عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-14-2017, 11:43 AM
محمد أحمد عينب فارح أفيري محمد أحمد عينب فارح أفيري غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
الدولة: شرق إفريقيا
المشاركات: 96
افتراضي المنهج المقترح في طلب علم المصطلح

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإنَّ علم الحديث النبوي علم ذو مكانة عالية ودرجة رفيعة لانتسابه لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقواعده اللتي وضعها العلماء-رضوان الله عليهم-يُميّز ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يصح عنه ولذلك كان هذا العلم عند عناية علماء الإسلام،قال الحافظ زين الدين العراقي:"فعلم الحديث خطير وقعه كبيرٌ نفعُه عليه مدار أكثرِ الأحكامِ وبه يعرف الحلال والحرام ولأهله اصطلاحٌ لا بُدَّ للطَّالب من فهمه فلهذا نُدِب إلى تقديم العناية بكتابٍ في علمه"(1) وفي هذه الورقة سنقوم بتسليط الضوء على المنهجية اللتي يجب اتباعها في طلبه وتحصيله سائلين الله التوفيق والسداد والإعانة.
اعلم أخي أن لكل علم منهجاً يجب السير عليه في تحصيله وطلبه والترقي في مدارج سُلّمه(2)حتى يحصل لطالبه النبوغ والبروز فيه،وكان علمائنا الأوائل يعقدون الحلقات في الجوامع والمساجد وفق أسس ومنهجية متقنة محكمة يمشي عليها الطالب فكانوا يبدؤون بالمختصرات وكانت هذه المختصرات مقسمة لمراحل ومراتب؛فمختصراتٌ للمبتدئين وأخرى للمتوسطين والمنتهين لا ينتقل الطالب من مختصر لآخر إلاّ بعد إتقان الأوّل بالضبط والفهم ثم الانتقال للمطولات للمطالعة والاستفادة الزائدة والخوض في ميدان النقد والاستدراك والتعقيب بعد أن عاش الطالب مع المختصرات سنين طويلة وأعواما مديدة بالحفظ والفهم والتدرب وهكذا في سلسلة علمية درج عليها العلماء كابرا عن كابر (3) ومن أراد شواهد ذلك ودلائله فليرجع لتراجم النبلاء من العلماء وسِيَرَهم يجد-إن شاء الله-ما يروي غليله وينفث روح الهمة في قلبه.

لا بُد أولاً وقبل كل شيء من تصحيح النية لله وتحصيل الإخلاص في طلب العلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة"(4).
وهنا قبل البدأ أريد أشير إلى أن المنهجية المتبعة في طلب هذا الفن قد تختلف من شخص لآخر في تقديم بعض المختصرات أو تأخيرها أو حذفها أو زيادتها فالأمر راجع إلى كل شخص وتجاربه واختياره ولذلك فالأمر فيه سعة ومرونة.
-البداية تكون من منظومة البيقونية حفظا وفهما لكونها سهلة سلسة في ألفاظها وجُملها ولاشتمالها على أهم مصطلحات هذا الفن ورموزه ولِترَبُّعها على عرش الكتب المشهورة الشهرةَ الواسعة والمخدومة الخدمةَ الجليلة فما أشهرها وما أكثر شروحها المكتوبة والمسموعة وهذا القبول المنقطع النظير يدل على إخلاص ناظمها-رحمه الله-
أما ناظم هذه المنظومة فلم يَحظ َبترجمة وافية حيث لم تتجاوز ترجمته الأسطر القليلة، فكل ما يُعرف عنه أنه كان حياًّ قبل 1080عام من الهجرة(5) وأن اسمه طه بن محمد بن فتوح البيقوني.
أفضل شرح لهذا المنظومة هو شرح الشيخ المحدث أبي الحسن مصطفى ابن اسماعيل السليماني المأربي المسمى بالجواهر السليمانية بشرح المنظومة البيقونية ولكون هذا الشرح موسعاًّ شاملاً يُستحسن الاستماع إلى بعض شروحاتها الصوتية المختصرة كشرح الشيخ عبد الكريم الخضير المسجل في ثلاثة أشرطة.
