أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
72831 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-26-2017, 05:35 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية :بقلم د.صادق بن محمد البيضاني (متجدد)

دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية :1
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني

الحلقة (١)
وحدة الصف المزعومة

لا يختلف أحد أنه ما من عالم أو داعية أو طالب علم إلا ويدعو الناس إلى جمع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الخلاف، ويحشد أثناء دعوته للاجتماع والاتحاد الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال وأفعال السلف، إلا أن بعضهم عند التطبيق العملي يناقض فعلُه قولُه.
فهذا يدعو الناس إلى الائتلاف والاعتصام بالدين ثم يقنن لأتباعه ومحبيه مفهوم الائتلاف والوحدة في حيز ضيق وفق المنهج الذي تتبعه جماعته التي اتخذت لها أميراً، - لا وفق الكتاب والسنة - ؛ فيعادي كل من خالف منهج الجماعة التي هو عضو فيها، وكأن دين الله جماعته التي هي جزء صغير من المسلمين، وعلى سبيل المثال جماعة التبليغ والإخوان المسلمين وجبهة التحرير ونحوهم، ولا تعني تسميتي لهم كجماعات لأجل النيل منهم، وإنما لبيان موضع الداء حتى يتم علاجه بالطرق الشرعية الحكيمة كما سيأتي إن شاء الله، حيث يلزم جماعات المسلمين كلها ما يلزم كل مسلم من الاعتصام بالكتاب والسنة، مع فهمهما الفهم الصحيح الذي فهمه السلف الصالح من أهل القرون الثلاثة المفضلة.
ومما يؤسف له : أن هناك بعض العلماء الذين يدعون الأمة إلى الوحدة والائتلاف إلا أن بعض الجلساء يسعون جادين لصدع الصف والوحدة التي طالما حلم بها ونادى إليها أولئك الفضلاء فيؤثرون عليهم لطيِّ بعض فتاواهم وحصرها في الطرف المخالف، فيشيرون على الفاضل العالم بما تميل إليه نفوسهم من التحذير من فلان أو إصدار الفتاوى والمقالات لإدانته بحجة أن بعض المشايخ ردوا عليه أو حذروا من أخطائه، فيستجيب لهم بين الحين والآخر قبل أن يتثبت، وهذا التعجل - الذي يغلب عليه حسن النية - يعيق وحدة الصف ويفرق الكلمة في ظل غياب التثبت والإنصاف من عالم جليل القدر.
وآخر " له أتباع يوالون ويعادون وفق منهجه ورأيه ، فلا وحدة ولا اتحاد للمسلمين في العالم كله عربه وعجمه إلا برأي شيخهم ومشورته، فالحق ما قاله وتفوَّه به، والباطل ما خالفه، فمن وافقه فقد أصاب، ومن خالفه فقد أخطأ، فقلده محبوه، فمن رأوه موافقاً لشيخهم في آرائه، أقاموا له الولاء والحب والإخاء، ومن رأوه مخالفاً له قعدوا له بالمرصاد وتصيَّدوا أخطاءه، ونصبوا في وجهه العداء، وكشروا عن أنيابهم، فحذروا وشطحوا خلاف الحق المبين، ونقلوا لشيخهم ومحبهم كل زلة وهفوة وقعت من ذلك المخالف له في إطار السنة، وألبسوها لباس الكبائر والجرائم حتى يُقْنعوا شيخهم أن فلاناً من الناس وقع في البدعة، والساكت عن المبتدع راضٍ ببدعته فهو مبتدع، فزين لهم الشيطان أعمالهم وقال إني جار لكم، فظلموا وجاروا وعادوا بغير حق، حتى أغلقوا باب الموالاة الشرعية؛ ليحل محلها العداء لأهل العلم والإيمان"(١ ).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : "لذلك نجد بعض طلاب العلم يكون عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق والباطل، ويعادي من سواه، ويضلله ويبدعه، ويرى أن شيخه هو العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل أو مفسد، وهذا غلط كبير؛ بل يجب أخذ قول من وافق قوله الكتاب والسنة وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"(٢ ).

ومن المعلوم أن من وقع في البدعة أو الكفر فلا يحكم عليه بالابتداع أو الكفر حتى تقوم عليه الحجة، وتزال عنه الشبهة، وتنتفي في حقه الموانع والأسباب التي يخلص بها العالم الورع إلى أن فلاناً من الناس مبتدع أو كافر.

فهؤلاء المختلفون ونحوهم ـ ممن سيأتي ذكره ـ يحلمون بالوحدة التي تعني الائتلاف والاعتصام، إلا أن كثيراً منهم ضدها بأفعالهم المتطرفة المخالفة لكثير من أصول العلماء الربانيين؛ إذ لا وحدة حتى يتنازل الجميع للشرع المطهر ويحكمه ظاهراً وباطناً بعيداً عن حب الذات والسلطة والتعالي وحصر الحق في فلان أو الجماعة الفلانية المخالفة لهدي السلف رضوان الله عليهم، فلن يصلح الأمة إلا ما صلح به أولها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها؛ وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى: [وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] (٣ ). فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب"(٤ ).

وقال ـ رحمه الله ـ : "قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيء القصد ليس له علم ولا حُسن قصد، فيُفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا، وهذا عدونا وبلغة المغل هذا (بال)، وهذا (باغ)، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس"(٥ ).

وقد صدق ـ رحمه الله ـ، حيث كثرت الفتن، وعمت بها البلوى بسبب هذه الاختلافات غير المبنية على الولاء الشرعي إلا في مواطن، حتى انبرت في صفوف هؤلاء المختلفين مجموعة من الأمور السلبية التي شتّتت شملهم وفرقت كلمتهم أمام الأعداء، وهي بذاتها أسباب رئيسة في ظهور الخلاف ومظاهره، وشرها ما يأتي:
الأول: الغلو.
الثاني: الحسد.
الثالث: الكبر.
الرابع: عدم اعتراف البعض بخطئه.
الخامس: امتداح النفس بما ليس فيها.
السادس: اتباع الهوى.
السابع: التركيز على سلبيات المخالف.
الثامن: عدم نسيان الخطأ الذي رجع عنه المخالف.
التاسع: فساد تصور الأمور على حقائقها.
العاشر: استعمال النقد اللاذع المباشر.
الحادي عشر: التعالي المقيت.
الثاني عشر: البغي.
الثالث عشر: التعصب والتقليد الأعمى.
الرابع عشر: عدم احترام آراء الآخرين في حدود الشرع.
الخامس عشر: عدم معاملة الإنسان كإنسان له شعور وإحساس وعواطف حسب بيئته وطينته.
السادس عشر: إلزام ما لا يلزم شرعاً.
السابع عشر: عدم تجنب الجدال.
الثامن عشر: عدم التثبت من نقل الأخبار.
التاسع عشر: عدم الالتفات للمخالف.
العشرون: عدم بذل الحقوق الأخوية العامة بين المختلفين في الرأي المستساغ.
الواحد والعشرون: عدم تقدير الآخرين والاعتراف بقدراتهم العلمية.
الثاني والعشرون: غياب حسن الطرح والنقد.
الثالث والعشرون: عدم شكر المخالف في الجوانب الإيجابية لإيجاد حلقة الوصل "شعرة معاوية" كما يقال.
الرابع والعشرون: عدم طلاقة الوجه عند اللقاء والمناقشة.
الخامس والعشرون: عدم الحوار الهادئ أثناء الاختلاف.
السادس والعشرون: عدم السماع لدليل المخالف وحجته.
السابع والعشرون: بُعد بعض الأطراف المختلفة عن الاحتجاج بالكتاب والسنة.
الثامن والعشرون: عدم الاستفادة من كبار العلماء والرجوع إليهم لحل التنازع والاختلاف أو التوصل لطريقة صحيحة في التعامل مع المخالف.
التاسع والعشرون: عدم تحديد محل الخلاف قبل الخوض فيه.
الثلاثون: وشاية بعضهم على بعض عند السلطان وبعض الجهات الأخرى.
الواحد والثلاثون: ابتعاد المسلمين حكاماً ومحكومين عن مبدأ الحب في الله، والبغض في الله، حيث يُعد هذا المبدأ أوثق عرى الإيمان، لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " أوثق عرى الإيمان المولاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله"( ٦).
وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه – أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان"(٧ ).
والله من وراء القصد
(المصدر كتابي الوثيقة المهمة الطبعة الاولى ص ٣٠_ ٣٦ بتصرف).
....................
الحواشي
(١) كتاب رسائل العقيدة للدكتور صادق البيضاني ( ص٧).
(٢) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (٢٦/٣٤٠).
(٣) سورة المائدة آية ١٤.
(٤) مجموع فتاوى ابن تيمية (٣/٢١).
(٥) منهاج السنة لابن تيمية (٥/١٧٥).
(٦) أخرجه الطبراني في الكبير والبغوي في شرح السنة وله شاهد عن ابن مسعود، والحديث حسن لغيره.
(٧) أخرجه ابو داود في سننه د، والحديث صحيح لغيره.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-26-2017, 07:30 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي أقسام المختلفين في العصر الحديث(١)


أقسام المختلفين في العصر الحديث(١)

(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية:2)
الحلقة الثانية
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني

قسَّمَ العلامة اليماني علي بن قاسم حنش المتوفى سنة 1219 هـ الناس المختلفين في عصره إلى ثلاث طبقات، ولكل طبقة من هذه الطبقات وجود في عصرنا الحاضر، حيث قال ـ رحمه الله ـ " فالطبقة العالية: العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن؛ لعلمهم بما عند بعضهم بعضاً.

والطبقة السافلة: عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به، إن كان محقًّا كانوا مثله، وإن كان مبطلاً كانوا كذلك.

والطبقة المتوسطة: هي منشأ الشر وأصل الفتن الناشئة في الدين: وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى، ولا تركوا حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة؛ فإنهم إذا رأوا أحداً من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور، فوقوا إليه سهام التقريع، ونسبوه إلى كل قول شنيع، وغيروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق"(2).

ويمكننا تقسيم المختلفين في العصر الحديث من حيث الفكر والمنهج في ظل الحقل الدعوي والحزبي إلى عشرة أصناف:

الصنف الأول: دعاة فضلاء يدعون الأمة إلى التمسك بالدين وجمع الكلمة والتواضع والأخلاق الفاضلة والورع ونبذ العنصرية ونحوها من محاسن الأمور، ثم إذا جالسته وعاشرته أو سمعت منه وجدته بعيداً عن بعض أقواله وأفعاله، فلا يحسن استقبال الناس ولا أدب النصح، قد فارق التواضع والورع، ونبذ الخلق الحسن، وبشاشة الوجه إلا لأشخاص، ويرى أنه من نسب عالٍ يستحق به الافتخار على غيره، أو أنه من دولة غنية وأنت من دولة فقيرة.

قال ابن تيمية : "فلا يفرق بين المؤمنين لأجل ما يتميز به بعضهم عن بعض؛ مثل الأنساب والبلدان والتحالف على المذاهب والطرائق والمسالك والصداقات وغير ذلك؛ بل يُعطي كلٌّ من ذلك حقه، كما أمر الله ورسوله، ولا يجمع بينهم وبين الكفار الذين قطع الله الموالاة بينهم وبينه؛ فإن دين الله هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً"(3).

ولا شك أن هذا الصنف مشارك في تمزيق الصف وزرع الضغينة في نفوس من حوله، ومن ثم لا يكون مؤثراً تأثيراً بالغاً لأنه كمن يزرع البذور في الأرض ثم يتركها بلا سقيا، فهل يستقيم زرعه ؟ !

الصنف الثاني: علماء أجلاء، فيهم صفات العلم والرحمة بالأمة، إلا أن بعضهم قد يتأثر بمن حوله من دعاة الاختلاف والفرقة؛ فيؤثر عليه ليسخِّر بعض مقالاته وفتاويه وردوده فيما يثير الفتنة وينشر الفرقة مما يتعارض في الأصل مع أصول وقواعد ذلك العالم الفاضل، الذي لسبب أو لآخر تزل قدمه لاعتماده على من حوله دون أن يتثبت، فيوقعه في عدم إنصاف المخالف، وهو في الأصل طرف محايد وأب للجميع كغيره من العلماء الأجلاء.

الصنف الثالث: علماء متبحرون في بعض فنون العلم إلا أنهم يفتقدون الحكمة، فمن خالف سنة أو وقع في بدعة، أغلظوا في نصحه، وهجروه، وربما بدَّعوه، ثم طالبوه بالتراجع والتوبة إلى الله بعد الحكم عليه، ألا يستقيم عند هؤلاء أن ينصحوه بالحكمة والموعظة الحسنة، فيقيموا عليه الحجة ويزيلوا عنه الشبهة، ثم يطالبوه بالتوبة والرجوع إلى الحق قبل تضليله وتبديعه ؟ !؛ إذ النفوس كالزجاجة إذا كسرتها صعب عليك ترميمها.
وقد أحسن من قال:
إنَّ القُلوب إذا تنافر ودُّها
شِبْهُ الزُّجَاجَةِ كسْرُها لا يُشْعَبُ

ويندرج تحت هذا الصنف "فئة الأتباع" الذين يغلب على بعضهم النية الحسنة ودعوى التقرب إلى الله بمتابعة مشايخهم الذين افتقدوا الحكمة في نقد المخالف تحت ستار "علم الجرح والتعديل"، هذا العلم الذي لم يقم إلا على ضوابطَ متينة وِفْقَ شروط رصينة، يتصدره بعض أكابر علماء كل عصر ممن شُهِد له بسعة العلم والورع والزهد، وكان إماماً لأهل بلدته أو قبلةً لعلماء عصره، ممن يشتغل بعيبه أكثر من شغله بعيب غيره إلا ما اضطر إليه عندما يجد أن المصلحة تدفعه لنقد المخالف الذي إن سكت عنه أفضى سكوته إلى مفسدة أعظم بعد أن يتحرى الصواب ويقدم نصيحة السر، وأن ما أنكره على المخالف من المسائل المستساغ فيها الخلاف ونحوها من الضوابط التي اعتمدها أهل هذا الشأن.

وللأسف أن أغلب الأتباع في هذا الصنف لم يطلبوا العلم أو طلب بعضهم العلم ولم يتمكن من تحصيله على الوجه المطلوب؛ فيجرح وينقد المخالف قبل أن يملك آلة الاجتهاد أو الأهلية، وقبل أن تنطبق في حقه شروط المُجَرِّح، وهذا لا يُعدُّ تجريحه حجة؛ لأنه لا يخرج تجريحه عن سبعة أمور: مبالغ في الجرح، أو ناقد لمن لا يستحق النقد، أو أراد التشفي، أو الانتقام، أو الظهور، أو التزلف من العالم الفلاني الذي اتخذه قبلةً وديناً يسير عليه، أو صاحب هوى، وسبب ذلك الجهل، وقلة العلم والتصدر قبل الأهلية، وما أكثرهم اليوم! !

وقد نتج عن حشر الصغار والعوام في قضايا الكبار أمور لا تحمد عقباها، أخصُّ منها:
1- انتشار الغيبة.
2- إشغال العوام وطلبة العلم الصغار بهذا الباب الذي هو من وظيفة مجتهدي العصر "العلماء الورعين".
3- صرفهم عن أوجب الأمور.
4- تجرؤ الصغار بتطاولهم على الكبار بجهل لا ورع فيه.
5- التساهل في تبديع الفضلاء المخالفين لبعض مشايخهم.
6- غياب المقصد الشرعي بجوهره من هذا الباب وهو "الدين النصيحة"، وحلول حظوظ النفس مكانه.
7- تضييع مبدأ "المجالس بالأمانة".

حتى أصبحت الغلظة سمة غالبة على بعض هؤلاء وأتباعهم، وهذا خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

ولا غرابة لو قلت: إنه توغل في بعض أفراد هذا الصنف الغيبة والنميمة وتتبع عثرات المخالف والكذب ونحوها من الصفات الذميمة التي صارت علامة لشقاوة هذا الصنف إلا من سلمه الله.

قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله - : "وعلامة شقاوة العبد أن تراه يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة، ويتتبع عثراتهم، ويتطلع على عوراتهم، فإذا سمع بشيء صدر منهم من المكروه أشاعه وأذاعه، بل ربما نشر معه شرحاً من ابتداعه.

فهذا العبد بشرِّ المنازلِ عند الله، مقيت عنده متعرض لمساخطه، يوشك أن يفضحه في دنياه قبل أخراه"(4).

والذي أنصح به المشايخ الفضلاء أن يقرِّبوا إليهم أمثالهم من أهل العلم وإن اختلفوا معهم في مسائل، فإن الخلاف في إطار منهج السلف لا يفسد للودِّ قضية، فهم خيرة من يُستشار في قضايا الأمة ومسائل الدين وآحاد الرجال، بدلاً من صغار الطلاب الذين لا زالوا تحت عناية المشايخ تربيةً وتعليماً وتوجيهاً، فلا يحملوهم ما ليس من شأنهم مما هو وظائف العلماء فإن حمَّلوهم ما لم تحتمل عقولهم رأوا أنفسهم في طبقة المشايخ والعلماء فلم يقبلوا منهم نصحاً ولا توجيهاً عند الخلاف إلا من سلمه الله، وقد قلت لأحد المشايخ قبل خمسة عشر عاماً: اجعل مستشاريك كبار طلاب العلم ممن أجيزوا في علوم الشريعة، ولا تتكئ على الصغار فيضروك، فحاول أن يصرف نصيحتي بشيء يسليني به هروباً من النصيحة، وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدَّعه وجهَّله وحذَّر منه أولئك الرعاع، فسبحان من له في خلقه شؤون.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : "فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم طالبٍ للدليل، محكم له، متبع للحق حيث كان، وأين كان، ومع من كان، زالت الوحشة وحصلت الألفة ولو خالفك، فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفِّرك أو يبدِّعك بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم بملء الأرض منهم"(5).

الصنف الرابع(6): علماء وطلبة علم فضلاء يحسنون الظن بالجميع ظاهراً، لكنهم يسكتون عن تصحيح الخطأ ونصح المخطئ خشية الاصطدام بأي طرف، وهم يعلمون المخطئ والمحقّ، وهؤلاء دعاة مقصِّرون يدرسون العقيدة والفقه ويستثنون من ذلك "إصلاح ذات البين بين الدعاة إلى الله" وهم بهذا السكوت لم يؤدُّوا حق الله عليهم في توحيد الأمة، حيث استوى عندهم أبو نواس وأبو حنيفة، فليت شعري:
وما انتِفاع أَخي الدُّنيا بِناظِرِهِ
إِذا استَوَتْ عِندَهُ الأَنوارُ والظُّلَمُ

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : "والواجب علينا أن نصلح بين الناس، والإصلاح ما هو؟، ليس معناه أن نقف موقف المتفرج، لا بد من حركة، حركة عملية للإصلاح"(7).

قال الله تعالى : (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (8).

الصنف الخامس: دعاةٌ ارتبطوا بواقع الأمة وعاشوا مشاعرها وأحاسيسها وآلامها فواجهوا الباطل بقوة، ولم يسكتوا عن المنكرات والمخالفات إلا أنهم يفتقدون إلى ضبط مشاعرهم في مواطن عدة بضابط الشرع، حيث يتحمسون لقضايا الأمة بمجرد حدوث العارضة دون أن يربطوها بأدلة الشرع أو يستشيروا في مثلها كبار العلماء قبل الخوض فيها، فيقعوا في أخطاء يعود ضررها عليهم وعلى العباد والبلاد.
الصنف السادس: دعاة ارتبطوا بواقع ومشاعر الدعاة الذين سبق ذكرهم في الصنف الخامس؛ حيث تتبعوا أخطاءهم فنشروها بين العامة، وعاملوهم بقسوة وعنف وجفوة، فبدَّعوهم وضللوهم، وربما أعانوا السلطان عليهم، مما أدى إلى ردة فعل غير محمودة من الطرف النقيض، الصاع بالصاع، والكيل بالكيل، "والجروح قصاص".

فعظمت الفتنة بين الصنفين حتى صارت حديث الساعة في المجتمع المحافظ.
الصنف السابع: دعاة الإخوان المسلمين، وهم من سموا أنفسهم بهذه التسمية التي لقبهم بها مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، وهذا الصنف من الدعاة لا يمنع من التحزب تحت مظلة الجماعة التي قامت على قاعدة "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، ولدى الجماعة أمير له عليهم حق البيعة، ولا تمنع الجماعة من أن يكون فيهم السني والشيعي والصوفي والناصري والمادي ونحوهم من الطوائف طالما الجميع يخدم منهج الجماعة، وطالما صوته يؤثر في الانتخابات لأجل يصل قادتهم لمنصب من مناصب الدولة، وهم يغلِّبون جانب السياسة على غيرها من الأحكام الأخرى، ويكرِّسون جهودهم لتكثير الأتباع للوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات البرلمانية والتعددية الحزبية الديمقراطية، ولو بطرق تخالف نصوص الشريعة؛ ظنًّا منهم أن المصالح الشرعية هي من دفعتهم لذلك.

الصنف الثامن: دعاة عقيدتهم سلفية يرون التعددية الحزبية بالغطاء السلفي، وقد قاموا مضاهاةً للإخوان المسلمين، وهم من يعرف اليوم عند بعض السياسيين بالتيار السلفي، ومثالهم: حزب اتحاد الرشاد اليمني، وحزب النور المصري.

وهذا الصنف يختلف مع الإخوان المسلمين في أمور ويتفق معهم في أمور أخرى، ولكن ليس لهم أمير، ولا بيعة كالإخوان المسلمين حتى كتابة هذه الأحرف، (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) (9) ويرون المظاهرات والاعتصامات والانتخابات والخروج على الحاكم الظالم، ولكن ليس خروجاً على إطلاقه لأنهم لم يصلوا إلى حد الإمارة والبيعة لأمير مخصوص بهم كحزب أو جماعة، ويرون الإنكار على الحاكم علانية إذا فحش منكره، وهم محسوبون لدى المخالف على السلفيين باعتبار أن عقيدتهم سلفية في الجملة، ولهم آراء تواكب العصر، وقد أطلق عليهم بعض الدعاة لقب: "السلفية الجديدة"، ولهؤلاء تعاون ولقاءات وصلات حميمة مع أصحاب الصنف الخامس، مع أن بعضهم ينقد بعضاً في مسائل دون تجريح أو تبديع أو تضليل.

الصنف التاسع: من عرفوا اليوم بالجهاديين، وقد لُقِّبوا بـ"تنظيم القاعدة" وهو لقب أمريكي صرف، ارتضته الجماعة لنفسها فيما بعد؛ ويسمون في بعض الدول بـ"أنصار الشريعة"، وهم يدعون الأمة إلى إقامة دين الله وجمع كلمة المسلمين تحت راية الجهاد، حيث يغلِّبون جانب العنف والقوة، فيجعلون السيف الحل الوحيد، ولهم أمير وبيعة.

وقد فحش قتلهم اليوم في المسلمين في العراق واليمن وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها من البلدان، بحجة أنهم قتلوا أعوان السلطان، حيث يرون تكفير حكام المسلمين وأعوانهم من غير استثناء ويستبيحون دماءهم، وربما فجروا بعض الأسواق والأماكن العامة في بلاد المسلمين فيموت ويجرح من فيها من عامة الناس الذين لا صلة لهم بالحاكم، ويرون أن مثل هذه التفجيرات قربةٌ يتقربون بها إلى الله بحجة أن هذا السوق أو ذاك المبنى الذي تم تفجيره من أملاك الدولة أو كان بداخله بعض أفراد الدولة، وتُعد جماعة داعش التي أسمت نفسها في عصرنا الحاضر بـ"الدولة الإسلامية بالعراق والشام" من غلاة الخوارج؛ حيث يستبيحون دماء النساء والأطفال والشباب والشيوخ ويقتلونهم بأبشع طرق القتل؛ كالذبح بالسكاكين كما تذبح الشاة، ويصورون الذبح ثم ينشرون الصور، ويرون هذا قربةً يتقربون بها إلى الله وليست لهم مرجعية علمية سوى من يؤمن بأفكارهم، فلا يرون كبار العلماء مرجعية لهم؛ بحجة أن بعضهم أعوان للسلطان أو ضد منهجهم الدموي، وليسوا بأقل خطراً من الرافضة، فقد بدأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقتالهم دون شيعة عصره، فلا يغتر بهم عاقل؛ وإن رفعوا لواء الجهاد، فإن عداوة الخوارج لأهل السنة قائمةٌ منذ عهد الصحابة حتى هذه الساعة، ولتتأملوا معي ـ سلمكم الله ـ ما ذكره القاضي عياض بن موسى ـ رحمه الله ـ حيث قال : "كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد، في حالة شديدة من الاهتضام والتستر، كأنهم ذمة، تجري عليهم في كثرة الأيام محن شديدة ...
اشتدَّ الأمر على أهل السنة، فمن تكلم أو تحرك قُتِل ومُثِّل به، وذلك في أيام الثالث من بني عبيد، وهو إسماعيل الملقب بالمنصور ـ لعنه الله تعالى ـ سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وكان في قبائل زناتة، رجل منهم، يكنى بأبي يزيد، ويعرف بالأعرج صاحب الحمار، واسمه مخلد بن كيداد، من بني يفرن، وكان يتحلى بنسك عظيم، ويلبس جبة صوف قصيرة الكمين، ويركب حماراً وقومه له على طاعة عظيمة، وكان يبطن رأي الصفرية(10)، ويتمذهب بمذهب الخوارج، فقام على بني عبيد، والناس يتمنون قائماً عليهم، فتحرك الناس لقيامه، واستجابوا له، وفتح البلاد، ودخل القيروان، وفرَّ إسماعيل إلى مدينة المهدية، فنفر الناس من أبي يزيد، إلى حربه، وخرج بهم فقهاء القيروان، وصلحاؤهم، ورأوا أن الخروج معه متعين؛ لكفرهم، إذ هو من أهل القبلة...
وكذلك كان أبو إسحاق السبائي، يقول ـ ويشير بيده إلى أصحاب أبي يزيد ـ: هؤلاء من أهل القبلة لقتالهم، فإن ظفرنا بهم، لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد، والله يسلط عليه إماماً عادلاً، يخرجه عنا...
ولم يُخَلِّف من فقهاء المدنيين المشهورين، إلا أبو ميسرة لعماه، ولكنه مشى شاهراً للسلاح في القيروان مع الناس، باجتماع المشيخة على الخروج، ووجهوا إلى الممسي ليروا رأيه في ذلك، وكان عباس الممسي في ذلك الحين مريضاً، بمنزله، وأنذر الناس إلى الجامع فحضروا، وتكلموا في الأمر، ... فقال العباس الممسي: قد تعلمون أنه يشق عليَّ من الوضوء والوالدة، أكثر مما ذكرتم، وغير ذلك من علتي هذه الظاهرة، ولكن لما بلغني من رد الناس الأمر إلي زالت العذًر، وإن عزمتم عزيمة رجل واحد، فلا أضن عليكم، لما وجب علي من جهادكم. فقال أبو إسحاق السبائي: جزاك الله يا أبا الفضل عن الإسلام وأهله خيراً، إنَّا والله نشمر ونجد في قتال اللعين المبدل للدين، فلعل الله أن يكفّر عنا بجهادنا، تفريطنا وتقصيرنا عن واجب جهادهم. فكلمهم أبو الفضل واحداً واحداً. فقال ربيع القطان: أنا أول من يسارع ويندب الناس. وتسارع جميع الناس إلى ذلك...

عقدوا أمرهم على الخروج إلى المصلى بالسلاح الشاك، فلما كان الغد، خرجوا واجتمعوا بالمصلى بالعدة الظاهرة، فضاق بهم الفضاء من كثرتهم، وتواعدوا للخروج... ثم اجتمعوا يوم الأربعاء في السلاح... وشقوا القيروان، ينادون بالجهاد، وقد شهروا السلاح، وأعلنوا بالتهليل والتكبير، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترحم على أصحابه، وأزواجه رضي الله تعالى عنهم، فاستنهضوا الناس للجهاد، ورغّبوهم فيه، فلما كان يوم الجمعة، ركبوا بالسلاح التام، والبنود والطبول، وأتوا حتى ركزوا بنودهم قبالة الجامع... وحضرت صلاة الجمعة، فخطب خطيبهم، أحمد بن أبي الوليد، خطبة بليغة، وحرّض الناس على الجهاد، وسب بني عبيد، ولعنهم وأغرى بهم، وتلا: [لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ] (11) الآية، وأعلم الناس بالخروج من غدهم، يوم السبت، فخرج الناس مع أبي يزيد لجهادهم، فرزقوا الظفر بهم، وحصروهم في مدينة المهدية، فلما رأى أبو يزيد ذلك، ولم يشك في غلبته، أظهر ما أكنّه من الخارجية، فقال لأصحابه: إذا لقيتم القوم فانكشفوا عن علماء القيروان، حتى يتمكن أعداؤهم منهم، فقتلوا منهم، من أراد الله سعادته، ورزقه الشهادة"(12)، انتهى كلامه مختصرا ـ رحمه الله ـ.

فهذه من مكائد الخوارج فلتحذروا مكائدهم، فعقيدتهم ومنهجهم واحد، لم يتغير سوى الزمن والصور وبعض فروع المسائل الخارجية، ولله في خلقه شؤون.

الصنف العاشر "شخصيات منصفة" وهم: علماء وطلاب علم ودعاة، علاقتهم شرعية مع إخوانهم المسلمين باختلاف أصنافهم، حيث يرون أن الجميع إخوان لهم، وأن النصيحة مبذولة لكل طرف؛ فلا يقبلون خطأ هذا ولا منكر ذاك؛ بل ينكرون الخطأ ويحذرون منه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقيمون ميزان العدل والإنصاف مع اعترافهم بقدرات الآخرين، كل حسب منزلته، ومع ذلك لم يسلموا من تهم الآخرين المخالفين لهم في المنهج، حيث لقبوهم بألقاب مطاطة لا تتوافق مع قاموس علم الجرح والتعديل وقلَّ أن نجد منصفاً يدرك الفرق بين هذه الشخصيات وأحوالها"(13).

وقد سبق أن قلت منذ سنوات: "لا مذهبية في الإسلام، فالكل مفروض عليه متابعة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقبول النصح، والعودة إلى الجادة، فإن النسبة للإسلام على مراد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بفهم سلف الأمة هي السبيل الأقوم والحل الأمثل للمختلفين مع مراعاة نصائح وتوجيهات كبار علماء العصر وعدم التطفل عليهم، وترك مجال النقد لمن يحسنه من العلماء والباحثين؛ إذ هم المعنيون بهذا الحقل الخطر الذي فيه "الجمر تحت الرماد"(14).
فهؤلاء باختلاف مناهجهم ومشاربهم كلهم مسلمون يريدون رفع راية الدين ويدافعون عنه، كلٌّ بطريقته وما يراه مناسباً، إلا أنهم جميعاً بشر يصيبون ويخطئون، ولا بد من البيان بالعلم والحكمة بوازع الإصلاح وإرشاد المخطئ للحق بألين العبارات، "فإن نُفوس الخلائق كالزجاجة القابلة للكسر؛ فإن أحسنتَ نقدها حببتها إلى نفسك، وإن أسأتَ عرّضتها لانكسار الخاطر وإرساء الضغائن التي لا تخطر ببال.

ولذا فالكلامُ اللينُ يغسل الضغائن الكامنة في القلب، ويحبب النفوس المتنافرة، ويقارب وجهات النظر، ويصلح ذات البين، ويوحد الصف، ويجعل الخلق جميعاً إخوة متحابين غير متدابرين، وبعكسهِ الغلظةُ والشدةُ من الناقد سواء كان المتهم بالخطأ فرداً أو جماعة فإن سوء النقد وغلظته لا يُورِّث إلا البغض والكراهية، ورد الحق، والإصرار على الباطل، واختلاف وجهات النظر، وتفريق الكلمة"(15).

وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه".
وفي رواية له قال لعائشة: "عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه"(16).

أيها الشاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا

أترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقه الندى إكليلا

والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئاً جميلا

أنت فينا النصوح فارفق جزاك اللَّـ
ـهُ خيراً فالرفق أهدى سبيلا
ــــــــــــــــــ
(1) منقول من كتابي الوثيقة المهمة (ص٣٨ -٥٣) بتصرف وهو مطبوع متداول، وراجع الطبعة الاولى، طبعة دار اللؤلؤة.
(2) الشوكاني، البدر الطالع (1/473).
(3) ابن تيمية، قاعدة في المحبة (ص 133).
(4) ابن سعدي، الحث على الاجتماع، ص (28، وما بعدها).
(5) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/397).
(6) تم إدخال هذا الصنف تسامحاً، لكونهم قصروا في النصح، فكانت لهم يد في بقاء الفرقة والاختلاف.
(7) ابن عثيمين، فتوى صوتية لفضيلته حول الصلح بين الدعاة وطلبة العلم.
(8) النساء: 114.
(9) يوسف: 81.
(10) طائفة من الخوارج، "وهم أتباع زياد بن الأصفر وقولهم كقول الأزارقة في فساق هذه الأمة، ولكنهم لا يبيحون قتل نساء مخالفيهم، ولا أطفالهم". انظر معتقدهم في كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين" (ص 53) للشيخ طاهر بن محمد الإسفراييني.
(11) النساء: 95
(12) عياض بن موسى، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك (2/29-30).
(13) لم أذكر جماعة التبليغ وذلك أن دعوتهم قائمة على الصفات الست كما يزعمون، وقد ذكروا من لوازمها "عدم التدخل في أمراض الأمة" وقصدوا بذلك: الإعراض عن التدخل في علاج مشاكل المجتمع من منكرات وخلافات ونحوها، حتى صار همهم الأكبر: جمع الناس في المساجد من غير اهتمام بتعليمهم التوحيد و العلم الشرعي، ولذا فلا صلة لهم ببحثنا لعدم مشاركتهم أحوال الأمة وأزمانها؛ بل قد قال أحد أمرائهم ممن تربطني به معرفة: "بدعة تجمعنا، ولا سنّة تفرقنا".
(14) مقتطف من مقال لي نشر على موقعي الإلكتروني قبل سنوات تحت عنوان: "النقد المرفوض".
(15) مقتطف من مقال لي نشر على موقعي الإلكتروني قبل سنوات تحت عنوان: "النقد المرغوب".
(16) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب البر والصلة، باب فضل الفرق (4/2004) حديث رقم 2594)].
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-26-2017, 07:37 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي ثورات الربيع العربي وكلمات ابن تيمية

ثورات الربيع العربي وكلمات ابن تيمية
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (3)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
لقد كانت ثورات الربيع العربي 2011م خروجاً على سلاطين ورؤساء بلدانهم، سواء سموها سلمية أو غير سلمية، وكان أغلب من خرج من أفراد الشعب للاعتصامات وفي المظاهرات على نيته، وفيهم دعاة ومشايخ محسوبون على العلم، ويريدون تغييراً للأفضل، وقد غرر بهؤلاء الدعاة انتسابهم للأحزاب التي طلبت منهم فتاوى تبيح للناس الخروج على السلطان، فتواطأوا معهم وأفتوهم بالجواز حسب ما ظنوا من المصالح، وقل من رفض الفتيا واعترض واعتزل، ومن تكلم من العلماء معترضاً هذا الخروج اتهمه البعض بأنه عميل للسلاطين، فاتسع الخرق على الراقع، وسقطت هيبة العلماء لدى كثير من الجهلة الذين انتهكوا أعراضهم في المجالس وعلى القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي ظانين منهم أن العلماء كلهم هم من أفتى بالخروج والثورات دون تفريق بين عالم معارض وعالم معتزل الفتنة وآخر أخطأ له فتوى بجواز ذلك، مما أدى بهؤلاء السلاطين وأركانهم أن ينتقموا من هؤلاء الخارجين فراح ضحية ذلك كباش الفداء من الأفراد المساكين من عموم الشعب، ومَن لا حول له ولا قوة، وتدمرت البلاد، وسقطت هيبة نظامها، وضاعت مصالح الشعب والوطن، فكثر الفقر والبطالة والفساد وضاع الأمن والاستقرار، ولم يتحقق من ذلك خير سوى الدمار وسفك الدماء وتدخل الأعداء في أوطان المسلمين، وبقيت أوطان الأعداء مستقرة آمنة من الثورات التي صدَّرها إلى بلاد المسلمين، بل تفرَّغ الأعداء للنيل منا بسبب هذه الثورات، فكانت فرصة لهم للقضاء على قوتنا ووحدتنا وتوسيع دائرة الخلاف بيننا من خلال المعارض السياسية الدولية الخبيثة والتدخلات المتكررة التي تكمن وراء أطماع الصليبية والعلمانية واللبرالية والماسونية، بل وللأسف تدخل بعض الأعداء في شؤوننا الداخلية بموجب طلب من قيادات حزبية ثورية، فتسلط أعداؤنا علينا من كل حدب وصوب، بل ظهر أقوام مغرر بهم من الثوريين المسلمين يرى أن ما حل بنا لم يكن بسبب بعدنا عن الدين وأحكامه، وإنما بسبب عدم تطبيقنا للديمقراطية التي هي من صنيع اليهود ليقولوا للبشرية دعوا الأديان واحكموا أنفسكم بأنفسكم، ولكم الحريات المطلقة بعيداً عن الدين الذي قيدكم بأحكام فقهية جافة تقيد حرياتكم وتمنعكم من حقوقكم وشهواتكم وحرياتكم الشخصية، حتى صدقهم كثير من ببغاوات المسلمين، وهنا المحك الموجع الذي يؤرقنا من آبناء جلدتنا.
ولذا أتسأل وأسأل العقلاء لماذا فشلت هذه الثورات، ولماذا حل هذا الشر بخروج الناس عن ولاة الأمر سواء كانوا ولاة ظلمة أو فسقة أو غير ذلك؟
الجواب :
يقول ابن تيمية " وقَلَّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير ....... ثم قال : ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد"(1) اهـ.
إذن دعونا نقرأ كلام ابن تيمية بطوله كي نستوعب القضية أكثر ونتعرف على حقيقة الخطر المحدق حولنا ولماذا وقعنا في هذا الأختبوط المخيف الذي أضعف أوطاننا وقوتنا وعرضنا لغضب الله ومقته حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من الذل والهوان، فالشر يعم والخير يخص :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (4/527 – 531): "وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.
وغاية هؤلاء إما أن يَغلبوا وإما أن يُغلبوا، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة؛ فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقاً كثيراً، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور.
وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فَهُزِموا وهُزِم أصحابهم، فلا أقاموا ديناً ولا أبقوا دنيا.
والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يُحمدوا [ على ] ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدراً عند الله وأحسن نية من غيرهم.
وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كله.
وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر:

عوى الذئب فاستأنست بالذئبِ
وصوَّت إنسان فكدت أطيرُ إذ عوى
[ ثم قال ] : "أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء".
وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول: "وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ" [المؤمنون: 76].
وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له : أجمل لنا التقوى؟ فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله. رواه أحمد وابن أبي الدنيا.
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث.
ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.
وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة، وليس هذا موضع بسطه.
ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضاً اعتبار أولي الأبصار، علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور.
ولهذا لما أراد الحسين ـ رحمه الله ـ أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين، كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أن يقتل، حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل، وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج، وهم في ذلك قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين. والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى.
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا؛ بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوماً شهيداً، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء؛ بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سبباً لشر عظيم. وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن.
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد" انتهى كلام ابن تيمية بطوله.
وأقول : قد بدَّع علماء السنة الأكابر الإمام المحدث الزاهد الثقة الثبت المتقن: الحسن بن صالح بن حي الهمداني، المتوفى عام 169هـ ـ رحمه الله ـ بسبب فتواه بجواز الخروج على الولاة الظلمة، حتى ترك بعضهم التحديث عنه، وفيه قال أحمد بن يونس اليربوعي: لو لم يولد الحسن بن صالح؛ لكان خيراً له.
قال الذهبي: "كان يرى الحسن الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم، ولكن ما قاتل أبداً، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق"، [انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (7/361 وما بعدهما)].

وأخيراً أقول : ثقوا اخواني المسلمين أنه لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلج به أولها.
استفيدوا من كل الوسائل العصرية المباحة بما خدم دينكم وأوطانكم وشعوبكم، وكونوا خير خلف لخير لسلف، والله يرعاكم.

وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
والله من وراء القصد.
ــــــــــــــ
(1) ابن تيمية "منهاج السنة" (4/527 – 531).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-26-2017, 07:41 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الصراع بين الإخوان المسلمين والسلفيين وعموم المسلمين من علماء وغيرهم.

الصراع بين الإخوان المسلمين والسلفيين وعموم المسلمين من علماء وغيرهم.
أصول الخلاف والحقوق الشرعية
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (4)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
الخلافات بين الدعاة في العصر الحديث واضحة لكل عاقل بصير بأحوال الأمة، وقبل الخوض في هذه الخلافات وأصولها وأسبابها وعلاجها ضمن حقوق شرعية أخوية أشير إشارة طفيفة إلى أصل الخلاف بين الإخوان المسلمين والسلفيين، مع العلم أن بعض السلفيين (كقادة حزب الرشاد السلفي وحزب النور السلفي أنموذجاً) تأثر ببعض أطروحات الإخوان المسلمين رغم خلافه ونقده لهذه الجماعة التي أسسها الأستاذ حسن البنا رحمه الله.
فأقول وبالله التوفيق:
منشأ الخلاف بين السلفيين والإخوان المسلمين يعود إلى أصولٍ، رفض الإخوان المسلمون التخلي عنها رغم تصادمها مع نصوص الكتاب والسنة.
وأهم هذه الأصول ما يأتي:
الأول أن الإمامة والبيعة لا بد أن تكون لأمير جماعة الإخوان، لا لولي الأمر «حاكم الدولة».
وهذا يتعارض مع نصوص الشريعة وأصولها، فإن البيعة لا تكون إلا لحاكم البلدة باتفاق العلماء سلفهم وخلفهم حتى وإن كان ظالما أو فاسقا؛ حقنا للدماء, وحفظا للأمن والاستقرار، مع وجوب نصيحة ولي الأمر بالحكمة والرفق خوفاً من بطشه ودرء لحصول المفاسد حال الغلظة عليه.
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا] النساء: ٥٩

وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبسي كأن رأسه زبيبة»(1)
وأخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع؛ فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».(2)
ولا تتعارض هذه الطاعة بإنكار المنكرات وقول كلمة الحق عند سلطان جائر، فالخروج عليه بالثورات والانقلابات شيء يتعارض مع نصوص الشريعة، وإنكار المنكرات وقول كلمة الحق شيء آخر لا مانع منه في حدود أدلة الشرع المطهر.
الثاني: حصر وحدة الأمة في جماعة الإخوان منهجا.
إذ الإخوان لا يرون الوحدة والاجتماع إلا باجتماع الأمة تحت منهج الجماعة، باعتبار أن حكام المسلمين اليوم ليسوا أهلا للحكم، وأنهم هم جماعة المسلمين التي تدرك الواقع وأخطار الأعداء، والمؤهلة للوصول إلى كرسي الخلافة الإسلامية.
الثالث: الرضوخ لبعض القوانين الوضعية المخالفة للنصوص الشرعية ليس اعتقادا منهم بأنها مقدمة على الشرع، وإنما بحجة الوصول لكرسي الحكم، وفي هدا إشارة لتطبيق قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة» رغم أنهم يرفضون هذه القاعدة من أصلها من خلال ندواتهم، ويقولون: إنها من قواعد العلمانية، فخالف فعلُهم قولهم بسبب شهوة الكرسي الذي يدَّعون أنهم لو وصلوا إليه فسيقيمون الشرع، ويعيدون للأمة شرفها وقدرها على سائر الأمم.
لقد اتخذ الإخوان المسلمون الديمقراطية مطية للوصول إلى كرسي الحكم؛ حتى صرح بعضهم بأنها من صميم الإسلام، فقال: «إن الإسلام لا يتعارض مع قيام أحزاب سياسية ولا يتعارض مع الديمقراطية؛ بل إن لب الديمقراطية من صميم الإسلام(3)».
كذا صرح عبد الخالق فريد عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين من خلال لقاء صحفي معه في مجلة المصور.
وأيضا قال: «في رأينا أن حل الأزمة الاقتصادية يرجع إلى تعميق وإطلاق الحرية والديمقراطية، وعلاج مشاكلنا بمزيد من الديمقراطية».(4)
ومن أقوال فخامة الرئيس المنقلب عليه " محمد مرسي " عبر القنوات الفضائية ما يأتي:
1- لا يوجد خلاف عقائدي بين المسلمين والمسيحين، وإنما هو خلاف ديناميكي آليا ووسائل.(5)
2- قطع يد السارق ليس من الشريعة وإنما هو أحكام فقه(6).
3- المرجعية في اختيار الرئيس هو الشعب ولا مانع أن يكون نصرانيا.(7)
4- لا مانع أن تتولى رئاسة الحزب امرأة.(8)

كما تحالفوا مع بعض الأحزاب المنحرفة: كالبعثية، والاشتراكية، والناصرية، ونحوها في كثير من الدول العربية وسموه توافقا، ونادوا إلى الحريات واحترام الرأي والرأي الآخر بما لا ينضبط بضوابط النصوص الشرعية؛ بل بطرق مطاطية تتعارض مع نصوص الشرع، وقد ناقشنا بعض الفضلاء منهم فقالوا: كل هذا مجرد سياسة لا ديانة، فقلنا لهم: سياسة عندكم كمنظرين ومفكرين، أما من حولكم من الشباب المسكين والعوام فقد ظنوها ديانة بسبب التقليد والجهل والهوى الذي عمَّ شعوب الأمة .
بل لو قلتم: «مجرد سياسة» أيجوز لكم أن تلعبوا بالدين وأحكامه المطهرة على هواكم لأجل شهوة الكرسي؟، وتقولون "هي مجرد سياسة".
ثم إن هذا التوسع على حساب الدين بقميص نصرة الدين لن يحقق لهم غاية الوصول إلى الكرسي؛ لأن من عصى الله وخالف أصول شرعه وتتعدى على حكمه للعمل بغير ما أنزل الله ولو ضمناً فهو محارب لشرعه، فكيف ينصر الله من حارب شرعه، وهو القائل: [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ] الروم: ٤٧.

والعجب العجاب: أن هؤلاء يتوهمون أنهم بطريقتهم هذه سيحكمون الأمة شرعيا، إذ الحاكم الحقيقي لو ظفروا بالكرسي هو النظام الديمقراطي أو الرأسمالية، حتى وإن تولوا رئاسة الدولة؛ لماذا؟ لأن رضوخهم تم للمسار الديمقراطي - بدليل خوض الانتخابات والتعددية الحزبية والتحالفات مع من يحارب الدين من أصحاب الأحزاب العلمانية واللبرالية والرجعية واليسارية ونحوها – وهذا كله يفرض عليهم العمل به وإلا رفضهم مخالفوهم من دعاة الديمقراطية بالمظاهرات والانقلابات، وهذا ما حصل بمصر في العصر الحديث؛ حيث انقلب الحكم لغيرهم، وفي الحالين - فأنتم بطريقتكم هذه تحكمون بغير ما أنزل الله، سواء ألبستموه قميص الدين زورا أم ألبستموه قميص الديمقراطية كرها، طالما وأصل الوصول للحكم خاضع لغير دستور الإسلام.

ثم إنكم لو فشلتم في الانتخابات ولم تصلوا للحكم فيلزمكم الاستسلام لغالبية الأصوات والاعتراف بفوز مخالفيكم كرها، حتى وإن كان رئيسهم يحارب الإسلام وأهله، ويرى أن الإسلام لا يصلح ديناً للدولة، وربما بعضكم هنَّأه بالفوز، وتبررون التهنئة لغيركم - كعادتكم - أنها مجرد مداراة وسياسة.

الرابع: توسعهم في جمع الناس على منهج الجماعة حتى ولو كان من أشد أعداء الدين، نظرا لقاعدتهم المشهورة التي رسمها مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا رحمه الله: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».

حيث يقبلون في الجماعة كأعضاء: الرافضي، والجهمي، والمعتزلي، والجارودي، والصوفي، ونحوهم من أهل الضلال المحسوبين من الثلاثة وسبعين فرقة؛ بل ويشركون معهم بعض البعثيين والناصريين بحجة تكثير الأعضاء للوصول إلى كرسي الحكم، وهم غير مكلفين شرعا بالوصول إليه؛ لأن الوسيلة المنافية للشرع تتعارض مع المقاصد المشروعة، وما قام على باطل فهو باطل.

وبذا يمتنع الاتفاق بين السلفيين الذين ينادون إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبين الإخوان المسلمين الذين يتصادم منهجهم مع بعض نصوص الشريعة الغراء.

ومعنى ذلك أن يبقى أمام أصحاب المنهج السوي والإخوان المسلمين منهج للتعامل الشرعي في حدود الشرع، فيثبت للإخوان المسلمين حق الإسلام وحق الأخوة الدينية، مع الاعتبار: أن منهجهم لا يخلو من خلل - كما سبق بيانه -، فمن اعتقد أنه منهج الدين الذي تعبدنا الله به فهو من المبتدعة بخلاف عوام الاتباع منهم - ممن يجهل حكم أصول منهج الإخوان، وكذا من لم تبلغه الحجة من القادة الذين يجهلون أحكام الشرع لعدم طلبهم العلم الشرعي - ومن باب أولى عموم المسلمين(9)-، فهؤلاء نحبهم على قدر ما فيهم من إيمان ونبغضهم على قدر ما فيهم من عصيان، ونرجو لنا ولهم الهداية والرشاد، ولا نناصرهم على شيء يتصادم مع نصوص الشريعة السمحة، وإذا هاجم الكفار بلاد المسلمين فنحن والإخوان المسلمون وغيرهم من أهل النحل القبلية الأخرى إخوة في مقاتلة الكافرين لحديث «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم»(10).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «والواجب على كل مسلم أن يكون حبه، وبغضه، وموالاته، ومعاداته تابعا لأمر الله ورسوله، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه من يُوالى عليه من حسنات، وما يعادى عليه من سيئات عومل بموجب ذلك؛ كفساق أهل الملة؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب، والمولاة والمعاداة، والحب والبغض بحسب ما فيهم من البر والفجور ...: [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ](11)اهـ.
وقال رحمه الله : ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم، وقد بُسط هذا في موضعه(12).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى -: «وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا؛ فقد تأخذ الدواء الكريه الطعم، وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه؛ لأن فيه شفاء من المرض، وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا العجب، هو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله، ولرسوله، وللمؤمنين، ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ] [الممتحنة: ١] – [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ] المائدة: ٥١ – ٥٢.

فيَصِل المطيع وإن عظمت معصيته؛ لقوله - تعالى – فيمن قَتَلَ مؤمنا عمدا: [فمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ] البقرة: ١٧٨. فجعل الله القاتل عمدا أخا للمقتول، مع أن القتل - قتل المؤمن عمدا - من أعظم الكبائر، وقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين[وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا] الحجرات: ١٠. فلم يخرج الله الطائفتين المقتتلتين من الإيمان ، ولا من الأخوة الإيمانية»(13) اهـ.

وما سبق من كلام ابن تيمية وابن عثيمين القائم على نصوص الكتاب والسنة، يتنزل في عموم المسلمين طائعين وعصاة.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى (2/140 حديث رقم 293)].
(2) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الجهاد والسير، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (23/1472 حديث رقم 1844)].
(3) مجلة المصور المصرية، عدد: 3217، 29/ رمضان/1406 هـ، 6/7/1986.
(4) فريد عبد الخالق، الإخوان المسلمون في ميزان الحق(ص295).
(5) كذا شاهدناه له من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة المحور، والمادة محفوظة على اليوتيوب.
(6) قال ذلك من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة الحياة، والمادة محفوظة على اليوتيوب.
(7) المصدر السابق.
(8) المصدر السابق نفسه.
(9) ومثلهم الحكومات الإسلامية في العصر الحديث، وقد أحسن شيخنا مقبل الوادعي عندما قال :«الحكومات نحبها بقدر ما فيها من الخير، ونبغضهم بقدر ما فيها من الشر» اهـ [مقبل الوادعي، هذه دعوتنا وعقيدتنا (ص20)]
(10) أخرجه أبو داود في سننه [كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر (3/80 رقم 2751)]، والنسائي في السنن الكبرى [كتاب السير، باب إعطاء العبد الأمان (8/56 رقم 8628]، وابن ماجة في سننه [كتاب الديات، باب المسلمون تتكافا دماءهم (2/895 رقم2683)، وأحمد في مسنده (2/268 رقم 959)، والحديث صحيح بشواهده.
(11) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (35/94).
(12) ابن تيمية، منهاج السنة (4/543 - 4).
(13) ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/11،12).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-26-2017, 07:45 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي منشأ الخلافات في صفوف السلفيين

منشأ الخلافات في صفوف السلفيين

المقدمة
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (5)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
يزعم بعض السياسيين ورجال الإعلام تقسيم السلفيين إلى ثلاثة أقسام : «السلفية الجديدة، والسلفية الجهادية، والسلفية السياسية»، وزاد بعضهم قسما رابعا، وهو «السلفية العلمية»، وبعضهم قسمها إلى: (سلفية مفوضة، وسلفية رافضة، وسلفية مروضة) كما بثته إحدى القنوات الفضائية من خلال برنامج لها تحت مسمى : « بلا حدود»، وهذه التقسيمات الأربع حسب دراستي المتانية على مدار ربع قرن مجرد تخرصات من الإعلاميين وبعض المخالفين للمنهج السلفي أو للسلفيين.

والصواب أن السلفية واحدة : وهي «الجماعة الأم» وهم : من كان على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وغيرهم من أهل القرون المفضلة الثلاثة " ، ممن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، فهم ليسوا تنظيماً وليس لهم أمير، وليس عندهم بيعة، ولا رئيس أو زعيم، ولا هم حزب، وإنما يرجعون لعلماء الأمة فيما أشكل عليهم من مسائل الدين وقضاياه المختلفة منصوصةً كانت أو عارضة، ولذا فاسم السلفية منتقى من منهج السلف، فهم جماعة المسلمين التي اتخذت فهم السلف الصالح منهجاً لها عملاً بما أخرجه ابن ماجة في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن بني إسرائيل افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة».

وفي بعض الروايات : "وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ".
وفي رواية أخرى: « قالوا: وما هي يا رسول الله ؟ قال: ماكنت عليه أنا وأصحابي».

وهذا الحديث حسن لغيره، وله شواهد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى درجة الصحيح لغيره (1).

وكل مسلم التزم بالكتاب والسنة فهو يحمل منهج السلف الصالح وإن لم يقل عن نفسه إنه سلفي، فليست التسمية ديناً لازما متى التزم المسلم بالشرع المطهر، ويكفي ما سمانا الله به بقوله تعالى: ( هُو سَمَّاكُم المُسْلِمين) [الحج: 78]، إلا أن بعض العلماء استحب التسمية للتميز عن بقية الطوائف العقائدية الأخرى كما نقلته عن ابن تيمية وغيره في كتابي مجموع العقيدة والتوحيد وهو مطبوع متداول في الأسواق، وفي المسألة سعة، فلا إلزام في مثل ذلك طالما التزم المسلم بالشرع الحنيف.

وأما ما يسمِّيه الإعلاميون بالجماعة السلفية الجهادية فهؤلاء فئة ضالة وافقت الخوارج في كثير من أصولها المخرجة من منهج السلف، وإن تسمَّى بعضهم بالسلفيين، وقد شهروا اليوم بتنظيم القاعدة و« أنصار الشريعة؛ ومن جنسهم ظهرت داعش » فلماذا إلصاقهم بمنهج السلف، وهم على خلاف منهج الصحابة الكرام؟!!

وأما ما أسماه بعضهم بالسلفية الجديدة والسلفية السياسية، فهناك آراء رآها مجموعة من الدعاة السلفيين وغير السلفيين، إلا أن الأمر سهل وذلك : بردِّ كل ما خالف الكتاب والسنة، وقبول ما وافقهما، وفتح باب الحوار في الأمور المختلف فيها بين المختلفين، والفيصل الشرع، والحق أبلج، والباطل لجلج، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.

ثم لو تأملنا واقعنا الحاضر وما فيه من الاختلافات الكثيرة في جميع الأوساط السلفية على اختلاف أعيانها وأحوالها لتأكد لنا جميعاً: أن الاختلافات والاتهامات بين السلفيين تعود لأسباب ودوافع رئيسة، وهذا يحتم وجوب تشخيص أصل المرض الذي أدى إلى هذه الفرقة والاختلاف؛ لأن تشخيصه نصف الدواء، حيث يلزم قبل الخوض في العلاج « تحرير محل النزاع» لأن الوقوف على أصل الخلاف يرشدنا لمحل النزاع الذي نشأ في الأصل من الجهل والهوى والغلو في الدين وتقديس الشخصيات من مشايخ وغيرهم، إذ معرفة ذلك يمهد للباحث المعالج إرساء المنهج القويم والمبادئ الصحيحة، والمقاصد الشرعية، وما يسوغ المخالفة فيه، وما لا يسوغ المخالفة فيه، ومن ثم معرفة طريقة التعامل الشرعي مع المخالفين، حيث يتمثل ذلك المنهج بالطريقة الصحيحة التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في دعوة الآخرين، فتظهر في أوساط الأمة المرحومة تلكم المبادئ المباركة والروابط الوثيقة كحسن الظن والتعاون على البر والتقوى والأخلاق الفاضلة والحلم والأناة والتواضع وكظم الغيظ والرحمة والشفقة ونحوها من المبادئ الشرعية الحية التي بها نعرف المقصد الشرعي المتمثل بجمع الكلمة وتوحيد الصف.

ولا يعني ذلك أن الباحث سيصل بهذه المعرفة إلى القضاء على الخلاف الذي فطرت عليه الخلائق، وإنما لأجل الوصول لأمرين:

الأول: النزول على رأي كبار العلماء المجتهدين دون غيرهم.
الثاني: إرساء مبدأ التعامل مع المخالف كيف يكون في حدود الشرع.

وهذان الأمران لا يمكن لعاقل غيور على أمته أن يظفر بهما إلا بالإخلاص والتجرد لله وحده، بعيدا عن التحزب للمشايخ والجهات وبعيدا عن العواطف الجياشة.

والله من وراء القصد
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
ــــــــــــــ
(1) رواه جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمرو ومعاوية بن أبي سفيان وعوف بن مالك وخلق كثير، وهو مخرج في كتب السنة والمسانيد وغيرها.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-26-2017, 07:54 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي المسائل التي شقت صفوف السلفيين في العصر الحديث

المسائل التي شقت صفوف السلفيين في العصر الحديث
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (6)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
بعد أن تكلمت في اللقاء السابق عن مقدمة ممهدة ومدخل لمنشأ الخلافات التي عصفت بالدعوة السلفية، رأيت لزاماً أن أبدأ في هذا اللقاء بذكر هذه المسائل التي سببت الفرقة والاختلاف الكبير في صفوف الدعاة مع بيان العلاج الأمثل لحلها وفقاً للكتاب والسنة، فأقول وبالله التوفيق :
يمكن حصر أصل هذه الخلافات التي نشأت بسبب الغلو والجهل وتقديس المشايخ وتقليدهم في عدة مسائل :

المسألة الأولى: إنشاء الجمعيات الخيرية.

يقول البعض: إن إنشاء هذه الجمعيات في أوساط بعض السلفيين لم يكن من منطلق حزبي يُعقد له الولاء والبراء المنافي للشريعة، وإنما هي جمعيات لمساعدة الفقراء والمساكين ونحوها من الأعمال الخيرية.

ويؤكد آخرون: أنه لا حرمة ولا حزبية في إنشاء الجمعيات إلا إذا قامت على أسس حزبية.

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: « أيُّ جمعية تقام على أساسٍ من الإسلام الصحيح، المستنبطةِ أحكامُها من كتاب الله، ومن سنة رسول الله، ومما كان عليه سلفنا الصالح، فأيُّ جمعيةٍ تقوم على هذا الأساس؛ فلا مجال لإنكارها واتهامها بالحزبية؛ لأن ذلك كلَّه يدخل في عموم قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة:2]، والتعاونُ أمرٌ مقصود شرعاً، وقد تختلف وسائله من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان، ومن بلدة إلى أخرى، ولذلك فاتهامُ جمعيةٍ تقوم على هذا الأساسِ بالحزبيةِ أو بالبدعيةِ، فهذا لا مجال إلى القول به، لأنه يخالف ما هو مقرر عند العلماء من التفريق بين البدعة الموصوفة – بعامة – بالضلالة، وبين السُّنةِ الحسنة.

السنةُ الحسنة : هي الطريقة تُحْدَثُ وتوجد لتوصِل المسلمين إلى أمر مقصودٍ ومشروعٍ نصًّا، فهذه الجمعيات في هذا الزمن لا تختلف من حيث وسائلها عن الوسائل التي وجدت في هذا العصر لتسهِّل للمسلمين الوصول إلى غايات مشروعة، فما نحن الآن في هذه الجلسة من استعمال المسجلات – على أشكالها وألوانها – إلا من هذا القبيل، إنها وسائل أُحدثت، فإذا استُعملت فيما يحقق هدفاً وغرضاً شرعيًّا، فهي وسيلة مشروعة، وإلا فلا، كذلك وسائل الركوب الكثيرة والمختلفة اليوم، من السيارات والطيارات ونحو ذلك، هي أيضّا وسائل، فإذا استُعملت في تحقيق مقاصد شرعية، فهي شرعية، وإلا فلا»(1) انتهى كلامه.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «والجمعياتُ إذا كثُرت في أيِّ بلدٍ إسلامي من أجل الخير والمساعداتِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى بين المسلمينَ دونَ أن تختلف أهواء أصحابها، فهي خير وبركة، وفوائدها عظيمة، أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها، فإن الضرر بها حينئذ عظيم، والعواقب وخيمة»(2).انتهى كلامه.

والسؤال المطروح ههنا: ما هي الحزبية؟ ومتى يكون الشخص متحزبا؟

والجواب: الحزبية تعني التكتل الجماعي تحت قيادة تأمر وتنهى أتباعها حسب ما يراه رئيس الحزب أو نوابه، حيث يُعقد الولاء لمن كان معهم، والبغض والعداء لمن خالفهم أو ناصحهم.

فمن كان في إطار هذا التكتل فهذا حزبي.
ومما يؤسف له: أن هناك أقواماً يرمون تهمة الحزبية على كل من خالفهم أو اختلف معهم في وسيلة أو مسألة يسوغ فيها الخلاف، حتى صارت مثل هذه التهم تصدر من صغار الطلاب وبعض العوام في العلماء والدعاة ممن جعلهم الله حفظةً لدينه في ظل سكوت بعض المشايخ الذين لهم سلطة النصح على هؤلاء.
وما أكثر الذين ظُلموا اليوم بتهمة الحزبية، رغم بغضهم لها وتحذيرهم منها، حتى ألبسوا الفاضل البريء لباس زور، لم يعتد لبسه لكونه لا يطيقه، وبذا حمَّلوا المقتول ظلما وعدوانا تهمة القاتل المنتحر، فليت شعري أين هؤلاء القوم من قوله تعالى : (وقِفُوهُم إِنِّهُم مَسْؤولُون) [الصافات: ٢٤].
والدعاوى إن لم يقيموا عليها
بيّنات أصحابها أدعياء
والدافع لهم عادة على ظلم إخوانهم واتهامهم لهم بما لا يحل شرعا يعود لتعصبهم وغلوهم في مشايخهم الذين يتعجلون أحيانا في إصدار الأحكام في مخالفيهم، وقد شابه هؤلاء الأتباع في هذه الصفة ـ على حسن نية غالبا ـ بعض المبتدعة الذين من عادتهم رمي مخالفيهم بأصناف التهم الجائرة.
قال ابن تيمية رحمه الله :» وكثير من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة «.(3).
والحاصل في أمر الجمعيات الخيرية أنها وسيلة مباحة، إذا خلت من الولاء والبراء المنافي للشريعة وبالتالي فلا حرمة ولا حزبية فيها، وإذا قامت على أسس التحزب والولاءات الضيقة والبراءة ممن لم يشاركهم ولاءاتهم المتطرفة أو المتحزبة فهذا هو التحزب المنهي عنه، وحق في من تحزب لمثل ذلك ان يوصف بالحزبي.
والله من وراء القصد.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
ــــــــــــــــــ
(1) الألباني، سلسلة الهدى والنور، شريط رقم (590).
(2) ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة،(5/204).
(3) ابن تيمية، منهاج السنة ( ٦/٣٠٤).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.