أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
58920 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الرد على أهل الأهواء و الشيعة الشنعاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2009, 03:38 AM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي ماذا دهى الجزيرة (بخصوص الأناشيد)للشيخ أحمد الزهراني.

بيّن هو أنّه (قد) يصاحبه أصوات أخرى من الجماد .
فالغناء إذن هو تلحين القصيدة والتطريب بها ، وهو المراد في النصوص الّتي جاءت تحرم الغناء والانشغال به ، ولو كان مضمون القصيدة مباحاً .
وإذا تأملنا وجدنا أنّ أهل الإنشاد لا يستطيعون أن يأتوا بفرق واحد صحيح بين الغناء المحرّم وبين ما يسمونه : «الأناشيد الإسلاميّة» .
وبعضهم يظن أنّ الأغاني التّي تشتمل على الفحش والخنا والدعوة للحرام ونحو ذلك هي الغناء المحرم ، وهذا خطأ ، لأنّ الفحش والدّعوة إلى الخنا محرّم في الغناء وفي غيره .
وبعضهم يستدلّ على جواز الغناء بأنّ الصّحابة - رضي الله عنهم كانوا ينشدون الشِّعر ويحكون قصة حفر الخندق وغيرها ، وهذا خطأ أيضاً لأنّي أسلفت أنّ إنشاد الشِّعر شيءٌ مختلف تماماً عن الغناء الّذي هو تلحين القصائد .
وكلمة أئمّة الإسلام متفقة على تحريم الغناء ؛ إلاّ من شذّ ، وعددهم لا يكاد يزيد عن ثلاثة ، وفي المدخل لابن الحاج : «وروى عبد الله بن عمر قال : سأل إنسان القاسم بن محمد عن الغناء قال أنهاك عنه ، وأكرهه لك ، قال : أحرام هو ؟ قال : «انظر يا ابن أخي إذا ميز الله بين الحق والباطل ، من أيهما يحصل الغناء ؟»[ السنن الكبرى للبيهقي ، (ح21011) .]، وقال الشعبي– رحِمَه الله - : «لعن الله المغنّي ، والمغنّى له» ..وقال الفضيل ابن عياض:«الغناء رقية الزنا»[ ذمّ الملاهي لابن أبي الدنيا ، (ح55) .]، وقال الضحاك : «الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب» ، وكتب عمر بن عبد العزيز– رحِمَه الله - إلى مؤدب ولده : «ليكن أوّل ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن صوت المعازف ، واستماع الأغاني واللهو بها، ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء»[ ذمّ الملاهي لابن أبي الدنيا ، (ح49) .]، وقال يزيد بن الوليد : يا بني أمية إياكم والغناء فإنه يزيد الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل المسكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا[ذمّ الملاهي لابن أبي الدنيا ، (ح50) .]»[ المدخل لابن الحاج ، (3/105) .].
وإنّما اغترّ من اغترّ بالأناشيد بسبب فتاوى مَن لَم يعرِف حقيقةَ مذهبِ السّلف من المتأخّرين ، ولله ما قاله ابن الحاج في جواب هذه الشّبهة : «مصنّفات علماء المسلمين على مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من فقهاء المسلمين ، وكلها مشحونة بالذبّ[أي التّنفير عنه .]عن الغناء ، وتفسيق أهله ، فإن كان فعله أحد من المتأخرين فقد أخطأ ، ولا يلزمنا الاقتداء بقوله ، ونترك الاقتداء بالأئمة الراشدين ، ومن هاهنا زلّ من لا بصيرة له .
نحتجُّ عليهم بالصّحابة ، والتابعين ، وعلماء المسلمين ، ويحتجّون علينا بالمتأخرين ، سيّما كانت الجزيرة العربية بفضل الله تعالى ثم بجهد أئمة الدعوة معقلاً للدعوة السلفية والمنهج السلفي ، وظلت لعقود مستعصية على محاولات الاختراق على أيدي دعاة التصوف والتشيع وغيرهم .
لكنّ دهى الجزيرة هذه السنوات أمر لا مرد له كما قال أبو البقاء الرندي في قصيدته المشهورة ..
لقد أصبحت أعلام التصوف وراياته تطوف البلاد شرقاً وغرباً على أيدي رسل التصوف أهل الغناء والطبل والزمر الذين يُسمون الآن بالمنشدين ..
وفي أحضان منهج الإخوان والمناهج المتولدة منه وعنه في الجزيرة الذين وفروا لدعوة الإخوان بل ولكل داعية ضلالة محضناً ومفرخاً يفرّخ فيه مرهبين كل من تسول له نفسه بالإنكار عليهم والتصدي لهم باساليب متنوعة ابتداء باللمز والهمز والنّبز بالألقاب ، وانتهاء بالهجر والحجر مروراً بترويج الأكاذيب والإشاعات ..
ولعلّ من أبرز البدع والمحدثات الّتي كان التصوّف منشأها وسبب دخولها على المسلمين بدعة السّماع .
والمقصود بالسّماع هنا هو سماع القصائد الملحّنة ، وليس المقصود بها ما كان فيه تشويق للجنة ، وتخويف من النّار ، أو ما فيه أدب وإصلاح ، بل زاد الأمر عندهم ليصل إلى سماع أيّ شيء إذا كان المستمع يأخذ منه عبرة ، وهذا جرهم إلى سماع ما لا يجوز الاستماع إليه بالاتفاق .
ومع أنّ مسألة السّماع كانت من المسائل الفارقة بين منهج السّلف ومنهج المخالفين لهم إلى عهد قريب ، إلاّ أنّنا في العصر الحاضر أمام فتنة عمياء عمّت وطمّت ، إذ أصبح الاستماع للغناء المحرّم شرعاً والغناء الصّوفي البدعي أمراً رائجاً تحت مسمّى (الأناشيد الإسلاميّة) .
والأناشيد الإسلاميّة بوضعها الحالي لا تخلو - في الغالب الأغلب- من أحد حالين :
فإمّا هي من جنس الغناء الصّوفي البدعي ، وإمّا هي من جنس غناء الفسّاق .
وإنني أذكر منذ سنوات عديدة كيف كان استماع الأناشيد عيباً وعاراً عند من ينتسب للمنهج السّلفي ، عند الشّباب الّذي تربّى في محاضن العلماء الكبار أو من هو دونهم ، على طلب العلم وقراءة القرآن وتدبّره ، حتّى تقادم العهد بنا ودخلت الدّعوة السّلفيّة في المملكة منعطفاً جديداً بدخولها تحت تأثير ما يُسمّى (الصّحوة) ، إذ تمّ تحت ستار مصلحة الدّعوة والتّعاون مع الجماعات الإسلاميّة غضّ الطّرف عن تسرّب الفكر الإخواني ، وأخذت مناشط المنتسبين للسّلف لا تكاد تخلو من الإنشاد أو التّمثيل أو غير ذلك من محدثات الجماعات وأساليبهم .
وللأسف الشّديد ، فقد تمادى الأمر بهم حتّى أصبح الإنشاد في عصرنا مدارس وطرق وأصوات ومؤسّسات وقنوات ، وأصبحت ترى في برامج هؤلاء ما يندى له الجبين من التّكسّر والاختلاط بين الذكور والإناث ، وكلام بعضهم البعض ، وأصبح للمنشد معجبون ومعجبات ، وأصبحت المسابقات تُقام لأفضل المنشدين ويتم التصويت لهم ، ولفت أنظار النّاس إليهم ، وكأنّهم كبار أهل العلم ، أو كبار أهل الجهاد ، وهذا ما تحدّث عنه شيخ الإسلام رحمه الله قبل عدّة قرون بنور بصيرته الّتي حباه الله إيّاها .
وأصبح الإنشاد تجارة رائجة ، يتكسّب من خلالها المنشدون والتجّار ، بل أصبح بعض المنشدين يتقاضى الأجور العالية مقابل نشيد واحد .
أمّا ما يُسمّى (الفيديو كليب الإسلامي) فحدّث عنه ولا حرج ، إذ أصبح النّاظر – أحياناً - لا يكاد يفرّق بين المنشد وراقصي (الديسكو) في طريقة التصوير والإخراج ، دع عنك تطريب المغني (المنشد) واهتزازاته وحركاته .
وكلّ هذا ذكره وأنكره في مبحث هامّ شيخ الإسلام – رحمه الله - في أثناء كتابه العظيم «الاستقامة» أثناء مناقشته للصوفيّة في منكراتهم الّتي من أشهرها الغناء والاستماع إليه .
وهو مبحث هام ومناقشة قيمة أنصح كل من ابتُلي بالنشيد واستماعه والتساهل فيه أن يرجع إليه وأن يقرأه بتمعّن وهو في الاستقامة تحقيق رشاد سالم من (1/216) وما بعدها .
إنّ النّاظر لحال «الأناشيد الإسلاميّة» يجدها لا تخرج عن حالين أبداً :
فإمّا أن يكون مضمونها قصائد وعظية في حبّ الله تعالى أو الخوف منه أو الترغيب في العمل الصّالح ونحو ذلك .
وإمّا أن تكون حِكَماً وأقوال لا يُقصد بها شيء من الترغيب أو الترهيب ، كقصائد الغزل العفيف ، أو الوصف ، أو الكلام عن الصداقة ونحو ذلك .
وفي كلا الحالين فإنّ الأناشيد هي : «قصائد مُلحّنة» بلحون متميّزة ، على قوانين موسيقيّة ، سواء ميّزها المنشد ونغّمها قصداً ، أو وافقت القانون الموسيقي عَرَضاً .
فهذا الّذي ذكرته أعلاه في الحقيقة هو الغناء الّذي جاء الشّرع ، بتحريمه واتفقت كلمة الأئمّة من السّلف على ذمّه والتّنفير عنه وأنّه من فعل الفسّاق . وكونها تُسمّى »أناشيد إسلاميّة« فهذا لا يغيّر من حقيقتها شيئاً ، بمنزلة تسمية الخمر بغير اسمها ، والربا بغير اسمه ، فكذلك الغناء سُمّي بغير اسمه .
فحقيقة الغناء هو الكلام المُغنّى أي : الملحّن ، فإن كان يُقصد به ترقيق القلوب والوعظ فهو من نوع البدع المحرّمة الّذي أحدثه أرباب التصوّف .
وإن كان يُقصد به مجرّد التّلذّذ بالصّوت واللّحن فهو من جنس المعاصي الّتي جاء بتحريمها الكتاب والسّنة ، واسمه الحقيقي : «الغناء« .
ولو تتبّع المنصِف كتب الحديث واللّغة والتراث فلن يجد عندهم شيئاً اسمه (الأناشيد) بمعنى ما يمارسه أرباب التصوّف وأتباعهم من المنشدين المعاصرين ، نعم كان العرب ينشدون الشِّعر ، لكن ليس إنشاد الشِّعر إلاّ قراءته بطريقة من يقرأ الشِّعر بلا تلحين وتطريب .
قال العلاّمة محمد بن محمد بن محمد ابن الحاج ، أبو عبد الله العبدري المالكي الفاسي: «إنما يصير الشِّعر غناءً مذموماً إذا لُحِّن ، وصنع صنعة تورث الطّرَب ، وتزعج القلب(1)، وهي الشهوة الطبيعية ، وليس كل من رفع صوته بالغناء لحن ، وألذ ، وأطرب ، فالممنوع ، والمكروه إنما هو اللذيذ المطرب »[ المدخل ، (3/106) .] .
وقال العلاّمة ابن خلدون في المقدّمة متحدثاً عن صناعة الغناء : »هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة ، يوقع كل صوت منها توقيعاً عند قطعِه ، فيكون نغمةً ، ثم تؤلّف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة ، فيلذّ سماعها لأجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات .
وذلك أنه تبيّن في علم الموسيقى أنّ الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت ، وربع آخر وخمس آخر ، وجزء من أحد عشر من آخر ، واختلاف هذه النّسب عند تأديتها إلى السّمع بخروجها من البساطة إلى التّركيب ، وليس كلّ تركيب منها ملذوذاً عند السماع ؛ بل للملذوذ تراكيب خاصّة وهي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلّموا عليها كما هو مذكور في موضعه .
وقد يساوق ذلك التّلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات ، إمّا بالقرع أو بالنفخ في الآلات تتخذ لذلك ، فترى لها لذة عند السّماع ، فمنها لهذا العهد أصناف ، منها ما يسمونه الشبابة .» الخ كلامه [مقدمة ابن خلدون ص 423 ] ، ومن كلامه نستفيد أمرين :
أوّلهما : أنّ الغناء المعلوم هو تقطيع الصوت وتلحينه وفق أوزران موسيقية صوتية لها قانون يمّز كل صوت عن الآخر ، فهو تلحين خارج عن البساطة إلى التركيب أي التكلف والصّناعة لا كغناء الأعراب وحدائهم البسيط غير المتكلف .
والآخر : أنّ هذا يُسمى غناء بل هو المقصود عندهم بذلك حتى لو لم يصاحبه آلة عزف كما وكل من يرى هذا الرأي الفاسد عار من الفقه عاطل من العلم لا يعرف مأخذ الأحكام ، ولا يفصل الحلال من الحرام ، ولا يدرس العلم ، ولا يصحب أهله ، ولا يقرأ مصنفاته ، ودواوينه ، .. فيا من رضي لدينه ، ودنياه ، وتوثق لآخرته ومثواه باختيار مالك بن أنس وفتواه ، إن كنت على مذهبه ، وباختيار أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل إن كنت ترى رأيهم ، كيف هجرت اختيارهم في هذه المسألة ، وجعلت إمامك فيها شهواتك وبلوغ أوطارك ولذاتك»[ المدخل ، (3/108) بتصرّف يسير .].
