عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-22-2012, 05:02 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي وقفات بعد رمضان

وقفات بعد رمضان

فهنيئًا لمن اتعظ بما في هذه الحياة الدنيا من حِكَمٍ بالغةٍ وأسرار، فسارع إلى صالح الأعمال وسابق إلى الخيرات، وبادر إلى التوبة وأقلع عن المعاصي وانتهاك الحرمات، قبل حلول الأجل وفوات الأوان، وليحمد الله – تعالى – على نعمة الهداية، وليسأل الله الثبات.

وأما من وجد فتورَ هِمــــّـــةٍ أو تقصيرٍ في طاعةٍ فعليه بالمثبتات. وأولها:

1. الإخلاص لله - تعالى - إذ أنه الشرط الأول لقبول العمل، فلا رياء ولا سمعة في قول أو عمل، قال الله – تعالى -: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [سورة البينة: 5].

فمن صام وقام لله - تعالى حقا، وتلا خالصًا لله - تعالى -، واجتهد في مجاهدة نفسه صدقا، فليحمد الله - تعالى - على توفيقه، وليسأله - سبحانه - القبول والثبات على ذلك، وإن من علاماته أن ترى العبد أحسن حالا وأكثر إقبالا مما مضى. فبالشكر تدوم النعم، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [سورة إبراهيم 7].

وقد كان هَمُّ سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - قبول العمل أكثر من العمل نفسه، فشمّروا عن ساعد الجدِّ في رمضان، وسارعوا في الخيرات، وتقلبوا ما بين صيام وقيام، وصلة أرحام، وبكاء وخشوع وخضوع، وصدقات وأذكار واستغفار، ومَضَوْا على ذلك بعده؛ ومع ذلك كانت قلوبهم وجله، قلوبهم خائفة ... !! لا يدرون هل قُبِل صيامهم وقيامهم، هل قُبلت أعمالهم أم لم تقُبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله - تعالى - أم شابها شائبة من رياء أو عُجب أو غرور فيما قدموه من عبادات وقربات ! ويخشون أن ترد عليهم. ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [سورة المؤمنون 60].

فعن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت :سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟. قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات) (صحيح) انظر : [جامع الترمذي 5/ 327 رقم 3175].

سبحان الله !! يسارعون في الخيرات وقلوبهم وجلة أن لا تقبل منهم؛ فأين نحن منهم ؟؟ ألحقنا الله - تعالى - وإياكم بهم وجعلنا على إثرهم.

يعلم المؤمنون أنهم مهما قدموا من عمل فهم في شكر ما امتن الله - تبارك وتعالى - به عليهم من نعمٍ وفي حقه عليهم مقصرون، وأن الرزق مقسوم؛ والأجل معلوم؛ وأن الاشتِغال بهذه الحياة الدُّنيا الفانيةِ يُفرِّق الشَّمل ويُورِثُ الهُموم؛ ولا يزيد من الرِّزق شيئًا؛ فزهدوا بها وأعراضوا عنها؛ وعملوا لدار القرار والنعيم المقيم؛ الدار الآخِرة؛ فكانت قصدهم وأهمّ ما يشغلهم؛ واستغنوْا بالله جلَّ شأنه - عن الناس وقنعوا بما في يده؛ فأغناهم بفضله ومنــِّــهِ وكرمه؛ وأتتهم الدنيا راغمــــة؛ همّهُم الأول كان رضا الله - جلّ في علاه -؛ وكيف يلقوْنَه وهو عنهم راضٍ؛ ليفوزوا بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.
فعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت همه الآخرة، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره،وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له) (صحيح) رواه (ابن ماجه). انظر: [صحيح الجامع 6516].


يُتبع - إن شاء الله تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس