض الرافضة يقول: عمر لم يتزوج أم كلثوم، إنما تزوج جنية على صورة أم كلثوم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهم أهل كذب وافتراء.
فالخلاصة أن هذه القصة لم تصح ولم تثبت وأنه لا يجوز أبداً للخطيب أن ينظر لمخطوبته إلا إلى الوجه والكفين، ولما أراد بعض أصحاب النبي أن يخطب امرأة من الأنصار، أرشده إلى العين، وقال له: {أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً}، يعني من صغر أو حول وما شابه، ثم قال: {إنه أحر أن يؤدم بينكما}، أي أحرى أن تقع الألفة والمحبة بينكما، فورع ولي الأمر في نظر الخاطب إلى ابنته هذا ورع كاذب وبارد ،فليس هذا بورع، ثم يسن أن تنظر المخطوبة إلى خطيبها أيضاً فهذا لا حرج فيه، وأما ما عدا الوجه والكفين فإن استطاع من غير هتك حرمة أن ينظر من غير علمها فلا حرج ، والله أعلم...

السؤال 286: ما هي الكيفية الصحيحة بالتفل والتعوذ في الصلاة من الشيطان كما جاء في الحديث عن الشيطان حنزب؟ فهل عملية التفل بلف الرأس أو بالنظر دون لف الرأس مع وجود من هو بجوارك في صلاة الجماعة؟
الجواب: من وجد شيئاً من همزات الشيطان في قلبه أثناء الصلاة فيسن له أن يلتفت عن يساره وأن يتفل ثلاثاً ويتعوذ بالله ثلاثاً ثم يعود، ولا حرج في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا كما في صحيح مسلم أن هناك شيطاناً يسمى خنزب يأتي الإنسان في الصلاة يحاول أن يشغله بأشياء عنها.
وكثير من الناس يشكون من عدم الخشوع في الصلاة، ويجدون وساوس الشيطان في قلوبهم في الصلاة، والإنسان الذي يريد الخشوع في الصلاة عليه أن ينتبه إلى أمور:
أولاً: أن يأتي مبكراً للصلاة فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فالذي ينتقل من عمله إلى صلاته مباشرة دون فترة راحة وتبكير إلى الصلاة، يبقى في شغل كحال المروحة إن انقطع عنها التيار الكهربائي تبقى تدور قليلاً بعد انقطاع التيار .
ثانياً أن يكف لسانه ويحفظه ولا يتكلم باللغو فقد قال الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}، فمن لم يتكلم إلا حقاً وأكثر السكوت لقن الحكمة، فمن يكثر من اللغو لا يخشع في صلاته.
ثالثاً: أن يعرف الإنسان معنى ما يقرأ فلما تقول "الله أكبر" فتقول ذلك في مشاعرك وحسك، ولو أن المسلمين كبروا الله بجوارحهم وبأعمالهم كما يكبروه بألسنتهم فو الذي نفسي بيده ما بقي حالهم على ما هم عليه الآن، ثم تعرف معنى قولك: "بسم الله الرحمن الرحيم" فوالله من يشرب حراماً ويقول : بسم الله فهو كاذب، والذي يطأ حراماً ويقول بسم الله فهو كاذب، فمعنى قولك باسم الله أي يارب لولا أنك حللت هذا الشراب ما شربت، ولولا أنك حللت هذا الطعام ما أكلت ولولا أنك حللت هذا الوطأ ما وطأت، فمن أكل حراماً ووطئ حراماً وقال باسم الله فهو كاذب، فهو لا يأكل باسم الله ولا يطأ باسم الله.
ثم حتى يجد الإنسان الخشوع في الصلاة لا بد أن يقرأ شيئاً من تفسير الفاتحة، فيعرف معنى الرحمن الرحيم، ولماذا يقول الحمد لله رب العالمين ولا يقول الشكر لله، وكذلك عليه أن يعرف معنى الأذكار التي يقولها.
رابعاً: على المصلي أن يخرج من الروتين أن لا يبقى يقرأ الآيات هي هي، فالناس اليوم يصلون عادة لا عبادة، إلا من رحم الله، فيدخل في الصلاة ويكبر ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة لا يغيرها، ويركع ويقوم ويسجد والأذكار هي هي، لا يتحول عنها ثم يقول: السلام عليكم.... فبعض الناس يذكر كل شيء في صلاته إلا الله، وهذه صلاة لا تنفع من حيث الثمرة بأن تجعل الإنسان وقافاً عند حدود الله، بعيداً عن المنكر، وكثير من الناس الذين يعملون الحرام لو يفقهون صلاتهم لما بقوا على الحرام، الذي هم عليه ،فأن يبقى ملابساً للحرام ومصلياً، هذا من الأشياء العجيبة جداً فالصلاة أصبحت تفعل صورة لا حقيقة فلا روح فيها، ولذا ما أثرت على حياة المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمن أسباب الخشوع في الصلاة أن تغير الأذكار فدعاء الاستفتاح كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أكثر من دعاء، فغير الصورة، واقرأ من محفوظك الجديد للقرآن وفي الركوع اقرأ أذكار أخرى غير سبحان ربي العظيم، كذلك القيام والسجود فهناك أذكار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى تخرج الصلاة عن العادة إلى العبادة وأن تبقى رابطاً بين قلبك وعقلك فتقرأ وتتدبر.
وقد قرر العلماء أن أثر تغيير الأذكار على القلب كأثر تغيير الطعام على البدن، فالبدن إن بقي يأكل ألذ المطعومات فمع الاستمرار لا يستلذ بها، وإن كانت لذيذة في نفسها، لذا كثير من الناس يقول: يا شيخ أول ما بدأت أصلي كنت أجد خشوعاً ثم زال هذا الخشوع. فما هو السبب؟ فالسبب أمران : الأول : أن الله ألقى في قلبك حب الصلاة، فوجدت هذه اللذة في قلبك وأنت ما حافظت عليها، والثاني: أن الصلاة عند بدئك بها لم تكن عادة عندك مألوفة، فألفتها على حال معين ،واستمر هذا المألوف عندك، ومع كثرة هذه الألفة زالت لذتها وزال طعمها، فوالله لولا أن الأرض والسماء من المألفوات ما بقي رجل كافراً، فلأنهما من المألفوات زالت الآية وما أصبح الإنسان يستشعر أن الأرض والسماء آية من آيات الله عز وجل الكونية.
خامساً: ألا يأكل إلا حلالاً، حتى يجد الثمرة واستجابة الصلاة والدعاء، فيفهم قوله: سمع الله لمن حمد، ربنا ولك الحمد ، فقررت أن الله يسمع ممن يحمد وقد حمدت فالله يسمع لك، فتخر ساجداً فتسأل والله يسمع ويستجيب.
سادساً: أنت تكون في أذل حال بين يدي الله فينبغي أن تستشعر هذه الذلة ولما سئل الإمام أحمد عن قبض اليمين على اليسار في الصلاة قال (ذل في مقام رفعة)،فأنت ذليل بين يدي الله تقبض يديك، وهذا موطن ذل لا يجوز إلا لله ،فاعرف هذا المعنى وحافظ عليه.
هذه بعض المعاني التي تعين على الخشوع في الصلاة، ويبقى الخشوع هبة من الله عز وجل، فأحياناً الإنسان يكون مشغولاً جداً فيشعر بالخشوع وأحياناً يكون فارغاً جداً ولا يجد الخشوع، فاسأل ربك دائماً أن يرزقك الخشوع في الصلاة.
والخشوع والسكينة التي يتحصل عليها المسلم في صلاته لذة وسعادة وملك، كما قال ابراهيم بن أدهم، وردده العز بن عبد السلام، قال (يعيش العباد في لذة عباداتهم لو يعلمها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف)، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الخشوع في الصلاة وأن يجعل الصلاة قرة أعيننا فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فبوقوفك في ركعتين بين يدي الله يزول كل هم وغم، ومن يقدر على هذا إلا من يجد الخشوع، رزقنا الله وإياكم الخشوع.

