عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-01-2010, 11:30 PM
أحمد جمال أبوسيف أحمد جمال أبوسيف غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,209
افتراضي اتفاق أهل السنة والجماعة واجب ورحمة / د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي

اتفاق أهل السنة والجماعة واجب ورحمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ:

اعلم أخي القارئ ان الاختلاف والمخالفة: ان يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر فِي الحال أو المقال، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول، غالب أمره ومنتهاه، يقتضي التنازع، استعمل ذلك للمنازعة والمُجادلة، قال الله تعالى:{فاخْتلف الأحْزابُ} [مريم: 37]، وقال: {ولايزالون مُخْتلِفِين}[هود: 118]، وقال: {عمّ يتساءلُون عنِ النّبا الْعظِيمِ الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتلِفُون} [النبأ: 1 - 3]، وقال:{انّكُمْ لفِي قوْلٍ مُخْتلِفٍ} [الذاريات: 8].
ومن الأدلة على ان الشريعة دعت الى الاجتماع والاتفاق قول الله تعالى: {واعْتصِمُوا بِحبْلِ اللّهِ جمِيعًا ولا تفرّقُوا} [ال عمران: 103]، وقال: {ولا تنازعُوا فتفْشلُوا وتذْهب رِيحُكُمْ}[ الأنفال: 46]، وقال: {ولا تكُونُوا مِن الْمُشْرِكِين مِن الّذِين فرّقُوا دِينهُمْ وكانُوا شِيعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لديْهِمْ فرِحُون} [الروم31 - 32]، وقال: {ولا تكُونُوا كالّذِين تفرّقُوا واخْتلفُوا مِنْ بعْدِ ما جاءهُمُ الْبيِّناتُ وأُولئِك لهُمْ عذابٌ عظِيمٌ} [ال عمران: 105].
ومن أدلة جمع الكلمة والنهي عن الاختلاف: الأمر بالتحاكم والرد عند التنازع الى الطريق المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: {ولوْ كان مِنْ عِنْدِ غيْرِ اللّهِ لوجدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كثِيراً} [ النساء: 82]، أعني: الوحي وهو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فانْ تنازعْتُمْ فِي شيْءٍ فرُدُّوهُ الى اللّهِ والرّسُولِ}[ النساء:59]، وقال تعالى:{فلا وربِّك لا يُؤْمِنُون حتّى يُحكِّمُوك فِيما شجر بيْنهُمْ ثُمّ لا يجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ حرجاً مِمّا قضيْت ويُسلِّمُوا تسْلِيماً}[ النساء: 65]، وقال تعالى: {وما اخْتلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شيْءٍ فحُكْمُهُ الى اللّهِ} [ الشورى: 10].
اتفاق أمُّتِي رحْمة قال تعالى: {ولوْ شاء ربُّك لجعل النّاس أُمّةً واحِدةً ولايزالون مُخْتلِفِين الا منْ رحِم ربُّ}﴾ [هود: 118- 119].
قال ابن كثير في تفسيره: أي لوفق بينكم ولما جعل اختلافا ولا تباغض ولا شحناء ا.هـ وقوله: {ولايزالون مُخْتلِفِين الا منْ رحِم ربُّك}، فالاختلاف والتنازع قائم بين الناس الى يوم القيامة الا من شملته الرحمة بعدم الاختلاف، {الا منْ رحِم ربُّك}، فمن رحم ربك غير مختلف.وفيه اشارة الى الفرقة الناجية، والطائفة الظاهرة بالكتاب والسنة والأثر، وهم أهل الحديث والسنة والجماعة، الذين هداهم الله بفضله وكرمه الى الحق فاتفقوا عليه، ولم يختلفوا فيه.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في «منهاج السنة» {346/6}: ومن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق، تبين له أنه لم يكن قط طائفة أعظم اتفاقاً على الهدى والرشد، وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك، اذ يقول تعالى: {كُنْتُمْ خيْر أُمّةٍ أُخْرِجتْ لِلنّاسِ تأْمُرُون بِالْمعْرُوفِ وتنْهوْن عنِ الْمُنْكرِ وتُؤْمِنُون بِاللّهِ} [آل عمران:110].كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعاً على الهدى وأبعد عن التفرق والاختلاف من هذه الأمة، لأنهم أكمل اعتصاماً بحبل الله الذي هو كتابه المنزل وما جاء به من نبيه المرسل، وكل من كان أقرب الى الاعتصام بحبل الله وهو اتباع الكتاب والسنة، كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد والصلاح، وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة.


