أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
15038 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منبر الموسوعات العلمية > قسم الأشرطة المفرغة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #9  
قديم 06-11-2012, 06:12 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-


[الـدَّرس التَّـاسـع]
(الجزء الأوَّل)

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-



إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
25. وَالخَـطَـأْ والإِكْـرَاهُ وَالـنِّـسْـيَــانُ ... أَسْقَـطَـهُ مَعْبُــودُنَــا الـرَّحْـمَــنُ
26. لَكِـنْ مَـعَ الإتلافِ يَثْبُـتُ الْبَـدَلْ ... وَيَنْتَفِــي [التَّـأْثِيـمُ] عَنْـهُ وَالـزَّلَــلْ
فيقول النَّاظِم:
هذا البيتان من مباحث أصول الفقه، والمنظومة التي ندرسُها كما ذكرنا في الدرس الأول تحتوي على قواعد فقهية -وهي الغالب عليها-، وفيها بعض مباحث علم أصول الفقه.
وهذا المبحث يُذكر في كتب أصول الفقه تحت موضوع (عوارض الأهلية).
فالإنسان مكلَّف إن كان عاقلا مميِّزًا، ولذا يذكرون في الأمثلة الدارجة على ألسنة الناس -وهي من القواعد الفقهية في كتب أهل العلم- يقولون: (إذا أخذ ما أوهب؛ أبطل ما أوجب)؛ بمعنى: أن المجنون ليس عليه تكليف في الدنيا، أما حاله وحال المعتوه وحال أولاد المشركين كما صح عن سيد المرسلين -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في أحاديث عديدة صحيح، تُشعل لهم النيران يوم القيامة ويُقال لهم: اقتحِموها، فإن فعلوا؛ دخلوا الجنة، وإن أبَوا؛ هلكوا، وهذا الذي يُسمى عند العلماء: (الامتحان في عرصات يوم القيامة) ثبت بهذا أحاديث عديدة سردها واعتنى بها عناية قوية الإمام ابن القيم في آخر كتابه «طريق الهجرتين».
فهنالك عوارض للأهلية، فالمكلَّف المميِّز العاقل الله عز وجل يرفعُ عنه التكليف إن أخطأ، أو إن أُكره، أو إن نسيَ، ولذا قال النَّاظِم:
25. وَالخَـطَـأْ والإِكْـرَاهُ وَالـنِّـسْـيَــانُ ... أَسْقَـطَـهُ مَعْبُــودُنَــا الـرَّحْـمَــنُ
فالله عز وجل أحدث ذلك في [آيات] كثيرة؛ منها في قوله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} يخبرنا النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إن قرأ القارئ هذه الآيةَ؛ فإن الله عز وجل يقول: «قد فعلتُ»، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}؛ فالناسي والمخطئ غير آثم.
وكذلك يقول الله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} فالشيء الذي يُفعل خطأ؛ فالإنسانُ غيرُ محاسب عليه، فالتكليف يبقى قائمًا في ذمة المكلَّف ما لم تقع منه المخالفة بإكراه أو بنسيان أو فعل ذلك خطأ.
فالذي يَقتل خطأ لا يأثم عند الله عز وجل.
رجل يصيد فأطلق السهم ليصيد الرميَّة، أو الرصاصة من البندقية، فمرَّ رجل فأخذت منه مَقتلا فسقط فوقع فمات، فهذا الإنسان لا يأثم عند الله عز وجل، قاتل الخطأ لا يأثم.
والذي يصيد خطأ أو ناسيا أنه مُحرِم فصاد؛ لا يأثم.
فصيد البر من محظورات الإحرام، فإن نسي المُحرِم أنه محرِم فصاد وهو ناسٍ؛ فلا شيء عليه البتة.
25. وَالخَـطَـأْ والإِكْـرَاهُ وَالـنِّـسْـيَــانُ ... أَسْقَـطَـهُ مَعْبُــودُنَــا الـرَّحْـمَــنُ
26. لَكِـنْ مَـعَ الإتلافِ يَثْبُـتُ الْبَـدَلْ ... وَيَنْتَفِــي التَّـأْثِيـمُ عَنْـهُ وَالـزَّلَــلْ
إيش الذي ينتفي؟ أنه آثم، وأما الكفارة تَثبت.
وهنا مسألة مهمة:
أخرج ابن ماجه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «إن الله وضع -أو قال: رفع- عن أمتي الخطأَ والنسيان وما استُكرِهوا عليه».
إن الله رفع عن أمتي الخطأ.
إن الله رفع عن أمتي النسيان.
إن الله رفع عن أمتي ما استُكرِهوا عليه.
هل الواحد من أمة محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يخطئ؟ ممكن واحد من أمة محمد يخطئ؟ هل يقع الخطأ في أمة محمد؟ إيش معنى الحديث: «إن الله قد رفع -أو وضع- عن أمتي الخطأَ .. »؟
هل يمكن أن ينسى؟ طيب؛ ليش ينسى والنبي يقول إن الله قد رفع عن أمتي النسيان، كيف ينسى؟
هل يمكن للواحد من أمة محمد أن يُستكره؟ لا شك؛ الجواب: نعم، لكن النبي يقول إن الله رفع الاستكراه عن هذه الأمة!