السؤال 287: لا يوجد مسجد في المنطقة التي أسكن فيها فهل يجوز أن أصلي في البيت؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر}، والعلماء يقولون ينبغي أن نحمل الحديث على ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أذن جهوري الصوت في وقت صحو من غير مكبرات الصوت فعلى كل من يسمعه يجب عليه التلبية، إلا المعذور، وما أكثر مساجد المسلمين اليوم، لكن من لم يسمع، فإن لبي بالسيارة فهذا أمر حسن، ومن وقع في شك فهذا أمر يعود للورع والتقوى، فكلما ازداد الورع كلما لبى الإنسان لاسيما أن الخطوات من أسباب رفع الدرجات، فبكل خطوة لمن توضأ وأحسن الوضوء ثم خرج ليقضي فريضة فبكل خطوة ترفع لك درجة وتكتب لك حسنة، ويمحى لك بها خطيئة كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أيهما أفضل البيت القريب من المسجد أم البيت البعيد عن المسجد؟ بلا شك؛ البيت القريب أفضل، وأيهما أحسن المشي من البيت البعيد عن المسجد أم من البيت القريب؟ المشي من البيت البعيد أفضل، لكن البيت القريب أفضل أفضل؛ فخير البيوت بيته صلى الله عليه وسلم، وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كن يسكن في حجرات بجانب مسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد على ثلاثة عشر امرأة ودخل بإحدى عشر امرأة، ومات عن تسع، وتسع من بيوت أزواجه كن بجانب المسجد، وبيتان فقط كانا بعيدين عن مسجده، صلى الله عليه وسلم، فلو كان بعد البيت أفضل، لكان هذا حال أغلب بيوت صلى الله عليه وسلم.
وربنا يقول: {إنا نكتب ما قدموا وأثارهم}، فقد ذكر ربنا أن يكتب كل شيء، وخص الآثار بالذكر، بمنزلته وأهميته. ومعنى قوله عز وجل: {وآثارهم}، الخطوات للمسجد ،ومن فضل الله علينا أن الله يكتب الخطوات في الذهاب والإياب كما ثبت عن أحمد وابن حبان بإسناد صحيح، من حديث عقبة بن عامر، وقصة بني سلمة معروفة لما أرادوا أن يقربوا من المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {بنوا سلمة دياركم تكتب أثاركم}، ولذا أورد ابن جرير هذا الحديث، عند تفسير قول الله تعالى: {إنا نكتب ما قدموا وآثارهم}، ففسر الآثار بهذا الحديث،وأحسن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فربنا خص الآثار بالذكر، لما لها من أجر، ولذا لا يزيد الإنسان في المشي إلى المسجد لكن لا تجب الجماعة إلا في حق من يسمع الآذان في وقت صحو، من مؤذن جهور الصوت، فهذا هو الواجب على كل من يسمع الأذان على هذه الحال، فإن لم يلبي يأثم، ويرتكب حراماً وصلاته صحيحة وتسقط من الذمة على أرجح الأقوال، والله أعلم...

السؤال 288: إذا ضاعت صلاة الجمعة علي، فماذا علي أن أفعل هل أصليها أربع مرات، سراً أم جهراً؟
الجواب: أما أن تصليها سراً أو جهراً أربع مرات، فالصواب ليس في السر ولا في الجهر، ولا في هذا التكرار، من أين جاء الأخ بأربع مرات؟ يصليها أربع ركعات ظهراً، كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ،عن أبي شيبة فيصبح حاله كحال من لا تجب الجمعة في حقه، لمرض أو مطر أو خوف أو امرأة فيصلي ظهراً، فمن فاتته الجمعة لعذر يصلي أربع ركعات ظهراً، والله أعلم...

السؤال 289: استعان بي أحد الأخوة لشراء سيارة فذهبت معه واشتريت له السيارة، وكانت نيتي خالصة لله، لكنه كافئني بهدية، واكتشفت فيما بعد عندما سألت أن هذه الهدية ستكلفني مبلغاً كبيراً من المال، لا أقدر عليه، فرددت عليه هديته، بعد مرور وقت، فهل علي حرج في ذلك؟
الجواب: هنا ثلاثة أمور؛ الأمر الأول: من أدب الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه} فأي رجل صنع لآخر معروف يستحب أن يكافأ وأخذ الهدية لا حرج فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {تهادوا تحابوا}،
والأمر الثاني: لا يجوز لمن يهدي أن يطمع في هدية أكبر منها، هذا أمر غير شرعي، وهذا تفسير قول الله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، أي لا تعطي عطية لغيرك تطلب أكثر منها، فإن أهداك رجل هدية فاقبلها، ولا حرج، لكن أن تظن أن هذه الهدية دين في ذمتك لا ليست هذه الهدية ديناً في ذمتك، فلا يجوز لمن يعطي الهدية أن يعطي بنية أن ترجع إليه بملابسات معينة يعرفها، أن ترجع أكثر منها، ومن الخرافات عند الناس، أن الهدية لا تهدى، هذا خطأ فالهدية تملك ملكاً شرعياً ويجوز لك أن تفعل بها ما تشاء، والأمر الثالث: أن الهدية عند العلماء من عقود الهبات، وليس من عقود المعاوضات، فيجوز للرجل أن يقبل الهدية، ويجوز أن يردها، وتقبل عند بعض أهل العلم بالإثابة، فإن أثيب المهدي فحينئذ لا يجوز له أن يرجع بها، وتقع الإثابة بأي دلالة من الدلالات العرفية، التي فيها القبول، فلو قال المهدي إليه للمهدي جزاك الله خيراً، أصبحت في حلاله ولا يجوز للمهدي أن يرجع فيها، ولو ابتسمت المرأة في وجه زوجها بعد أن أهداها فقد قبلت ولا يجوز للزوج أن يرجع في هديته أبداً، فبالإثابة يملك المهدي الهدية، فالهدية ليست واجبة، ما لم تثب.
ولا يجوز أن يرجع أحد في هديته إلا الوالد لولده ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، إلا الوالد لولده}، قال ابن قين وغيره: فهذا خاص بالوالد غير الوالدة، فالوالد له أن يعود، والوالدة ليس لها أن تعود، فغلب في هذا الحديث اللفظ على المعنى، لأن النبي قد خص الوالد، ولأن له فيه سبهة ملك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أنت ومالك لأبيك}، فإن عاد فهو يأخذ من ملك نفسه، والله تعالى أعلم...