-ثم يثنّي الطالب بمتن نخبة الفكر للحافظ الكبير إمام هذا الفن ابن حجر العسقلاني فهو مختصر شيّقٌ رتبّه الحافظ ترتيبا دراسياًّ بديعا فيه تقريبُ مسائل هذا الفن للطالب وتسهيلها عليه وتقريبها له.
وأفضل شرح معاصر لهذا المختصر هو شرح الشيخ عبد الكريم الخضير المسمى بتحقيق الرغبة في توضيح النخبة.
-ثم يدرس الطالب شرح الحافظ العسقلاني الذي وضعه على النخبة المسمى بنزهة النظر(6) في توضيح نخبة الفكر.
-ثم ينتقل الطالب لكتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير مع شرح الشيخ المحدث أحمد شاكر(7).
-ثم ييدرس الطالب متن الموقظة للحافظ الذهبي ويستعين بشرحها الصوتي الموسّع للشيخ حاتم العوني وقد فُرغت الأشرطة وطبع الشرح في كتاب.
-ثم تأتي مرحلة الانتقال المباشر لمقدمة ابن صلاح ويقرأ معها نكت العراقي "التقييد والإيضاح لما أُغلق وأطلق من كتاب ابن صلاح" ونكت الحافظ العسقلاني"الإفصاح بتكميل النكت على ابن صلاح" وكلها طبعت بعناية الشيخ المحدث طارق عوض الله.
-ثم يحفظ الطالب ألفية السيوطي أو العراقي ليكون حافظا لمباحث وأبواب هذا الفن عن ظهر القلب ويطلع على فتح المغيث للسخاوي وتدريب الراوي للسيوطي ومعرفة علوم الحديث للحاكم وشرح التبصرة والتذكرة للحافظ العراقي وشرح علل الترمذي(8) والكفاية والجامع لآداب الشيخ والسامع كلاهما للخطيب البغدادي ويقرأ مقدمات كتب "التمهيد" لابن عبد البر و"الإرشاد" للخليلي و"تحفة الأحوذي" للمباركفوري وييعتني بمقدمة صحيح الإمام مسلم ويطلع على رسالة الإمام داؤود إلى أهل مكة في وصف سننه.
-أما كتب العلل فيبدأ الطالب بكتاب التمييز للإمام مسلم ثم شرح العلل لابن رجب ويستعين بالشروحات الصوتية لهذين الكتابين وهي كثيرة.
ثم ينتقل لكتاب بيان الوهم والإيهام لابن القطان فهو كتاب عملي تطبيقي من الطراز الرفيع ويُدمن النظر في علل الدارقطني والعلل لابن أبي حاتم والإلزامات والتتبع للدارقطني والتاريخ الكبير للبخاري
ثم يقرأ ما تيسر له من الأبحاث المعاصرة في هذا الفن ككتاب الجامع في العلل والفوائد للشيخ ماهر الفحل وكتاب ردع الجاني المعتدي للشيخ طارق عوض الله وأحاديث معلة ظاهرها الصحة للشيخ مقبل.

-أما علم التخريج فيبدأ بكتاب أصول التخريج ودراسة الأسانيد للدكتور محمود الطحان حتى يكون ملمّاً بالفن نظرياًّ ويقرأ معه تيسير تخريج الأحاديث للمبدئيين للشيخ عمرو عبد المنعم سليم.
ثم ينتقل لكتاب التأصيل لأصول التخريج...للشيخ بكر أبو زيد ثم يمعن النظر في سلاسل الشيخ الألباني وكتبه في التخريج كالإرواء وغيره.
ثم يقرأ كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي والتلخيص الحبير للحافظ ابن حجر وتخريج كتاب الإحياء للعراقي وتخريج أحاديث الكشاف لابن حجر وكذا للزيلعي ولا ينسى كتاب ابن الملقن الموسوعي البدر المنير.
