أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
46064 103800

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 10-05-2013, 01:26 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الثاني عشر

المسألة الثالثة / واجب المسلم تجاه الأسماء والصفات .

نوضح ذلك في القواعد التالية :

القاعدة الأولى / لا نثبت إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بكماله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .

الشرح :

هذه هي القاعدة الأولى وهي: (قاعدة الإثبات) ، ونبينها في نقاط :

1) النقطة الأولى / قولنا : (لا نثبت لله إلا ما أثبته لنفسه)، أي: من الأسماء والصفات ، ونبينها في فرعين :

الفرع الأول / وفيه مسائل :


1. صورة المسألة : لا نثبت لله من الأسماء والصفات ما لم يثبته لنفسه .

2. حكمها : التحريم ، فيحرم على المسلم إن يثبت لله ما لم يثبته لنفسه من الأسماء والصفات .

3. دليلها : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف : 33 ] .

4. وجه الدلالة : أن تسمية الله أو وصفه بما لم يسم أو يصف نفسه به قول عليه بلا علم ، وهو محرم ؛ لقوله:{ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

الفرع الثاني / وفيه مسائل :

أ‌- صورة المسألة : نثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات .

ب‌- حكمها : الوجوب ، فيجب أن نثبت الأسماء والصفات التي أثبتها الله لنفسه .

ت‌- دليلها : الآيات والأحاديث التي سمى الله أو وصف فيها نفسه ، ومنها سورة الإخلاص : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، وغيرها .

ث‌- وجه الدلالة : أن هذه الآيات والأحاديث التي ورد فيها تسمية الله أو وصفه هي خبر من الله في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – والواجب تجاه خبر الله ورسوله تصديقه ، وعدم القول بما جاء في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات تكذيب لله ورسوله وذلك كفر بالله – تعالى - .

2) النقطة الثانية / قولنا : ( في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ) .

المقصود : أن باب الأسماء والصفات من الأبواب التوقيفية . والتوقيف ، معناه : الوقوف على نص الشارع عند إثبات الأسماء والصفات ، فلا يجوز الكلام في هذا الباب بالقياس العقلي .

فوجب على العبد التوقف عن إثبات الأسماء والصفات لله – تعالى – حتى يثبت النص من القرآن الكريم والسنة الصحيحة بذلك .

الأدلة /

أ‌- الدليل النظري : أن نقول أن ما يجب لله ويجوز أو يمتنع في حقه لا يدرك بالعقل فوجب سلوك الأدب مع الله – سبحانه – والتوقف عند النص الشرعي .

ب‌- الدليل الشرعي ، قوله – تعالى - : { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء : 36] .

وتسمية الله – تعالى أو وصفه بما لم يثبت بالنص اتباع لما ليس للعبد له به علم
.

النقطة الثالثة / قولنا : (من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بكماله ) .

المقصود : أن الأصل في باب الأسماء والصفات هو إجراؤها على ظاهرها وهو المعنى اللائق بالله – تعالى – الدال عليه كماله المطلق .

ففيه رد على فرقتين ضالتين :

الفرقة الأولى / (المفوضة) وهم الذين أثبتوا نصوص الأسماء والصفات ألفاظا بلا معاني .

الفرقة الثانية / (الممثلة) وهم الذين أثبتوا معاني الأسماء والصفات مماثلة لما للمخلوقين .
ففي إثباتنا معاني الأسماء والصفات رد على (المفوضة) ، وفي إثباتها على المعنى اللائق بكمال الله – تعالى – رد على (الممثلة) .

النقطة الرابعة / قولنا : (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ) .

المقصود : أن الواجب على المسلم في باب الأسماء والصفات أن يتجنب أربعة محاذير :

المحذور الأول / التحريف .

1) التحريف لغة : التغيير .

2) اصطلاحاً : تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن حقائقها .

توضيح :

اعلم – رحمك الله – أن لنصوص الأسماء والصفات معاني وحقائق لائقة بالله – تعالى - ، والواجب على المسلم أن يؤمن بها وبما دلت عليه من معاني الكمال ، ولا يجوز له تغيير شيء من ألفاظها أو معانيها ؛ لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه .

أنواع التحريف :

تحريف اللفظ ، مثل : نصب لفظ الجلالة ( الله ) بدل الرفع من قوله – تعالى – :{ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [النساء : 164] . ليجعل المتكلم موسى – عليه السلام - . وقصد هذا المحرف نفي صفة الكلام عن الله – تعالى - .

تحريف المعنى ، وهو صرف اللفظ عن معناه الصحيح إلى غيره . مثل : قولهم : (استوى) بمعنى : (استولى) في قوله – تعالى - : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. فقصد المحرف تغيير معنى استواء الله على عرشه من العلو والاستقرار إلى الاستيلاء والملك لينتفي عنه معنى الاستواء الحقيقي .

الحىذور الثاني / التعطيل .

1) التعطيل لغةً : الترك والتخلية .

2) اصطلاحاً : انكار ما يجب لله من الأسماء والصفات انكاراً كلياً أو جزئياً .

التوضيح :

إن الواجب على المسلم تجاه أسماء الله وصفاته أن يصدق بها ويعتقد معانيها اللائقة بالله – تعالى – فيؤمن بألفاظها ومعانيها على ما جاء عن الله ورسوله على مراد الله ورسوله ، وهو ظاهر النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على ما يليق بالله وحده ؛ لأن الله ليس كمثله شيء لكمال صفاته .

والتعطيل محرم شرعاً ، وقد ضل في هذا الباب طوائف ، منهم :

1. أهل التعطيل الكلي ، كالجهمية الذين انكروا الأسماء والصفات .

