عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-13-2011, 01:49 PM
أبو محمد رشيد الجزائري أبو محمد رشيد الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القبة - الجزائر
المشاركات: 419
افتراضي

بارك الله فيك أخي الفاضل على تعقيبك المشجع
وهذه إجابة وافية إن شاء الله للشيخ أبي يزيد المدني - حفظه الله - :
-----------------------------------------------
السؤال : عن أنس قال‏:‏ ‏(‏شهدت بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تدفن وهو جالس على القبر فرأيت عيناه تدمعان فقال‏:‏ هل فيكم أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة‏:‏ أنا قال‏:‏ فانزل في قبرها فنزل في قبرها‏)‏‏.‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏ ولأحمد عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رقية لما ماتت قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله فلم يدخل عثمان بن عفان القبر‏)‏‏.‏
بارك الله فيكم
هل هذا الحديث يدل على جواز تقديم الرجال الأجانب في دفن المرأة على الأقارب؟؟؟
و هل يستدل به على حرمة من عاشر زوجته تلك الليلة أن يدخل القبر؟؟؟
جزاكم الله خيرا و أحسن إليكم


الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه, وبعد:
اعلم أخي الحبيب أنّ هذا الحديث, وهذه الواقعة مما أشكل على كثير من أهل العلم توجيهه, وحصل لأجل ذلك لبس عند أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم. ولعلي أوجز لك ما يدفع هذا الإشكال, ويوضح الحقّ بدليله, والله المستعان وعليه التكلان.

أولاً: اتفق أهل العلم على أنّ الرجل أحق بتولي الدفن من المرأة مطلقاً, حتى ولو كان المقبور امرأة.
والدليل على ذلك, حديث أنس الوارد في السؤال, وفيه: "شهدنا بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فقال: منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة رضي الله عنه أنا ، قال : فانزل ، فنزل في قبرها" (رواه البخاري).
قال النووي في " المجموع " (5 / 289): "هذا الحديث من الأحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتلوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة، قال: ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من صالحي الحاضرين، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فلعله كان له عذر في نزول قبرها، وكذا زوجها، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن".
ووجه الحكمة من ذلك:
هو ما ذكره الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/253), قال: "الأولى أن يتولى الدفن الرجال، لأنه يحتاج إلى بطش وقوة. وكان الرجال أحق، وأولاهم بذلك أولاهم بالصلاة عليه، لأنهم أرفق به".
فإن قيل: كيف يمسّ الرجل الأجنبي المرأة ؟
أجاب عن ذلك الإمام الشوكاني رحمه الله بقوله: "لا يدخل أحدا من النساء القبر ولا يخرجهن إلا الرجال ولو كانوا أجانب, لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها , فكذا بعد موتها".

ثانياً: زوج المرأة وأولياؤها أحقّ بدفنها.
لعموم قوله تعالى: { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. ولقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "ما ضرّك لو مت قبلي فغسّلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" (رواه أحمد وابن ماجه, وحسنه الألباني).
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع (5/253): "وإن كانت امرأة - أي المقبور- فزوجها أحق بدفنها لأنه أحق بغسلها، فإن لم يكن لها زوج فالأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ ، ثم ابن الأخ ، ثم العم ، فإن لم يكن لها ذو رحم محرم ولها مملوك كان المملوك أولى من ابن العم ، لأنه كالمحرم ، والخصيّ أولى من الفحل، وإن لم يكن مملوك فابن العم ثم أهل الدين من المسلمين".
وقال الإمام ابن قدامة في المغني: "لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها, وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها‏,‏ ولها السفر معه".

ثالثاً: هل الجنابة مانعة من تولّي دفن المرأة؟.

أ- ما المقصود بالمقارفة الورادة في الحديث:

1- ظاهر الحديث يدلّ على أنّ المراد بالمقارفة ههنا: "الجماع".
بدليل رواية الإمام أحمد, وفيها: "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله".
قال ابن حزم في المحلى (5/145): "المقارفة الوطء لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما".

2- ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ المراد بالمقارفة ههنا: "أي الذنب". وقد مال إلى هذا التأويل الإمامان: ابن المبارك, والبخاري رحمهما الله.
قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية في غريب الأثر (4/45): "... قال فليح نقلا عن ابن المبارك عنه، وتبعهما سريج: أظنه يعني الذنب. وقد ألمح البخاري إلى تأييد هذا المعنى بتعليقه عليه بقوله: ليقترفوا: أي ليكتسبوا".
وعللوا ذلك بأنّه يستبعد أن يكون عثمان جامع في تلك الليلة التي حدث فيها موت زوجته لحرصه
على مراعاة الخاطر الشريف.
ولكن هذا التأويل مردود من وجوه:
1- أجيب عن استبعادهم لجماع عثمان رضي الله عنه تلك الليلة؛ باحتمال أن يكون مرض المرأة
طال واحتاج عثمان إلى الوقاع, ولم يكن يظن موتها تلك الليلة.
وحكى عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان؛ أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة؛ فتلطف صلى اللَّه عليه وسلم في منعه في النزول قبر زوجته بغير تصريح‏.‏

2- أنه لو أراد الذنب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار المهاجرين أحق بذلك.