السؤال 290: امرأة نذرت أن تصوم شهرين متتابعين ولم تستطع الصيام التتابعي، فماذا عليها؟
الجواب: أعجب من الناس، وعجبي لا ينتهي يوجبون على أنفسهم نذوراً لا يستطيعونها، فما الذي ألجأكم إلى هذه المضايق وكنتم في سعة من أمركم؟ النذر طاعة يوجبها العبد على نفسه، والمقرر في كتب القواعد أن هناك فروقاً بين النذر واليمين، فاليمين من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، فيستحب له أن يتحول عن يمينه ويكفر ،أما النذر فلا يجوز لمن وجد غيره خيراً منه أن يتحول إلى الذي هو خير، ويجب عليه أن يلتزم بالذي نذر، لأنه طاعة.
والنذر المشروط وهذه أغلب نذور الناس، فلا يستخرج إلا من البخيل ويجب على من نذر أن يفي بنذره، ومدح الله قوماً فقال: {يوفون بالنذر}، فيجب على من نذر أن يفي، ولا يجوز لمن نذر واستطاع أن يفي أن يتحول إلى غيره، خلافاً لليمين.
وينتقل الإنسان من النذر إلى كفارة اليمين، عند نذره بمعصية، أو عند نذره بشيء لا يقدر عليه، وقد نذرت امرأة أن تحج حاسرة الرأس، ونذر رجل أن يقف في الشمس ولا يقعد، فأمر صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة بأن يكفرا عن يمينهما وأما من نذر شيئاً يقدر عليه فعليه أن يفي به.

السؤال 291: ما هو حكم أكل القنفذ؟
الجواب: القنفذ حيوان معروف عند العرب، وكانوا يكنونه بأبي شوك؛ ويكنوه أيضاً أبو سفيان، الأنثى منه يطلقون عليها أم دلدل، وللعرب عجب كيف يكنون، وسمونه أيضاً العساعس لأنه لا يخرج إلا بالليل.
والقنفذ يأكل الأفاعي وإن لدغته الأفعى فيأكل الزعتر الأخضر ولا يضره سم الأفعى، فسبحان الله الذي قدر في هذا المخلوق أن يعرف هذه الأشياء، والقنفذ يحب العنب فيقطع قطوف العنب ويسقطها على الأرض، فيأكل حتى يشبع ثم يتمرغ بها، وما يعلق في شوكه منها يحمله إلى ولده، فسبحان الله!
وأصح الأقوال عند أهل العلم في أكله أنه حلال، وهذا مذهب الإمام الشافعي خلافاً لأبي حنيفة وأحمد فقد حرما القنفذ ،والتحريم ورد في حديث في أسانيده مجاهيل، أخرجه أبو داود في سننه بإسناده إلى ابن عمر، أنه سئل عن القنفذ فقرأ ابن عمر، قول الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير....}، الآية، فقال له شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن القنفذ، {خبيث من الخبائث}، فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله هذا فهو كما قال، وهذا الحديث ضعيف، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الإمام البيهقي وهو شافعي،وهو منصف رحمه الله، قال: لم يرو إلا من وجه واحد، وهو ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، فلم يثبت شيء في تحريم القنفذ.
لكن كيف يذكى القنفذ؟ القنفذ يوضع في الماء، ويسخن الماء قليلاً، فإن شعر بسخونة الماء مد رأسه فيذبح بعد مد رأسه.
ويذكرون عن دم القنفذ ولحم القنفذ أشياء عجيبة، يستخدمها كما يقول الأقدمون السحرة، ففيه خواص عجيبة، يقولون أن السيف إن غمس بدم القنفذ لا يقطع، وهذا على عهدتهم، وأنا لا أقرر إنما أنقل، فلا أريد أن أكون قاتلاً بالتسبب، والله أعلم...

