عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 08-02-2010, 04:42 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

[الحَلْقة السَّادسة]



إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:

فأيُّها الإخوة المُشاهِدون! وأيتُها الأخَوات المُشاهِدات! السَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه:

هذا لقاء آخر -مِن لقاءاتِ الخير والعِلم والتَّفقُّه في الدِّين-، وهو لقاءٌ نتواصَلُ فيه مع ذِكرِ أحكام هذا الشَّهر المبارَك -شهر رَمضان الكريم-.
ذكرنا فَضائِل الصِّيام -عامَّة-، وفَضائِل شهر رَمضان -خاصَّة-، وذكرنا فَضائِل صيام رَمضان بشكل عام.

ونذكُر -اليَومَ- ما يتعلَّق بابتداءِ أحكام هذا الشَّهر، وأوَّل حُكمٍ يُطالِعنا:
هو حُكم مُراقبة هِلال رَمضان، وذلِك لا يكون إلا بأحدِ شيئَين: رؤية الهلال، أو إكمال عدَّة شعبان ثلاثين يومًا.

فعن أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وسلَّم-: «صُومُوا لِرُؤيَتِهِ» لرؤيةِ الهلال -وهو هلال رَمضان- «وأفْطِرُوا لرُؤيَتِه» وهو هلال شَوَّال، بعد رَمضان يأتي شوال، واليَوم الأوَّل مِن شوال: هو عيد الفِطر، «فإن غُمَّ عليكم» يعني: إذا لم يتَّضح الهلالُ ولم تَرَوه، ولم يَظهر للرَّائي؛ «فأكمِلوا شعبانَ ثلاثين».

تبدأ المراقبة في اليَوم التَّاسع والعشرين الذي تكون صبيحتُه (ثلاثين)، فإما أن يكون هذا اليَوم (التَّاسع والعشرين) هو آخر يوم، وإما أن يكونَ آخرُ يومٍ هو المتمِّم للثَّلاثين، فإذا رُؤي -في تِلكُم اللَّيلة-؛ فحِينئذٍ يكون اليَوم التَّالي -بعد اليَوم التَّاسع والعشرين- هو الأول مِن [رمضان].

فإذا لم نرَ -سواء كانت هذه الرُّؤيَة لعائق بصَري، أو لغُبار، أو لِغُيوم-؛ فإننا نتمِّم شعبانَ ثلاثين؛ ليكون اليَوم التَّالي مباشرة هو الأوَّل من شَهر رَمضان.

وما قلناه في شعبان ورَمضان هو نفسُه الذي نقولُه في رَمضان وشوَّال -سواءً بِسواء-.

ننظر في يوم التَّاسع [والعِشرين] في اللَّيل، اليَوم التَّالي: إمَّا أن يكون المتمِّم للثَّلاثين -إذا حيل بيننا وبين رؤية الهلال-، أو أن يكونَ هو أول أيَّام العِيد -كما كان ذاك أوَّل أيَّام الصِّيام-.

وهذا يُبيِّنه حديث عبد الله بن عمر -رضيَ اللهُ عنهُما- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لا تصُومُوا حتَّى تَرَوا الهلالَ» الرِّوايَة الأولى: «صُومُوا لرُؤيةِ الهِلال»، هذه الرِّوايَة: «لا تصُومُوا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفطِروا حتى تَرَوهُ، فإن غُمَّ عليكم؛ فاقدُرُوا له» «فإن غُمَّ عليكم»: لم يظهر، مُنعت الرُّؤيَة لسبب أو آخَر؛ فحينئذٍ نقول: «فاقدُرُوا له»؛ يعني: تتمِّمون، ثم تصومون؛ ليكون شهرُكم ثلاثين يومًا، ويكون اليَوم التَّالي هو أوَّل أيَّام الشَّهر الجديد.

وعن عَدي بن حاتِم -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسلَّم-: «إذا جاء رَمضان فصُومُوا ثلاثِين؛ إلا أن تَرَوا الهلالَ قبلَ ذلِك» إذا رأيتم الهلال قبلَ ذلِك كم يكون الصِّيام؟ تسعًا وعِشرين.
إذًا: الشَّهر كما قَالَ النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «الشَّهر هكذا» ورفع يَديه ثلاثَ مرَّات، أو «هكذا» مرَّة، اثنتين، ثلاث؛ لكن قبَضَ أحدَ أصابعه.
فشُهور السَّنةِ القَمريَّة: إمَّا أن تكون تسعةً وعشـرين يومًا، أو أن تكونَ ثلاثين يومًا؛ وإلا حينئذٍ: لا يوجد ثمانية وعشرون يومًا، أو واحد وثلاثون يومًا، هذا قد يوجد في السَّنة الشَّمسيَّة، أما في السَّنة القَمريَّة؛ فهذا لا يكون.
هُنالِك بعض النَّاس؛ ماذا يفعلون؟ يصومون اليَوم الأخير يوم التَّاسع والعشـرين؛ بزعم الاحتياط!! يقولون: هذا يوم قد يوجد غلط في الرُّؤيَة . . قد يوجد غلط في الحساب! فنحن نصوم هذا اليَوم؛ حتى -يعني- نحتاط! وحتى نرتاح!