وقبل أن تبدأ بقراءة كلام شيخ الإسلام رحمه الله أنبّهك إلى أمور :
أوّلاً : إن ما يذكره شيخ الإسلام من المفاسد الّتي يقع فيها أهل الغناء (أو الأناشيد) لا يلزم أن تكون متحقّقة بمجموعها في كلّ الصّور ، فكون الغناء المعاصر (الأناشيد الإسلامية) لا يشتمل على كثير ممّا يذكره شيخ الإسلام – أو بعضه - لا يعني أنّ كلامه لا يعمّه ، ولا يعني أنّ ما يقع فيه المنشدون ومن يستمع إليهم لا حرج فيه ، كلّ ما في الأمر أنّ الفِتَنَ يرقّق بعضُها بعضاً ، فرؤية ما عند الصوفية من مظاهر الشطح والرقص والفواحش التي ذكرها شيخ الإسلام قد تهوّن عند المنشدين ما هم فيه من مجرّد الغناء ، وهذا خطأ لأنّ المحرمات درجاتٌ بعضها فوق بعض ، والنشيد - أو الغناء - المجرد هو أخفّ صور الغناء المحرم ، ويشتدّ تغليظه كلّما انضمّ إليه شيء مما حرمه الله تعالى كالمعازف أو الكلام الفاحش .
ثانياً : عدم تحقّق العلّة أو المفسدة الظاهرة في بعض الصور لا يتعارض مع أصل الحكم الشّرعي ، فكون بعض المنشدين من الصّالحين المتّقين أو من حفّاظ القرآن ممّن لا يُعرف بريبة لا يتعارض مع ما هو الأصل في الغناء والنشيد من أنّه رقية الزّنا وأنّه يصد عن ذكر الله ونحو ذلك ، فليس من الحكمة ولا المنطق أن يحتجّ شارب الدّخان على من ينكر عليه بأنّ فلاناً من الناس شرب الدخان طول عمره ولم يصب بأذى ، أليس كذلك ؟
فكذلك ليس من الحكمة ولا الشّرع أن يُحتجّ على ما ذكره شيخ الإسلام وغيره من مفاسد النشيد أو الغناء أنّ بعض الصالحين دخلوا فيه ولم يتلطخوا بشيء من المفاسد ، وهؤلاء متأوّلون يغفر الله لهم إن اجتهدوا فأخطؤوا ، لكن لا يجوز اتّخاذ زلاّتهم حجّة على من ينكر على أهل الغناء غناءهم وطربهم .
ثالثاً : من الأخطاء الّتي تكثر في هذا الباب الاستدلال بالرّخص على مواطن العزائم والأصل ، وهذا خطأ ، إذ يأتي أحدهم إلى حديث عائشة واستماعها للجاريتين في العيد فيجعله دليلاً على جواز استماع الغناء والأناشيد .
أو يأتي إلى إباحة الضّرب بالدف في العرس فيأخذ منه إباحة الدّفّ في كلّ وقت .
وعلى هذا فإنّ ما يقع فيه بعض النّاس من اتخاذ الغناء حرفة ومهنةً مخالف للشّرع ، فحجّة هؤلاء أنّ الشّريعة استثنت العرس والعيد من عموم النّهي عن الغناء ، وهذا صحيح ، لكنّ الاستثناء لعموم النّاس ، بمعنى أن يقوم من لديه مناسبة العيد أو العرس بالغناء ممن صوته جميل ، أمّا أن يصبح ذلك مهنة فلا يجوز ؛ لأنّ ذلك سيصبح في حق المغنّي أو المغنّية أصلاً وليس استثناءً ، فيكون كلّ يوم مغنياً في عرس هذا أ ذاك ، فعاد عملُه على أصل النّهي بالإبطال .
والدّليل على ذلك من السّنّة ، ففي الصحيح عن عائشة – - رضي الله عنها - قالت : دخل عليّ أبو بكرٍ وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، قالت : وليستا بمغنّيتين ، فقال أبو بكرٍ : أبمزمور الشّيطان في بيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وذلك في يوم عيدٍ ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكرٍ إنّ لكلّ قومٍ عيدًا وهذا عيدنا»[ أخرجه البخاري في العيدين ، (ح949) ، ومسلم في صلاة العيدين ، (ح892) وهذا لفظه .].
قال النّووي: « وقولها : وليستا بمغنّيتين معناه : ليس الغناء عادة لهما ، ولا هما معروفتان به .. قال القاضي: أي ليستا ممّن يتغنّى بعادة المغنّيات من التّشويق والهوى والتّعريض بالفواحش والتّشبيب بأهل الجمال وما يحرّك النّفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل : ( الغناء رقية الزّنا ) ، وليستا أيضًا ممّن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الّذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرّك السّاكن ويبعث الكامن ، ولا ممّن اتّخذ ذلك صنعة وكسبًا»[ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، (6/182-183) وانظر إكمال المعلم لقاضي عياض ، (3/306) .] .
والشاهد أنّ أبا بكر - رضي الله عنه - سمّى غناءهما مزمور الشّيطان ، وأقرّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك ، وإنّما ذكر له العلة في إقرارهما وهو أنّه رخصة بسبب العيد .
ونبّهت عائشة إلى أنّهما ليستا بمغنّيتين ، فليس الغناء لهما عادة ، حذراً من أن يُفهم عنها جواز اتّخاذ القينات المغنّيات .
ولهذا قال الإمام أحْمد – رحِمَه الله - فيمنْ مات وخلّف ولدًا يتيمًا ، وجاريةً مغنّيةً ، فاحْتاج الصّبيّ إلى بيْعها :« تباع ساذجةً» [أي دون احتساب صفة القدرة على الغناء وجمال الصوت في الثمن بمعنى أنّه لا قيمة له شرعاً أي لا يباع .] .
قيل له : إنّها تساوي مغنّيةً ثلاثين ألْفًا ، وتساويْ ساذجةً عشْرين ديناراً .
قال : «لا تباع إلّا على أنّها ساذجةٌ»[ المغني لابن قدامة ، (14/160) .] .
ولو كان اتخاذ الغناء في العرس ونحوه مهنة للتكسب جائزاً لكان من الجائز بيعها على أنّها مغنية على اعتبار أنّ منفعتها ليست محرمة مطلقاً .
لكنّ أحمد رفض هذا وحرَمَ اليتيم من ثلاثين ألفاً ؛ لأنّه يرى ذلك غير جائز ، وهو الصّواب بلا مرية - إن شاء الله - .
رابعاً : يجب الانتباه عند قراءة كلام شيخ الإسلام ، كيف بيّن أمراً مهماً يقع فيه بعض من يستدلّ للجواز في هذه المسألة وهو استدلالهم بالعام على الخاص ، وهذا خطأ ، كمن يستدل على جواز الأناشيد أو الغناء بكونه صلى الله عليه وسلم امتدح حسن الصوت مثلاً ، فهذا خطأ لأنّ هذا عام لا يتعارض مع خصوص النّهي عن الغناء .
خامساً : من الأخطاء الّتي يقع فيها البعض عدم التمييز بين الغناء وبين المعازف ، فيظنّ أنّ الغناء الّذي جاء تحريمه هو الغناء بالمعازف وآلات الطّرَب ، وهذا خطأ، فالمعازف حكمُها جاء مستقلاً ، وهو التحريم بإجماع من يُحترم قوله في مثل هذه المسائل من الأئمّة وأهل العلم .
وأمّا الغناء فهو اسم للقصائد الملحّنة بصوت الإنسان بتطريب ووزن موسيقي ، فهذا هو الغناء ، بغضّ النظر صاحبته آلة عزف أم لا ، وبغضّ النظر عن القصائد هل هي من الكلام المباح أم الفحش وغيره ، فكلّ هذه قيود إضافية تزيد الغناء تحريماً لكنّها ليست قيداً في تحريمه في أصله .
سادساً : ومن الأخطاء في الباب أيضاً الخلط بين أسماء الأصوات في اللغة ، فيستدلّ البعض بجواز نوع من الصوت على نوع آخر ، وهذا خطأ بالغ كثر الخوض فيه ، فبعضهم يستدلّ على الجواز بأنّ الأناشيد هي الحداء الّذي جاء في السنة جوازه ، ويذكرون قصّة أنجشة ، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم له «رويدك يا أنجشة ، رفقاً بالقوارير»[ أخرجه البخاري في الأدب ، ) ح6149( ، ومسلم في الفضائل ، (ح2323) عن أنس - رضي الله عنه - .] ، وهذا خطأ أيضاً ، لأنّ الحداء غير الغناء ، والحداء يُقصد به الرّجز الّذي تنزجر به الإبل فتسير ، أو الّذي يعجبها فتتبعه ، وليس هو من جنس التطريب والتّرنّم الّذي يكون في الغناء أو ما يُسمى الآن «أناشيد» .
والعرب في لغتهم دقّة ، فتسمّي كلّ صوت باسم مختلف ، فالحداء ليس من الغناء الموزون على قانون الموسيقى ، ولو قلت عن المغني إنّه يحدو لكان خطئاً ، وإن كانوا تجوّزاً يطلقون اسم الغناء على كلّ رفع بالصوت أو ترجيع به .
وإنّما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنجشة : «رفقاً بالقوارير» لأنّه ساق الإبل بشدّة ، وهذا يؤذي النساء الّلواتي يركبن في الهوادج على الإبل ، فربّما سقطت الواحدة منهنّ ، فليس المقصود كما يُذكر عن بعض من تكلّم في الحديث خوفُه صلى الله عليه وسلم على النسوة من التأثّر بصوت أنجشة وتطريبه ، فهذا قدح في مقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أن يسمح بأن تسمع نساؤه الغناء الّذي يُخشى منه عليهنّ ، قال العلامة ملاّ علي قاري : « وقيل : أراد أنّ الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدّت ، فأزعجت الراكب وأتعبته ، فنهاه عن ذلك لأنّ النّساء يضعفن عن شدّة الحركة ، قلتُ : وهذا المعنى أظهر كما لا يخفى ، فإنه ناشئٌ عن الرحمة والشّفقة ، وذاك عن سوء ظنٍّ لا يليق بمنصب النبوّة»[ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، (14/75) .] .
ونقل المسعودي في «مروج الذهب» عن بعض محترفي الغناء واسمه ابن خرداذبه : «قال: وكان الحداء في العرب قبل الغناء، وقد كان مضر بن نزار بن معد سقط عن بعير في بعض أسفاره فانكسرت يده، فجعل يقول : يا يداه يا يداه، وكان من أحسن الناس صوتاً ، فاستوسقت الإبل وطاب لها السير، فاتخذه العرب حداء برجز الشعر، وجعلوا كلامه أول الحداء فمن قول الحادي :
يا هادياً يا هادياً ويا يداه يا يداه
فكان الحُداء أوّل السّماع والتّرجيع في العرب، ثم اشتقّ الغناء من الحداء».
فهذا يبيّن لك تفريق العرب بين الحداء والغناء ، فهل النشيد المعاصر غناءٌ أم حداء ؟ قال ابن خردذابة :« إنّ منزلة الإيقاع من الغناء بمنزلة العروض من الشّعر»، وهذا صريح في أنّ الغناء عند العرب هو النّشيد المعاصر ، إذ يكون بإيقاع صوتي له درجات وتداخلات ، ولهذا يوزن بالموازين الموسيقية ، بل بعضهم لا يزن إنشاده إلا بالات موسيقية ثمّ بعد أن يضبطها ويسجّلها يقوم المهندس الصوتي بنزع صوت المعازف ويبقي الصوت البشري ، وهذا يؤكّد ما قلناه ، فضلاً عن وزنه بإيقاع المعازف ، ويُعاد مرة واثنتين وثلاث حتى يُضبط ، فأين هذا من الحداء الّذي هو مجرد ترجيع لا بقانون ولا متكلف ولا مطرب ، فقياس النّشيد على الحداء قياس فاسد .
وممّا يستدلّ به البعض أيضاً ما كان يفعله عامر بن الأكوع - رضي الله عنه - ممّا يُسمّى النّصَب في السّفر والغزو .
وهذا أيضاً خطأ ، فالنّصب لا تطريب فيه ولا غناء ، فهو طريقة في التصويت بالأبيات كما نسمعه من الأعراب ، ولا علاقة له بالغناء الذي يجري على الأوزان والإيقاعات ، فيحدث النّشوة والطّرَب .
قال الزبيدي : «والنّصب ضربٌ من أغاني الأعراب وقد نصب الرّاكب نصباً إذا غنّى وعن ابن سيده : نصب العرب : ضربٌ من أغانيها . وفي الحديث : «لو نصبت لنا نصب العرب ؟» أي : لو تغنّيت ، وفي الصّحاح : أي لو غنّيت لنا غناء العرب ، يقال نصب الحادي : حدا ضرباً من الحداء ، وقال أبو عمروٍ : النّصَب : حداءٌ يشبه الغناء (2) ، وقال شمرٌ : غناء النّصب : ضربٌ من الألحان ، وقيل : هو الّذي أحكم من النّشيد و أقيم لحنه ووزنه ، كذا في النّهاية وزاد في الفائق : وسمّي ذلك لأنّ الصّوت ينصب فيه أي : يرفع ويعلى»[ تاج العروس ، مادة (ن ص ب) .].
وفي الأغاني لأبي الفرج: «وكانوا يغنّون غناء الحيرة بين الهزج والنصب وهو إلى النصب أقرب ، ولم يدوّن منه شيءٌ لسقوطه وأنه ليس من أغاني الفحول»[ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، (2/345) ]، وفيه أنّ النصَب لا يعدّه المغنّون غناء ، وهذا صحيح لأنّه لا يجري على سلّم الموسيقى .
وقال أبو الفرج أيضاً : « المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصق بهم منها ، لا أصل لجله ولا حقيقة لأكثره، لا سيّما ما حكاه ابن خرداذبة فإنّه بدأ بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكر أنه تغنى في هذا البيت :
كأن راكبها غصنٌ بمروحةٍ ...
ثم والى بين جماعة من الخلفاء واحداً بعد واحد .. فأمّا عمر بن الخطاب فلو جاز هذا أن يُروَى عن كلّ أحد لبَعُد عنه ؛ وإنّما روي أنه تمثّل بهذا البيت وقد ركب ناقةً فاستوطأها، لا أنّه غنّى به، ولا كان الغناء العربي أيضاً عُرف في زمانه ، إلاّ ما كانت العرب تستعمله من النصَب والحداء، وذلك جارٍ مجرى الإنشاد [أي إلقاء الشعر] إلاّ أنه يقع بتطريب وترجيع يسير ورفعٍ للصوت»[ الأغاني ، (9/288) .] .
لاحِظ في كلامه أنّه جعل ما تميّز به الغناء عن النصَب والحداء هو الترجيع والتطريب ، أمّا الحداء والنصب فليس فيهما إلا شيء يسير منه حتى لا يُعدّ عند أهل الصنعة غناءً .
وأنت إذا أخذت في أيّامنا هذه شيئاً من الأناشيد الإسلاميّة المزعومة ، وأخذت أغنية لأحد المغنّين ونزعت ما فيها من أصوات المعازف سيتبيّن لك أنّه لا فرق بينهما في الصّوت والتّنغيم والترنّم والتطريب .
بل إنّ كثيراً من الأناشيد ملحّنة بألحان أغنيات معروفة للفسّاق ، وهذا مشهور لا ينكره إلا جاهل فقد سمعناه بأنفسنا مرات كثيرة قبل أن يتبيّن لنا منه ما كنّا نجهل .
قال الحافظ ابن حجر: « واستدلّ بجواز الحداء على جواز غناء الركبان المسمى بالنصَب ، وهو ضرب من النشيد بصوت فيه تمطيط ، وأفرَط قوم فاستدلّوا به على جواز الغناء مطلقاً بالألحان التي تشتمل عليها الموسيقى(3)، وفيه نظر»[ فتح الباري ، (10/538) .] .
وقال أيضاً : « وأما الحداء فهو..: سوق الإبل بضَرب مخصوص من الغناء ، والحداء في الغالب إنما يكون بالرجز ، وقد يكون بغيره من الشِّعر »[ فتح الباري ، (10/543) .] .
قال الإمام ابن عبدالبر: « وهذا الباب من الغناء قد أجازه العلماء ووردت الآثار عن السلف بإجازته ، وهو يُسمّى غناء الركبان وغناء النّصَب والحداء ، هذه الأوجه من الغناء لا خلاف في جوازها بين العلماء .. وأما الغناء الذي كرهه العلماء فهذا الغناء بتقطيع حروف الهجاء وإفساد وزن الشِّعر والتمطيط به طلباً للهو والطّرَب ، وخروجاً عن مذاهب العرَب ، والدّليل على صحّة ما ذكرنا أنّ الذين أجازوا ما وصفنا من النصب والحداء هُم كرِهُوا هذا النوع من الغناء ، وليس منهم من يأتي شيئاً وهو ينهى عنه .. وقد رويت الرخصة في الألحان التي تعرفها العرب ورفع العقيرة بها دون ألحان الأعاجم المكروهة»[ التمهيد بترتيب المغراوي ، (10/209-213) باختصار .] .
وهذا فارِقٌ مهم ، فالعرب لم يكن لها خبرة ولا علم بالغناء والموسيقى وموازينها وقوانينها ، بل كانت ترفع عقيرتها بالشِّعر أو الرّجز دون تمطيط وتنغيم ورهز وإيقاع يهزّ النّفس البشريّة ويستخفّها ، كما قال تعالى : {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} [الإسراء:64].
وقد ذكر الإمام الشّاطبي كلاماً يناسب هذا أنقله بطوله لأهمّيّته وليُعلم أنّ ما جاء عن الصحابة وغيرهم من الأئمّة لا علاقة له بما يفعله المنشدون هذه الأيّام لا في طبيعته ولا في القصد منه ولا في عموم حالهم ، قال – رحِمَه الله - : « جائزٌ للإنسان أن ينشد الشِّعر الذي لا رفث فيه ، ولا يذكّر بمعصية ، وأن يسمعه من غيره إذا أنشد ، على الحدّ الذي ينشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عمل به الصحابة والتابعون ومن يقتدى به من العلماء ، وذلك أنه كان ينشد ويسمع لفوائد :
منها : المنافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن الإسلام وأهله ، ولذلك كان حسّان ابن ثابت - رضي الله عنه - قد نصب له منبر في المسجد ينشد عليه إذا وفدت الوفود ، حتى يقولوا : خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، ويقول له صلى الله عليه وسلم : «اهجهم وجبريل معك» [أخرجه البخاري في بدء الخلق ، (ح3213) ، عن البراء بن عازب - رضِيَ الله عنه - .]، وهذا من باب الجهاد في سبيل الله ، ليس للفقراء من فضله في غنائهم بالشِّعر قليل ولا كثير (4).
ومنها : أنهم كانوا يتعرضون لحاجاتهم ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم . كما فعل ابن زهير - رضِيَ الله عنه - ، وأخت النضر بن الحارث ، ومثل ما يفعل الشعراء مع الكبراء ، هذا لا حرج فيه ما لم يكن في الشِّعر ذكر ما لا يجوز .
ومنها : أنهم ربما أنشدوا الشِّعر في الأسفار الجهادية تنشيطاً لكلال النفوس ، وتنبيهاً للرواحل أن تنهض في أثقالها ، وهذا حسن ، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النّغمات ما يجري مجرى ما الناس عليه اليوم ، بل كانوا ينشدون الشِّعر مطلقاً من غير أن يتعلموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم ، بل كانوا يرقّقون الصوت ويمطّطونه على وجه يليق بأميّة العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى ، فلم يكن فيه إلذاذٌ ولا إطراب يلهي ، وإنما كان لهم شيء من النشاط كما كان الحبشة وعبد الله بن رواحة يحدوان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق :
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما حيينا أبداً
فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بقوله :
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-05-2009, 03:39 AM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي

ومنها : أن يتمثل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ نفسه أو ينشطها أو يحركها لمقتضى معنى الشِّعر ، أو يذكرها ذكراً مطلقاً .
هذا وما أشبهه كان فعل القوم ، وهم مع ذلك لم يقتصروا في التنشيط للنفوس ولا الوعظ على مجرد الشِّعر(5)، بل وعظوا أنفسهم بكل موعظة ، ولا كانوا يستحضرون لذكر الأشعار المغنّين ، إذ لم يكن ذلك من طلباتهم ، ولا كان عندهم من الغناء المستعمل في أزماننا شيء ، وإنما دخل في الإسلام بعدهم حين خالط العجم المسلمين .
وقد بين ذلك أبو الحسن القرافي فقال : «أي الماضين من الصدر الأول حجة على من بعدهم ، ولم يكونوا يلحّنون الأشعار ولا ينغمونها بأحسن ما يكون من النغم إلا من وجه إرسال الشِّعر واتصال القوافي ، فإن كان صوت أحدهم أشجن من صاحبه كان ذلك مردوداً إلى أصل الخلقة لا يتصنّعون ولا يتكلفون» .
هذا ما قال ، فلذلك نص العلماء على كراهية ذلك المحدث ، وحتى سئل مالك بن أنس - رضي الله عنه - عن الغناء الذي يستعمله أهل المدينة ، فقال : إنما يفعله الفساق»[ الاعتصام ، ص (220-223) بتصرف .] .
وقال العيني معلقاً على حديث عائشة المتقدّم : « فيه جواز سماع صوت الجارية بالغناء وإن لم تكن مملوكة ؛ لأنّه لم ينكر على أبي بكر سماعه ؛ بل أنكر إنكاره واستمرّت إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج ، ولكن لا يخفى أن محلّ الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك ، وقال المهلب : الذي أنكره أبو بكر كثرة التنغيم وإخراج الإنشاد من وجهه إلى معنى التطريب بالألحان ، ألاَ ترى أنه لم ينكر الإنشاد وإنما أنكر مشابهة الزمر بما كان في المعتاد الذي فيه اختلاف النغمات وطلب الإطراب فهو الذي يخشى منه وقطع الذريعة فيه أحسن ، وما كان دون ذلك من الإنشاد ورفع الصوت حتى لا يخفى معنى البيت وما أراده الشاعر بشعره فغير منهي عنه ، وقد روي عن عمر -رضي الله تعالى عنه - أنه رخص في غناء الأعرابي ، وهو صوت كالحداء يسمى النّصَب إلاّ أنّه رقيق»[ عمدة القارئ (6/394) .] .
وشيء أخير يزيد الاستدلال بفعل السلف ضعفاً ، ألا وهو أنّ النّصب والحداء إنّما جاء عن بعض السلف فعله واستماعه في السّفر والغزو ، فلم يكن أحدهم يجمع الناس على المنشدين ويقيم المهرجانات أو الجلسات للطرب والغناء واللهو ، فالذي يظهر أنّ ذلك من المواضع المخصوصة من عموم تحريم الغناء .
سابعاً : أنّ واقع النشيد الإسلامي اليوم - كما يُسمى– فيه ما لا ينبغي التوقّف في تحريمه ، فأكثر المنشدين من الشباب الحِسان وأكثرهم من حالقي اللحى أو مخفّفيها جداً ، وأكثرهم من المتجمّلين المتنعّمين في صورهم وأصواتهم وإذا رأيت الواحد منهم يغنّي أو ينشد رأيت كيف يهتزّ طرَباً ونشوة ، ويتمايل ويهزّ رأسه ويصفّق ويحث الجمهور على التصفيق ؛ بل رأيت أحدهم من شدة طربه يرقص رقصاً على أنغام صوت المنشد ، هذا عدا ما يصاحب ذلك من همهمات وتنهيدات وتصويتات لا تفرق بينها وبين صوت المعازف ، ويظنّ هؤلاء أنّهم بهذا سلِموا من استعمال آلات العزف ، مع أنّ كثيراً منهم هم في الحقيقة ممن يستمع للغناء والمعازف ، ولا يرى بها بأساً ، تقليداً منه لفتاوى شذّاذ الآفاق من فقهاء الفضائيّات ، وإنّما يقدّمون النشيد الإسلامي المزعوم للسذّج والجهّال ممّن لا يستمع للمعازف ، فيظنّ هؤلاء أنّهم سلموا من المغرم ، وليسوا كذلك ؛ لأنّ العبرة بالأثر لا بمجرد تغيير الصّورة .
وأشدّ من ذلك وأنكى هو السّماح بمشاهدة النّساء للمنشدين بصورهم وحسنهم وأصواتهم العذبة ، مع تكسّرهم وتغنّجهم ، فهذا والله من أقبح القُبح ، فتأثّر النساء بأصوات الرّجال النّاعمين وإثارة الغرائز بها أمر لا ينكره إلاّ جاهل أو ديّوث .
وقد حكى الزّبيدي قال : «سمع سليمان بن عبد الملك غناء راكبٍ ليلاً وهو في مضرب له ، فبعث إليه من يحضره ، وأمر أن يُخصى وقال : ما تسمع أنثى غناءه إلاّ صبَت إليه ، وقال : ما شبّهته إلاّ بالفحل يرسل في الإبل يهدّر فيهنّ فيضبعهنّ ».
وقد سمعت بنفسي من النساء من تصرح بحب المنشد فلان وفلان وإعجابها وتنهداتها على شاشة قناة فضائيّة وأمام الخلق فنعوذ بالله من ذلك .
ثامناً : أنّ واقع النّشيد اليوم لا يجوز بحال من الأحوال – ولو قيل بإباحته – أن يُستدل عليه بما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ، فشتّان شتّان بين صنائعهم وفعالهم وبين واقع الغناء الذي يسمونه النشيد الإسلامي اليوم ، وما أحقّ من يفعل ذلك بما نقله ابن الحاج في المدخل قال : « قال الإمام الشيخ رزين – رحِمَه الله - : «ما أتي على بعض العلماء المتأخرين إلا لوضعهم الأسماء على غير مسميات» ، وها هو ذا بيّن .
ألا ترى السماع كان عندهم على ما تقدم ذكره ، وهو اليوم على ما نعاينه ، وهما ضدان لا يجتمعان ، ثم إنهم لم يكتفوا بما ارتكبوه حتى وقعوا في حق السلف الماضين - رضي الله عنه -م ، ونسبوا إليهم اللعب ، واللهو في كونهم يعتقدون أن السماع الذي يفعلونه اليوم هو الذي كان السلف - رضوان الله عليهم - يفعلونه ، ومعاذ الله أن يظن بهم هذا ، ومن وقع له ذلك فيتعين عليه أن يتوب ، ويرجع إلى الله تعالى ، وإلا فهو هالك ألا ترى أن الشيخ الإمام السهروردي– رحِمَه الله - لما أن تكلم على السماع قال في أثناء كلامه : «ولا شك أنك إذا خيلت بين عينيك جلوس هؤلاء للسماع ، وما يفعلونه فيه فإن نفسك تنزه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تبعهم عن ذلك المجلس ، وعن حضوره»[ المدخل (3/95-96)](6) .
وقال ابن الحاج أيضاً : « وأما من جهة الاستنباط فهو جاسوس القلب ، وسارق المروءة والعقول ، يتغلغل في مكامن القلوب ، ويطلع على سرائر الأفئدة ، ويدب إلى بيت التخييل فيثير كل ما غرس فيها من الهوى والشهوة والسخاطة والرعونة ، بينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار ، وبهاء العقل ، وبهجة الإيمان ، ووقار العلم كلامه حكمة ، وسكوته عبرة فإذا سمع اللهو نقص عقله ، وحياؤه ، وذهبت مروءته وبهاؤه فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ، ويبدي من أسراره ما كان يكتمه ، وينتقل من بهاء السكوت إلى كثرة الكلام ، والكذب ، والازدهاء ، والفرقعة بالأصابع ، ويميل رأسه ، ويهز منكبيه ، ويدق الأرض برجليه»[ المدخل (3/105-106) .].
ومن التّلبيس الحاصل : التّرويج للغناء الذي يُسمى أناشيد بفتاوى للعلماء الكبار كمثل الشيخ ابن باز – رحِمَه الله -، وهذا تلبيس ، فإنّ الشيخ لا يقصد الأناشيد الّتي راجت هذه الأيّام وإنّما كان يقصد ما يعرفه من رجَز البعض بالشِّعر ، كشعر الآداب والمتون العلميّة .
أمّا هذه الآهات والترنّمات والأصوات الموزونة فلا يكاد يجيزها إلاّ من يستبيح الغناء المتفق على تحريمه .
تاسعاً : أنّ أكثر واقع النّشيد اليوم هو من جنس الغناء الصّوفي المبتدع الذي اتفقت كلمة السّلف على ذمّه وذمّ أصحابه ، وهذا ما يجهله كثير من النّاس بسبب عدم معرفتهم بحقيقة البدعة والسّنّة ، وكيف عدّ السّلف الغناء الصّوفي بدعة .
وبيان ذلك أنّ بدعيّة العمل تأتي من طريقين :
الأوّل : أن يعتقد الفاعل للعمل أنّ عمله عبادة وقربة يتقرّب بها إلى الله تعالى ، وهذا هو الواضح المشهور من أمر البدع وهو الّذي يزعم كثير من منشدي اليوم ومستمعي النّشيد أنّهم منه براء .
فقد ذكر الأئمّة أنّ من اتّخذ وسيلة لعمل شرع الله وسيلته وكان المسوّغ لهذه الوسيلة موجوداً في عهد السلف فلم يفعلوه فإنّ العمل يكون بدعة ، قال الشّاطبي : « وبيان ذلك أنّ سكوت الشّارع عن الحكم على ضربين :
أحدهما : أن يسكت عنه لأنّه لا داعية له تقتضيه ، ولا موجب يقدر لأجله كالنوازل الّتي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنّها لم تكن موجودة ثمّ سكت عنها مع وجودها ، وإنّما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشّريعة إلى النّظر فيها وإجرائها على ما تقرّر في كلّيّاتها ، وما أحدثه السّلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف ، وتدوين العلم ، وما أشبه ذلك ، مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها .
والثّاني : أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم فلم يقرّر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزّمان ، فهذا الضّرب : السّكوت فيه كالنّص على أنّ قصد الشّارع أن لا يُزاد فيه ولا يُنقص ، لأنّه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه ، كان ذلك صريحاً في أنّ الزّائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ، ومخالفة لما قصده الشّارع ، إذ فُهم من قصده الوقوف عند ما حدّ هنالك ، لا الزّيادة عليه ولا النّقصان منه»[ الموافقات (2 / 681 ـ 682) بتصرّف يسير جداً ، وانظر أيضاً اقتضاء الصّراط المستقيم ص(27).]
وسبب ذلك أنّ البدعة في هذه الحال تصدّ عن السنّة المشروعة .
وهذا هو الذي يغفل عنه الكثير ، ونمثّل له بأمثلة توضح المقصود :
محبّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم غاية مشروعة ، شرع الله لها من الوسائل ما يحقّقها ، كالصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وكاتباعه ، والاقتداء به ، ومعرفة سيرته وشمائله ، ونحو ذلك .
لكن لم يرد عن السّلف أنّهم احتفلوا بيوم ميلاده ، كما لم يرد عنهم أنّهم أقاموا ميتماً يوم وفاته .
فمن احتفل اليوم بميلاده صلى الله عليه وسلم أو أقام الميتم وأظهر الحزن في يوم وفاته بالذات زعماً منه بأنّه يفعل ذلك محبّة له صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع مالم يأذن به الله ؛ لأنّ عمله لم يفعله السلف الأوّلون من الصّحابة والتابعين ، فالشرع قد كفانا وسائل إظهار وتعزيز محبّته صلى الله عليه وسلم .
كذلك الخوف والخشية والشوق إلى الله ونحو ذلك من أعمال القلوب ، جعل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وسيلة تقويتها هو الإكثار من ذكر الله ، وقراءة القرآن ، والتفكّر في خلق الله وآياته ، وكثرة الصّلاة ، وزيارة القبور ، ونحو ذلك ممّا هو مشروع في الكتاب والسّنّة .
فإذا جاء بعد ذلك من يغنّي - أو ينشد كما يُقال – الأشعار والقصائد الملحّنة الّتي فيها ذكر الجنة والنار والقبر وفناء الدنيا والزهد ونحو ذلك فقد وقع في البدعة ، لأنّ هذه الوسيلة لم يتّخذها السّلف مع قدرتهم وتمكنهم ووجود الباعث لها في عهدهم فدل على أنّها بدعة في الدين حتّى لو لم ينو بها صاحبها التّقرّب إلى الله تعالى .
ومن هذا الباب نعرف أنّ القصائد الوعظيّة المغنّاة الملحّنة أشدّ تحريماً من القصائد الّتي تتضمن كلاماً آخر في وصف الربيع مثلاً أو الوفاء والأخوّة أو غير ذلك .
مع أنّك إذا دقّقت وجدتَ شبهة التقرب والتعبد موجودة في كلام كثير من المنشدين والمستمعين ، إذ يطلبون دائماً محضَ رضا الله تعالى بإنشادهم وأن يرزقهم الإخلاص والبعد الرياء ، كما يقر كثير منهم بنية الدّعوة إلى الله تعالى بالإنشاد وغير ذلك مما يكون غالباً في العبادات المحضة .
ولهذا كانت الأغاني - الّتي تُسمّى بالأناشيد - من أكبر أسباب الصدّ عن الله وعن كتابه والتّغنّي به والتدبّر له ، وعن العلم الشّرعي ، والسنّة واتّباع السّلف في هديهم ، وهذا ظاهر في حال غالب المنشدين للأسف في بعدهم عن العلم وجهلهم أبسط الأحكام الشّرعيّة ، عداك عن المخالفات الشّرعيّة في الهدي الظّاهر كالإسبال ولبس ما لا يحل أو لا يجمل وحلق اللحية أو تخفيفها جداً عداك عن التّساهل في أمر الصّلاة والعبادات .
