فوائد من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب رياض الصالحين(15)
فوائد المجلد الخامس :
1 ـ عن عثمان بن عفان قال : ( رأيت رسول الله توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : من توضأ هكذا غفر له ماتقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ) رواه مسلم .
في هذا الحديث قال : ( وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة )
يعني : زائداً على مغفرة الذنوب ، وليس معنى نافلة يعني صلاة تطوع ، قد تكون صلاة فريضة ، ولكن نافلة : يعني شيئاً زائداً على مغفرة الذنوب ، لأن ذنوبه غفرت بوضوئه وصلاته الأولى ، فيكون مشيه للمسجد وصلاته ولو فريضة نافلة أي زيادة على مغفرة الذنوب ، لأن النفل في اللغة معناه الزيادة ، كما قال الله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) . ص 13 .
2 ـ الأذان من أفضل الأعمال ، وهو أفضل من الإمامة ، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام ، لأن المؤذن يعلن لتعظيم الله وتوحيده والشهادة للرسول بالرسالة وكذلك أيضاً يدعو الناس إلى الصلاة وإلى الفلاح في اليوم خمس مرات ، والإمام لا يحصل منه ذلك ، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ، ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة .
فإن قال قائل : إذا كان كذلك لماذا لم يكن الرسول يؤذن ولا الخلفاء الراشدون ؟
أجاب العلماء عن هذا بأن النبي والخلفاء الراشدين كانوا مشغولين بمصالح العباد لأنهم أئمة وخلفاء يدبرون أمور الأمة ، والأذان في عهد الرسول ليس كالأذان في وقتنا ، الآن إذا أراد الإنسان أن يؤذن ليس عليه سوى أن ينظر إلى الساعة ويعرف الوقت حل أو لم يحل ، لكن في عهد الرسول يراقبون الشمس ويتابعون الظل حتى يعرفوا أن الشمس قد زالت ، وكذلك أيضاً يراقبونها حتى يعرفوا أنها قد غربت ثم يراقبون الشفق ، ثم يراقبون الفجر ، ففيه صعوبة ، صعوبة عظيمة ، لذلك كان النبي والخلفاء الراشدون لا يتولون الأذان لا لأن فضله أقل من الإمامة ، ولكن لأنهم مشغولون بما هم فيه عن الأذان .
وقد بين النبي فضيلته بأن الناس ( لو يعلمون مافي النداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا ) .
سبحان الله العظيم فمعنى هذا أن الناس لو يعلمون ما في الأذان من فضل وأجر لكانوا يقترعون أيهم الذي يؤذن بينما الناس الآن مع الأسف يتدافعونه . ص29 ـ 30 .
3 ـ إذا فرغ المؤذن من الأذان فإنك تصلى على النبي ثم تقول : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداًّ الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد )
هذا الحد يث رواه البخاري إلى قوله :( الذي وعدته ) لكن قد صحت الزيادة ( إنك لا تخلف المعياد ) فينبغي أن يقولها الإنسان لأنها صحيحة ولأن هذا دعاء المؤمنين : ( ربنا وءاتنا ماوعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) . ص40 ـ41 .
4 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) .
أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء والفجر لأن المنافقين يصلون رياءً وسمعة ، وصلاة العشاء والفجر ظلمة لا يشاهدون فيها يأتون إليها كرهاً ، لكن يأتون إلى الظهر والعصر والمغرب لأن الناس يشاهدونهم ، فهم يراءون الناس ، ولا يذكرون الله إلا قليلاً ، والعشاء والفجر ما فيهما مراءاة لأنها ظلمة وفي عهد النبي لم تكن توجد أنوار ولا كهرباء ولا سرج فلا يشاهدهم أحد فيكون حضورهم العشاء والفجر ثقيلاً عليهم لفوات المراءاة ، هذا من وجه ، ومن وجه آخر أن صلاة العشاء والفجر وقت الراحة والنوم . 83 .
5 ـ تأمل قول الله في الملائكة : ( يسبحون الليل والنهار ) ولم يقل : يسبحون في الليل والنهار ، لأنهم يستوعبون الوقت كله في التسبيح ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون . ص106 .