اسمعوا ماذا روى الصَّحابَة عن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-في ذلِك-: عن صِلةَ بن زُفَر: عن عمَّار بن ياسر -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «مَن صامَ اليَوم الذي يُشَكُّ فيه؛ فقد عَصَى أبا القاسِم» (يومُ الشَّك): هو اليَوم السَّابق لأوَّل أيَّام رَمضان، يصَومه الصَّائم؛ زعمًا أنه يحتاط لدِينه! وهذا مَنهي عنهُ صراحةً -كما تقدَّم في الحَديثِ-.

النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- عندما قَالَ: «صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفْطِرُوا لرُؤيَتِه، وانسُكُوا لها» أي: يكون يوم عيدِ الأضحى كذلِك -سواء بسَواء-في شهر ذي الحجة-، قَالَ: «فَإِن غُمَّ عَليكُم؛ فأكمِلوا ثلاثين، فإن شَهدَ شاهِدانِ؛ فصُومُوا وأفْطِرُوا».

إذًا: الشَّهادَة تكون بشَاهِدَين، هذا هو الأصْل؛ لكن: ورَدَ عن ابنِ عُمَر -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُما- أنه قَالَ: (تَراءَى النَّاسُ الهلالَ) يعني: راقَبوه وترصَّدوه، (فأخبرتُ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أني رأيتُه؛ فصامَهُ وأمَرَ النَّاسَ بِصِيامِه).

بعضُ أهل العِلم يقولُ: هلال رَمضان يثبُت بالواحِد، وهِلالُ شوَّال لا يثبُت إلا باثنين.

شاهد واحِد يَصوم به المُسلِمون؛ أما الإفطار؛ فلا بُدَّ أن يكون -هُنالِك- اثنان مِن الشُّهود.

بعض أهلِ العِلمِ قال: حتى لا يتوهَّم الواحِد. يعني: الإنسَان المتلهِّف للفِطر، المتلهِّف للعِيد قد يُخيَّل إليه بعض الأمر، قد يَتوهَّم بعض الأمر، لكن إذا وُجد آخر؛ فإن هذا التَّوهُّم يندَفِع؛ فهذا شكٌّ؛ مع ذلِك: يندفع هذا الشَّك، ويثبُت الحكم الشَّرعي باليَقين -إن شاءَ اللهُ-، أو بما هو في درجة اليَقين؛ فالظن الرَّاجح -لا شكَّ، ولا رَيْب- أنه مِن درجات اليَقين.
هذا حُكم آخَر متَعلِّق بأول أيَّام الشَّهر وصِيامه-، يقول [النَّبيُّ] -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «مَن لم يُبيِّت الصِّيامَ مِن اللَّيل؛ فلا صِيام له»، وفي رواية: «مَن لم يُجمِع الصِّيامَ من اللَّيل؛ فلا صِيامَ له» يُجمِع ويبيِّت: أي النِّيَّة.

هنا اختلف الفُقهَاء قَالَوا: هل لا بُدَّ أن تكون النِّيَّة يوميَّة؟ أم تكفي النِّيَّة في أول الشَّهر؟

أنا أقولُ: ما دمتَ -أيُّها المُسلِم- عارفًا بحُكم هذا الشَّهر ودخوله، وقادرًا على الصِّيام، ومُلزِمًا نفسَك به، لم يَحُل بينك وبين ذلِك سَفرٌ أو مرض؛ فأنتَ مجدِّد لهذه النِّيَّة -كما يُقال- تلقائيًّا؛ بل إن عدم نيتِك الفِطر هي صَوم؛ بل إن قيامَك للسحور -ولو على جرعة ماء- هذا نيَّة، وهذا عَزم.
وهنا أنبِّه إلى تنبيه: أن النِّيَّة عزم القَلب على فِعل الشيء، وليس للِّسَان علاقَة بالنِّيَّة -لا نيَّة الصَّلاة، ولانيَّة الصِّيام، ولا أي نيَّة من النَّوايا-؛ إنما الواجب أن تكون النِّيَّة في موطِنها الأصْلي وهو القَلب.

فالنِّيَّة في اللُّغة: هي العزم والقَصد، وفي الشِّرع: هي العزمُ والقصدُ لِفعلٍ مُعيَّن وحُكم مُعيَّن لهذا الفِعل.

