عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 04-02-2010, 02:23 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي كيف يُرَدّ على مَن يقول : إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود

وسئل فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى - :

" هناك من يقول : إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحّته، وضرب مثالاً لذلك بحديث : (إن الميّت ليُعَذبُ ببكاءِ أهْلِهِ عليه) [صحيح الجامع 1970].

واحتجّ بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله - عزّ وجلّ - : ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَة ٌ وِزْرَ أخْرى [فاطر18]. فكيف يُرَدّ على مَن يقول ذلك ؟ ".

فأجاب فضيلته - رحمه الله تعالى - : [ رَدّ ُهذا الحديث هو من مشاكل رَدّ السنة بالقرآن، وهو يدلّ على انحراف ذلك الخطّ .

أما الجواب عن هذا الحديث - وأخُصّ به من تَمَسّكَ بحديث عائشة - فهوَ :

أوّلا : من الناحية الحديثية : فإن هذا الحديث لا سبيل لرَدّه من الناحية الحديثية لسببين اثنين :

الأول : أنه قد جاء بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.

الثاني : أن ابن عمر لم يتفرّد به، بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب، وهو وابنه لم يتفرّدا به، فقد تابعهما المغيرة بن شعبة، وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات عن هؤلاء الصحابة الثلاثة في "الصحيحين".

أمّا لو أن الباحث بحثَ بحثاً خاصّاً في هذا الحديث فسيجد له طرقا أخرى، وهذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تُردّ بمُجرّد دعوى التعارض مع القرآن الكريم.

ثانياً : من الناحية التفسيرية : فإنّ هذا الحديث فسّرَهُ العلماء بوجهين اثنين :

الوجه الأول : أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميّت الذي كان يعلم في قيدِ حياتِهِ أنّ أهله بعدَ موْتِهِ سَيَرتكبون مخالفات شرعية، ثمّ لمْ ينصحهم، ولم يوصِهم أن لا يبكوا عليه، لأن هذا البكاء يكون سبباً لتعذيب الميت.

و"ال" التعريف في لفظ " الميت" هنا ليست للإستغراق والشمول، أي ليس الحديث بمعنى أن كل ميت يُعَذبُ ببكاء أهله عليه، وإنما "ال" هنا للعهد، أي : الميت الذي لا يَنصح بألا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع، فهذا الذي يعذّبُ ببكاء أهله عليه.

أمّا من قام بواجب النصيحة، وواجب الوصية الشرعية بألاّ ينوحوا عليه، وألاّ يأتوا بالمنكرات التي ُتفعل خاصّة في هذا الزمان، فإنه لا يُعَذب. وإذا لم ينصَح عُذب.

هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسيرالأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين، كالنووي وغيره، وإذا عرفنا هذا التفصيل، وضح ألاّ تعارُضَ بين هذا الحديث وبين قوله - تعالى - : {وَلا تَزِرُ وازِرَة ٌ وِزْرَ أخْرى} [الأنعام 164] .

إنما يظهرالتعارُض فيما لو فُهِمَ أن " ال" في لفظ " الميّت" إنما هي للإستغراق والشمول، أي كل ميت يُعذب، حينئذ يُشْكِلِ الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة، أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه ، فلا تعارُضَ ولا إشكال، لأن الذي يُعذبُُ إنما يُعَذبُ بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصيّة، هذا هو الوجه الأول مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض المُدّعى.

أما الوجه الثاني : فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بعض مصنفاته أن العذاب هنا ليس عذابا في القبر، أو في الآخرة، وإنما هو التألم وبمعنى الحزن، أي أن الميت إذا سمع بكاء أهله عليه، أسفَ وحَزن لحُزنِهِم هُمْ عليه.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا لو صحّ لاستأصل شأفة الشبهة.

