دورة تدريس علوم الحديث
الحلقة (5)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
شبهة حول الإمام المحدث الزهري:
أثار بعض المستشرقين شبهةً حول تدوين السنة، فقالوا : المؤرخون المسلمون يقولون إن السنة لم تدون إلا في عهد الحافظ محمد بن مسلم الزهري وبين الزهري ومحمد -عليه الصلاة والسلام- أكثر من مائة عام ، فكيف تكون السنة محفوظة والزهري لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- ؟!
والجواب : أنها شبهة داحضة من عدة جهات :
االجهة الأول : أن روايات الزهري كانت سماعاً بواسطة مشايخه التابعين عن الصحابة بالأسانيد المحفوظة ، ولم يرو عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، كما روى عن تابع التابعين ومنهم بعض تلامذته عن التابعين عن الصحابة، وروى عن بعض الصحابة مباشرة لكونه ادرك بعضهم كأنس وسهل وهذا قليل.
الثانية : أن بعض الصحابة كما تقدم في الحلقة الرابعة كانوا يكتبون، ومنهم من يحفظ ، فينقل عنهم التابعيون كتابة أو مشافهة ، وعن التابعين أو تابعيهم أخذ الزهري وغيره، كما روى عن بعض الصحابة مباشرة لكونه ادرك بعضهم كأنس وسهل كما تقدم.
الثالثة : أن الزهري إنما روى بعض مسموعاته ولم يرو أحاديث السنة كلها ، فهناك الكثير من الروايات الصحيحة التي هي عن غير الزهري.
الرابعة : أن الكتاب الذي قيل إن الزهري جمعه مفقود ، ولو كان محفوظاً لما كان هو السنة دون غيره من الأحاديث باتفاق المحدثين.
وهذا يعني أن السنة حفظها أئمة كثيرون ، وتناقلوها كتابةً ومشافهةً بأسانيد متصلة ، وأن الزهري إمام من أولئك الأئمة ، جمع ما وقف عليه من المرويات ولم يجمع سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها ولم يتفوه بذلك إمام معتبر ، فبئس ما قال المستشرقون.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:
«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».
وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
|