2. أهل التعطيل الجزئي ، كالمعتزلة الذي أثبتوا الأسماء وأنكروا الصفات ، والأشاعرة الذي أثبتوا الأسماء وسبعاً من الصفات وأنكروا باقي الصفات .

المحذور الثالث / التكييف .

1) التكييف لغةً : ذكر كيفية الصفة مقيدة بمماثل أو غير مقيدة .

2) واصطلاحاً : ذكر كيفية لصفات الله – تعالى - .

التوضيح :

اعلم – وفقك الله – أن حكاية كيفية الصفة بذكر هيئة تكون عليها صفات الله – تعالى – من التقول عليه – سبحانه – بلا علم ، كقول القائل : كيفية يد الله كذا وكذا ، أو نزوله إلى السماء الدنيا كذا وكذا .
وسواء جعل للكيفية مماثل من المخلوقين أم جعل لها كيفية من عند نفسه فكل ذلك باطل محرم .

ملاحظة :

ومعنى قولنا : ( من غير تكييف ) أي من غير كيفية يعقلها البشر، ويحيطون بها . وليس المراد : من غير كيفية في نفس الأمر ، فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكننا ننفي علمنا بذلك ، إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو – سبحانه - .

المحذور الرابع / التمثيل .

1) التمثيل لغةً : اثبات مماثل للشيء .

2) واصطلاحاً : اعتقاد أن صفات الله مماثلة لصفات المخلوقين .

التوضيح :

هذا هو المحذور الأخير من قاعدة الإثبات ، وافرد بالذكر وإن كان داخلاً ضمن المنع من التكييف ، وذلك ؛ لأن الله تبارك وتعالى قد نص على نفيه في القرآن بصريح اسمه ، فقال : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشّورى : 11 ] .

ولأن طوائف من ضلال بني آدم قد مثلوا الله العظيم بخلقه ، فزعموا أن صفات الله – تعالى – مماثلة لصفات المخلوقين – تعالى – الله عن قولهم علواً كثيراً .



رد مع اقتباس
  #22  
قديم 10-10-2013, 10:57 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الثالث عشر

القاعدة الثانية / لا ننفي عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – مع اثباتنا لكمال ضد المنفي .

الشرح :

هذه هي القاعدة الثانية من قواعد الأسماء والصفات ، وهي : ( قاعدة النفي) ، وهي قاعدة تتعلق بالصفات السلبية . ونبينها في نقاط :

النقطة الأولى / قولنا : ( لا ننفي عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أي: من الأسماء والصفات ، ونبينها في فرعين :

الفرع الأول / وفيه مسائل :

1. صورة المسألة : لا ننفي عن الله من الأسماء والصفات ما لم ينفه عن نفسه .

2. حكمها : التحريم ، فيحرم على المسلم إن ينفي عن الله ما لم ينفه عن نفسه من الأسماء والصفات .

3. دليلها : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف : 33 ] .

4. وجه الدلالة : أن نفي ما لم ينفه الله عن نفسه قول عليه بلا علم ، وهو محرم ؛ لقوله:{ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

الفرع الثاني / وفيه مسائل :

- صورة المسألة : ننفي عن الله ما نفاه عن نفسه من الأسماء والصفات .

- حكمها : الوجوب ، فيجب أن ننفي عن الله كل ما نفاه الله عن نفسه .

- دليلها : الآيات والأحاديث التي ورد فيها النفي ، ومنها سورة الإخلاص : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، وغيرها .

- وجه الدلالة : أن هذه الآيات والأحاديث التي ورد فيها النفي هي خبر من الله في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – والواجب تجاه خبر الله ورسوله تصديقه .

وعدم القول بما جاء في الكتاب والسنة من النفي تكذيب لله ورسوله وذلك كفر بالله – تعالى - .

النقطة الثانية / قولنا : ( في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ) .

المقصود :
أن باب الأسماء والصفات من الأبواب التوقيفية . والتوقيف ، معناه : الوقوف على نص الشارع عند نفي الأسماء والصفات ، فلا يجوز الكلام في هذا الباب بالقياس العقلي .

فوجب على العبد التوقف عن نفي الأسماء والصفات عن الله – تعالى – حتى يثبت النص من القرآن الكريم والسنة الصحيحة بنفي ذلك .

الأدلة /

- الدليل النظري : أن نقول أن ما يجب لله ويجوز أو يمتنع في حقه لا يدرك بالعقل فوجب سلوك الأدب مع الله – سبحانه – والتوقف عند النص الشرعي .

- الدليل الشرعي ، قوله – تعالى - : { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء : 36] .

ونفي شيء عن الله – تعالى بما لم ينفه النص اتباع لما ليس للعبد له به علم .

النقطة الثالثة / قولنا : (مع اثباتنا لكمال ضد المنفي ) .

اعلم أن النفي لا يكون مدحاً إلا إذا تضمن ما يدل على الكمال من المعاني الثبوتية . فالله – تبارك وتعالى – إذا نفى عن نفسه شيئاً فمراده أن انتفائه سببه اتصاف الله – تعالى بكمال ضده ، وذلك لأن النفي المجرد عدم والعدم ليس بشيء فضلاً عن أن يكون كمالاً .

النفي ثلاثة أنواع :

النوع الأول : نفي لا يتضمن نقصاً ولا مدحاً .

وهو النفي لعدم قابلية المحل للصفة ، فلا يتضمن نقصاً ولا مدحاً ، كما لو قيل : ( الجدار لا يظلم ) .

فنفي الظلم عن الجدار سببه أن الجدار لا يقبل الاتصاف بهذه الصفة ولا بضدها لذلك فهو نفي لا يتضمن نقصاً في حق الجدار ولا مدحاً .

النوع الثاني : نفي يتضمن نقصاً .

وهو النفي لعجز الموصوف عن القيام بالصفة ، فيكون نقصاً . كما في قول الشاعر :

قبيلة لا يغدرون بذمة **** ولا يظلمون الناس حبة خردل

فنفى عن قبيلته (الظلم) لا لعدلهم ولكن لعجزهم عن رد خصومهم وأعدائهم ، فهو قصد ذمهم بذلك ليبين عجزهم .

النوع الثالث :
نفي يتضمن كمالاً .

وهو النفي المتضمن لكمال ضد المنفي ، فقصد النافي بيان كمال الموصوف بنفي النقص عنه . أي أن كماله يمنع اتصافه بهذا النقص ، كما في قوله – تعالى - : { ولا يظلم ربك أحداً } [ الكهف : 49] فنفى الظلم عن نفسه لاتصافه بضده وهو العدل . فنفى الظلم ليبين كمال عدله



رد مع اقتباس
  #23  
قديم 10-17-2013, 09:45 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الرابع عشر

القاعدة الثالثة / كل ما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته أو نفيه من الأسماء والصفات فالواجب التوقف في لفظه ، وطلب التفصيل في معناه : فإن كان حقاً أقر بألفاظه الشرعية ، وإن كان باطلاً رد .

الشرح :

هذه هي القاعدة الثالثة من قواعد السلف في مسلكهم الشرعي فيما يتعلق بالله - بأسمائه وصفاته - ، وتتضمن هذه القاعدة الألفاظ المحدثة التي اطلقها كثير من الناس في حق الله – تعالى – ولم يرد في الكتاب والسنة إثباتها أو نفيها .

والواجب تجاه هذه الألفاظ المحدثة كـ( الجسم ، والجهة ، والحيز ) ونحوها أمران :

الأمر الأول/ بالنسبة للفظها .

الواجب هو التوقف في الألفاظ التي لم يرد في كتاب الله ولا في سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – إثباتها ولا نفيها .

ومعنى التوقف أي أننا لا نثبت هذه الألفاظ ولا ننفيها ، لأن إثباتها أو نفيها من التقول على الله – عز وجل – بلا علم وقد نهينا عنه .

الأمر الثاني / بالنسبة لمعناها .

الواجب هو طلب التفصيل ومعرفة مقصد المتكلم ، فننظر إن قصد معنى شرعياً ثابتاً في الكتاب والسنة قبلنا هذا المعنى ، وعبرنا عنه بالعبارة الشرعية الثابتة بالنص الشرعي .

وإن قصد معنى باطلاً رددناه ، ولم نقبله .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَلْفَاظَ " نَوْعَانِ " : لَفْظٌ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ ؛ فَهَذَا اللَّفْظُ يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ سَوَاءٌ فَهِمْنَا مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ نَفْهَمْهُ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ .
وَالثَّانِي : لَفْظٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ كَهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ هَذَا يَقُولُ : هُوَ مُتَحَيِّزٌ . وَهَذَا يَقُولُ . لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ وَهَذَا يَقُولُ : هُوَ فِي جِهَةٍ . وَهَذَا يَقُولُ : لَيْسَ هُوَ فِي جِهَةٍ . وَهَذَا يَقُولُ : هُوَ جِسْمٌ أَوْ جَوْهَرٌ . وَهَذَا يَقُولُ : لَيْسَ بِجِسْمِ وَلَا جَوْهَرٍ . فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِيهَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حَتَّى يَسْتَفْسِرَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ أَثْبَتَ حَقًّا أَثْبَتَهُ وَإِنْ أَثْبَتَ بَاطِلًا رَدَّهُ وَإِنْ نَفَى بَاطِلًا نَفَاهُ وَإِنْ نَفَى حَقًّا لَمْ يَنْفِهِ
" (مجموع الفتاوى : 5/298) .

مثال يوضح ذلك :

" لَفْظُ : ( الْمُتَحَيِّزِ ) يُرَادُ بِهِ :

1) مَا أَحَاطَ بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ } .

2) وَيُرَادُ بِهِ مَا انْحَازَ عَنْ غَيْرِهِ وَبَايَنَهُ .

فَمَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ مُتَحَيِّزٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ سُلِّمَ لَهُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يُطْلِقْ اللَّفْظَ
"(مجموع الفتاوى : 5/298) .

الفوائد المنتقاة :

1) اسماء الله : هي كل ما ثبت في الكتاب أو السنة مما يدل على ذات الله متضمناً معنى يقتضي المدح بنفسه .

2) ضابط الأسماء الحسنى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح العقيدة الأصفهانية:ص/31) :" الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها " .

3) صفات الله : هي كل ما ثبت لله في الكتاب أو السنة من النعوت الخبرية، وأكمل المعاني الذاتية أو الفعلية .

4) صفات الله تنقسم إلى ثبوتية وسلبية ، والسلبية متضمنة ثبوت كمال ضد الصفة المنفية فعاد الأمر إلى الكمال المطلق الثابت له – تعالى - .

5) الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين :

ذاتية : وهي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالحياة والعلم والقدرة .

فعلية : وهي التي تتعلق بمشيئة الله فإن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها ، الاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .

6) الصفات الذاتية تنقسم إلى قسمين :

خبرية : وهي ما تثبت عن طريق الخبر فقط ، كاليد والعين والوجه .

معنوية : وهي ما تثبت عن طريق الخبر مع دلالة العقل ، كالحياة والعلم .

7) فائدة : الفرق بين الأسماء والصفات .

أولاً/ الأسماء تدل على ذات الله – تعالى – وعلى صفات الكمال التي يتضمنها .
فالعليم : يدل على ذات الله ، ويدل على صفة العلم الكامل الذي لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان الذي يشمل السر وأخفى .


ثانياً/ الصفات تدل على نعوت الكمال القائمه به – سبحانه - ، كالعلم .
فالاسم يدل على شيئين والصفة تدل على شيء واحد .


8) إن الله – تعالى – له أسماء وصفات ، وهي واجبة في حقه بدلالة صريح العقول وصحيح المنقول ؛ وذلك من طريقين واجبين :

الطريق الأول / أن نقول : أن الله – تعالى – لما وجب أن تكون له الربوبية الكاملة لزم من ذلك أن تكون له الأسماء الحسنى والصفات العلا .

الطريق الثاني/ أن المعبود لا تألهه القلوب محبة وحمداً وتعظيماً إلا إذا كان موصوفاً بصفات الكمال – جمالاً وجلالاً – ، فتوحيد الإلهية متضمن للأسماء الحسنى والصفات العلا .

9) أسماء الله وصفاته واجبة له لكمال ربوبيته وخاصة به لعدم المماثل له فيها، وقد جاء التصريح بذلك في كتاب الله ، منها قوله : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وقوله : { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ }.

10) واجب المسلم تجاه الأسماء والصفات التزام قواعد السلف في هذا الباب وهي :

القاعدة الأولى / لا نثبت إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بكماله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .

القاعدة الثانية / لا ننفي عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – مع اثباتنا لكمال ضد المنفي .

القاعدة الثالثة / كل ما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته أو نفيه من الأسماء والصفات فالواجب التوقف في لفظه ، وطلب التفصيل في معناه : فإن كان حقاً أقر بألفاظه الشرعية ، وإن كان باطلاً رد .


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 10-24-2013, 07:40 AM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الخامس عشر

(7)

الانقياد : هو خضوع العبد وإذعانه للشرائع النبوية – ظاهراً وباطناً - .


الشرح :

معاني المفردات :

[الانقياد] : لغة : " الخُضوعُ " (لسان العرب :3/370) .
" ( وانْقَادَ ) الرجلُ : ( خَضع وذَلَّ ) " (تاج العروس : 9/80) .
" يقال أَذْعَنَ الرَّجُل، إذا انقاد، يُذْعِنُ إِذْعاناً " (معجم مقاييس اللغة :2/293) .

المعنى العام :

مقدمة تمهيدية :

اعلم – وفقك الله لكل خير – أننا لا زلنا في بيان معنى الإسلام ، وقد انتهينا من بيان الأساس الأول منه ، وهو : ( الاستسلام لله بالتوحيد ) .

وقد وقفنا فيما سبق على أن حقيقة الإسلام تشمل جانب العقيدة وهو العلم ، وجانب العبادة وهي العمل .

فالاستسلام لله بالتوحيد ، فيه الاعتقاد الصحيح المشتمل على الإيمان بالله – تعالى - رباً وخالقاً ومعبوداً ومحبوباً لما له من الجلال والجمال .

وذلك متضمن لجانب العبودية والعمل بطاعة الله – سبحانه - ، ودال على نبذ الشرك بأن لا يعبد العبد إلا ربه الذي خلقه ورزقه ويدبر أمره .

فالأساس الأول دل على الحقائق الثلاثة :

1) العلم الصحيح .

2) العمل بذلك العلم .

3) البراءة مما يناقض العلم الصحيح .

إلا أن تفصيل هذه الحقوق وعدم إجمالها مما يتعين في هذه الأزمنة لأسباب مهمة ، منها :

1) كثرة جهل الناس بحقوق الله – تعالى – فيحتاجون إلى البسط والبيان والتفصيل ليؤدوا هذه الحقوق .

2) تقسيم وتنويع المسائل مما يعين على حفظها وفهمها .

3) كثرة من يخوضون في هذه الأبواب بالباطل يُعيِّن تمييز المسائل عن بعضها حتى يزال باطلهم وينكشف تلبيسهم .

الخلاصة :

نستل مما سبق فائدة مهمة في تقسيم حقوق الله – تعالى – على أسس تعريف الإسلام الثلاثة ويكون ذلك على الصورة التالية :

الأساس الأول
/ ( الاستسلام لله بالتوحيد ) .
نجعله في بيان الجانب العلمي من الإسلام المفضي إلى العقيدة الصحيحة تحت عنوان التوحيد الذي حقيقته كلمة الإخلاص : ( لا إله إلا الله ) .
وقد بينا ذلك – حسب طاقتنا – فيما نظن أنه بات واضحاً جلياً .


الأساس الثاني / ( الانقياد له بالطاعة ) .
ونجعله في بيان الجانب العملي من الإسلام المفضي إلى الشريعة الصحيحة تحت عنوان السنة التي حقيقتها شهادة ( أن محمداً رسول الله ) .
وهو ما نبينه – إن شاء الله – تحت هذا التعريف وما يأتي بعده .

الأساس الثالث / ( والبراءة من الشرك وأهله ) .
ونجعله في بيان جانب التروك اللازمة لصحة الإسلام المفضية إلى التخلي عن مفسدات الإسلام تحت عنوان البراءة التي حقيقتها لوازم الشهادتين .

توضيح الأساس الثاني :

إن الانقياد لله – تعالى – بالطاعة هو الأساس العملي من حقيقة الإسلام ، وينبني على تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله . فإن الإيمان بالرسول، أصل مهم في الإسلام ؛ إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق الوحيد إلى الله ـ سبحانه ـ ولهذا كان ركنا الإسلام اللذان لا يصح الإسلام إلا بهما: ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله ) . ونبين أهمية ذلك في مسائل :



رد مع اقتباس
  #25  
قديم 11-06-2013, 01:38 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس السادس عشر

المسألة الأولى / الأصول التي ينبني عليها الانقياد .

الأصل الأول : تعظيم الرسول – صلى الله عليه وسلم – و إجلاله و محبته .

إن الإيمان وإن كان أصله :( تصديق القلب)، فذلك التصديق لابد أن يوجب (حالاً) في القلب، (وعملاً له) وهو :
(تعظيم الرسول و إجلاله و محبته ) . . .

فإذا لم تحصل هذه الحال والعمل في القلب لم ينفع ذلك التصديق ، ولم يغن شيئاً .

وإنما يمتنع حصوله إذا عارضه (معارض) من : (حسد الرسول)، (والتكبر عليه)، أو (الإهمال له)، (وإعراض القلب عنه)، و نحو ذلك .

ومتى حصل المعارض كان وجود ذلك التصديق كعدمه . . . فينقلع الإيمان بالكلية من القلب وهذا هو الموجب لكفر من حسد الأنبياء أو تكبر عليهم أو كره فراق الإلف والعادة مع علمه بأنهم صادقون و كفرهم أغلظ من كفر الجهال .
( ينظر: الصارم المسلول : 519 )

ولهذا كان تعظيم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإجلاله ومحبته أصل في الانقياد والتسليم ؛ لأنه عمل القلب الذي هو أصل الإيمان .

ومن لازم ذلك : أن يعظم ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من النصوص الشرعية، في ألفاظها ومعانيها ، وذلك من جهتين :

الجهة الأولى / من جهة نفسه .

وذلك بأن لا يتهم دليلاً من أدلة الدين بحيث يظنه : (فاسد الدلالة) أو (ناقص الدلالة) أو (قاصرها) أو (أن غيره كان أولى منه) .

ومتى عرض له شيء من ذلك فليتهم فهمه وليعلم أن الآفة منه والبلية فيه كما قيل :

وكم من عائب قولاً صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والفهوم

فالآفة من (الذهن العليل) لا في (نفس الدليل)، وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك وينبو فهمك عنه فاعلم أنه (لعظمته) (وشرفه) استعصى عليك ، وأن تحته كنزاً من كنوز العلم ، ولم تؤت مفتاحه بعد .

الجهة الثانية / بالنسبة إلى غيره :

وذلك بأن يتهم آراء الرجال ، ولا يقدمها على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليه مراعاة للنصوص ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء .

قال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله - : " إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله - تعالى - ، وخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم - فاتركوا قولي "
(إيقاظ الهمم للفلاني، ص:62) .

قال الإمام مالك رحمه الله: " كل يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر يشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "
( ابن عبد البر في " الجامع " : 2/91).

قال الشافعي - رحمه الله - : " أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله : لم يحل له أن يدعها لقول أحد "
(مفتاح الجنة الاحتجاج بالسنة للسيوطي ص :42).

قال أحمد - رحمه الله -: " عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: 63]. أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شئ من الزيغ فيهلك " (أخرجه ابن بطة في « الإبانة الكبرى» ص: 97) .

قال أبو بكر بن أبي داود:

ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأشرح

وقال غيره :

قال أبو حنيـــــفة الإمامُ *** لا ينبغي لمن له إســــــــــلامُ
أخذ بأقوالَي حتى تعرضاَ *** على الكتاب والحديث المرتضىَ
ومالك إمــام دار الهجرةْ *** قال وقد أشار نحــــــــو الحجرةْ
كل كلام منه ذو قبـــولِ *** ومنه مردود ســــوى الرسولِ
والشافعي قال إن رأيتموا *** قولي مخـــالفاً لمــــــــا رويتموُا
من الحديث فاضربوا الجدارا *** بقولي المخـــــالف الأخبـــارا
وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوُا *** ما قلته بل أصـــل ذلك اطلبواُ
فاسمع مقالات الهداة الأربعة *** واعمل بها فإن فيها منفعة
لقمعها لكل ذي تعصبِ *** والمنصفون يقتـــــــدون بالنبيِ




رد مع اقتباس
  #26  
قديم 11-18-2013, 02:55 PM
عمر 1991 عمر 1991 غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
الدولة: القاهرة مصر
المشاركات: 483
افتراضي

أكمل بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 11-18-2013, 09:57 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


عذرا أخي الحبيب على التأخير .
وجزاك الله خيراً .
وزادك ربي حرصا على الخير .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدرس السابع عشر

الأصل الثاني : تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في خبره ، وطاعته في أمره .

إن حقيقة الإيمان هو (الإقرار) ، لا مجرد التصديق . والإقرار يشمل أمرين : ( قول القلب ، وهو تصديقه ) ، ( وعمل القلب وهو انقياده ) .

فالإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وهو الإقرار بنبوته ورسالته يتضمن أمرين :

1) قول القلب ، وهو تصديقه فيما أخبر .

2) وعمل القلب ، وهو الانقياد له فيما أمر .

وعدم هذا الإيمان وهو الإقرار برسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – يكون الكفر المخرج من الملة ، وإن أتى في الظاهر بشعائر الإسلام ، كحال أهل النفاق الأكبر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فألا يرى وجوب تصديق الرسول فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر ـ علماً وعملاً ـ وأنه يجوز تصديقه وطاعته، لكنه يقول : إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدًا، ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته . . . وهذا دين التتار ومن دخل معهم " (مجموع الفتاوى : 7/639) .

فظهر لنا أن مجرد تعظيم الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يكفي في صحة الإيمان حتى يضاف إليه (التصديق لخبره) ، (والانقياد لأمره) .

فائدة : في بيان الفرق بين العاصي لشهوته فسقاً ، والعاصي لاستكباره كفراً .

1) اعلم أن العبد إذا (فعل الذنب) مع اعتقاد :

أ‌- أن الله حرمه عليه .

ب‌- واعتقاد انقياده لله فيما حرمه و أوجبه . فهذا (ليس بكافر) .

2) وإذا فعل الذنب مع اعتقاد :

أ‌- استحلال المحرم : بأن الله لم يحرمه ، أو بعدم اعتقاد أن الله حرمه .

ب‌- أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم و أبى أن يذعن لله و ينقاد . فهو كافر : إما (جاحد) ، (أو معاند) .

و لهذا قالوا : من عصى الله مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق . ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة و الجماعة . وإنما يكفره الخوارج .

تنبيه [1]: الكفر الأول كفر الاستحلال والجحود ، وصورته : " من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه و كذلك لو استحلها من غير فعل و الاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها و تارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها .

هذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية و لخلل في الإيمان بالرسالة و يكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة
" (الصارم المسلول ص/519) .

تنبيه [2]: الكفر الثاني كفر الإباء والاستكبار ، وصورته : بأن يعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم و يعاند المحرم فهذا أشد كفراً ممن قبله و قد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبة الله و عذبه " (الصارم المسلول ص/519).

الأصل الثالث : أن لا يعارض العبد شيئاً مما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم - بشيء من المعارضات الأربعة المسماة : بالمعقول والقياس والذوق والسياسة .

الأولى : المعارضة بالمعقول الفاسد ، وهي معارضة أهل الكلام ومنطق اليونان الذين عارضوا نصوص الوحي بمعقولاتهم الفاسدة وقالوا : إذا تعارض العقل والنقل : قدمنا العقل وعزلنا النقل إما عزل تفويض وإما عزل تأويل .

والثانية : المعارضة بالقياس الفاسد ، وهي معارضة بعض المنتسبين إلى الفقه قالوا : إذا تعارض القياس والرأي والنصوص : قدمنا القياس على النص ولم نلتفت إليه .

والثالثة : المعارضة بالذوق الفاسد ، وهي معارضة المنتسبين إلى التصوف والزهد فإذا تعارض عندهم الذوق والأمر الشرعي قدموا الذوق والحال ولم يلتفتوا إلى الأمر الشرعي .

والرابعة : المعارضة بالسياسة الجائرة ، وهي معارضة الولاة والأمراء الجائرين فإذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة .

(ينظر: مدارج السالكين : 2/334) .



رد مع اقتباس
  #28  
قديم 11-27-2013, 10:29 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


الدرس الثامن عشر

المسألة الثانية / الانقياد نوعان :

إن الانقياد نوعان ، نوع هو أصل في الانقياد إذا ارتفع ارتفع معه الإيمان من القلب بالكلية . ونوع هو واجب في الانقياد إذا لم يوجد في القلب أثم تاركه .

النوع الأول / هو أصل عمل القلب وخضوعه للأمر الشرعي محبةً وإجلالاً .

إن الحكم الشرعي حقه أن يتلقى بالانقياد المحض إقراراً وتصديقاً ، وتسليماً بلا منازعة . وهو تسليم العبودية المحضة فلا يعارض بذوق ولا سياسة ولا قياس ولا تقليد ولا يرى إلى خلافه سبيلا البتة .

وإنما هو عمل القلب بالانقياد المحض والتسليم والإذعان والقبول .

والسبب الموجب لهذا الانقياد القلبي هو محبة الآمر وإجلاله الذي ينشأ عنه تعظيم أمره ومحبته والخضوع له .

وهذا الانقياد أصل في إيمان القلب ، وبزواله يزول الإيمان من القلب .

النوع الثاني / هو عمل قلبي واجب يلزم منه إرادة الأمر الشرعي والعمل به .

اعلم أنه يجب أن يتلقى العبد الحكم الشرعي بانقياد آخر وتسليم آخر - إرادةً وتنفيذاً وعملاً - فلا تكون له شهوة تنازع مراد الله في تنفيذ حكمه كما لم تكن له شبهة تعارض إيمانه وإقراره وهذا حقيقة القلب السليم الذي سلم من شبهة تعارض الحق وشهوة تعارض الأمر .

وتوضيح ذلك : أن " الاستسلام - وهو عمل في القلب - جماعه الخضوع و الانقياد للأمر ، وإن لم يفعل المأمور به .

فإذا قوبل الخبر بالتصديق ، والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب و هو الطمأنينة و الإقرار فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار و الطمأنينة و ذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق و الانقياد
" (الصارم المسلول ص/519) .

" ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْمَبَانِي الْخَمْسِ وَمَنْ تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا نَقَصَ إسْلَامُهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : ( مَنْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ مِنْ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ ) ".(مجموع الفتاوى :7/269-270) .

وهذا الانقياد من الواجبات التي ينقص إيمان العبد بحسب نقصها " وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إلَيْهِمَا الْأَرْبَعَ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمُعْظَمَهَا وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِحَلِّ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوْ انْحِلَالِهِ " (مجموع الفتاوى :7/361) .

المسألة الثالثة : تنبيهات مهمة .

التنبيه الأول / عموم رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – لكل أهل الأرض من الجن والأنس ، وأنه لا يجوز لأحد الخروج عنها ، ومن لم يؤمن بها فهو كافر خالد في النار .

قال عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور – رحمه الله - :

• " زعم أبو القاسم الكعبى - في مقالاته - : أن قول القائل: " أمة الاسلام " تقع على كل مقر بنبوة محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأن كل ما جاء به حق كائناً قوله بعد ذلك ما كان .

وزعمت الكرامية - مجسمة خراسان - : أن أمة الاسلام جامعة لكل من أقر بشهادتي الإسلام لفظاً ، وقالوا: كل من قال لا اله إلا الله ، محمد رسول الله فهو مؤمن حقاً ، وهو من أهل ملة الإسلام سواء كان مخلصاً فيه أو منافقاً مضمر الكفر فيه ، والزندقة .

ولهذا زعموا أن المنافقين في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كانوا مؤمنين حقاً وكان إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النفاق وإظهار الشهادتين .

وهذا القول مع قول الكعبى في تفسيراته الإسلام ينتقض بقول العيسوية من يهود أصبهان فإنهم يقرون بنبوة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - وبأن كل ما جاء به حق ، ولكنهم زعموا أنه بعث الى العرب لا الى بنى اسرائيل .

وقالوا – أيضاً - محمد رسول الله ، وما هم معدودين في فرق الاسلام .

وقوم من موشكانية اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف بموشكان أنه قال :

1) " إن محمداً رسول الله الى العرب والى سائر الناس ما خلا اليهود .

2) وأنه قال : إن القرآن حق وكل ما جاء به من الأذان والإقامة والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج الكعبة كل ذلك حق غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود .

3) وربما فعل ذلك بعض الموشكانية ، قد أقروا بشهادتي أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله ، واقروا بأن دينه حق .

وما هم مع ذلك من أمة الاسلام لقولهم بأن شريعة الاسلام لا تلزمهم
" (بتصرف يسير من الفرق بين الفرق ص/ 12- 13) .

ولهذا فقد عد العلماء من نواقض الإسلام : " من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى - عليه السلام - فهو كافر " (رسالة نواقض الإسلام) .

وكون هذا الناقض يوجب كفر معتقده ؛ لأنه يتضمن إنكار نصوص الكتاب والسنة التي دلت على عموم رسالة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - ، فقد أرسله الله للناس كافه .

الأدلة من القرآن على عموم الرسالة المحمدية :


1. قال - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سَبَإ: 28] .

2. وقال - تعالى -:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعرَاف: 158].

3. وقال - تعالى -:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفُرقان: 1].

4. قال - تعالى -:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإْسْلاَمُ} [آل عِمرَان: 19].

5. قال – تعالى -:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عِمرَان: 85].

الأدلة من السنة على عموم الرسالة المحمدية:

1) ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ " ( رواه مسلم ) .

2) عن جابر بن عبد الله أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضى الله عنه، أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُابِ، فَقَرَأَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ، فَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَىْءٍ، فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَ أَنْ يَتَّبِعَنِى. روه أحمد في "مسنده" وحسنه الألباني في الإرواء ، انظر حديث رقم : (1589) .

3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ( رواه مسلم ) .


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 11-27-2013, 10:54 PM
عمر 1991 عمر 1991 غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
الدولة: القاهرة مصر
المشاركات: 483
افتراضي

أرجو أن تشمل هذه السلسلة أربعة أمور:
الأولى: الرد على المعتزلة في كل ما خالفوا فيه أهل السنة لأن أهل السنة اهتموا بالرد على الأشاعرة أكثر من المعتزلة على اعتبار أن الطائفة الأولى أكثر انتشاراً بخلاف الطائفة الثانية التي لم تعد مشهورة ولم يعد لها أتباع إلا أفراد قلائل، مما يجعل هناك قصور أو نقص في باب الردود العلمية من أهل السنة على الفرق الضالة، لانهم يهتموا بالرد على الخوارج والشيعة والصوفية والأشاعرة أكثر من المرجئة والمعتزلة .
فرجاءً من حضرتك أن تدرس مخالفات المعتزلة في كل جوانب العقيدة - قضاء وقدر وصفات وعذاب القبر وإنكار السنة القولية - وتضمين دروس حضرتك رد عليها وبيان أصولها الفاسدة وبيان أصول اهل السنة التي يؤدي الاعتصام بها والاستناد عليها للرد على هؤلاء المخالفين

الثانية: العلمانية لاشتداد عضدها في هذه الأيام

الثالثة: توحيد الربوبية والمخالفات التي وقعت فيها كل الفرق في هذه الأمور لأن السلفي لو بحث عن متون للعلماء في الصفات فسيجد متن التدمرية والحموية والواسطية وشرح الأصفهانية، ولو بحث عن متون للعلماء في العبادة فسيجد ثلاثة الأصول والقواعد الأربعة والتوحيد الذي هو حق الله على العبيد وكشف الشبهات
لكن لو بحث السلفي عن متون للعلماء في قضايا توحيد الربوبية بكل مواضيعه فلن يجد، ولو وجد غالباً سيكون فصولاً داخل كتاب وليس كتاب أو متن مستقل .
ستقول لي: ذلك بسبب قلة المخالفة فيها
سأقول: حتى لو افترضنا قلة المخالفة فعدم الاهتمام بوضع متون في الربوبية بكل تفاصيلها الدقيقة يجعل الطالب عنده قصور إن لم يكن في الرد على المخالف في ذلك فعلى الأقل قصور في معرفة سبب الخلل الذي ترتب عليه ظهور شبهة المخالف

الرابعة: النبوات
فلم أجد مطلقاً شرح لكتاب النبوات لابن تيمية ولا لفصل النبوات المكتوب في شرح الأصفهانية
فأرجو بيان عقيدة أهل السنة في النبوات وبيان الرد على المخالف فيها
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 11-30-2013, 01:31 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي


بوركت أخي الفاضل عمر 1991
وزادك ربي حرصاً على الخير
واسأل الله أن يوفقنا وإياك للخير
ما أشرت إليه مباحث نافعة ومهمة واسأل الله أن يعيننا في كتابة شيء في أبوابها لكنه في غير هذه السلسلة لكون موضوعها أقتصرت فيه على ما يشمله تعريف الإسلام المعروف
وبوركت .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

الدرس التاسع عشر

التنبيه الثاني / حكم الإسلام في الدنيا يشمل من أظهر شعائر الإسلام .

أي أننا نجري حكم الإسلام في الدنيا بحرمة الدم والمال على كل من أظهر الإسلام وذلك :

- أن ينطق بالشهادتين .

- ولا يمتنع عن الشعائر الظاهرة .

ونكل سريرته إلى الله – تعالى – الذي يعلم السر وأخفى ، فإن الخلق مجموعون ليوم الحساب؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُول الله ، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

فالإسلام يدخل فيه أنواع :

1) مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْمَحْضُ .

2) وَيَتَنَاوَلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مَعَ التَّصْدِيقِ الْمُجْمَلِ فِي الْبَاطِنِ وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَاجِبَ كُلَّهُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا وَهُمْ الْفُسَّاقُ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمْ شُعْبَةُ نِفَاقٍ .

3) وَيَتَنَاوَلُ مَنْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيمَانِ ؛ وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ . وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا فُسَّاقًا تَارِكِينَ فَرِيضَةً ظَاهِرَةً وَلَا مُرْتَكِبِينَ مُحَرَّمًا ظَاهِرًا لَكِنْ تَرَكُوا مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالْقَلْبِ يَتَّبِعُهُ بَعْضُ الْجَوَارِحِ مَا كَانُوا بِهِ مَذْمُومِينَ .
وَهَذَا هُوَ " النِّفَاقُ " الَّذِي كَانَ يَخَافُهُ السَّلَفُ عَلَى نُفُوسِهِمْ . فَإِنَّ صَاحِبَهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ شُعْبَةُ نِفَاقٍ .


4) الْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ وهم من أَتَوا بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيمَانِ ؛ وأَتَوا بِتَمَامِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالْقَلْبِ .

5) الْمُقَرَّبِونَ وهم من زادوا على الأبرار في الطاعات مِنْ بَابِ الْمُسْتَحَبَّاتِ .

التنبيه الثالث : ضابط تحديد دار الإسلام .

الذي يظهر من كلام المحققين أن الاعتبار بالسيادة والغلبة وظهور شعائر الإسلام ؛ " لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلائهم عليها . بل حتى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها , وأما مادامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فلا تصير دار حرب " (حاشية الدسوقي : 2/ 188) .

وقال الشوكاني - رحمه الله -: " أقول : الاعتبار بظهور الكلمة ؛ فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام ؛ فهذه دار إسلام , ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار, ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية, وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس " (السيل الجرار: 4/575) .

التنبيه الرابع : اعلم أنه يمكن أن يجتمع في الدار, وفي الشخص كفر وإيمان وفسق وإسلام كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في بيان حكم (ماردين) بقوله : " الحمد لله دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا فى ماردين أو غيرها , وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه وإلا استحبت ولم تجب ...
وأما كونها دار (حرب) أو (سلم) فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه , ويقاتل الخارج عن شريعة الاسلام بما يستحقه.

مجموع الفتاوى (28|240)

وقال شيخ الإسلام : " الناس قبل مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل ؛ فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جهال, وإنما يفعله جاهل , وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية ونصرانية فهي جاهلية , وتلك كانت الجاهلية العامة .

فأما بعد ما بعث الله الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون مصر كما هي في دار الكفار, وقد تكون في شخص دون شخص كالرجل قبل أن يسلم فإنه يكون في جاهلية , وإن كان في دار الإسلام ؛ فأما في زمان مطلق فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.

والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين , وفي كثير من المسلمين كما قال - صلى الله عليه وسلم -:" أربع في أمتي من أمر الجاهلية", وقال لأبي ذر : " إنك امرؤ فيك جاهلية " ونحو ذلك
" ( اقتضاء الصراط المستقيم : 79) .

الفوائد المنتقاة :

1) إن الانقياد التام : هو خضوع العبد وإذعانه للشرائع النبوية – ظاهراً وباطناً - .

2) إن الانقياد لهد بالطاعة هو الجانب العملي من الإسلام المفضي إلى الشريعة الصحيحة تحت عنوان السنة التي حقيقتها شهادة ( أن محمداً رسول الله ) .

3) الأصول التي ينبني عليها الانقياد .
الأصل الأول : تعظيم الرسول – صلى الله عليه وسلم – و إجلاله و محبته .
الأصل الثاني : تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في خبره ، وطاعته في أمره .
الأصل الثالث : أن لا يعارض العبد شيئاً مما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم - بشيء من المعارضات الأربعة المسماة : بالمعقول والقياس والذوق والسياسة .

4) إن الانقياد نوعان ، نوع هو أصل في الانقياد إذا ارتفع ارتفع معه الإيمان من القلب بالكلية . ونوع هو واجب في الانقياد إذا لم يوجد في القلب أثم تاركه .
النوع الأول / هو أصل عمل القلب وخضوعه للأمر الشرعي محبةً وإجلالاً .
النوع الثاني / هو عمل قلبي واجب يلزم منه إرادة الأمر الشرعي والعمل به .

5) عموم رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – لكل أهل الأرض من الجن والأنس ، وأنه لا يجوز لأحد الخروج عنها ، ومن لم يؤمن بها فهو كافر خالد في النار .

6) حكم الإسلام في الدنيا – حرمة المال والدم - يشمل من أظهر شعائر الإسلام .

7) دار الإسلام هي الدار التي تكون الكلمة النافذة فيها لأهل الإسلام والتي تظهر فيها شعائر الإسلام .

8) يمكن أن يجتمع في (الدار), وفي (الشخص) : كفر وإيمان وفسق وإسلام .


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:05 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.