6 ـ مراصة الصفوف في الصلاة ليس المراد بها المراصة التي تشوش على الآخرين ، يعني يرصه حتى يتعبه ويؤذيه ، فإن هذا لايجوز ، وإنما المراد منها ألا يكون بينك وبينه فرجه ، هذه هي المراصة ، أما المراصة التي يحصل بها أذية وتشويش على أخيك الذي عندك فليست مطلوبة . ص 107 .
7 ـ قال عليه الصلاة والسلام : ( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) .
هذا مالم يكن النساء في مكان خاص لهن ، فإذا كن في مكان خاص لهن فإن خير صفوفهن أولها ، لأنه أقرب من الإمام ولا محذور فيه ، لأنهن بعيدات من الرجال فلا محذور في ذلك . ص111 .
8 ـ أحب أن أنبه على خصلة بدأ الناس يفعلونها وليست معروفة من قبل ، ألا وهي أن الإنسان من حين أن يسلم يتقدم على إخوانه ويستدبرهم ، وهذا مما أخشى أن يكون داخلاً في النهي الذي قال فيه الرسول : ( ولاتدابروا ) وقد شكى إلي بعض الناس هذه الحال فقال : إنهم يصلون إلى جنبنا ثم يستدبروننا ويعطوننا ظهورهم ، لماذا وليس هناك حاجة ؟
فلو كان ذلك في درس وأراد أن يسمع كلام المتكلم فلا بأس ، أما إذا قال : أنا أستضيق مثلاًً ، فهذا نقول له : قم وابعد عن الصف حتى لاتكون مستدبراً لصحبك ، اذهب إلى القبلة أو إلى خلف الصفوف حتى لا تستدبر إخوانك المسلمين . ص111 ـ 112 .
9 ـ إذا كان للصلاة سنتان قبلها وبعدها وفاتت المصلي الأولى فإنه يبدأ أولاً بالبعدية ثم بالقضاء .
مثال ذلك : دخل والإمام يصلى الظهر وهو لم يصل راتبة الظهر ، فإذا انتهت الصلاة يصلي أولاً الركعتين اللتين بعد الصلاة ثم يقضى الأربع التي قبلها . ص122 .
10 ـ ليعلم أن للوتر صفات :
الصفة الأولى : أن يوتر بواحدة فقط وهذا جائز ، ولا يكره الوتر بها .
الصفة الثانية : أن يوتر بثلاث وله الخيار إن شاء سلم من الركعتين ، ثم أتى بالثالثة ، وإن شاء سردهما سرداً بتشهد واحد .
الصفة الثالثة : أن يوتر بخمس ، فيسردها سرداً ، لا يتشهد إلا في آخرها .
الصفة الرابعة : أن يوتر بسبع ، فيسردها سرداً لا يتشهد إلا في آخرها .
الصفة الخامسة : أن يوتر بتسع ، فيسردها سرداً لكن يتشهد بعد الثامنة ، ولا يسلم ، ثم يصلى التاسعة ويسلم .
الصفة السادسة : أن يوتر بإحدى عشرة فيسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة . ص149 .
11 ـ عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله . رواه مسلم .
ولم تحدد ، وأما قول من قال : إن أكثرها ثمان ففيه نظر ، لأن حديث أم هانئ في فتح مكة : أن الرسول صلى ثمان ركعات ، لايدل على أن هذا هو أعلاه ، فإن هذا وقع اتفاقاً ، وما يقع اتفاقاً ليس فيه دليل على الحصر .
وعلى هذا نقول : أقلها ركعتان ، ولا حد لأكثرها ، صل ماشئت . ص153 .
12 ـ الجنة التي أهبط منها آدم ، اختلف فيها هل هي جنة المأوى ، أو أنها جنة بستان عظيم على ربوة طيبة الهواء كثيرة الماء ؟
الصواب أنها جنة الخلد . ص165 .
13 ـ عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر )
هذه الساعات تختلف في طولها وقصرها بحسب اختلاف الأيام ، ففي أيام الصيف يطول النهار فتطول الساعات ، وفي أيام الشتاء يقصر النهار فتقصر الساعات ، والمهم أن تقسم ما بين طلوع الشمس إلى حضور الإمام إلى خمسة أقسام ، قد تكون الساعة عرفية كالساعات التي معنا ، وقد تكون أطول أو أقصر ، فالساعة الأولى هي الخمس الأول والثانية هي الخمس الثاني وهلم جرا . والله الموفق . ص172 .
14 ـ عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) متفق عليه .
