عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-17-2018, 03:28 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي العلماء مع الأمراء

العلماء مع الأمراء
(ضمن سلسلة مفاهيم يجب أن تصحح)
الحلقة (6)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

العلماء في هذا الباب على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : عالم نصوح للسلطان بحكمة ولين من غير فتنة، لا يخاف إلا رب العالمين، يتنزه عن أبواب السلاطين إلا للنصيحة، فهذا عالم عامل تقي، جمع بين العلم والعمل، وهو ممن قال الله فيه وفي أمثاله : " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا".

سواء كان هذا العالم يعمل في الحكومة السلطانية أو لا يعمل، فليس كل من عمل مع السلطان افتتن، فقد تولى نبي الله يوسف منصب عزيز مصر، وقال لمليكها – وهو كافر على الراجح-:(اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حِفِيظٌ عَلِيم)، وقد عمل بعض العلماء الربانيين لدى بعض سلاطين عصرهم كالعلامة الشوكاني والعز بن عبد السلام واسماعيل بن علية وغيرهم.

بل لو خالط الوظيفة الحكومية أثناء عمله شيء من المخالفات الشرعية فله أن يبقى في عمله متى ترجحت المصلحة على المفسدة، وقد نصت القاعدة الفقهية على أنه لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما، وأيضا أن الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما"، مع أني لا أحبذ لنفسي أن أكون موظفاً لدى السلطان حتى ولو كان صالحاً عادلاً.

القسم الثاني : عالم مفتون يجاري السلطان لأجل عرضٍ من الدنيا قليل، ويبحث له عن مخارج في كل زلة يرتكبها، ويفتي بما يوافق هوى السلطان، فهذا عالم لا يخاف الله رب العالمين، وليس بعالم عامل ولا تقي، ولا يُعد ممن جمع بين العلم والعمل، لأنه يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، وهو ممن قال الله فيه وفي أمثاله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ".

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يُجاء بالرَّجُل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أَقْتَابُه، فيدور بها كما يدور الحمار برَحاه، فيجتمع أهل النار عليه؛ فيقولون: أي فلان، ما شأنُك؟ أليس كنتَ تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

القسم الثالث : داعية واشي، يتقرب إلى السلطان ويقوم بدور الاستخبارات في أوساط إخوانه الدعاة وطلاب العلم، فينقل للسلطان أو من ينوبه أخباراً لأجل يضر من يختلف معهم في الرأي، فهذا لا يوصف بعالم، ولكنه داعية ضعيف الايمان، عميل نمام، يظلم اخوانه المسلمين بغير حق، حيث وثق به السلطان فاستغل هذه الثقة لأجل أن ينتقم من غيره أو لأجل أن يظهر اخلاصه للسلطان على حساب اخوانه، وهذا الصنف ينطبق في حقه الأدلة السالفة الذكر في القسم الثاني " المتقدم".

أخرج مسلم في صحيحه مسلم عن همام بن الحارث قال: " كنا جلوسا مع حذيفة في المسجد، فجاء رجل حتى جلس إلينا، فقيل لحذيفة : إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قتات"، والقتات هو النمام.

وقد رأينا بعض هؤلاء لدى بعض السلاطين وهم يقولون له : فلان وفلان – تحريضاً للسلطان على المخالف-، وبعضهم ربما حرض السلطان من خلال مذياع أو صحافة أو قناة، أو تقرير جائر يرسله لبعض الجهات الأمنية أو الاستخباراتية، وهذه من طوام بعض فضلاء العصر التي غفل عنها بعضهم، وقد كان سلفنا يحذرون من إتيان أبواب السلاطين إلا في مواطن لا بد منها: كالإنكار عليه بالحكمة، أو توجيهه أو نصحه، أو مشاورته في قضايا مصيرية، ونحوها من الأمور التي تهم البلاد والعباد، يقوم بذلك العلماء والدعاة الورعون وغيرهم من الأعيان ونحوهم من أهل الحل والعقد، والذين منهم صنف القسم الأول المذكور أعلاه.

وقد ذكرت هذه الأقسام الثلاثة في مواضع متفرقة من كتابي " الوثيقة المهمة لإصلاح ما بين فضلاء الأمة" طبعة دار اللؤلؤة ببيروت، عام 1436هـ - 2015م، وكذلك ضمن سلسلة : " دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس