الصناعة الحديثية في صحيح الإمام مسلم باب"متابعة الإمام والعمل بعده" مثالاً

[محمد أحمد عينب فارح أفيري]

الصناعة الحديثية في صحيح الإمام مسلم
باب متابعة الإمام والعمل بعده مثالاً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فإن صحيح الإمام مسلم رحمه الله هو ثاني الأمهات الست التي دوّنت فيها السنّة النبوية بعد البخاري وفاق صحيح الإمام مسلم على صحيح البخاري في الصنعة الحديثية كما ذكره جمع من فحول الحديث ونقاده وأهم ذلك حسن سوقه وترصيفه الأحاديث ورواياتها وطرقها على ترتيب تفرد به يدل على علو كعب هذا الإمام في دقائق علم الإسناد وطبقات الرواة ومراتبهم .
قال الإمام اليماني المعلمي في الأنوار الكاشفة : ( عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها يقدم الأصح فالأصح ) وإلى هذا أشار قائلهم : ( تنازع قوم في البخاري ومسلم *** لديّ وقالوا أي ذين يقدم *** فقلت لقد فاق البخاري صحة *** كما فاق في حسن الصناعة مسلم ).
وهذا أوان الشروع في المقصود ونسأله وحده الإعانة والسداد.
قال الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة :
باب متابعة الإمام والعمل بعده
1-حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو اسحاق ح قال وحدثنا يحي بن يحي أخبرنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق عن عبدالله بن يزيد قال حدثني البراء وهو غير كذوب أنهم كانوا يصلون خلف رسول الله فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر أحداً يحني ظهره حتى يضع رسول الله جبهته على الأرض ثم يخرَ من وراءه سُجداً .
2-وحدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي حدثنا يحي يعني ابن سعيد حدثنا سفيان حدثني أبو إسحاق حدثني عبدالله بن يزيد حدثني البراء وهو غير كذوب قال كان رسول الله إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتي يقع رسول الله ساجدا ثم نقع سجوداً بعده .
3-حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن سهم الأنطاكي حدثنا إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن محارب ابن دثار قال سمعت عبدالله ابن يزيد يقول على المنبر حدثنا البراء أنهم كانوا يصلون مع رسول الله فإذا ركع ركعوا وإذا رفع رأسه من الركوع فقال : سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه في الأرض ثم نتبعه .
4-حدثنا زهير بن حرب وابن نمير قالا : حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا أبان وغيره عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلي عن البراء قال كنا مع النبي لا يحنو أحد منا ظهره حتى نراه قد سجد فقال زهير حدثنا سفيان قال: حدثنا الكوفيون أبان وغيره وقال حتى نراه يسجد .
5-حدثنا محرز بن عون بن أبي عون حدثنا خلف بن خليفة الأشجي أبو أحمد عن الوليد بن سريع مولى آل عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث قال صليت خلف النبي الفجر فسمعته يقرأ (فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنس)وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً .
التعليق :
روى الإمام مسلم هذا الحديث عن صحابيين : البراء وعمرو بن حريث .
أولاً : حديث البراء :-
سرد الإمام مسلم روايات حديث البراء كالتالي :-
-أبو خيثمة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء
-سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء
-أبو إسحاق الشيباني عن محارب بن دثار عن عبد الله بن يزيد عن البراء
- أبان وغيره عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء.
هنا الإمام مسلم أخرج حديث البراء عن طريق عبدالله بن يزيد الذي اشتهر الحديث عن طريقه ثم أورد بعد ذلك متابعة ابن أبي ليلى لعبدالله ابن يزيد ثم بعد ذلك ساق حديث عمرو بن حريث شاهداً لحديث البراء .
الرد على من قال إن رواية ابن أبي ليلى معلولة لأن الإمام مسلم ختم بها كعادته في سوق الرواية المعلولة مؤخرةً مقلدين في ذلك الإمام الدارقطني رحمه الله
قال الإمام الدارقطني: " الحديث محفوظ لعبدالله ابن يزيد ولم يقل أحد عن ابن أبي ليلى غير أبان بن تغلب عن الحكم وقد خالفه ابن عرعرة فقال : عن الحكم عن عبدالله عن البراء وغير أبان أحفظ منه"
أقول جواباً على هذا :-
اقتصر مسلم فيمن روى عن أبى إسحاق على أبي خيثمة والثوري وهنالك رواة كثر رووه عن أبي إسحاق غير الثوري وأبي خيثمة منهم شعبة .
هنا الإمام الدارقطني أعلّ حديث أبان بن تغلب على النحو التالي :-
روى الحكم هذا الحديث واختلف عنه فرواه ابن عيينة عن أبان وغيره من الكوفيين عن الحكم عن ابن أبي ليلي عن البراء
وخالفه محمد بن عرعرة فرواه عن شعبة عن الحكم عن عبدالله بن يزيد عن البراء .
فجعل الإمام الدارقطني ذكر ابن ابي ليلى وهماً من أبان اعتمادا على رواية ابن عرعرة .
وهنا أقول : رواية ابن عرعرة نفسها معلولة فالمعلول لا يعتمد عليه في تعليل غيره وتوضيح ذلك كالتالي :
هذا الحديث يرويه شعبة واختلف عنه :
1-رواه محمد بن عرعرة عن شعبة عن الحكم عن عبدالله بن يزيد عن البراء (المعجم الأوسط للطبراني 1316 ) وخالفه حجاج بن منهال (صحيح البخاري 747) وغندر(مسند احمد 18511) وعفان(مسند احمد 18517) وابن علية ( مسند احمد 18522والسنن الكبرى للنسائي 905) وحفص بن عمر ( سنن ابي داؤود 620 وصحيح ابن حبان 2226)
وأمية بن خالد ( السنن الكبرى للنسائي ) وعلي بن جعد (الجعديات 432) وعبدالله بن إدريس (معجم أبي يعلى 61) وأبو الوليد الطيالسي ( مسند السراج 259 وصحيح ابن حبان 2226 ) ووهب بن جرير ( مستخرج أبي عوانة 1893 وصحيح ابن حبان 2227) ومحمد بن كثير العبدي (صحيح ابن حبان 2226) كلهم قالوا :عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبدالله بن يزيد عن البراء عن النبي وهذا هو الصواب لأن شيخ شعبة انقلب على ابن عرعرة والمحفوظ قول الجماعة فالعجب من الإمام الدارقطني كيف جعل رواية ابن عرعرة وجهاً مستغلاً .
وأما حديث ابن عيينة فقد قال فيه "حدثنا أبان وغيره عن الحكم " وهذا يدل على أن أبان لم يتفرد به عن الحكم فهذا طريق آخر غير طريق عبد الله ابن يزيد.
وعليه فالرواية التي اعتمد عليها الدارقطني في إعلال طريق ابن أبي ليلى رواية معلولة فلا يمكن الاعتماد عليها في الإعلال فمسلم ساق روايات حديث البراء من طريقين : عبدالله بن يزيد وهو الطريق المشهور وعبدالرحمن بن أبي ليلى وليس أحدهما بمعارض للآخر ولذلك قال الإمام النووي بعد أن نقل كلام الدارقطني : ( وهذا الإعتراض لا يقبل بل أبان ثقة نقل شيئاً فوجب قبوله ولم يتحقق كذبه وغلطه ولا امتناع في أن يكون مروياً عن ابن يزيد وابن أبي ليلى والله اعلم ). ومنه تعلم أنه لا دليل عل أن مسلم أخرج هذا الطريق الأخير ليعلّه .

[محمد أشرف]

جميل جدا
جزاك الله خيرا
لو تكبر الخط مشكورا