ولهذا يستحب أن الإنسان يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ، لأن النبي أمر بذلك ، ولأنه هو نفسه يفعل ذلك ، يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ، ولأن ذلك أسرع في حل عقد الشيطان ، فبمجرد أن يصلي ركعتين تنحل العقد . ص196 .
15 ـ عن عائشة أن رسول الله كان يصلي إحدى عشرة ركعة ـ تعني في الليل ـ يسجد السجدة من ذلك قدر مايقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة . رواه البخاري .
من فوائد هذا الحديث أن إمام المسجد لا يخرج من بيته إلا للإقامة ، يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة ، فيخرج إلى المسجد ويصلي ، هذا هو الأفضل ، أفضل من أن يتقدم الإمام ويصلي بالمسجد ، أما غير الإمام فينتظر الإمام ، والإمام ينتظره غيره ، فلذلك كان الأفضل في حقه أن يتأخر إلى قرب إقامة الصلاة .
وإن كان في تقدمه مصلحة ، مثل أن يكون تقدمه يشجع المصلين فيتقدمون ، ولو تأخر لكسلوا ، فهذا ينظر للمصلحة .ص207 .
16 ـ قال رسول الله ( إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله تعالى بخير إلا أعطاه إياه )
وهذه الساعة غير معلومة بعينها ، يعني : الله أعلم . لكن الرسول أخبرنا بهذا من أجل أن نجتهد ، وأن نتحرى قدر الله عزوجل ونعمته بقبول الدعاء ، وهذه الساعة كساعة يوم الجمعة مبهمة ، وإن كانت ساعة يوم الجمعة أرجى ما يكون إذا حضر الإمام ـ يعني الخطيب ـ إلى أن تقضى الصلاة . 212 ـ213 .
17 ـ أود أن أنبه على مسألة وهي أن بعض الناس قد يولد مختوناً ليس له كلفة .
تجد الحشفة بارزة ظاهرة من حين أن يولد ، وشاهدنا ذلك بأعيننا ، فهذا لا يختن ، مابقي شيء يختن من أجله . 230 .
18 ـ حكى لي بعض الصلحاء أن رجلاً كان يمنع أهله من الصدقة من البيت يقول : لاتصدقوا ، وفي يوم من الأيام نام ورأى في المنام كأن الساعة قد قامت ، ورأى فوق رأسه ظلاً يظله من الشمس إلا أن فيه ثلاثة خروق يقول : فجاءت تمرات فسدت هذه الخروق ، فتعجب ما هذه الرؤيا ؟ ! ، كيف أن الثوب مخرق وتجيء التمرات تسد الخروق ، فلما قصها على زوجته ، أخبرته بأنها تصدقت بثوب وثلاث تمرات ، فكان الكساء الأول هو الثوب ، لكنه مخرق وجاءت التمرات الثلاث فسدت الخروق ، ففرح بذلك ، وأذن لها بعد هذا أن تتصدق بما شاءت ، فالحاصل أن هذه الرؤيا مصداق قول الرسول : ( كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ) . ص239 .
19 ـ يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي )
والمعنى : أن الصيام يختصه الله من بين سائر الأعمال لأنه أي الصيام أعظم العبادات إخلاصاً ، فإنه سر بين الإنسان وبين ربه ، لأن الإنسان لا يُعلم إذا كان صائماً أو مفطراً ، هو مع الناس يذهب ويأتي ، ويخرج ويدخل ولا يُعلم به ، نيته باطنة ، فلذلك كان أعظم إخلاصاً ، فاختصه الله يوم القيامة من بين سائر الأعمال .
وقال بعض العلماء :
معناه : إذا كان الله يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد ، فإنه يؤخذ للعباد من حسناته إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء ، لأنه لله عزوجل وليس للإنسان ، وهذا معنى جيد ، أن الصيام يتوفر أجره لصاحبه ولا يؤخذ منه لمظالم الخلق شيء . ص266 .
20 ـ من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، يعني هذا الباب خاص يسمى باب الريان ، والريان يعني الذي يروي لأن الصائمين يعطشون ولا سيما في أيام الصيف الطويلة الحارة فيجازون بتسمية هذا الباب بما يختص بهم . ص271
__________________
قال الحسن البصري
إن النفس أمارة بالسوء ، فإن عصتْك في الطاعة فاعصها أنت في المعصية .
|