عاشراً : مع هذا بقيت قلة قليلة من الأناشيد يمكن قبولها لخلوّها من التطريب واللهو ، خصوصاً للأطفال والنساء ، وفي أوقات تستدعي ذلك ، وهذا النوع الآن قليل كما قلت ، وغالبه قديم التسجيل منذ سنوات عديدة ، فهذا الصنف مقبول – إن وجد - .
وقد يقول قائل : ما هو الحد الشرعي الفارق بين التطريب وعدم التطريب ، ويجعل من هذا شبهة يرد القول بتحريم هذا الغناء .
فأقول : هذا ليس مقصوراً على هذه المسألة ، بل كثير من المسائل الشرعية يكون فيها تحديد بين القليل والكثير ، كالحركة في الصلاة مثلاً ، وكاشتباه النجس بالطاهر في أبواب المياه أو اللباس ، وكثير من المسائل فيها ثلاث مناطق ، منطقة لاشكّ فيها بأنها حرام ، ومنطقة لاشكّ بأنّها حلال ، ومنطقة هي محل تردّد ، فالمؤمن يعرف كيف يتعامل مع هذه الأمور ، وفق قوله صلى الله عليه وسلم : « الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس ، فمن اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»[ أخرجه البخاري في الإيمان (ح52) ومسلم في المساقاة (ح 1599)عن النّعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ] ، فالأناشيد التي هي من جنس الغناء المحرم وغالب النشيد اليوم من هذا النوع هي ظاهرة التطريب واللهو خصوصاً مع الإيقاعات ونحوها ، فهذه لا يجوز التردد في الامتناع عنها ، وهناك أناشيد من جنس الحداء والرجز لا تطريب فيها البتة خصوصاً ما كان من قصائد الأعراب والقصائد النبطية ونحوها المتون العلمية فهذه لاشكّ في حلّها مع أنّها اليوم أندر من الكبريت الأحمر ، وهناك أناشيد قد تقع من العبد في منطقة الشكّ والتّردّد فهذه الخير له في اجتنابها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « فمن اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ كلمة أهل الإسلام متفقة على أنّ السماع أو ما يُسمى الأناشيد هي من السماع المفضول الذي لا يجوز ولو قيل بإباحته أن يكون ديدن الإنسان وأكثر حاله ، بل يجب أن يكون سماع القرآن وتدبره هو الأكثر وهو الغالب .
ولا أريد أن يكون هذا التّمهيد بحثاً في بيان حكم الأناشيد والتوسّع فيها ، وإنّما أردت التّنبيه على سبب الخلط الوارد والتلبيس الّذي وقع فيه كثيرون ، بسبب عدم التفريق بين المسميات ، وبين الأحوال المختلفة .
وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله الذي أشرتُ إليه ما فيه تفصيل وبيان لا مناص منه في حكم الأناشيد الإسلامية المزعومة ، والّتي هي في الحقيقة لا تخرج عن كونها من الغناء المحرّم إلاّ في مواطن وحالات هي من قبيل النادر أو المعدوم في هذه الأيام ، والله المستعان ، والله أعلم وأحكم .
(1)أي تحرّكه بالشوق والمحبة والخوف ونحو ذلك من أحوال القلب .
(2)انظر كيف فرق بينه وبين الغناء ، فلو كان إنشاد الصوت بأي طريقة وتنغيمه وترنيمه شيء آخر غير الغناء فما هو الغناء المحرم إذاً ؟ولهذا لما عرف بعضهم ضيق هذا المسلك عليه قال إن الغناء المحرم هو ما صاحبه آلات المعازف أو ما كان فيه فحش ودعوة للحرام أو وصف منكر أما النشيد الإسلامي فيخلو من ذلك فهو جائز ولو كان يُسمى غناء في اللغة ، وهذا خطأ كما نبهنا عليه سابقاً .
(3)يقصد ألحان الأغاني ذات الموسيقى اللّغويّة ، ففي كلامه تأكيد على الفرق بين الحداء والنصب وبين الغناء الّذي فيه تطريب وتمطيط على أوزان موسيقية كما هو حال المنشدين اليوم إلاّ من رحم الله .
(4)الفقراء يقصد بهم الصّوفيّة ، فهم لا يُغرفون بجهاد ولا كفاح فليس لهم في باب الإنشاد منافحة عن الإسلام وأهل الإسلام نصيب ، كحال غالب المنشدين اليوم إنّما هم أصحاب طرب وتصويت ومهرجانات غنائية ولهو إلاّ من رحم الله وقليل ما هم .
(5)هذا أصل مهم ، فإنّ كثيراً من الوسائل الّتي اتخذها السلف سواء في باب السياسة أو في غيرها إنّما فعلوها أو رخّصوا فيها بعد أن كانوا بلغوا الغاية في استعمال الوسيلة الشّرعيّة ، فجاء من بعدهم فأخذ ما جاء عنهم في رخصهم وأعرض عن عزائمهم ، كمن يأخذ المكوس من الناس ويحتج بدعوته صلى الله عليه وسلم الصحابة للإنفاق على معركة كذا وكذا ، مع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعطّل شريعة الزكاة ، بل أخذ الزكاة الواجبة فلما لم تفي بالغرض دعا الناس للإنفاق ، فيأتي الآن بعض الساسة فيأخذ المكوس من الناس ولا يفرض على الأغنياء زكاة أموالهم ، ومثاله هنا في باب السماع ، فإنّ السّلف استفرغوا جهدهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله وعمارة الأرض والدعوة ، فإن أصابهم ملل أو كلل أو احتاجوا إلى الترفّه ترخّصوا بشيء من الحداء أو النصب ، فجاء من بعدهم فأخذ بما جاء في وقت ترخصهم مع أنّه في الأصل لم يسلك سبيلهم في تدبر الكتاب والسنة والعمل بهما والدعوة لهما ، فأين ما كان يفعله ابن رواحة في الجهاد وحفر الخندق مما يفعله أصحاب المهرجانات الإنشادية الغنائيّة الذين يتجمعون للهو والطرب والغناء والرقص وأكثرهم لا علم ولا فقه ولا جهاد ولا دعوة ، فإذا أنكرت عليهم تعللّوا بنشيد ابن رواحة في الجهاد أو الصحابة في حفر الخندق ، وهذا من جناية الهوى على العبد .
(6)وما ذكره حق ، فبالله عليك أين ما يفعله الآن أصحاب المهرجانات الغنائيّة في المسارح من الطّرَب واللهو والتّصفيق والأنوار الملونة المتحركة والتصفير وغير ذلك .. أين هذا من حداء ساذج يقوله أعرابي يحدو به إبله ؟!
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:02 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.