رائعةُ حسّانَ بنِ ثابتٍ في فتحِ مكةَ .

[طارق ياسين]

عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فالْجِوَاءُ ... إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُـهَا خَلَاءُ(1)
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفّيهَا الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُ(2)
وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَـا أَنِيسٌ ... خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ(3)
فَدَعْ هَذَا ، وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ ... يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ(4)
لِشَـعْثَاءَ الّتِـي قَدْ تَيّـمَتْهُ ... فَلَيَـسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَـا شِفَاءُ(5)
كَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْـتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَـاءُ(6)
إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ...فَهُـنّ لِطَيّبِ الرّاحِ الْفِدَاءُ(7)
نوَلّيهَا الْمَـلَامَةَ إنْ أَلَمْنَـا ... إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَـاءُ(8)
وَنَشْـرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًـا ...وَأُسْـدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللّقَـاءُ(9)
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَـرَوْهَا ...تُثِيرُ النّقْعَ مَوْعِـدُهَا كَـدَاءُ(10)
يُنَازِعْنَ الْأَعِنّـةَ مُصْغِيَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَـلُ الظِّمَاءُ(11)
تَظَـلّ جِيَادُنَـا مُتَمَطّرَاتٍ .. يُلَطّمُهُـنّ بِالْخُمُرِ النّسَـاءُ(12)
فَإِمّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَـرْنَا ...وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَـوْمٍ ... يُعِيـنُ اللّهُ فِيهِ مَـنْ يَشَـاءُ(13)
وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللّهِ فِيـنَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَـاءُ(14)
وَقَالَ اللّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُـولُ الْحَقّ إنْ نَفَـعَ الْبَلَاءُ
شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدّقُوهُ ... فَقُلْتُـمْ لَا نَقُـومُ وَلَا نَشَـاءُ
وَقَالَ اللّهُ قَدْ سَيّرْتُ جُنْدًا ... هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللّقَـاءُ(15)
لَنَا فِي كُلّ يَـوْمٍ مِنْ مَعَـدٍّ ... سِبَـابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا ... وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدّمَاءُ
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَـانَ عَنّـي ... مُغَـلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْـخَفَاءُ(16)
بِأَنّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْـدًا ... وَعَبْدُ الدّارِ سَـادَتُهَا الْإِمَـاءُ(17)
هَجَوْتَ مُحَمّدًا وَأَجَبْـتُ ... عَنْهُ وَعِنْدَ اللّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُـفْءٍ ...فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَـا الْفِـدَاءُ
هَجَوْتَ مُبَـارَكًا بَرّا حَنِيفًا ...أَمِيـنَ اللّهِ شِيمَتُـهُ الْوَفَـاءُ
أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ مِنْكُمْ ..وَيَمْـدَحُهُ وَيَنْـصُرُهُ سَوَاءُ ؟
فَإِنّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِـي ...لِعِـرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وِقَـاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْـرِي لَا تُكَـدّرُهُ الـدّلَاءُ

- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا حَسّانُ يَوْمَ الْفَتْحِ .

______________________
(1) عَفَتْ : تغيَّرت ودَرَسَت . ذاتُ الأصابع والْجِواءُ : موضعان .
(2) بنو الْحَسْحاس : حيٌّ من بني أَسْد . والرَّوامِس : الرِّياحُ التي تَرْمِسُ الآثارَ فتُغطِّيها . والسماءُ : المطر .
(3) النَّعم : الإبل .
(4) الطَيْف : خيََال الْمَحبوبةِ يُلِمُّ في النوم .
(5) شعثاء : اسم امرأة .
(6) الخبيئة : الخمرُ المخبوءةُ الْمَصونةُ الْمَضْنون بِها . وبيتُ رأْس : موضعٌ بالأردن – قرية في مدينةِ إربد – مشهورة بالخمر الجيد .
(7) الأشْرِباتُ : جمع أشربة , يريد أنَّ الأشربةَ غيرَ راحِ بيتِ رأسِ لا تُدانيها في اللذة .
(8) أَلَمْنا : فعلنا ما نستحِقُّ عليه اللّومَ , يقال : أَلام الرجلُ فهو مُليم . والْمَغْثُ : الضَّربُ باليد . واللِّحاءُ : السِّبابُ .
(9) يُنَهْنِهُنا : يَزْجُرنا ويَرُدُّنا .
(10) النَّقْعُ : الغبار . كَدَاء : ثَنِيَّة بأعلى مكةَ .
(11) الأَعِنَّة : جمع عِنان , وهو اللِّجامُ . الْمُصغياتُ : الْمَوائل الْمُنحرفات للطَّعنِ . والأَسْل : الرِّماحُ . الظِّماء : العطاش .
(12) أي أنَّ النساءَ كُنَّ يَضْرِبْنَ وجوهَ الخيلِ بِخُمُرِهِنَّ يومَ الفتحِ .
(13) الْجِلادُ : القتالُ بالسيوفِ .
(14) كِفاء :مِثْل .
(15) عُرْضَتُها اللقاءُ : عادتُها أنْ تَتَعرَّضَ للِّقاءِ , فهي قويةٌ عليه .
(16) مُغَلْغَلَة : رسالةٌ تُرسلُ من بلدٍ إلى بلد .
(17) يريد أنّ سيوفَ الأنصارِ جعلت أبا سفيان كالعبدِ الذليلِ يومَ فتحِ مكةَ , وأنَّ سادةَ عبدِ الدَّارِ صاروا كالإماءِ في الْمَذَلّةِ والْهَوانِ .
[ سيرة ابن هشام طبعة مكتبة الرسالة بتحقيق وضبط وشرح : مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبدالحفيظ شلبي ] .

[طارق ياسين]

* تنبيه :
ذكرت أنَّ ابنَ هشام قال : قالها حسانُ يومَ الفتح . وهذا على ما جاء في النسخة المطبوعة عندي , والصواب ما ذكره ابن كثير في " السيرة النبوية " : قال ابنُ هشام : قالها حسان قبلَ الفتح . وما ذكره ابنُ القيم في " زاد المعاد " : وكان حسانُ بنُ ثابتٍ -رضي الله عنه- قد قال في عُمرةِ الحدَيْبِيةَ :

عَفت ذات الأصابع فالجواء ... إلخ .
وقال صاحبُ كتاب "سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" : قال حسانُ بنُ ثابتٍ - رضي الله عنه - في غزوةِ الحديبية؛ مُشيراً إلى الفتح - وبعضُها في الجاهليةِ، كما ورد ذلك عنه, وهو ما أسقطته منها في وصف الخمر - : عفت ذات الاصابع ...إلخ .

[أبو مسلم السلفي]

جزاك الله خيراًًً

[طارق ياسين]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو مسلم السلفي الاثري

جزاك الله خيراًًً

وإياك أخي القاضل أبا مسلم ...

[طارق ياسين]

* هذه أربعة أبيات في القصيدة وجدتُها في "ديوان حسان بن ثابت" لم تذكرها كتبُ السيرة :
- بعد البيت السادس قال :
على أنْيَابِها, أو طَعْـمُ غَضٍّ ... منَ التفـاحِ هَصْرُهُ اجْتـناءُ
- وقبل البيت الأخير قال :
فإمّـا تثقفَنَّ بنِـي لـؤيٍّ ... جَذيِمـةُ إنَّ قتلَهُـمُ شفـاءُ
أولئكَ معشرٌ نَصرُوا علينا ... ففـي أظفارِنـا منهمْ دمـاءُ
وحِلفُ الحارثِ بنِ أبي ضرارٍ ... وحِلـفُ قريظـة منا بَراءُ

[طارق ياسين]

,,,,,,,,,,,

[طارق ياسين]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق ياسين

فإمّـا تثقفَنَّ بنِـي لـؤيٍّ ... جَذيِمـةُ إنَّ قتلَهُـمُ شفـاءُ

الصواب:

فإما تَثْقَفَنَّ بَنو لؤيٍّ جذيمةَ ... إِنَّ قـــتـــــلَـــــــهم شِــــــفـــــاءُ
.
.