كلام العقلاء يُصان عن العبث، فإن كان الكلام لا يستقيم إلا بتقدير فلا بُد من تقدير، فالكلام على ظاهره ينتفي مع واقع أمته، النبي يقول: «إن الله رفع عن أمتي الخطأ» والأمة تخطئ، والأفراد يخطئون؛ فإذن: لا بد من أن يصان الكلام عن العبث، كلام العقلاء، لا يقولون كلاما عبثا، وهذا يقتضي منا حتى يستقيم الكلام أن نقدِّر محذوفا.
مثل تماما قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إنما الأعمال بالنيات»، يمكن واحد يعمل عملا صالحا دون نية؟ يمكن؛ إذن لا بد من تقدير شيء محذوف: (إنما الأعمال المقبولة عند الله بالنيات)، فإذا عملت عملا صالحا دون نية؛ فيكون العمل غير مقبول، أو (إنما الأعمال المشروعة بالنيات) أيهما أوسع المشروعة أم المقبولة؟ المشروعة أوسع من المقبولة.
ولذا: لا يجوز للمسلم أبدا أن يحتاج للنية الحسنة إن فعل مخالفة.
لما واحد يصافح امرأة، ومصافحة المرأة الأجنبية حرام، يقول لك: أنا ما عندي نية سيئة! نقول: لا، أنت مش فاهم الحديث، الحديث: إنما الأعمال المشروعة، أو الأعمال المقبولة بالنيات، لا يجوز تنظر لامرأة أجنبية فيُقال لك: لماذا تنظر؟ تقول: أنا أتأمل خلق الله! تزني بامرأة، تقول: ليش تزني؟ تقول: أنا أريد أن أعفها! هذا أمر غير مشروع! إيش المراد «إنما الأعمال بالنيات»؟ إنما الأعمال المشروعة، خذ من الشرع الإذن بالعمل ثم انوِ النية الصالحة.
طيب؛ «رُفع عن أمتي الخطأ»؟
للعلماء تقديران: «رُفع عن أمتي الخطأ»؛ أي: الإثم والزلل، هذا هو المرفوع.
أو: رُفع عن أمتي المؤاخذة.
الإثم: خاص، والمؤاخذة: عام.
وهذه المسألة تسمى في علم أصول الفقه (هل للمُقتضَى عُموم أم لا؟).
وانظروا الآن حتى مما نمثِّل نفهم المسألة فهمًا جيدا، حتى لما ننظر في النصوص الشرعية ونقرأ كلام علمائنا رحمهم الله نقرأ بفهمٍ، ونعلم أن علماءَنا رحمهم الله أقاموا هذا الصرحَ العظيم -صرح الفقه- على أصول، وعلى قواعد، وأن الدخيل عليه يظهر، وسرعان ما تكشف عورته، وتُبان سوأته.
بعض العلماء كالحنفية قالوا: المرفوع فقط الإثم «رفع عن أمتي الخطأ»؛ فقط الإثم.
جماهير أهل العلم قالوا: لا، ليس المرفوع الإثم فقط، قالوا: الكلام ليس تقدير البعض أولى من بعض، وإنما المرفوع كل المؤاخذة -الإثم وما يترتب عليه-.
أمثِّل -وبالمثال يتضح المقال-كما يقولون-:
رجل يصلي، وهو في الصلاة نسي فتكلم بكلام دنيوي، ما هو حكم صلاته؟ رجل واقف يصلي، يسمع لَجَّة من أصحابه: وين مفتاح السيارة؟ فقال له: مفتاح السيارة في مكان كذا على الرف.. في الدرج، نسي أنه يصلي، وهو في الصلاة، فجاء يسأل: إيش علي؟ فإن أجابه مُجيب على خُصوص المُقتضِي أنه شيء حتى يستقيم الكلام فيقدَّر المقدار الذي يستقيم به الكلام فحسب دون غيره، والذي يقدر الإثم و«رُفع عن أمتي» أو «وُضع عن أمتي الإثم»، فيقول له: الإثم عنك مرفوع والصلاة باطلة، أن تعيد الصلاة والمرفوع عنك إيش؟ الإثم، ليش رُفع الإثم؟ لأن الكلامَ وقع منه خطأ.
فالحنفية عندهم التقدير للضرورة، الكلام عبث ولغو حتى يُقدَّر شيء، وهذا الشيء الذي يُقدَّر بعض العلماء عمَّم وبعض العلماء خصَّص، وهي المسألة التي تُسمى في علم الأصول (عموم المقتضي، وخصوص المقتضي)، فالذي خصص ذكر فقط المقدار الذي يستقيم به الكلام، والذي عمم هو مذهب الجماهير قالوا: ليس شيء أولى من شيء بالتقدير.
فالمرفوع إنما هو المؤاخذة، فيقول جماهير أهل العلم في حق من تكلم ناسيًا: الإثم عنه مرفوع، والمؤاخذة عنه مرفوعة.
بمعنى: لو قال سائل: هل علي أن أعيد الصلاة؟
فالجميع متفق أنه لا خطأ عليه
وَالخَـطَـأْ والإِكْـرَاهُ وَالـنِّـسْـيَــانُ ... أَسْقَـطَـهُ مَعْبُــودُنَــا الـرَّحْـمَــنُ
الله لا يؤاخذ بالخطأ، وهذه من رحمته بعباده.
لكن: لو انتقل معنا إلى سؤال أضيق فقال: أنا ما علي وزر، لكن إيش أعمل: أعيد الصلاة أو لا أعيد الصلاة؟ بماذا نجيبه؟ فنقول له: الصواب أنك لا تعيد الصلاة.
فالأحكام الأخروية الإثم والخطأ والنسيان مرفوع عن هذه الأمة من حيث الإثم ومن حيث المؤاخذة.
ولذا قال النَّاظِم في عجز البيت الثاني:
... وَيَنْتَفِــي التَّـأْثِيـمُ عَنْـهُ وَالـزَّلَــلْ
الزلل: المؤاخذة منتفية، والتأثيم أيضا منتفٍ.
لكن في الأحكام الدنيوية الذي يسمى عند علماء الأصول الخطاب الوضعي الذي يدخل فيه السبب والمسبَّب، من أتلف شيء فسبَّب إتلاف شيء؛ فعليه أن يضمنه، عليه غُرمه، ولا صِلة للغُرم وللضمان بالإثم.
يعني: ولد صغير غير مكلَّف كسر زجاج سيارة الجار، إيش على والده؟ يَغرم، إيش على والده شرعا؟ على والده مثل الزجاج الذي كسره، فإن لم يوجد المِثل؟ ننتقل لإيش؟ للقيمة، المِثل قبل القيمة؛ لحديث أم سلمة، ولعلي ذكرتُه لكم: لما كان عند عائشة أضياف فلم تجد عائشةُ ما تضيِّف به أضياف رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فكان عند جارتها أم سلمة -وهي ضرتها- كان عندها طعام، فأرسلتْ للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صَحْفة فيها طعام، فرأتها عائشة، فأخذت الصحفة وكسرتها، ضربتها بالأرض، أخذتْها الغيرة ما يأخذ النساء، فجمع النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الطعام في الصحفة وهي مكسورة، ودخل على أضيافه، وقدم لهم الطعام، وقال لهم: «غارت أمُّكم»، وأخذ الصحفة السليمة من عائشة وأرسلها لأم سلمة، وأبقى الصحفة المكسورة لعائشة.
فقال العلماء: الضمان أولا يكون بالمِثل، فإن تعذَّر المِثل؛ كان بالقيمة؛ فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بدَّل الصَّحفتَين، صحفة عائشة السليمة؛ لأنها كسرت صحفة أم سلمة، أخذ السليمة وأعطاها لأم سلمة، وأبقى المكسورة التي كسرتها عائشة أبقاها عندها.
فيقول ابن القيم في «الزاد»: «في هذا دليل على أن الضمان يكون بالمِثل قبل الثمن».
الشاهد: أن الولد كسر زجاج سيارة، أو أتلف شيئا وهو غير مكلَّف، إيش عليه؟ عليه ضمان الإتلاف.
وكذلك المجنون، وكذلك الناسي، وكذلك المخطئ.
ولذا قال النَّاظِم:
25. وَالخَـطَـأْ والإِكْـرَاهُ وَالـنِّـسْـيَــانُ ... أَسْقَـطَـهُ مَعْبُــودُنَــا الـرَّحْـمَــنُ
قال:
26. لَكِـنْ مَـعَ الإتلافِ يَثْبُـتُ الْبَـدَلْ
المراد بالبدل: المِثل، بدلا منه، فإن لم يوجد البدل المثيل؛ فحينئذ: ننتقل إلى قيمة البدل.
إنسان رأى امرأة فجأة ولم يتقصد، فالوزر عنه مرفوع، بعد النظرة الأولى إن نظر إليها وهو يعلم بوجود المرأة أو العورة؛ فهو يأثم.
وكذلك قتل الخطأ مرفوع الإثم عن صاحبه، لكن عليه الدية، وعليه كفارة، والكفارة في حق الله، والدية حق لأولياء الدم، فيجب على من قتل آخرَ أن يدفع دِيتَه، والدية ليس من مال القاتل، وإنما الدية من عاقلة القاتل، العاقلة: مَن تجتمع أنتَ وإياهم إلى الجد السادس.
ولما عمر رضي الله تعالى عنه وجد الإسلام قد انتشر ودخل فيه الأعاجم، والنسب لا يوجد عند الأعاجم، دوَّن دواوين لكل صنعة، وجعل الدية في الديوان، وجعل الذين يدفعون الدية أصحاب الديوان.
وهذا فيه نوع تكافُل مع أولاد الميِّت، فهو ليس من باب العقوبة؛ وإنما الغالب عليه النظر إلى حال من مات، وإلا الإثم مرفوع عنه.
رجل أكل أو شرب وهو صائم، إيش عليه؟ ولا شيء، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: «من أكل أو شرب ناسيًا؛ فليتم صومه إنما أطعمه الله وسقاه» الله أطعمك وسقاك، لا شيء عليك.