لكني أقول : إن هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلاّ أن نعتمد على التفسير الأول للحديث :

الحقيقة الأولى : أن في حديث المغيرة بن شعبة الذي أشرتُ إليه آنفاً تبيّن أن العذاب ليس بمعنى التألّم، وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر، أي عذاب في النار، إلا أن يَعفوَ الله - تبارك وتعالى – كما هو صريح قوله – عزّ وجلّ - : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [ النساء 48].

ففي رواية : المغيرة قال : (إن الميّت ليعذّبُ ببكاء أهله عليه يوم القيامة) فهذا صحيح بأن الميّتَ يُعَذبُ بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة، وليس في القبر، وهو الذي فسّره ابن تيمية بالألم والحُزن.

الحقيقة الأخرى : هي أن الميّت إذا مات لا يحسّ بشيء يجري من حوله، سواء كان هذا الشيئ خيراً أم شر، - كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنة - اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث، إما كقاعدة لكل ميت ، أو لبعض الأموات حيث أسمعهم الله - عزّ وجلّ - بعض الشيئ الذي يتألمون به.

فمن الأول : الحديث الذي رواه البخاري في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان ...) (صحيح) انظر [صحيح الجامع : 1675].

ففي هذا الحديث الصحيح إثباتُ سَمعٍ خاصٍ للميتِ في وقتِ دفنه، وحين ينصرفُ الناس عنه ، أي في الوقت الذي يُجلسه الملكان أعيدت الروح إليه، فهو في هذه الحالة يَسمعُ قرعَ النعال، فلا يَعني الحديث بَداهَة أنّ هذا الميت وكلّ الأموات تُعادُ إليهم أرواحهم، وأنهم يَظلون يَسمَعون قرعَ نعال المارّة بين القبور إلى يوم يبعثون ! لا.

إنما هو وضعٌ خاصٌ وسماع خاصٌّ من الميت، لأنه أعيدت روحه إليه، وحينئذٍ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية وسّعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله، سواء عند نعشه قبل دفنه، أو بعد وضعه في قبره، ومعنى ذلك : أنه يَسمَع بكاء الأحياء عليه، وهذا يحتاج إلى نص، وهوَ مفقود، هذا أولاً.

وثانياً : بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدُلّ على أن الموتى لا يسمعون، وهذا بحث طويل، ولكني سأذكر حديثاً واحداً وأنهي الجواب عن هذا السؤال، وهوَ قوْلُ النبي- صلى الله عليه وسلم - : (إن لله - تعالى - ملائكة سياحين في الأرض يُبلغوني عن أمتي السلام) (صحيح) انظر : [صحيح الجامع : 2174]. ‌

وقوله " سيّاحين " : أي : طوّافينَ على المجالس، فكلما صَلى مسلمٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهناك مَلك مُوَكّل ٌيوصلُ هذا السلامَ مِن ذاك المُسلم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فلو كان الأموات يَسمَعون، لكان أحقّ هؤلاء الأموات أن يسمع هو نبينا - صلى الله عليه وسلم – ، ثُمّ لو كان النبي- صلى الله عليه وسلم – يسمع شيئاً بعدَ موْته، لَسَمِعَ صلاة أمّتِهِ عليه.

ومن هنا تفهمون خطأ - بل ضلال – الذين يستغيثون ليس بالنبي - صلى الله عليه وسلم – بل وبمَن دونَه، سواء كانوا رُسُلا أو أنبياءَ أو صالحين، لأنهم لو استغاثوا بالرسول – عليه الصلاة والسلام – لما سمعهم، كما هُوَ صريح القرآن : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف194].

و {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [ فاطر 14].

إذا فالموتى مِن بَعْدِ مَوتِهم لا يَسمعون ، إلا ما جاء النصّ في قضية خاصّة – كما ذكرتُ آنفا – من سماع الميتِ قرع النعال ، وبهذا ينتهي الجواب على السؤال] [انتهى كلامه - رحمه الله تعالى وجعل الفردوس العلى مأواه -].


انظر كتاب : [ كيف يجب علينا أن نُفَسّر القرآن الكريم؟ . ص 11 - 17].


يتبع إن شاء الله – تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس