أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
51943 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر القرآن وعلومه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-02-2010, 10:49 PM
حمزة الجزائري حمزة الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر (العاصمة)
المشاركات: 984
افتراضي الْوُقُوفُ الْهَبْطِيَّةُ -دِرَاسَةٌ وَصْفِيَّةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ- بقلم زكريا توناني

الحمد لله رب العالـمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّـا بعْدُ: فموضوع هذا الـمقال يتعلق بـ: الوقوف الْهَبْطِيَّة ؛ وهذه التسميةُ نسبة إلى الإمام محمد بن أبي جمعة الهبطي؛ كما نُسِبَ مذهب الشافعيَّة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي.إلا أنَّ الوقوفَ الْـهبْطِيَّةَ اقتصر العمـل بها على أهل الـمغرب الكبير، ومنها بلادنا: الجزائر، وبالغ بعضُ الناس في إعلان النكير عليها، وبالغ بعـضُهم في الالتزام بها والإنكارِ على من يُخالفها؛

وقديما قيل:حُـبُّ التَّـنَاهِي شَطَطْ خَـيْرُ الْأُمُـورِ الْـوَسَطْ فحاولتُ أن أتقدَّم بهذا العرضِ المختصر حول التعريف بهذه الوقوف الْهَبْطِيَّةِ، وبيان مميزاتها؛ وقبل ذلك لا بُدَّ من ذِكْرِ مقدمة تتعلق بالوقف وبالْإِمَـامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جُمْعَةَ الْهَبْطِيِّ.

* أَهَـمِّيَّـةُ عِلْمِ الْوَقْـفِ:

ورد عن الأئمة الأعلام سلفًاوخلفًا ما يدل على شريفِ هذا العلمِ،وعظيم مكانتِه،وأهميتِه لتالي القرآن والمعتني به؛ وسنعرضُ بعضَ هذه الأقوال على وجه الإيجاز والاختصار.

قال عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رضـي اللهُ عنه في تفسير قول الله تعالى:(وَرتل القرآن ترتيلا ) [ الـمزمل : 3 ]: «التَّرتيلُ: تجويدُ الحروف ومعرفةُ الوقوفِ».1

قال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي اللهُ عنه: «لقد عِشْنَا برهةً مِن دهرنا، وإنَّ أحدَنا ليُؤْتَى الإيمانَ قَبْلَ القرآنِ، وتَنْزِلُ السورةُ على مُحَمَّدٍ فَنَتَعَلَّم حلالَها وحرامَها وما ينبغي أن يُوقَفَ عنده منها، كما تتعلمون أنتم القرآنَ اليومَ؛ ولقد رأينا اليوم رجالًا يُؤْتَى أحدُهم القرآنَ قبل الإيمانِ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمِرَه ولا زاجِرَه ولا ما ينبغي أن يُوقَفَ عنده منه».

قال الإمامُ النحاسُ معلقًا على هذا الأثرِ: «فهذا الحديثُ يَدُلُّ على أنهم كانوا يتعلمون الأوقافَ كما يتعلمون القرآنَ».2

وقال ابنُ الأنباريِّ: «مِنْ تَمامِ معرفة القرآن: معرفةُ الْوَقْفِ والابتداءِ فيه».3

وقال النَّكْزَاوِيُّ: «بابُ الوقفِ: عظيمُ القَدْرِ، جليلُ الْخَطَرِ، لأنَّه لا يَتَأَتَّى لأحدٍ معرفةُ معانِي القرآنِ ولا استنباطُ الأدلةِ الشرعيةِ منه إلَّا بمعرفةِ الفواصلِ»4.5

يقول الإمام السيوطيُّ رحمه الله تعالى:«وفي كلامِ ابنِ عُمَرَ (السابقِ ذكرُه) برهانٌ على أنَّ تَعَلُّمَه إجماعٌ من الصحابةِ؛ وصَحَّ -بل تواتر- عندنا تَعَلُّمُه والاعتناءُ به من السلفِ الصالحِ كأبي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ القَعْقَاعِ أحدِ أعيانِ التابعين وصاحبِهِ الإمامِ نافعٍ وأبي عمرو ويعقوبَ وعاصمٍ وغيرِهم من الأئمة؛ وكلامُهم في ذلك معروفٌ، ونصوصُهُم عليه مشهورةٌ في الكتب؛ ومِـنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ كثيرٌ من الْخَلَفِ على الْمُجِيزِ أَلَّا يُجِيزَ أحدًا إلَّا بعد معرفتِه الوقفَ والابتداءَ».6

وبعد هذه النقول من الأئمة التي جعلناها كالمقدمة لهذا البحث، سنتعرضُ لتعريف الوقف وأقسامه -على جهة الإجمال-؛فنقول:

* تَعْرِيفُ الْوَقْـفِ لُغَـةً وَاصْطِلَاحًا:

الوقفُ لغـةً: الْـحَبْسُ.7

واصطلَاحًا: «قَطْعُ الصَّوتُ عن آخر الكلمة زَمَنًا يُتَـنَفَّسُ فيه عادةً بنيَّةِ استئنافِ القراءةِ».8

وعادةُ أهلِ العلم أنَّهم إذا تكلَّمُوا عن الوقفِ، ذكروا قَسِيمَيْهِ: السَّكْتَ والقَطْعَ.

فأمَّا السَّكْتُ: فهو «قطعُ الصوتِ عن الْحرفِ زمنًا دون زمن الوقف مِن غيـر تَنَفُّسٍ»9؛ وإنَّما قلنَا : «قطعُ الصوتِ عن الْحرفِ»، ولَمْ نَقُـلْ كما قلنا في تعريف الوقف: «قَطْعُ الصَّوتُ عن آخر الكلمة»، لأنَّ السَّكْتَ قد يكون في آخر الكلمة، وقد يكون عند وسطها، وقد اختَصَّ بالسَّكتِ على وسط الكلمات من القراء السبعة: الإمامُ حمزةُ بن حبيبِ الزَّيَاتِ.

والفرقُ بين السكتِ على آخر الكلمة والسكتِ على وسطها: أنَّ السَّكْتَ على آخر الكلمة: جائزٌ بمعنى أنَّه يجوز الوقف على تلك الكلمة، أمَّا عند وصلها فيكون واجبًا؛ بخلاف السكتِ على وسط الكلمة فإنَّه واجبٌ وصلًا ووقْفًا.

وأمَّا القَطْعُ: فهو «قَطْعُ الصَّوتُ عن آخر الكلمة زَمَنًا أكْثَرَ من زمن الوقفِ بنيَّةِ قطعِ القراءة.10


* أَقْـسَامُ الْوَقْفِ:

ينقسم الوقفُ باعتباراتٍ مـختلفةٍ: باعتبارِ الباعثِ عليه؛ وباعتبارِ الـمعنى الذي يدلُّ عليه، وباعتبار ما يُوقَفُ به. أمَّا أقسامُ الوقفِ باعتبارِ الباعثِ عليه فهـو أربعةُ أقسامٍ، وبعـضُ العلماء يزيدُ قسمًا خامسًا، وهي: الْوَقْفُ الِاضْطِرَارِيُّ، الْوَقْـفُ الِاخْتِيَارِيُّ، الْوَقْفُ الِاخْتِبَارِيُّ، الْوَقْفُ الِانْتِظَارِيُّ، الْوَقْفُ التَّعْرِيفِيُّ.

وينقسم الوقفُ باعتبارِ الْمعنَى الذي يدلُّ عليه إلى أربعةِ أقسامٍ: تَامٍّ، وكافٍ، وحَسَنٍ، وقَبِيحٍ.

وينقسم الوقفُ باعتبارِ ما يُوقفُ به إلى خمسةِ أقسامٍ: السُّكونِ، والرَّومِ، والْإشْمَامِ، والْحَذْفِ، والْإبْدَالِ.

وتفصيل ما تقدَّم يُطلب في محله من كتب التجويد والقراءات.

* تَعْرِيفٌ مُوجَزٌ بِالْإِمَامِ ابْنِ أَبِي جُمْعَةَ الْـهَبْطِيِّ:11

هو محمد بن أبي جمعة، أبو عبد الله السِّمَاتي الفاسي الْهَبْطِي -نسبة إلى قبيلة الْهبط بالمغرب- الإمام الزاهد التقي العـابد؛ عالم بالنحو والفرائض، مرجع في علم القراءات. ولد سنة 850 للهجرة النبوية.أخذ العلوم عن الشيخِ أَحْـمَد زَرُّوق، والشيخ الْخَرُّوبِي الكبير الطرَابُلْسِي، وكذا الإمامِ ابنِ غَازِي (ت: 919 هـ).توفي -رحمه الله- في ذي القَعدة سنة 930 هـ بمدينة فاس، وقبرُه معروفٌ بطالعة فاسٍ.لم يُعرف من آثاره إلا كتاب "تَقْيِيدُ وَقْفِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ" الذي اشتهر به، وكتاب آخر يسمى: "عُمْدَة الْفَقِيرِ فِي عِبَادَةِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ".

* أَيْنَ ذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ أَبِي جُمْعَةَ اخْتِيَارَاتِهِ فِي الْوُقُوفِ؟

ذكرها رحمه الله تعالى في كتابه: «تَقْيِيدُ الْـوَقْفِ».

* التَّـعْرِيفُ بِكِتَـابِ: «تَقْيِـيدُ الْـوَقْفِ»:

كتاب تقييد الوقف: كتاب مختصرٌ جِدًّا، اقتصر فيه الإمام الهبطي على الكلمات التي يُوقف عندها فقط، ويضع أمامها نقطة -للدلالة على أنَّ هذا هو موضع الوقف-.

مثال ذلك: «...يَوْمِ الدِّينِ . نَسْتَعِينُ . وَ الضَّالِّينَ

. ألم . رَيْبَ . يُنْفِقُونَ . مِنْ ربهم . الْمُفْلِحُونَ»وهكذا.

ورتبها على ترتيب الـمصحف الشريف: الفاتحة، ثم البقرة، فآل عمران...وهكذا.وبلغ مجموعُ الوقوفِ الموجودةِ في كتابه على ما حرَّره بعضُ الباحثين: خمسةً وأربعين وتسعمائةً وتسعةَ آلاف وقفة (9945 وقفة).


* كَلَامُ الْعُـلَمَاء فِي الْوُقُوفِ الْـهَبْطِيَّةِ:


قال الأستاذ عبد الله بن الصديق الغماري: «...ولا أدري ما الداعي على اختيار هذه الوقوف التي يحتاج تصحيحها -إن أمكن- إلى تمحل في الإعراب وتكلف في التقدير، مما ينافي بلاغة القرآن التي أعجزت الإنسَ والجانَّ؛ مصحف حفص المطبوع بمصر، أُخِذَت وقوفُه من كتب القراءات والتفسير، بمعرفة جماعة من كبار قُرَّاء السَّبْعِ، وعلماء العربية، فجاءت وقوفًا صحيحة، خالية من التكلف والتمحل؛ فلماذا لا نفعل مثلهم في مصحف ورش؟ ونضع له وقوفا سليمة، ترشد التالي للمعنى، وتعينه على فهم المراد، وتٌعْفِيه من عناء التقدير؟ ولماذا نجمد على وقوف وُضعت منذ أربعة قرون؟ ومهما قيل عن واضعها من فضل وصلاح، فإن ذلك لا يجيز إبقاءَها على الوضع الحالي، بل يجب استبدال الصواب مكان الخطأ، والحسن مكان القبيح».12

وقال الأستاذ عبد الحليم قابة: «وأغلب مصاحف الـمغاربة اعتمدت الأوقاف الهبطية التي جرى عليها العمل بالمغرب ويُشار إليها بحرف (صـ)، ومع ذلك فهي ليست مُلْزِمَـةً، بحيث لا يسع الإنسانَ مخالفتُـها، وقد خالفتها بعضُ اللجان في الأزهر والسعودية، عند تدقيق وطباعة بعض المصاحف على رواية ورش.والحق أن الأمر دائرٌ مع التعلق اللفظي والمعنوي كما ذكرنا».13وجاء في آخر المصحف المطبوع برواية قالون: «هذا، وقد قرر العلماء أنَّ جلَّ هذه الأوقاف الهبطية حسنة، وتامة، وكافية، وليس بينها وقف قبيح»14.وجاء في آخر مصحف الجماهيرية الليبية ما نصُّه: «والوقوف التي اخْتِيرَت لهذا المصحف الشريف هي: الْوُقُوفُ الْهَبْطِيَّةُ، من وضع العلامة أبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي المغربي، المولود سنة 850 هـ، والمتوفى سنة 930 هـ.وهي معروفة لدى أكثر الحفَّاظِ، وتتضمن جميعَ أنواع الوقف المصطلح عليه عند أهل الفن، وليس من بينها وقف قبيح».

* مَعَـالِمُ الْوُقُوفِ الْـهَبْطِيَّةِ:

1 – الِاخْتِيَارُ التَّفْسِيرِيُّ:

الْمِثَـالُ الْأَوَّلُ: قال الله تعالى:{وَإِذَ اتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ص وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تهتدُونَ}[البقرة: 53]، اختُلِفَ في معنى الفرقان في هذه الآية على خمسة أقوال:15

الْأَوَّلُ:
أنه النَّصْرُ، الثَّانِي: أنَّـهُ مَا فِي التَّـوْرَاةِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْـحَقِّ وَالْبَاطِلِ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْكِتَـابُ، فَكَرَّرَهُ بِغَيْرِ لَـفْظِهِ، الرَّابِعُ: أَنَّهُ فَـرْقُ الْبَحْرِ لَهُمْ، الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْقُرْآنُ.والذي اختاره ابنُ أبي جمعة الهبطي رحمه الله هو القول الخامس، يُرشِدنا إلى هذا الوقفُ الذي وضعه في(الْكِتَابَ ص)، ثم الاستئناف بـ (وَالْفُرْقانَ )؛ ومعنى الآية على هذا القول: وإذ آتينا مُوسَى الكتابَ ومُحَمَّدًا الفرقانَ؛ ذكره الْفَرَّاءُ وهو قولُ قُطْرُبٍ.16

الْمِثَالُ الثَّانِي: قوله تعالى: (وَإِذَ اخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشَْهدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمُ و أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ص شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هََذا غَافِلِينَ)[الأعراف: 172]. فإن قولَه تعالى: (شَهِدْنَا)، اختلفوا فيه: أَهُوَ مِنْ قولِ الملائكة أم من تمام كلام الذُّرِّيَّةِ؟17

واختارَ الْهَبْـطِيُّ بِوَقْفِهِ القولَ الْأَوَّلَ، وتقـرير معنى الآية على هذا الوقْـفَ، أن الذُّرِّيَّةَ لما قالوا: ﴿ بلى ص ﴾، قال اللهُ للملائكةِ: اشْهَدُوا، فقالوا: ( شَهِدْنَا).

قال الْـفَخْرُ الرَّازِيُّ: «وعلى هذا القولِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ على قولِه: ( قَالُوا بَلَى ص)، لأنَّ كلامَ الذُّرِّيَّـةِ قدِ انْقَطَعَ هَهُنَا، وقولُـه: ((أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين)، تَـقْريرُه: أنَّ الملائكةَ قالوا شَهِدْنَا عليهم بالإقرارِ، لِـئَلَّا يقولوا: مَـا أَقْـرَرْنَا، فأسقط كلمة (لَا) كما قال: ( وَأَلْقَى في الارض رَوَاسي أَنْ تَمِيَد بِكُْم)[ النحل: 15]، يُرِيدُ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُم، هذا قولُ الْكُوفِيِّينَ، وعند الْبَصْرِيِّينَ تقريرُه: شَهِدْنَا كراهةَ أنْ تَقُولُوا ».18

الْمِثَالُ الثَّالِثُ:
قول الله تعالى: ((قَالَتِ اِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً اَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ص))[النمل:34].اختُلِفَ هل ( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ص) من تمام قول ملكة سبأ، أو هو كلام مُستأنف من كلام الله تعالى؛ والذي يختاره الإمام الهبطيُّ رحمه الله هو أنه كلام مُستأنف من كلام الله، وليس هو من تمام كلام ملكة سبأ، كما يُرشد إلَـى هذا الوقْـفُ الذي جعـله على كلمة ( أَذِلَّة ص) ثُـم الاستئناف بـ: ( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ص).19

2 – فَسَادُ الْـمَعْنَى بِالْوَصْلِ:

الْمِثَـالُ الْأَوَّلُ: قول الله تعالى: (وَ لا يحزنك قَوْلهموا ص إِنَّ الْعَِّزةَ للهِ جميعا وأن الله هَو السَِّميعُ
الْعَلِيمُ)[يـونس: 65].

فالوقف على (قَوْلهموص) وقفٌ واجبٌ، إذ الوصل يوهم خلافَ الـمقصود من الآية، فيكون ( إِنَّ الْعَِّزةَ للهِ جميعاص) من مقولِ الكفار، فنهى اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن أن يُحزنه قول الكفار هذا!!

وهذا القول لا يُحزن النبيَّ صلى الله عليه وسلم على فرض أن الكفار قالوه؛ ولهذا يجب الوقـف على(قَوْلهموص) ثم الاستئناف بـ: ( إِنَّ الْعَِّزةَ للهِ جميعاص) .

الْمِثَالُ الثَّانِي:
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِص (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ }[غافر: 6-7].فهنا يجب الوقف عند ( أَصْحَابُ النَّارِص)، ثم الاستئناف بـ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ )، لأن وصلَ الجميعَ يُوهِمُ أن (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) وصفٌ لأصحاب النار، وهو ظاهر الفساد؛ وقد نبَّه عليه النَّسَفِيُّ عند تفسير هذه الآيةِ.

3 – ضَبْطُ الْمُتَشَابِهِ بِالْوَقْـفِ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُـمَا:

وضع الإمامُ الهبطي بعضَ الوقوفاتِ، ليُسهِّلَ على الحافظ استحضاره للآيات، لئلا تختلط عليه المواضع الـمتشابهة.

الْمِثَـالُ الْأَوَّلُ:
قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًاص. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًاص) [الفرقان: 22-23]؛ وفي مقابلِه قولُه تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ص. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ص) [الفـرقـان : 53 - 54]؛ فـفي الآية الأولى يقف عند (حجرًاص) ، ويسـتأنـف بـ (مَحْجُورًاص)؛ وأما فـي الآية الثانية فـيقـرأ (وَحِجْرًا مَحْجُورًا ص) ثم يستأنف بـ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا).

الْمِثَـالُ الثَّانِي:قولُه تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ص)[يونس: 24]، ويقابله قولُه تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ ص. بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ص . وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)[الكهف: 45].

ففي الأولى يوقف عند : (فَاخْتَلَطَ ص)، ثم يُستأنَفُ بـ (به نَبَاتُ الْأَرْضِ)؛ وفي الآية الثانية يَصِلُ ذلك.لئلا يشتبه على القارئ، فتتداخل عليه الآيتان، فيقرأ في سورة يونس -مثلا-: (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا) ثم يصل معها: (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ص ).

4 – الْأَدَبُ مَـعَ الْأَنْبِـيَاءِ:

مثاله قول الله تعالـى:(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ ص وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ص )[ يوسف : 26 - 27 ]فلم يقف عند (وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، ليُشيـر إلى أن هذا الاحتمـال ليس بواردٍ أصلًا، ثم وقـف عند قوله: ( فَكَذَبَتْ ص) كأنه يُشير بذلك إلى الحكم النهائي، وهو كَذِبُ امرأةِ العزيز، واستأنف الحكمَ على يُوسُفَ عليه السلام بالصِّدْقِ، ( وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ص ).

* أَمْـثِلَةٌ عَلَى الْوُقُوفِ الْمُـنْتَقَدَةِ:

أوَّلًا: قوله تعـالى:( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُص الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْص)[يُوسف: 92].وتوجيه الانتقاد: أن الوقـفَ على (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُص)، والاستئناف بـ ( يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْص)، فيه الْـجَزْمُ بأن اللهَ سيغفرُ لهم في ذلك اليوم.

والصوابُ أنه وقفٌ صحيح، وذلك لأن يُوسُفَ عليه السلام نبيٌّ يُوحَى إليه، فيُمكنه الجزم بأن الله جل وعلا سَيَغْفِرُ لهم بِوَحْيٍ منه سبحانه.

وهذا التوجيه ذكره الإمام القرطبيُّ رحمه الله تعالى في تفسيره22 ، وهو متقدم على الهبطي، مما يدل على أن اختياراتِ الهبطيِّ ليست محدثةً، وإنما هو متبع فيها أئمةً قبلَه -غالبًا-.

ثَانِـيًا: ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ص وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ )[البقرة: 96].

فانتقدوا الوقف على (عَلَى حَيَاةٍ ص) والاستئناف بـ: (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا)؛ قالوا: والصواب أن يُقرأ:( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ) ويُوقَفُ، ثم يُستأنف بـ: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ)؛ فيكون (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا)؛ من بابِ ذكرٍ الخاصِّ بعد العامِّ على هذا الوَقْفِ، لأنَّ الذِينَ أَشْرَكُـوا مِنْ جُمْلَةِ النَّـاسِ.والصواب أنه وقفٌ صحيح، ويكون المعنى: ولتجدنَّ اليهود أحرص الناس جميعا على حياة؛ ومن هؤلاء الناس: المشركون الذين يود أحدكم تعميرَ ألف سنة، فإذا كان هذا حالَ المشركين، فاليهود أشد حالا منهم.

ويؤيِّد هذا، أن الأصل في الضمير أن يعود على أقرب مذكور، وأقربُ مذكورٍ يُمكن أن يُرجعَ عليه الضميرُ في ( أَحَدُهُمْ)؛، هو: ( الَّذِينَ أَشْرَكُوا)؛23.هذا، والكلام في هذا الموضوع يطول جِدًّا، وما تقدَّم غيضٌ من فيضٍ، وأرجو أن ينفعَ اللهُ بِهِ.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
------------------------------------------------------------------------------------------------


1 الإتـقان فـي علوم القرآن، عبدُ الرحمن بن أبي بكرٍ السيوطيُّ، (1/282).

2 الـمرجع نفسه.

3 الـمرجع نفسه.

4 ظاهر إطلاق الإمام النَّـكْزَاوي لمصطلح الـفَوَاصِلِ، أنَّه أراد به مواضعَ الوقوف؛ وهو خلاف ما استقرًّ عليه اصطلاح الـمتأخرين من إطلاقهم لهذا الـمصطلح وإرادتهم به: رؤوسَ الآيِ.

5 الـمرجع نفسه، (1/283).

6 الـمرجع نفسه.

7 يُـنظر: -الـتعريـفات، علي بن محمد الـجرجاني، (ص 328).

-التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف الـمناوي، (ص 731).

8 النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع، إبراهيم المارغني، (ص 21).

9 الـمرجع نفسه، (ص 121).

10 الـمرجع نفسه.

11 ينظر: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد مخلوف، (ص 252).

12 وقوف القرآن، عبد الله بن الصديق الغماري، (ص 49)، مجلة دعوة الحق، العدد 9، السنة 1973 م.

13 الـمختصر الجامع لأصول رواية ورش عن نافع، عبد الحليم بن محمد الهادي قابة، (ص 139).

14 القرآن الكريم برواية قالون عن نافع، (ص: ج)، دار الفجر الإسلامي، دمشق-سوريا، الطبعة الأولى، 1426 هـ، 2005 م.

15 مـصحف الـجماهيرية برواية الإمام قالون، (ص: ط).

16 زاد الـمسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن الجوزي، (1/81).

17 وضعَّفه الحسن بن محمد النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (1/281).

18 مفـاتيح الـغيب، محمدُ بنُ عمرَ فخرُ الدِّين الرَّازِيٌّ، (15/43-44).

19 الـمرجع نفسه.

20 الـمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن عطية الأندلسي، (4/259).

21 ومال إليه العلامة الطاهر بن عاشور في التحرير والتـنوير، (19/266).

22 الـجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، (9/258).

23 يُـنظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير، (1/334)، ط. دار طيبة.
__________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ الأديب محمد بوسلامة الجـزائـري :

(إنّ مدرستنا قد انهارت وإنّ مجاري التعليم قد غارت فلو لم يتلاف هذا الأمر بقية العلماء في هذه الديار وأهل السعة من الصالحين وولاة الأمور فسوف تتهافت بين ايديهم الاجيال كما تتهافت الفراش على شعلة الفتيل فكم من جريح وكم من قتيل إنّه تهافت الأجيال الذي تزول به الدول وتضعف منه الأمم وتنقرض به الحضارات إنني أدعو إلي حماية المواهب من المخمدات التي تمالأت على إطفائها فتبلغ بناشئة الأجيال إلى التخاذل والشعور بالنقيصة والقصور فلا تنهض له الهمم ولا ترتقي عزائمهم القمم إننا في زمن قد كثرت فيه عوامل الخفض والسكون وقلت فيه عوامل الرفع ونسأل الله الفتح المبين) - حماية المواهب -
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.