طيب؛ هل من فرق بين صيام الفريضة وصيام النافلة؟ الجواب: لا؛ لأن النبي يقول: «من أكل أو شرب وهو صائم» ولم يحدِّد نوع الصوم، أطلق النبي الصوم، وهذا مذهب جماهير أهل العلم خلافا للمالكية، فجماهير أهل العلم لا يُفرقون، وهذا هو الصواب، إن أكلت وأنت في صيام فريضة، إن أكلت أو شربت في صيام نافلة؛ فإنما أطعمك الله وسقاك، فتُتم صومك.
ورد عند عبد الرزاق في «المصنف» أن رجلا شابًّا جاء لأبي هريرة فقال له: لقد أكلتُ وأنا صائم؟ فقال: إنما أطعمك الله وسقاك، ثم قال الشاب: ثم أكلتُ وأنا صائم؟ قال: إنما أطعمك الله وسقاك، ثم قال الشاب -في المرة الثالثة-: أكلت وأنا صائم؟ فقال له أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إن الصيام ليس من شأنك يا ابن أخي!
والظاهر أنه كان صائما صيام نافلة، ولم يكن صائما صيام فريضة، يعني: هذا ليس من شأنك أن تصوم، كل شوي تأكل، كل حين تأكل، فالصوم ليس من شأنك.
لكن مع هذا قال له: أطعمك الله وسقاك، ولم يُفرِّق أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بين صيام الفريضة وبين صيام النافلة، والنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أطلق ذلك.
أما الضمان وما يخص الأمور الدنيوية والقِيم والمِثل والبدل في الأمور الدنيوية لا الأخروية؛ فهذا ثابتة في ذمة المُتلِف.
ولذا يُذكر في قواعد الفقهاء: الإتلاف يستوي فيه المتعمِّد والناسي والمُكره.
الكتب المطولة في القواعد الفقهية يقولون قاعدة: الإتلاف يستوي فيه المتعمِّد والناسي والمُكرَه.
فإذن: الذي يرفع المؤاخذة وهي الزيادة على الإثم وهي الإثم والزلل على عبارة النَّاظِم، ولكن مع الإتلاف يثبت البدل، وكما ذكرتُ هذا مبحث (عوارض الأهلية) في علم أصول الفقه.
ثم انتقل النَّاظِم إلى قاعدة لها فروع فقال:
27. مَسـائِـلُ الْأَحْكَــامِ فِيها فِي التَّبَـعْ ... يَـثْـبُـتُ لا إِذَا اسْتَـقَــلَّ فَـوَقَــعْ
هذا البيت عبَّر النَّاظِم فيه عن قاعدة كلية مهمة، وهذه القاعدة تقول: (يثبت تبعًا ما لا يثبتُ استقلالا) هنالك أحكام تثبت بالتبع ما لا يثبت بالاستقلال.
فهذا الحكم إذا انفرد يكون له حكم، وإذا لم ينفرد وكان مع غيره؛ كان له حكم آخر.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نهى عن بيع الثمار وهي على رؤوس الأشجار ما لم تصفارّ أو تَحمارّ.
يعني أنا أشتري منك بستان تفاح، والثمرة غير ظاهرة، وهي على رؤوس الشجر، ولم تصفار لم تنضج أو تحمار؛ فهذا بيع غرَر، ولا ندري هل تبقى الثمرة أم تفسد الثمرة، أم تسقط الثمرة، أو ما شابه، أو تأتي جائحة فتمنع من نُضج الثمرة، فهذا مجهول العاقبة.
لكن: العلماء يقرِّرون: لو أن بعض هذه الشجر اصفار أو اخضر، بعض هذه الشجر نضج؛ فيجوز أن تشتري الثمرة التي لم تنضج تبعا للثمرة التي نضجت.
وهذا مثل من أمثلة قاعدة: يثبت بالتبع ما لا يثبت بالاستقلال.. يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالا.
لو واحد قال: أنا عندي شجر كله لم ينضج بعد، فجاءني رجل أراد أن يشتري هذه الثمرة، نقول له هذا نهى النبي عنه عليه الصلاة والسلام.
طيب لو قال: بعض الشجر نضج وبعضه لم ينضج؟ يجوز، الذي لم ينضج يلحق بالذي نضج، فالذي لم ينضج لولا الذي نضج؛ لكان حُكم بيعه الحُرمة، فجاز بيع الذي لم ينضج تبعًا للذي نضج لا استقلالا به.
وهذه قاعدة عامة، وقع خلاف في التفصيل في هذه الجزئية، فلو كان الشجر من جنس واحد؛ فتكاد تجمع كلمة العلماء أن الذي لم ينضج يلحق بالذي نضج.
لكن لو اختلفت أجناس الأشجار؛ هذا مما وقع فيه خلاف.
يعني لو واحد عنده بستان فيه مثلا إجاص وتفاح ومشمش أو دراق ونضج نوع والباقي لم ينضج، والذي لم ينضج من التفاح يلحق بالذي نضج من التفاح.
لكن هل الذي لم ينضج من الدراق أو من المشمش أو من الإجاص يلحق بالذي نضج من التفاح؟ فهذا وقع فيه خلاف، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه يلحق؛ وبالتالي قاعدة: يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالا في مثل هذه المسألة لا عبرة بالجنس.
يعني المعنى: أن المناخ صحيح، والأرض صحيحة، والسقي صحيح، ولا يوجد حشرات قاتلة، أو آفات مهلِكة لهذه الثمار، فكلها تعامَل معاملة واحدة، ولا فرق بين نوع ونوع، وبين جنس وجنس.
طيب؛ هل يجوز أن تشتري شيئا لم تره ولم تحدده ولم تعرفه؟
طيب؛ الحشوة التي توضع في الجاكيت، أو في بعض الفساتين أو في بعض الثياب، يجوز بيع الحشوة؟ وحدها لا تجوز، لكن مع الثوب؟ تكون تبعا، فيثبت بالتبع ما لا يثبت بالاستقلال.
طيب؛ يجوز واحد يشتري من آخر حليب شاة ويقول له: بكم تبيعني حليب الضرع؟ شاف ضرع شاة، فقال: ألا تحلب لي ما في هذا الضرع، أريد أن أشتري منك ما في الضرع. فواحد يظنه سمينًا، فلما يُحلب يكون عُشر ما قد ظنّ! فيقول: أنت ظلمتَني! أنت بعتَني شيئًا يسيرًا! وأنا الذي قد قام في ذهني أنه شيء كثير، فأنت قد خدعتَني، قد ظلمتَني! فهذا يوصل إلى المُشاحة، ويوصل إلى الخلاف والمقاطعة والمُدابرة بين المسلمين.
ولذا: يحرم شرعًا أن تشتري اللبن الذي في الضرع.
تشتري الكمية، بكم الأوقية؟ احلب أوقية وأعطيني، خرج نصف أوقية؛ أعطيتك ثمن نصف أوقية، خرج كيلو؛ أعطيتك ثمن كيلو، ما فيه مشكلة هكذا، لكن تبيعني ما في الضرع من حليب؛ هذا أمر غير معروف!
ولذا: نهى العلماء عن بيع اللبن الذي في الضرع، لكن لو أن رجلا اشترى الشاة بتمامها وكمالها ومن ذلك اللبن الذي في الضرع؛ فاللبن الذي في الضرع يثبت تبعًا ما ثبت استقلالا، لو اشترينا لبن الضرع ممنوع، لكن لما نشتري الشاة بتمامها؛ فيكون الضرع من ضمنها.
أساسات البيت: مرئية ولا غير مرئية، لما يشتري البيت يعرف أساسات البيت؟ لا يراها، والأصل فيمن يشتري سلعة أن يراها، أو أن توصف له وصفا يقطع الخلاف، فشراء البيت بالجملة يلحق به أساس البيت الذي لم يُر، فيثبت تبعًا..
يعني: في التبع الأمر واسع، ففيه أشياء الشرع منعها إلا إن كانت تبعا لغيرها.
مثلا: الجمع بين الصلاتين، الجماعة معتكفون في المسجد، وكل الموجودين معتكفون، وأذن المغرب والثلج نازل، والمطر نازل، هل يجمعون بين الصلاتين؟ لماذا يجمعون بين الصلاتين؟ هم في المسجد، سيؤذّن عليهم العشاء وهم في المسجد وهم لا يخرجون من المسجد أبدا هم معتكفون فيه.
طيب؛ لو سأل سائل فقال: يوجد عدد قليل من الناس معتكفون وأغلب الناس غير معتكفين، فهل يجوز للمعتكِف أن يجمع بين الصلاتَين أم لا؟ إيش نقول له؟ نقول: يجوز للمعتكِف في المسجد أن يجمع بين الصلاتَين تبعًا لغيره لا استقلالا به.
لو كان كل الموجودين معتكفون ما جمعوا، لكن هو يجوز له الجمعُ تبعًا لغيره الذي هو ليس بمعتكف.
فهنالك أشياء تجوز بالتبع ما لا تجوز بغير التبع.
التأمين على السيارة: عقد التأمين حرام، لكن السيارة أصبحت من الحاجيات، وما أحد يشتري السيارة وفي باله يؤمِّن، فعقد تأمين السيارة تبع، شيء ما هو خاطر في بال مشتري السيارة، لكن هو لا يملكها حتى يؤمِّنها، فيسهل موضوع التبع ما لا يسهل موضوع الأصل، فالذي يثبت في التبع أوسع من الذي يثبت بالأصل.
طيب؛ إن أكلتَ ملعقة عسل وفيه ذباب، إيش ذباب العسل؟ ذباب العسل عند العلماء: النحل، أنت تأكل في العسل فأكلتَ ذبابة، نحلة من نحل العسل، فذُباب العسل في العسل تبع، وهو أسهل من أن تأكل النحلة دون عسل، فإذا وقعت ذبابة، نحلة في العسل؛ فالعلماء يقولون: ذباب العسل إن كان مع العسل هذا تبعا يجوز أكله مع العسل، بل يقولون في دود الطعام، أكل الدود وحده حرام، لكن إذا كان مع الطعام؛ فيجوز تبعا للطعام ولا يجوز استقلالا به.
فيثبت بالتبع ما لا يجوز بالاستقلال.
فهذه هي القاعدة.
27. ومِن مَسـائِـلِ الْأَحْكَــامِ فِي التَّبَـعْ ... يَـثْـبُـتُ لا إِذَا اسْتَـقَــلَّ فَـوَقَــعْ
وأخونا مغيِّر البيت حتى لا يكون مكسورا؛ فقال:
27. مَسـائِـلُ الْأَحْكَــامِ فِيها فِي التَّبَـعْ ... يَـثْـبُـتُ لا إِذَا اسْتَـقَــلَّ فَـوَقَــعْ
البيت الذي بعده البيت الثامن والعشرون، وهو من القواعد أيضا المهمة التي لها تفريعات كثيرة، يقول النَّاظِم:
28. وَالْعُــرْفُ مَـعْـمُــولٌ بِـهِ إِذَا وَرَدْ ... حُكْمٌ مِنَ الشَّـرْعِ الشَّرِيفِ لَمْ يُحَـدْ
الشرع -إخواني-، الأحكام الشرعية شرعها الله لتكون عملية، الشرع الأصل فيه أنه يَقبل العمل في واقع حياة الناس، وكل فهم يجعل الشرع أو النص غير عملي؛ فهم خاطئ، فهم دخيل على الشريعة.
وكل احتمال لغوي محض، أو عقلي محض يمكن أن يُفهم من النص، وتواطأ فعل الصحابة على خلافه؛ فهذا الفهم أيضا مدخول على الشرع.
يعني مثلا: صلينا اليوم المغرب جماعة، فواحد من الناس قال: خلينا نصلي ركعتين سُنة المغرب جماعة! ليش يا حبيبنا نصلي ركعتين سُنة المغرب جماعة؟ قال: النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «صلاة الرجل في جماعة خيرٌ من صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة».
الاستدلال باللغة ممكن، معقول، صحيح؟ ممكن.
لكن هذا الحديث الذي قاله النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هل النبي فعله في مثل الصورة التي يسأل عنها هذا الأخ؟ هل فهم الصحابة منه هذا الفهم؟
فكل فهم على خلاف ما تواطأ عليه العمل في زمن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وزمن الصحابة؛ هذا الفهم مغلوط.
فلو أن رجلا استدل بقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- -وهو في «الصحيحين» من حديث ابن عمر-: «صلاة الرجل في جماعة خيرٌ من صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة»، وأصر أن يصلي سُنة الظهر البعدية جماعة، أو القبلية جماعة، أو سُنة المغرب جماعة؛ نقول: أنت مبتدع، وأنا لا أَقبل عقلك، ولا أَقبل فهمك! يجب أن ينضبط فهمُك بفعل النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
الدين جاء وطُبق، فكل دِين، كل فهم للدِّين يخالف واقع حياة الصحابة؛ فهذا فهم مغلوط للدين، فهم غير مقبول.
وكل الأباطيل التي تدخل اليوم للدين بعُقول الناس وباحتمالات لُغوية ممكنة، ولا يُمكن لأحد في الجانب الذي فيه الضلال والفساد أن يُقيم الذي يقول وينقله عن الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أو عن صحابته.
طيب؛ الدين علَّق أشياء وهذه الأشياء الشرعُ ما حدَّ لها حد، ولم يُعرف لها حدٌّ مضبوط في لغة العرب؛ هذه لإيش متروكة هذه الأمور؟ هذه متروكة لأعراف الناس.
ولذا: شرعُنا مظلوم من طرفين: من جامد أو جاحد، من رجل يريد أن يتوسع في الدين فيغير ثوابته، أو من رجل أراد أن يجمد على بعض الأشياء والشرعُ أذِن أن نتوسَّع فيها.
العُرف والعادة تخص المعاملات فيما بين الناس، وهذه المعاملات التي تواطأ عليها الناس أصبحت بمثابة الشيء الذي ينظم هذه المعاملات، وأصبحت في داخل الناس، وقامت بحكم شيوعها وذيوعها مقام الشرط الذي يُشترط في العقد.
يعني: مثلا أن اشتريت 2 طن إسمنت أو حديد من تاجر، ونزّله على ورشة البناء، وقع خلاف بيني وبينه: التحميل والتنزيل على من؟ لا أنا قلت علي ولا هو قال علي! ولما صار ينزِّل هو يقول: عليك! وأنا أقول: عليك! طيب؛ هذا لمن التحميل والتنزيل؟! أنت أيها التاجر لَما بِعتني؛ بعتين على ما قام في أعراف الناس، فالحَكَم بيني وبينك إيش؟ الأعراف العامة بين الناس، فإذا كان العُرف أنت الذي تدفع؛ أنت الذي تدفع، وإذا كان العُرف أنا الذي أدفع؛ أنا الذي أدفع.
عدم نطقنا بتنظيم الشرط من هذه الحيثية أجرة التحميل والتنزيل؛ فأنا وإياك سُكوتنا يدلِّل على قبولنا لما تعارف عليه الناس.
واحد جاءه رجل يخطب ابنته، فقبِل، ما قال له يسموا المهر، ثم حصل نزاع، أراد الزوج أن يطلق، إيش لها الآن قبل الدخول؟ لها نصف المهر، كيف نقول نصف المهر؟ العُرف، مهر المثل.
كم مهر أختها.. كم مهر بنت عمها.. مهر مثيلاتها من النساء، فصار مهر المثل هو الذي يحكم.