3- أن يكون أبو طلحة قد مدح نفسه بهذا ولم يكن ذلك من خصالهم.
(انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي3/296).

والحكمة من منع الجنب تولي دفن المرأة:
ما ذكره الإمام الشوكاني رحمه الله بقوله: "وعلل بعضهم تقديم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة".

ب- هل يستدلّ بالحديث على أنّ الجنابة مانعة من تولّي دفن المرأة؟.
من الغرائب أن عامة كتب الفقه لم تتعرض لهذه المسألة، لا نفيا ولا إثباتاً -كما ذكر الألباني- وهذا ما جعل العلامة ابن باز رحمه الله ينحى إلى أنها قضية عين؛ لا يستنبط منها حكم شرعي عام للأمة.
ويؤيد اختيار العلامة ابن باز رحمه الله؛ أنه جاءت الكثير من الأحاديث في باب دفن الميّت.. ولم تنقل أنه عليه الصلاة والسلام كان يسألُ أصحابه هذا السؤال.
فغاية ما يدلّ عليه الحديث أنّ من لم يجامع أهله أولى في تولّي الدفن, ولا يستنبط من ذلك حكم شرعي (أي تحريم أوكراهة تولي الجنب دفن المرأة)

والله تعالى أعلم

كتبه وحرّره أبو يزيد المدني

رابط الموضوع :
http://www.tbessa.net/t6352-topic

---------------------------------------------------
قال ابن بطال في شرحه للبخاري :
" وذهب العلماء إلى أن زوج المرأة أولى بإلحادها من الأب والولد، ولا خلاف بينهم أنه يجوز للفاضل غير الولى أن يلحد المرأة إذا عدم الولى، ولما كان النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولم يجز لأحد التقدم بين يديه فى شىء لقوله تعالى: {لا تقدموا بين يدى الله ورسوله} [الحجرات: 1] لم يكن لعثمان أن يتقدم بين يدى رسول الله فى إلحاد زوجته.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « هل فيكم أحد لم يقارف أهله الليلة؟ » فيحتمل أن يستدل على معناه بقوله فى حديث المسندى: « فلم يدخل عثمان القبر » ودل سكوت عثمان وتركه المشاحة فى إلحاد أهله أنه قد كان قارف تلك الليلة بعض خدمه، لأنه لو لم يقارف لقال: أنا لم أقارف فأتولى إلحاد أهلى، بل كان يحتسب خدمته فى ذلك من أزكى أعماله عند الله، وكان أولى من أبى طلحة لو ساواه فى ترك المقارفة.
فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يمنعه إلحادها حين لم يمنعه حزنه بموت ابنة رسول الله، وانقطاع صهره منه، عن المقارفة تلك الليلة على طراوة حزنه وحادث مصابه لمن لا عوض منها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى » . رواه عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبو رافع، والمسور، كلهم عن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، ذكرها كلها الطبرى.
فعاقبه - صلى الله عليه وسلم - بأن حرمه هذه الفضيلة، وكان عثمان كثير الخدم والمال، وفيه فضل عثمان وإيثاره الصدق حتى لم يدع تلك الليلة ترك المقارفة، وإن كان عليه بعض الغضاضة فى إلحاد غيره لزوجته.
" أهـ
وقال العصامي في سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي :
" قال السهيلي في شرح سيرة ابن هشام: ما الحكمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ابنته أم كلثوم: أيكم لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة: أنا، وقد كان عثمان أحق بذلك من؛ لأنه كان بعلها؟
قال ابن بطال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها، وقد كان أحق الناس بذلك لأنه كان بعلها وفقد منهم علقا لا عوض له؛ لأنه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم أيكم لم يقارف الليلة أهله سكت عثمان ولم يقل أنا؛ لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلم عن المقارفة؛ فحرم بذلك ما كان حقا له، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معنى الحديث، ولعله عليه الصلاة والسلام قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا؛ لأنه فعل فعلا حلالا، غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح
" أهـ
قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري :
" ويقال إن عثمان في تلك الليلة باشر جارية له فعلم رسول الله بذلك فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة المحتضرة بها وهي أم كلثوم زوجته بنت الرسول فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة عليه فكنى به عنه " أهـ

ويؤيد أيضا اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله أنها قضية عين ، قضية أخرى مشابهة وهي ما رواه البخاري أن عليا بن أبي طالب - رضي الله عنه - خطب ابنة أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا " إني لست أحرم حلالا ، ولا أحل حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا " فدل أن هذا خاص بفاطمة رضي الله عنها .
قَالَ اِبْن التِّين : " أَصَحّ مَا تُحْمَل عَلَيْهِ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَجْمَع بَيْن اِبْنَته وَبَيْن اِبْنَة أَبِي جَهْل ؛ لأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيه ، وَأَذِيَّته حَرَام بِالاتِّفَاقِ " أهـ .

والله أعلم
رد مع اقتباس