الاختلاف طريقة ومذهب أهل الباطل
قال الله تعالى: {وانّ الّذِين
اخْتلفُوا فِي الْكِتابِ لفِي شِقاقٍ بعِيدٍ} [البقرة: 176]، وقال: {وما اخْتلف فِيهِ الا الّذِين أُوتُوهُ مِنْ بعْدِ ما جاءتْهُمُ الْبيِّناتُ بغْيًا بيْنهُمْ} [البقرة: 213]، وقال: {ولا تكُونُوا كالّذِين تفرّقُوا واخْتلفُوا مِنْ بعْدِ ما جاءهُمُ الْبيِّناتُ وأُولئِك لهُمْ عذابٌ عظِيمٌ} [ آل عمران: 105]، وقال: {ان الّذِين فرّقُوا دِينهُمْ وكانُوا شِيعًا لسْت مِنْهُمْ فِي شيْءٍ انّما أمْرُهُمْ الى اللّهِ ثُمّ يُنبِّئُهُمْ بِما كانُوا يفْعلُون}[الأنعام: 159]، وقال: {ولقدْ بوّأْنا بنِي اسْرائِيل مُبوّأ صِدْقٍ ورزقْناهُمْ مِن الطّيِّباتِ فما اخْتلفُوا حتّى جاءهُمُ الْعِلْمُ ان ربّك يقْضِي بيْنهُمْ يوْم الْقِيامةِ فِيما كانُوا فِيهِ يخْتلِفُون} [ يونس: 93].
وقال الآجري في كتابه «الشريعة»{1/10}: ثم ان الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ان يتبع ما أنزل اليه ولا يتبع أهواء من تقدم من الأمم فيما اختلفوا فيه، ففعل صلى الله عليه وسلم، وحذّر أمته الاختلاف، والاعجاب بالرأي، واتباع الهوى، قال الله عز وجل: {ولقدْ آتيْنا بنِي اسْرائِيل الْكِتاب والْحُكْم والنُّبُوّة ورزقْناهُمْ مِن الطّيِّباتِ وفضّلْناهُمْ على الْعالمِين وآتيْناهُمْ بيِّناتٍ مِن الأمْرِ فما اخْتلفُوا الا مِنْ بعْدِ ما جاءهُمُ الْعِلْمُ بغْيًا بيْنهُمْ ان ربّك يقْضِي بيْنهُمْ يوْم الْقِيامةِ فِيما كانُوا فِيهِ يخْتلِفُون ثُمّ جعلْناك على شرِيعةٍ مِن الأمْرِ فاتّبِعْها ولا تتّبِعْ أهْواء الّذِين لا يعْلمُون انّهُمْ لنْ يُغْنُوا عنْك مِن اللّهِ شيْئًا وانّ الظّالِمِين بعْضُهُمْ أوْلِياءُ بعْضٍ واللّهُ ولِيُّ الْمُتّقِين} [الجاثية:16-19].

المعيار للحق والباطل هو بعرض الأقوال والأفعال على الكتاب والسنة

روى مسلم في «صحيحه» {867} من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أما بعد، فان خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشرّ الأُمور محدثاتُها، وكلُّ بدعة ضلالة». يُعْرضُ ما يصدر من أقوال وآراء وأفعال على الكتاب والسنة، فما جاء موافقا للنصوص كان دينا، وما كان مخالفا للكتاب والسنة فليس من الاسلام في شيء، وهناك مقالات اشتهرت على السنة الناس منها القول: بأن «اختلاف أمتي رحمة«، وكان لها الأثر السيئ على دين بعض الناس.وهذا القول يخالف ويصادم النصوص الشرعية الظاهرة، وما ذكرنا من أدلة قاضية بفساد معنى هذه المقالة، فكل ما خالف الكتاب والسنة عدّه أهل العلم باطلاً، وما وافقها عدوه حقا.وهكذا عُلِم من تناقضها مع كلام الله تعالى، كما في قوله:{ولايزالون مُخْتلِفِين الا منْ رحِم ربُّك}، بطلان وفساد القول بأن «اختلاف أمتي رحمة «، فأخبر في الآية ان أهل الرحمة لا يختلفون.

كيف يُردُّ بالرأي نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت؟


بدأت هذه المقالة قولاً، فأصبحت رايةً، وتتابعت الأجيال بعضها ينقل عن بعض، الناقل يحسن الظن بالمنقول عنه، فلا يناقش القول، ولا يقوم بعرضه على الكتاب والسنة، حتى تمكنت من النفوس، وصارت الصعوبة في الخروج من ظلمتها، بل ذهب بِهم المذهب الى البحث عن توجيهات ومخارج لمعناها، حتى تبقى تلك المقالة مدخلاً للخلاف والنزاع، وتفريق الأمة الى يوم القيامة، ليقضي الله ما أراده كوناً وحرمه شرعاً في قوله: {ولوْ شاء ربُّك لجعل النّاس أُمّةً واحِدةً ولايزالون مُخْتلِفِين الا منْ رحِم ربُّك} [هود: 118 - 119].وقد ذكرنا ان قولهم: «اختلاف أمتي رحمة«، مجرد رأْيٍّ رأوه، فأذاعوه، وتناقلوه، ومن نسبه الى الحديث والآثار فعليه ان يسم لنا رجاله؟ فان الاسناد من الدين، ولهذا الدين حراس، وللحديث نقاد وجهابذة، ينفون عنه كل دخيل، والحمد لله رب العالمين.
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي

__________________
{من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع}
رد مع اقتباس