بعض الفُقهَاء ماذا يقولون؟ يقولون: النِّيَّة في القَلب إلا نيَّة الحج والعُمرة؛ وهذا غلط؛ بل نيَّة الحج والعُمرة -أيضًا- في القَلب؛ ولكن: أين موضع الغَلط؛ بل أين مَوضع الالتباس المُوقِع بهذا الغَلط؟

أنا أقول: لم يُفرِّقوا بين النِّيَّة وبين الإهلال بالعُمرة أو الحج، أو التَّلبية بالعُمرة والحج؛ وإلا منذ خرجتَ مِن بلدك قاصدًا مكة المكرمة؛ فأنت ناوٍ ومُتلبس بالنِّيَّة -سواء في عُمرة، أو حج-، ولكن: لا يَجوز أن تُهِلَّ بالعُمرة أو بالحج، وأن تُلبيَ بهما، أو أن تُحرِم بهما إلا في مقامات معيَّنة، ومواضع مَعروفة هي الَّتِي بيَّنها رسول الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ وهي مواقيت الحج المكانيَّة.

مواقيت الحج المكانيَّة معروفة: أشهرها -الآن-لأن أكثر النَّاس يذهبون إلى المدينة النبوية، ويَمرُّون منها إلى مكة- أشهرها: (ذو الحُلَيفة) -الذي يُسمَّى (آبار علي)-.

وبالمناسبة: ذكر شَيخ الإسلام ابن تيميَّة: أن تسمية هذا المكان وهذه المنطقة بـ «آبار علي» تسميَة لا أصلَ لها في السُّنة، ولا في التَّاريخ: فقد ذُكر أنَّ عليًّا -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ- قاتل بعضَ الجِن وحبَسهم في آبار في هذه المنطقة -ذي الحليفة-؛ فسُمِّيت هذه المنطقة (آبار علي)، وهذا لا أصل له في السُّنَّة.

نَرجع إلى ما ذكرناه -ابتداءً- وهو أن نقول: إنَّ النِّيَّة هي عَزم قلبيٌّ محض ولا مَوضع للِّسَان فيه؛ تجديدك النِّيَّة، وعزمك على الصَّوم، ومجانبتك للفِطر، وقدرتك على الصَّوم بدون مرض، وبدون سفَر؛ فأنت مجدِّد لهذه النِّيَّة بِعزمك المتجدِّد -إن شاءَ اللهُ- الذي تريد فيه مرضاة الله -تَبارَك وتَعالَى-.

لكن هُنا استِثناء آخر: وهو أن هذه النِّيَّة مفروضة ومشـروطةٌ لصِيام الفَريضَة، أما صِيام النَّافلة؛ فقد صحَّ وَوَرد في «صَحيح الإِمام مُسلم»: عن عائِشَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهَا-: أن النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كان يأتِيها -في غير رَمضان-، ويقولُ لها: «هل عِندكم مِن غَداء؟» يعني: طعام، قَالَ: «وإلا فإنِّي صَائِم»؛ بمعنى: إذا وُجد طعام يأكُل، وإذا لم يوجد قَالَ: «إنِّي صائِم»، وهذا يقوله في أول النَّهار، لم يَقُلهُ في اللَّيل؛ حتى نقول: مَن لم يُجمع أو مَن لم يُبيِّت الصِّيام فلا صِيام له؛ لا. هذا حكم، وهذا أرجح الأقوال -وإن كان في المسألة خلاف-.

إذًا: النِّيَّة في صِيام رَمضان مطلوبة في اللَّيل، وفي غير رَمضان لا يُشترط لها ذلِك.

وقد ورد مثل هذا الحكم -في صِيام النَّافلة والتَّطوع في النَّهار دون تَبييت النِّيَّة كصيام رَمضان- عن عدد مِن الصَّحابَة -عن أبي الدَّرداء، وأبي طلحة-رضيَ اللهُ عنهُم-، وأبي هُرَيرَة، وابن عبَّاس، وحُذَيفة بن اليمان، وغيرهم -رضيَ الله-تَعالَى-عنهُم-أجمعيَّن-.

هذا ما أعاننا الله -تعالى- عَليهِ في هذا اللِّقاء المبارَك، سائلين الله -تباركَ وتَعالى- أن يفقِّهنا في دينِنا، وأن يرزقنا القَول الحسن، والخُلُق الحسَن، والفِعل الحسَن، وأن يتقبَّل منا الصِّيام والقِيام؛ إنه ولي ذلِك والقادر عَليهِ.

وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على نبينا محمَّد، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعيَّن-.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين. وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعيَّن-.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.

من هنا لسماع الحلقة السادسة
رد مع اقتباس