-أما كتب الجرح والتعديل فيبدأ الطالب بكتاب أصول الجرح والتعديل للشيخ الدكتور نور الدين العتر.
ثم ينتقل لكتاب إتحاف النبيل بأسئلة علوم الحديث والعلل والجرح والتعديل ويقرأ معه كتاب شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل كلاهما للشيخ المحدث أبي الحسن المأربي ثم يقرأ كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي ثم يطلع على الكتب المفردة للثقات كمعرفة الثقات للعجلي والثقات لابن حبان وكذلك يقرأ الكتب المصنفة في الضعفاء كالضعفاء للعقيلي والمجروحين لابن حبان والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي وميزان الاعتدال للذهبي ولسان الميزان للعسقلاني.
ويقرأ الكتب الشاملة على الضعفاء وعلى الثقات مثل الطبقات الكبرى لابن سعد والتاريخ الكبير للبخاري والجرح والتعديل لابن أبي حاتم وتهذيب التهذيب والتقريب كلاهما للعسقلاني.
ثم يديم النظر في كتب الحديث وأولها كتب الصحاح كالصحيحين وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ويلازم قراءة كتب السنن الأربعة والسنن للدارمي والسنن للدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي ومسند الإمام أحمد وموطأ مالك والمصنف لابن أبي شيبة والمصنف لعبد الرزاق مع كل الكتب اللتي اعتنت بهذه الدواوين كالشروحات ويهتم بكتب غريب الحديث ككتاب النهاية في غريب الحديث لابن الأثير وغريب الحديث للهروي ومشارق الأنوار للقاضي عياض والتهيد لابن عبد البر وطرح الثريب للعراقي.
ثم تأتي مرحلة التدريس والتأليف والاشتغال بهذا العلم والكتابة فيه ويُستحسن أن يبدأ الكتابة لنفسه وألّا ينشرها إلّا بعد أن يشعر بأن الغالب على أبحاثه واجتهاداته موافقة الأوائل من أرباب هذا الشأن مما هو علامة على تأهله وتمكّنه.
قال الحافظ ابن صلاح رحمه الله:" وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك وتأهل له فإنه كما قال الخطيب الحافظ يثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويجيد البيان ويكشف الملتبس ويكسب جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر وقل ما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوائده إلا من فعل ذلك "(9).
هذا ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا لطلب العلم وأن يلهمنا الرشد والصواب وأن يرزقنا الإخلاص إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
كتبه/محمد أحمد عينب


الهوامش:
(1) شرح ألفية العراقي للمؤلف.
(2) فبالتدرج والمرحلية يكون الإتقان.
(3)وفي ظل النظام الأكاديمي المعاصر انقلبت الأمور عكسا على عقب وهُوجٍرت هذه الطريقة العلمية المباركة في إخراج الجيل العلمي المتمكن واستُبدلت الكتب والمتون بورقات منهجية أكاديمية لا تُسمن ولا تُغني من جوع وإنا لله وإليه راجعون.
تنبيه:يوجد من الأكادميين من جمعوا بين الطريقتين فحازوا الشرفين وهؤلاء لا عتب عليهم إنما العتب على من اقتصر على الطريقة الأكاديمية.
(4) رواه أبوا داؤود بإسناد صحيح.
(5)معجم المؤلفين 1لرضا كحالة 18/2.
(6) وأفضل طبعات النزهة في حدود علمي هي اللتي اعتنى بها الشيخ علي الحلبي.
(7) وأحسن طبعاته الطبعة اللتي بعناية الشيخ الحلبي وعليها تعليقات للشيخ الألباني.
(8) وشرح العلل لابن رجب وإن كان موضوعه علل الحديث ففيه كثير من مسائل المصطلح ومباحثه وأصول وقواعد علم الحديث، وابن رجب من فرسان هذا الميدان وأئمته رحمة الله عليه.
(9) مقدمة ابن صلاح.
رد مع اقتباس