أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
73895 | 88813 |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة مقال الخطيب (36) : أركان الانتفاع من القرآن والأحاديث والخطب والمواعظ .
أركان الانتفاع من القرآن والأحاديث والخطب والمواعظ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد : فقال الله – تعالى - : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }[ق : 37] . في عموم هذه الآية المباركة يبين الله – تعالى – قاعدة الانتفاع بالمسموع النافع ، كسماع القرآن – وهو أصل السمعيات النافعة - ، أو سماع الأحاديث النبوية الصحيحة ، أو سماع الخطب ، والمحاضرات ، والمواعظ ، ونحو ذلك . فكثير منا : من يسمع القرآن ، ولا يتغير شيء من حياته ، ويسمع الأحاديث النبوية ؛ ولا تؤثر فيه ، ويسمع الخطب ويحضر المحاضرات والمواعظ ؛ ولا شيء يتبدل فيه . ما سبب ذلك ؟ سؤال عظيم ؛ وجوابه في الآية المباركة السابقة ؛ إذ نصت على أن سبب عدم انتفاع العبد مما يسمعه من القرآن . ويلحق به الحديث أو الخطب أو المواعظ هو انتفاء أحد أركان الانتفاع الثلاثة عنده ، وبيانها في الآية على النحو التالي : أما الركن الأول / فهو صلاح القلب ؛ لأنه محل الانتفاع بمعاني القرآن ، قال – تعالى - : { لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } فالذكرى لا تحصل إلا لمن صلح قلبه ؛ لأنه هو المحل الذي تنزل فيه معاني الآيات ، والبيت الذي تستقر فيه العبر والعظات ، كما قال – تعالى - : {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:97] ، وقال – تعالى - : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 – 194 ] . فجعل التنزيل على القلب لأنه محله. قال الشنقيطي – رحمه الله – في : ( أضوائه ) - : " معنى ذلك أن المَلَكَ يقرؤه عليه حتى يسمعه منه ، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه وذلك هو معنى تنزيله على قلبه ". وعلى هذا فإذا كان القلب صالحاً انتفع من القرآن ، ووصلت معانيه ومواعظه إلى قلبه . وإن كان غير صالح لم ينفعه شيء ، كما قال الله – تعالى - : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. قال ابن القيم – رحمه الله - : " وقوله : { لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ، كما قال - تعالى - : { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً }[يس : 69 - 70] ، أي : حي القلب " (الفوائد :ص/ 3) . فالقلب الميت لا تنفعه المواعظ : إذا قسى القلب لم تنفعه موعظة *** كالأرض إن سبخت لن يحيها المطر وحياة القلب في أمرين : الأول / إسلامه وتوحيده ، وهو أصل حياة القلب ، كما قال – تعالى - : { لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } فجعل غير الحي من الكافرين ، فدل ذلك على أن حياته بالإسلام والتوحيد ، كقوله : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ }. والثاني / دوام ذكره لربه ، وهو الكمال الواجب لحياته ، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ " ( البخاري ) . وأما الركن الثاني / فهو استعمال حاسة السمع في تلقي القرآن والأحاديث والخطب والمواعظ ، كما قال – تعالى - : { أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ } ، قال ابن القيم – رحمه الله - : " أصغى حاسة سمعه الى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام " (الفوائد :ص/ 3) . فكيف تريد أن تنتفع من القرآن أو الأحاديث أو الخطب أو المواعظ ، لتتغير حياتك ، وتتبدل أوضاعك ، وأنت غير مستمع لما فيه صلاحك وإصلاحك . وقد قال الله – تعالى – لنبيه موسى – عليه السلام - : { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه : 13] . ووصف الله المؤمنين العاملين المنتفعين بالقول : بالاستماع له فقال : {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18]. وأمر الله – تعالى – بالاستماع والانصات عند تلاوة القرآن حتى يقع تأثيره الموقع اللائق به كما قال – سبحانه : { وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف : 204] . قال الطبري – رحمه الله - : " يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه " ( جامع البيان : 13/ 344 ) . ولذلك كان الاستماع إلى الخطبة في الجمعة من الواجبات حتى ينتفع العبد من الآيات والأحاديث والمواعظ التي فيها ، كما جاء أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ " ( مسلم ) . وقد رتب على استماع المصلي وإنصاته يوم الجمعة للخطيب أجر عظيم لموافقته لمقصود الخطبة ؛ ولأنه ادعى للانتفاع منها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ ، فَاسْتَمَعَ وأنْصَتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى ، فَقَدْ لَغَا " ( مسلم ) . وأما الركن الثالث / فحضور القلب وشهوده وعدم غفلته وسهوه ، كما قال – تعالى - :{ وَهُوَ شَهِيدٌ } قال ابن القيم – رحمه الله - : " أي شاهد القلب حاضر غير غائب . قال ابن قتيبة : استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه . وهو إشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله " (الفوائد :ص/ 3) . و " قال سفيان : أي لا يكون حاضراً وقلبه غائب " ( الجامع لأحكام القرآن : 17/23 ) . وسبب غياب القلب وانشغاله عن السماع النافع للقرآن والأحاديث والخطب والمواعظ هو تعلقه بالدنيا وسكره بملاذها وشهواتها ، كما قال – تعالى - : {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ} [النجم : 29 - 30] . فدل ذلك على أن مريد الدنيا غافل عن الآخرة . قال يحيى بن معاذ – رحمه الله - : " القلب قلبان ؛ قلب محتشي بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمور الآخرة لم يدر ما يصنع ، وقلب قد أحتشى بأهوال الآخرة حتى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة " ( الجامع لأحكام القرآن : 17/23 ) . وهذا النوع من الغفلة من أشد ما يكون ضلالاً وانحرافاً ؛ لأنه إعراض عما فيه منفعة العبد وصلاحه ، والله يقول : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } [طه : 124 - 126]. وقال السعدي – رحمه الله - : " وأما المعرض ، الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات ، فهذا لا تفيده شيئاً ، لأنه لا قبول عنده ، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته " ( تيسير الكريم الرحمن : ص / 807 ) . وجماع ذلك أن الغافل عن القرآن والأحاديث والخطب والمواعظ لا يتأثر بها ولا يعي معنى الكلام ولا ينتفع منها : يكون مآله الضياع والتفريط لمصالحه الدينية والدنيوية ، كما قال – تعالى - : { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [الكهف : 28] . |
|
|