السؤال 292: رجل اشترى من صاحب محل، فدفع المشتري قيمة البضاعة، وبقي للمشتري شيء، لعدم توافر الباقي مع البائع، فهل في هذا شيء؟
الجواب: لا يوجد شيء قطعاً، لكن الذهب والفضة فقط مثلاً بمثل، فإذا اشتريت ذهباً بمئتي دينار ومعك مئة وتسعون ديناراً، فلا يجوز لك أن تبقي عشرة دنانير، فلا يجوز أن يكون الذهب والفضة والنقود محل البيع والشراء بالذمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الذهب والفضة: {يداً بيد مثلاً بمثل}.
أما أن تشتري ديناً من التاجر أو يبقى لك عنده شيء، فتشتري منه قمحاً طحيناً تمراً زبيباً ملحاً، فهذا أمر مجمع على حله ولا شيء فيه، أما الصرف فيكون يداً بيد.
أما الأصناف الستة الواردة في الحديث: {الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، يداً بيد، مثلاً بمثل}، فبعض الطلاب يفهمون منه أنه لا يجوز استدانة البر أو الملح أو بقية الأصناف. فهذا فهم خاطئ، والمقصود أنه لا يجوز أن تأخذ وتدفع بر إلا يداً بيد، خبز جيد مع بر رديء، مثلاً بمثل، وكذلك بقية الأصناف، أما أن تستدين بر أو ملح أو شعير أو غيره، فلا حرج، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وهذا الإجماع ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم عند هذا الحديث ، والله أعلم...

السؤال 293: أحرمت بعمرة واشترطت، وبعد وصولي إلى الحرم وجدت ازدحاماً فلم أطف إلا في اليوم الثاني فهل علي شيء؟
الجواب: الاشتراط في الحج والعمرة حسن ،لاسيما في هذا الزمان، وفقهائنا الأقدمون الذين يجوزون الاشتراط يقولون: الاشتراط جائز عند الحاجة.
والاشتراط معناه أن تقول لما تلبي بالحج أو العمرة: اللهم محلي حيث حبستني، أي: محلي من إحرامي حيث منعتني يا رب من الإتمام، وذلك من مرض مفاجئ أو ما شابه.
والنبي صلى الله عليه وسلم علم أم هانئ لما أحرمت بالحج أن تشترط ،وكانت أم هانئ عمته صلى الله عليه وسلم،كانت امرأة بدينة، فخشي عليها أن لا تقدر بسبب المشقة على إتمام الحج.
واليوم الناس يحجون ويعتمرون بالسيارات، والسيارة معرضة في كل حين إلى حادث، فحسن بمن يركب هذه المركبة أن يشترط بحيث لو حصل حادث، وما استطاع إتمام الحج أو العمرة، فليلبس ملابسه وما عليه شيء.
أما إن لم يشترط فلا يجوز له أن يلبس ملابسه حتى يذبح هدياً، ويرسله إلى الكعبة، وهذا صعب جداً.
والسائل يقول: أحرمت واشترطت ولم أتمكن من الطواف، إلا في اليوم الثاني، فإن بقي على إحرامه فإنه لا يلزم الحاج أو المعتمر أن يطوف أول دخوله مكة، فممكن أن يذهب للفندق ويرتاح وينام، ثم يطوف، فإن بقي هذا السائل على إحرامه ولم يتحلل من الإحرام وهذا الظاهر من السؤال فلا شيء عليه، اشترط أم لم يشترط.

السؤال 294: تجارتي قائمة على البيع بالديون؛ فكلما قبضت الدين قبل أن يحول عليه الحول، قمت بشراء بضاعة خلال فترة قصيرة، وأبيعها، فيرجع المال ديناً في ذمة الآخرين، والمال يزيد، فكيف أخرج زكاة مالي؟
الجواب: الظاهر من سؤال الأخ أن النصاب عنده يبقى طوال العام، لأنه يزداد، والدين إن مضى عليه الحول، وقبضه صاحبه، وكان بجملته قد بلغ النصاب، يزكيه حال قبضه، فمن كان له دين وقبضه بعد عدة سنوات، فإنه يزكيه على أرجح الأقوال مرة، والمال الذي لا يسد لصاحبه فلا زكاة فيه، وإن أراد أن يجعله صاحبه ما لا يزكى كل عام فهذا أمر حسن، لكن ليس بواجب عليه.
وبالنسبة لعروض التجارة، فإن مذهب جماهير أهل العلم وهذا الذي أراه راجحاً أنها تقوم، ويدفع اثنين ونصف بالمئة منها، فإن كانت تجارتك في أشياء تناسب الفقراء كأن تكون في المطعومات أو الملبوسات فتزكي عروض التجارة من جنسها وأما إن كانت لا تصلح فلا بد من قيمتها، وذلك بعد أخذك للدين بعد مضي الحول عليه،وأما المال المكتسب أثناء الحول، فأرجح الأقوال أن له حكم الحول، والله أعلم...

