أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
15897 169036

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-21-2013, 12:36 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب (11) : { وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }.


{ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى .

أما بعد :

فإن أمن الأبدان وطمأنينة القلوب من النعم الجليلة التي يهبها الله – تعالى – لعباده ، فيبدد عنهم المخاوف والأحزان ، ويدفع عنهم المهلكات والمفزعات ، فتُكسى قلوبهم وأرواحهم بالسرور والطمأنينة ، وتنعم أبدانهم بالراحة والسكينة التي بها تكمل سعادتهم ، ويتم تنعمهم .

فإن كمال التنعم بالأرزاق أن يقترن بها الأمان الموجب لطمأنينة القلوب ، وسكينة الأبدان .

قال النبي – صلى الله عله وسلم - : " من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " (صحيح الجامع برقم : 6042 ، الصحيحة : 2318) .

" ( آمِناً فِي سِرْبِهِ ) قال الأصمعي : أيْ : ( فِي نَفْسِهِ ) . وقَالَ غَيْرُهُ في سَرْبِهِ بِفَتْحِ السِّينِ : أي : ( في مَسْلَكِهِ ) " ( غريب الحديث لابن الجوزي : 1/ 472 ) . فمن النعم العظيمة أن تكون آمنا في نفسك وبين أهلك وقومك ، وآمنا في طريقك في ذهابك وعند رجوعك .

وتحقيق الأمن من المقاصد الشرعية ، والمطالب الدينية وهو حقيقة الإيمان والإسلام ، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " (الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَاجَرَ السُّوءَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه " ( الصحيحة : 549 ) .

وشدد في حديث آخر فقال : " واللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ! قِيلَ : مَنْ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ! " ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ) . قال النووي – رحمه الله - : " البَوَائِقُ : الغَوَائِلُ والشُّرُورُ " (رياض الصالحين ص/ 207) " كالظلم والغش والإيذاء " (التيسير للمناوى : 2/783).
والإسلام دين الرحمة والأمان ومن أصوله العظام حفظ الضروريات التي تستقيم بها حياة الأنام ، فعن عن أَبي بَكْرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ : " إنَّ دِماءكُمْ ، وَأمْوَالَكُمْ ، وأعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، في شَهْرِكُمْ هَذَا ، في بَلَدِكُمْ هَذَا ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ " ( متفق عَلَيْهِ ) .

وقد جعل الله – تعالى – تحية أهله فيما بينهم : ( السلام ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَإنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ ، أَوْ جِدَارٌ ، أَوْ حَجَرٌ ، ثُمَّ لَقِيَهُ ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ " (صحيح ، سنن أَبُي داود برقم 5200 ) . ومن معاني السلام الأمان وانتفاء الريب والشر بين أهله ، فلذلك صار شعارهم عند اللقاء : السلام عليكم ورحمة الله .

ولهذا فقد كان الأنبياء – عليهم السلام – يجعلون ( الأمن ) من الأمور المطلوبة ، ويرفعون أكف التضرع حتى ينالوه : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ }[البقرة : 126] . وقال في موضع آخر : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ }[إبراهيم : 35] .

وقد أمتن الله على أهل مكة بنعمة الأمن ، وكرر منته بها عليهم ، وذلك لعظم شأن نعمة الأمان وزوال المخاوف والمنقصات للحياة ، فقال – سبحانه - : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [آل عمران:96 - 97] . وقال – تعالى - :{ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[القصص : 57] . وقال – تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }[العنكبوت : 67] . وقال – تعالى - : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً }[البقرة : 125] .

وقال – تعالى - : { لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } [قريش : 1 - 4] .

قال السعدي – رحمه الله - : " { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي: ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } فرغد الرزق والأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى " (تيسير الكريم الرحمن ص/ 935) .

وقال ابن كثير – رحمه الله - : " أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا نداً ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ، ومن عصاه سلبهما منه ، كما قال – تعالى - : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل:112-113] " (تفسير ابن كثير : 8/492) .

فعدم شكر الله – تعالى – على نعمه ، وعدم القيام بواجب حقه مما يقتضي زوال النعم ، وحلول المصائب والنقم ، كما قال – سبحانه - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }[إبراهيم : 28] . فقوله : { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ } " هذا الكفران تكذيب بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ} أي : أذاق أهلها. {لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} سماه لباسا لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس. {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} أي : من الكفر والمعاصي " (الجامع لأحكام القرآن : 10/194 ) .

إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت *** فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى *** لتبصر آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم *** شهود عليهم ولا تتهم


واعلم أن الأصل الذي يستجلب به الأمن هو توحيد الله – تعالى - وعدم الشرك به ، كما قال – سبحانه - : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] .

وما ظاهرت الهلع والخوف الذي يخيم على كثير من أرجاء الأرض إلا نتيجة الشرك بالله – تعالى – والبعد عن دينه . فمن أراد الأمن التام الشامل للدارين - أمن القلوب والأبدان - والهداية التامة لكل المصالح المطلوبة في المعاش والمعاد فعليه بتجنب كل أنواع الظلم وأعظمه الشرك بالله – تعالى - .

واعلم - عبد الله – أن بتبدد الظلم وانتشار التوحيد والعدل يبلغ العباد من الأمن ما لا يخطر على قلب ، كما روى عبد الرزاق في مصنفه (20843) بسند مرسل صحيح من حديث طاوس يرويه قال : " ينزل عيسى ابن مريم إماماً هادياً ، ومقسطاً عادلاً ، فإذا نزل كسر الصليب ، وقتل الخنزير ، ووضع الجزية ، وتكون الملة واحدة ، ويوضع الأمن في الأرض حتى أن الأسد ليكون مع البقر تحسبه ثورها ، ويكون الذئب مع الغنم تحسبه كلبها ، وترفع حمة كل ذات حمة حتى يضع الرجل يده على رأس الحنش (نوع من الحيات ) فلا يضره ، وحتى تفرٌّ الجارية الأسد (أي : تكشف عن أسنانه ) كما يُفَر ولد الكلب الصغير ، ويقوم الفرس العربي بعشرين درهما ، ويقوم الثور بكذا وكذا ، وتعود الأرض كهيئتها على عهد آدم ، ويكون القطف – يعني : العِنقاد - يأكل منه النفر ذو العدد وتكون الرمانة يأكل منها النفر ذو العدد "

فهذه بركات التوحيد والطاعة ، وخيرات العبادة والإنابة ، نفحات من الرحمة الربانية ينالها من حققوا توحيد الإلهية ، فلا إله إلا الله ما أعظم شأنه ، وأجل سلطانه ، وما أكرم عطاءه ، وأوسع رحمته . لا إله غيره ، ولا رب سواه .



رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.