أنا اشتريت منك سيارة، السيارة فيها عجل (سبير) ما فيها عجل (سبير)... على إيش يعود الأمر؟ للعُرف.
اشتريت منك دراجة، دراجة معها منفاخ ما معها منفاخ؛ لإيش يعود؟ للعُرف.
إذن الذي يفتي في معاملات الناس يجب على المفتي أن يعلم أعراف الناس، فيحرم على المفتي أن يفتي في المعاملات الشائعة بين الناس القائمة على العُرف حتى يَعلم الأعراف.
ولذا: يقول القرافي رحمه الله: الذي يفتي الناس بجواب واحد على اختلاف عوائدهم كالطبيب الذي يصف دواء واحدا لأمراض مختلفة.
ما يجوز لطبيب حافظ نوع دواء أن يصفه لكل الأمراض!
والمفتي لا يجوز له إن عَرف عُرف بلد هو فيها إن قامت مسألة في رأسه ومدارها على العُرف وهو لا يعرف أعراف البلدة التي وقع فيها الخلاف؛ فشرعًا لا يجوز له أن يفتي، يقول: اسألوا علماء بلادكم، أو يستفصل عن أعراف بلادهم، فيعرف عُرف أهل البلدة ثم يجيبهم على أعرافهم هم، لأنهم حال تنظيمهم للعقد أقاموا الحُكم على المُتعارَف بينهم.
ولذا العلماء لما يقولون: تتغير الأحكام بتغير الأزمان، وبتغير الأحوال؛ فالنوع الذي يتغير من الأحكام هذا هو فقط، فقط هذا النوع الذي يتغير، ما فيه نوع آخر، مش ممكن الصلاة تصير في تونس بدل صلاة الظهر أربع ركعات تصير خمس ركعات، وتصير في الجزائر سبع ركعات، وتصير في نيجيريا ثلاث ركعات، وتقول: تتغير الأحكام بتغير الأحوال! مش ممكن!
العبادات والمسائل التي قامت عليها الأدلة؛ فالأدلة هي الحاكمة، والمسائل التي علَّقها الشرعُ للناس وعلَّقها على أحوال النَّاس؛ فمدارها ومردُّها إلى أعرافهم؛ لأن الشرعَ في موضوع المعاملات كما تبين معنا في قواعد سابقة وفصلنا ذلك تفصيلا طويلا، وقلنا أن الأصل في المعاملات الحِل.
فمتى يُرجع إلى العُرف والعادة؛ فكل أمرٍ علَّق الشرعُ الحُكم فيه على شيءٍ لم يضع له حدًّا، ولم يكن له حد في اللغة؛ فمردُّه إلى العُرف.
فربنا يقول مثلا: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} المولود له نفقة، والنفقة بالمعروف، إيش حد النفقة؟ أعراف الناس.
النبي يقول لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيكِ وولدَك بالمعروف» إيش تأخذ المرأة؟ العُرف، ما تعارف عليه أهل البيت فيما يحتاجونه، فتأخذ من غير إذن زوجها هذا المقدار إن كان زوجها مِسِّيكًا أو بخيلا -كما ورد في الأحاديث-.
الشرع أمر بتعريف اللُّقَطة، طيب؛ ما هي وسائل تعريف اللُّقَطة؟ إيش طريقة التعريف؟ طريقة التعريف متروكة لأعراف الناس، وقد تختلف هذه الطرق من زمن لزمن، ومن بلدة إلى قرية، ومن بدو إلى قرية، فطريقة تعريف اللُّقَطة الشرع أمر بتعريفها، ولم يحدد طريقة تعريفها، ممكن تُعرَّف بكتابة إعلان على باب محل سوبر ماركت كبير، ممكن تُعرَّف بأن تُذكر لمختار القرية.
الطريقة تختلف من زمن لزمن، وتختلف من مكان لمكان، بل تختلف من قِيمة لقيمة، قد يجب على الإنسان أن يعرِّفها بالجريدة: رجل وجد لُقطة ألماس وجواهر وقيمتها مئات الألوف هذا ما يُعرِّفها كما لو وجد عشر دنانير، هذا واجب عليه أن يبذل من الوسائل والطرق ما لا يبذله الأول.
فطريقة تعريف اللُّقَطة تختلف باعتبارات كثيرة، ومردُّها إلى أعراف الناس.
وسمعتُ بعض مشايخنا يقول: لو أنك فقدت كيف تُعرِّف فكذلك لو أنك وجدتَ كيف تُعرِّف.
الذي يفقد مبالغ طائلة ينشر في الجريدة: من وجد كذا وكذا، فالذي يجد ينبغي أن يفعل كما لو فقد.
لكن مع هذا: الشرعُ لم يحدَّ حدًّا لطرق التعريف؛ ولذا يقال أن الأمر العبرة فيه بالعُرف المعمول به.
28. وَالْعُــرْفُ مَـعْـمُــولٌ بِـهِ إِذَا وَرَدْ ... حُكْمٌ مِنَ الشَّـرْعِ الشَّرِيفِ لَمْ يُحَـدْ
إذا الشرع الشريف ما حد حدًّا؛ فحينئذ: يعود الأمر للعرف.
طبعا: لا بد للعرف أن يكون شائعا بين الناس، ولا بد للعُرف أن لا يُصرَّح بخلافه، وأن لا يُصادم نصًّا، وأن يكون موجودًا عند إبرام العقد حتى يكون هو المنظِّم عند وقوع الخلاف.
لا بد أن يكون: شائعا بين الناس، وأن يكون موجودا عند إبرام العقد، وأن لا يخالف وأن لا يصادم نصًّا من الشرع، وأيضا أن لا يعارض تصريح بخلاف.
يعني: أنا اشتريتُ إسمنت، والتحميل في أعراف الناس على البائع، فأنا أخذت سعرا خاصا، واتفقت مع بائع الإسمنت قال لي: ترى التحميل مش علي عليك، الأعراف على البائع، لكن أنا وإياه نظمنا المعاملة بطريقة تكون أجرة التحميل والتنزيل على من؟ اتفقنا على خلاف العُرف، فالعبرة إذا اتفقنا على خلافه ونصَّصنا.. [مداخلة]
إذا نحن اتفقنا على خلاف العُرف؛ فالعبرة باتفاقنا.
ولذا العلماء يقولون في قواعدهم: (المعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا)؛ بل بعضهم زاد فقال: (المعروف عُرفًا كالمنصوص نصًّا) وبعضهم يَذكر: (التعيين بالعُرف كالتعيين بالنص).
ومن قواعدهم أيضا يقولون: (المعروف بين التُّجار كالمشروط بينهم) يعني: الشيء الذي يتعارف عليه التجار وهم لا يتكلمون يُنزَّل منزلة الشرط، (المعروف بين التُّجار كالمشروط بينهم)؛ كأنه شرط كل منهما ألزم غيرَه بهذا الشرط.
طيب؛ أنت وضعتَ عندي أمانة، وهذه الأمانة تلفت، أنا أضمن الأمانة ولا لا أضمنها؟ يُنظر: إن قصرتُ أضمن، وإن لم أقصر؛ لا أضمن، إذا أنا قصرتُ في حفظها؛ ضمنتُ، وإذا أنا ما قصَّرت؛ ما ضمنتُ.
أعطيتني أمانة وضعتها في مخزن أضع فيه أشيائي الثمينة، فجاء حريق فأكل الأخضر واليابس، أخذ الذي لي والذي لك، أنا لا أضمن، أنا ما قصَّرت حتى أضمن، وأنا هلك عندي الذي أملكه، فأنا ما قصرت في أمانتك.
لكن: لو قال قائل ما هو الحد في أني قصرتُ أو لم أقصر إيش الجواب؟ العُرف، ما يوجد حد، الشرع واللغة ما وضعوا حدًّا.
الفقيه يذكر قاعدة يقول: أنت أتلفت أمانة، وديعة فلان؟ نعم أتلفتها. أنت قصرتَ ولا ما قصرت؟ المُمسِك الضامن يقول: ما أتلفتُ، وذاك يقول: أتلفتُ. فحكَّموا رجلًا بينهما، فأراد أن يعرف هل قصَّر أم لم يقصِّر، فالذي يريد أن يفصل بينهما هل قصَّر أم لم يقصر؟ علام يعود؟ يعود على العُرف.
طيب؛ الرضا في العقود، الرضا لا يوجد له حد لا في الشرع ولا في اللغة، فكيف يُعتبر أني أنا رضيت أني أشتري أو ما رضيت أني أشتري، بإيش؟ بالأعراف.
يعني: أنا الآن أدخل على محل سوبر ماركت، أحمل عن الرفوف ما أريد، وأبقى أحمل هذه الرفوف وأضعها على الصندوق -يسمونه بتعبيرنا اليوم الكاش-، أضعها جنب الصندوق؛ أنا قَبِلتُ، صار عندي رضا أريد أشتري هذه الأغراض، صحيح؟ ولا أتكلم ولا كلمة، أرى شاشة المحاسبة أمامي أخرج الفلوس أدفع وأمشي، ولا نطقت لا إيجاب ولا قَبول ولا شيء، هذه العملية كلها عملية إيش؟ رضا، وهذا الرضا، له صُوَر الرضا، وهذه الصور مردُّها إلى أعراف الناس، مردُّ الرضا في إبرام العقود اللازمة والاختيارية، مردُّ الرضا إلى أعراف الناس، فالرضا لا يوجد له صورة معينة، ولا يوجد له طريقة معينة، ولا سيما اليوم قد تُبرم العقود على شاشات النت وما شابه، أمره عُرفي محض.
فإذن النَّاظِم يقول:
28. وَالْعُــرْفُ مَـعْـمُــولٌ بِـهِ إِذَا وَرَدْ ... حُكْمٌ مِنَ الشَّـرْعِ الشَّرِيفِ لَمْ يُحَـدْ
إذا وضع الشرع حدا معينا فعلى ما حدَّ الشرعُ، متى يكون البيعُ ملزما؟ هذا أمر عُرفي؟ لا، ورد فيه نص، هذا ورد فيه نص يقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا»، أنا جالس أنا وياك بدي أشتري منك سيارة بدي أشتري منك بيتا، لم نفترق..

انتهى (الجزء الأول) ويتبع (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
التاسع الجزء الأول..
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.