السؤال 295: يقول البعض: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، ويقولون يا ميسر لا تعسر، ما الحكم فيها؟
الجواب: الواجب على العبد أن يكون مؤدباً مع ربه، ولا يجوز له ألا يعرف قدره، وقديماً قالوا: من عرف قدر نفسه عرف قدر ربه، ويعزى هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس بحديث، لكن معناه حسن.
والأصل في العبد أن يعرف معنى مناجاته ربه لما يقرأ في الفاتحة قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فنسب النعمة إليه فقال: {أنعمت}، ولم يقل غير الذين غضبت عليهم وإنما قال: {غير مغضوب}، والمغضوب على وزن مفعول ،وهو في العربية يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، فيحتاج نائب فاعل.
والله علمنا بما أخبر عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام، أن الشر ينسب إلينا، وأن الخير ينسب إلى ربنا، فقال الله على لسان ابراهيم: {وإذا مرضت فهو يشفين}، فنسب المرض لنفسه، ثم قال {فهو يشفين} وأيضاً هذا من مثل قوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً}.
وكثير من الناس قليل أدب مع ربه فيقول مثلاً؛ يا رب شو عملتلك، فهذه قلة أدب مع الله، والعبد يعلم أن الخير كله فيما قدر الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ،إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له}، فالمؤمن يعلم أنه عبد، وأن الله جل في علاه هو مالكه وهو سيده، ولا يجوز له أن يتعدى عليه، ولا يجوز له أن يخرج عن أدبه.
والناس هذه الأيام في مخاطبتهم، يكون الواحد فاجراً فاسقاً زانٍ كذاب، أو امرأة متبرجة متعطرة زانية، ثم يقال: السيد أو السيدة، والعياذ بالله، عاهرة ويقال عنها سيدة، سيدة ماذا؟! وفي شرعنا السيد هو الإنسان الرفيع، فيحرم في شرعنا أن يقال السيد إلا لمن كان له سيادة من علم أو ولاية أو نسب أو رفعة، فالناس مع البشر يرفعون الوضيع، أما مع الله فلا يتأدبون.
فليس من أدب العبد إن خاطب سيده أن يقول له: لا تعسر، لكن يقول: يارب إن أريد بي شر فارفعه عني، أو يسره لي، فالعبد ينبغي له أن يعرف قدره، ويعرف قدر سيده، ولا ينسب لسيده شيء فيه شر.
أما قولهم: الله ما رأوه، بالعقل عرفوه، فهذه أيضاً فيها قلة أدب، فمعنى هذه أنك تجعل عقلك يعرف ربك، معرفة تفصيلية، وهذا خطاً، فلا يستطيع العبد بعقله أن يعرف ربه المعرفة التامة التي فيها معرفة الأسماء والصفات، فالعقل يدرك أن الله حق فقط، أما صفات الرب عز وجل لا يعرفها العقل، وإنما تعرف من الشرع.
وأسوأ من هذه العبارات قول كثير من الناس على شيء يريد أن يؤكده للمخاطب فيقول: هذا مثل الله واحد، فيجعل الشيء المشكوك فيه والذي يقبل النزاع حقيقة كحقيقة أن الله واحد، وهذا أمر خطأ وليس فيه أدب مع الله عز وجل، والسعيد يتأدب مع الله عز وجل.
ولذا كان أفضل الدعاء أن تعترف بقصورك، وأن تعترف بأن الله عز وجل له نعم عليك، وأنك مقصر، فسيد الاستغفار: {اللهم أنت ربي خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}، فتعترف فيه بعبوديتك، ثم تعترف بقصورك ثم تتبرأ إلى الله من ذنوبك ،ثم تعترف أن لله نعمة عليك وبعد هذه المقدمات تقول: وأبوء بذنبي؛ أي أنا يا رب ما اجترأت عليك، وإنما عصيت لقصوري وضعفي، فاغفر لي فإن هذا الطلب لا يلجأ به لأحد إلا إليك، فهذه المعاني مهمة ينبغي أن يبقى العبد مستحضراً لها ذاكراً إياها، والله الهادي وهو المسدد والموفق.

السؤال 296: ما هي أرجح الأقوال في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة؟
الجواب: يوم الجمعة يوم فاضل، وهو سيد الأيام وأفضلها من أيام الأسبوع، وقد تاه عنه من قبلنا، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وبقي الجمعة سالماً لنا، لكن أعمال التزكية فيه هي روحه، وقد ابتعد المسلمون عنه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أتباع المتأخرين سنن من كان قبلهم، ومن باب الاتباع سنن من كان قبلنا ألا نتفرغ يوم الجمعة للطاعة والعبادة ولا إلى ما يحب الله ويرضى.
والجمعة له مزايا وخصائص، ومن مزاياه أن فيه ساعة استجابة، والناظر في كلام أهل العلم في ساعة الاستجابة يجد اختلافاً كثيراً بينهم فيها وفي تحديدها مع القول بأن هذه الساعة موجودة، وليست بمرفوعة وستبقى إلى يوم الدين.
وهذه الساعة تشبه في نظائرها تحديد ليلة القدر وتحديد اسم الله الأعظم، فهذه الأمور الثلاثة لم يقع قطع في تحديدها، وأنا أقول: هذه بمثابة القنابل الموقوتة التي بقيت في نوع فيه خفاء.
لكن أرجح الأقوال في هذه الساعة بعد إثباتها قولان، فثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: {فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه}، وذكر الصلاة هنا من باب التمثيل، فقد يكون في دعاء وقراءة قرآن وذكر.
وتحديدها على القولين، فإما إنها من جلوس الإمام على المنبر إلى انقضاء الصلاة وورد في ذلك حديث عند مسلم في صحيحه، فأخرج مسلم بسنده إلى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة)) قال أبو بردة: قلت نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {هي بين ما يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة}، وهذا الحديث هو من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه، وقد أعل بالانقطاع، ولكن مخرمة له عن أبيه كتاب، فهو صحيح وهو وجادة، والوجادة حجة يعمل بها.
والقول الثاني، وهو قول جماهير أهل العلم، أن هذه الساعة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، فكأن الوقت مستغرق في العبادة وتلاوة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذكر، فيكون ذلك بين يدي أن يرفع الإنسان يديه بالدعاء لذا فالذي يريد أن يظفر بهذه الساعة ينبغي أن يكون وقته مملوءاً، وهذا إشارة من قوله صلى الله عليه وسلم: {وهو قائم يصلي}، فهو يوم صلاة وتزكية وعبادة وطاعة.
ويدلل على أنها الساعة الأخيرة ما أخرجه أبو داود في سننه (برقم 1044) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يوم الجمعة ثنتا عشرة –يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر}، وأخرج سعيد بن منصور في سننه بإسناده إلى أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال: {إن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذاكروا في ساعة الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة}.
ولا يبعد أن يقال: إن ساعة الجمعة دوارة بين هذين، تارة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وتارة تكون من جلوس الإمام حتى تنقضي الصلاة، وفي هذه ذكرى، والمحروم من حرم هذه المواسم، وحرم بركتها وفضلها وخيرها، فكم من إنسان أصابته السعادة في الدنيا قبل الآخرة، بسبب التقصد بالدعاء في وقت فاضل، وكم من إنسان حرم السعادة بسبب غفلته عن هذه المواسم، نسأل الله أن يجعلنا من السعداء وأن يجنبنا الشقاء، وأن يجعلنا من المقبولين عنده إن شاء الله.

السؤال 297: ما هو حكم أكل الأفاعي؟
الجواب: الأفعى حرام عند جماهير أهل العلم، لضررها ولنابها وللسم الذي فيها، وحرم غير واحد من العلماء الترياق الذي يصنع منها، فلحمها حرام تناوله في جميع الصور.
ويعزى الحل لمالك ،والإمام مالك أكثر من توسع في تحليل المطعومات وهذا الحل ليس بثابت عنه، وإن قال به بعض من ينتسب إلى مذهبه.
والراجح في لحوم الأفاعي والحيات أنها حرام وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، فكانت تقتل وتترك، فلو كانت حلالاً لكان تركها من باب إضاعة المال، وهناك قاعدة عند الشافعية وهي: كل ما يؤمر بقتله فيحرم أكله، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الدابة التي يفعل فيها الفاحشة، فإن كانت مأكولة اللحم فتذبح ولا تؤكل، فهي قاعدة أغلبية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات في الحل والحرم. وسماهه الفويسقة وقال: ما سالمناهن منذ حاربناهن، فأمر بقتل الأفاعي إلا حيات البيوت، فإنها تنذر ثلاثاً كما ورد في الحديث، وبعضهم حمل ذلك على المدينة فحسب لأنه قال: إنها مسكونة والراجح أنها عامة، إلا ذوات الخطين فهذه تقتل على أي حال؛ لضررها البالغ، والله أعلم..

السؤال 298: هل صح أن علامات الساعة إصابة الناس بالسمنة؟
الجواب: إفاضة المال وكثرته من علامات الساعة، فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعوف بن مالك الأشجعي، وكان متكئاً تحت قبة من أدم، فقال: يا عوف؛ {أعدد ستاً بين يدي الساعة....}، فذكر الستة وذكر من بينها فقال: {وأن يعطى الرجل مئة دينار ويظل ساخطاً}، أما السمنة فقد ثبت ذكرها في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم}، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرنين الثالث أم لا، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن بعدكم قوماً يقولون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن}.
فالسمنة من علامات الساعة، وهي في الرجل دلالة على الترفه والتنعم وعدم إعمال للبدن.
وليس كل علامات الساعة حرام، فمن علامات الساعة مانحبه، كفتح بيت المقدس والقسطنطينية، والجامع بين علامات الساعة أنها أشياء لم تكن ولم تعهد في زمن الصحابة، فمنها الشيء المحمود ومنها الشيء المذموم.
ومن اللطائف أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (ما رأيت في سمين خيراً قط إلا في محمد بن الحسن) فقد كان محمد بن الحسن سميناً وكان فطناً، فالسمن يظهر في آخر الزمان على حال لم يكن معروفاً في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..

السؤال 299: ما صحة حديث: {ما خاب من استخار، وما ندم من استشار}، فهل هذا حديث، وما حكمه؟
الجواب: هذا الحديث وجدته عند الطبراني في المعجم الصغير، بزيادة في آخره: {ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار، وما اقتصد من عال}، وصحابيه أنس بن مالك رضي الله عنه، وفي إسناده عبدالقدوس بن حبيب وهو كذاب، ورواه عنه ابن عبدالسلام وتفرد به عنه، واتهمه ابن حبان بالوضع، فهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن المقولة حسنة، وهي حكمة، فالاستخارة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وكذلك المشورة، فأن يستخير الإنسان ويستشير أمر محمود، لكن رفع هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرام ولا يجوز.

السؤال 300: ما رأيكم في تفسير الكشاف للقرآن الكريم؟
الجواب: الكشاف صاحبه الزمخشري، المتوفى في القرن السادس سنة 538؛ وكتابه من حيث الدقائق اللغوية والنكات البيانية والبلاغية في الذروة.
لكن أقلق العلماء وأزعجهم لمشرب صاحبه العقدي فهو معتزلي جلد، ولذا قال الإمام البلقيني شيخ الحافظ ابن حجر، قال: استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش، فمثلاً يقول في تفسير الله عز وجل: {ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}، يقول: أي فوز أعظم من دخول الجنة، وفي كلامه هذا إشارة إلى نفي الرؤيا، فإنه يوجد فوز أعظم من دخول الجنة، وهو أن يرى المؤمنون ربهم.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله، في كتابه: "مقدمة في أصول التفسير" في أثناء كلامه عن تفاسير المعتزلة: من هؤلاء من يكون حسن العبادة يدس البدع في كلامه دساً، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة، كثير من تفاسيرهم الباطلة.
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الزمخشري في "ميزان الاعتدال" قال: صالح لكنه داعية إلى الاعتزال، أجارنا الله فكن حذراً من كشافه.
وقال السيوطي في كتابه "التحذير": وممن لا يقبل تفسيره المبتدع خصوصاً الزمخشري في كشافه فقد أكثر فيه من إخراج الآيات عن وجهها إلى معتقده الفاسد بحيث يسرق الإنسان من حيث لا يشعر، وأساء فيه الأدب على سيد المرسلين في مواضع عديدة، فضلاً عن الصحابة وأهل السنة.
ألف كتاباً سماه "الالتفات عن إطراء الكشاف" ذكر فيه أنه عقد التوبة من إطرائه وتاب إلى الله فلا يقرأه ولا ينظر فيه أبداً لما حواه من الإساءة المذكورة.
وقال: قال ابن السبكي: وقد استشارني بعض أهل المدينة النبوية أن يشتري منه نسخة ويحملها إلى المدينة فأشرت عليه بألا يفعل، حياءاً من النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينقل إلى بلد هو فيها كتاب فيه ما يتعلق بجنابه، وقال: على أنه آية في بيان أنواع البلاغة والإعجاز، لولا ما شابه من الاعتزال.
فالعلماء اعتنوا بكتابه وعندي مخطوط للسمين الحلبي فيه رد على اعتزاليات الزمخشري في الكشاف، وألف ابن المنير الإسكندراني كتاباً سماه "الإنصاف في بيان اعتزاليات الكشاف" وهو مطبوع بذيله.
وكتاب الكشاف حوى أحاديث موضوعة لاسيما الأحاديث الواردة في فضائل السور، فاعتنى العلماء بتخريجه، وأوسع تخريجات أحاديث الكشاف تخريج الزيلعي، وهو مطبوع في أربع مجلدات، واختصره ابن حجر في "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف".
فالكشاف فيه عقدتان سيئتان ، الاعتزال والأحاديث الضعيفة والموضوعة، وللعلماء جهود مشكورة في تصويب هذين العيبين، وقد اعتنى باعتزاليته جمع، وللأسف لم يطبع إلا تعقبات ابن المنير، وهنالك عشرات الكتب بينت اعتزاليات الكشاف ما زالت مخطوطات محفوظة في مكتبات العالم.
وممن اعتنى به وهذبه ورتبه وزاد عليه وتعقبه بنفس قوي أبو حيان في "البحر المحيط" فالذي يقرأ"البحر المحيط"يستطيع أن يستخرج مجلدين أو ثلاثة في تعقب الزمخشري، وفي بيان اعتزاليته في الكشاف.
وممن أكثر من النقل منه النسفي في تفسيره، وحذف اعتزاليته، ولكن النسفي أشعري العقيدة، هذا ما عندي بالنسبة للكشاف، والله أعلم ...
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس