أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
107716 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر الصوتيات والمرئيات والكتب و التفريغات - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-13-2012, 10:22 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] (الدرس العاشر/1-2) شرح منظومة القواعد الفقهية/للسعدي - مشهور بن حسن

بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-

[الـدَّرس العـاشـر]
(الجزء الأوَّل)


لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-




إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فوصل بنا المقامُ -وصلني الله وإياكم برحمته- إلى البيت الثلاثين من منظومة الشيخ السعدي، وهي تخص مبحثا من مباحث علم أصول الفقه، ولهذا المبحث أثر كبير على كثير من الفروع الفقهية.
وضبط هذا الأصل يترتب عليه ضبط صحيح مطرد منهجي قائم على استقراء الأدلة من الكتاب والسنة لا أقول لعشرات المسائل ولا أقول لمئات المسائل؛ بل أقول لألوف المسائل، وهذه ثمرة فائدة علم الأصول وعلم القواعد وإن لم تحصِّل الأصل المطرد فإنك تُحسن تقدير واعتبار الخلاف عند العلماء.
هذه المسألة صنَّف فيها كثير من أهل العلم مصنَّفات خاصة، وأَولوها اهتماما مهما، ووقع لبعضهم على بعض استداركات وتعقبات وردود وإفاضات وإضافات وإلزامات، ولذا لو أردنا أن نوفيها حقها باستقراء التمثيلات عليها لاحتجنا إلى وقت طويل، ولكن كما يقولون: ما لا يدرك كله لا يترك جله -من جهة-، ومن جهة أخرى نحن نشرح منظومة ولا بد أن نفرغ منها أو من شرحها في وقت قريب.
هذا الأصل يُبحث في علم أصول الفقه تحت عنوان: هل النهي يقتضي الفساد أم لا.
وقع في كثير من النصوص منهيات، ولكن ليست هذه المنهيات على درجة واحدة، واختلفت أنظار العلماء في الضابط الذي يترتب عليه متى يكون هذا النهي باطلا لا ثمرة له، لا تبرأ الذمة منه، ولا تترتب الآثار عليه من حيث حِل ملك السلعة في البيع مثلا، وحِل أخذ المال الثمن في حق البائع من جهة أخرى في فروع كثيرة لا بد أن نذكر الضوابط على عجل من حيث متى يكون النهي يقتضي الفساد ومتى يكون النهي لا يقتضي الفساد.
الناظم الشيخ السعدي قال في منظومته، واختار الضابط الذي مشى عليه جماهير الأصوليين، وعليه في التطبيقات جماهير الفقهاء، والكلام في تخريجات الفروع على الأصول من حيث النهي، وليس فيما يخص المسألة من نقول أو نصوص، فمتى خُرجت المسألة على نص شرعي أعني: قال الله قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ فلا اعتبار لكلام أحد مع نص الوحي، ومتى لم يرد نص في الكتاب والسنة؛ فحينئذ نأتي إلى التقعيد والتأصيل واللجوء للقواعد الفقهية.
يقول الناظم في البيت رقم (30) من المنظومة:
30. وَإِنْ أَتَى التَّحْريمُ فِي نَفْسِ الْعَمَـلْ ... أَوْ شَـرْطِــهِ فَـذُو فَسَـادٍ وَخَـلَـلْ
وَإِنْ أَتَى التَّحْريمُ
أي: النهي، إن جاء التحريم، والتحريم يثبت بالنهي، والأصل في النهي الحُرمة ما لم تَقم قرينة، فإذا كان هذا التحريم جاء في نفس العمل، ووقع على رُكن من أركانه، أو وقع على شرط من شروطه؛ فهذا العمل يكون ذا فساد وخلل.
بالمثال يتضح المقال، وأضرب أمثلة، ثم في أثناء ضرب الأمثلة أنوِّه إلى خلاف العلماء في الضوابط، وكذلك في تنزيل هذه الأمثلة على ما اختاره الناظم.
مثلا: رجل في الصلاة يصلي، وهو يصلي كان يلبس خاتم ذهب، فما حكم صلاة من يلبس خاتم الذهب؟ هل النهي عن لبس الذهب من نفس عمل الصلاة أم من خارج عمل الصلاة؟ هل لبس خاتم الذهب من شروط صحة الصلاة؟ هل لبس خاتم الذهب من أركان الصلاة؟ إذن إيش حكم لبس خاتم الذهب؟ حرام ما يتغير الحكم، لكن إيش حكم من يصلي وفي يده خاتم ذهب؟ صلاته صحيحة أم باطلة؟ النهي عن لبس خاتم الذهب هل يقتضي فساد صلاة من لبسه؟
طيب؛ إنسان يكذب ويصلي، صلاته صحيحة ولا باطلة؟ الكذب إيش حكمه؟ هل الكذب من أعمال الصلاة؟ هل من شروط الصلاة؟
طيب؛ نأخذ شيئا أقرب:
رجل يصلي ويلتفت كالتفات الثعلب، واقف يصلي ويلتفت بعينيه ولا ينظر مكان سجوده، وكان هدي النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في صلاته أن ينظر إلى مكان سجوده إلا في التشهد فكان يشير بالسبابة ويلقي بنظره إليها...
إنسان وهو يصلي يلتفت، ولا ينظر إلى مكان السجود، إيش حكم صلاته؟ النهي وقع في داخل الصلاة ولا خارج الصلاة؟ داخل الصلاة، هل النظر إلى مكان السجود من شروط صحة الصلاة؟ هل النظر إلى مكان السجود من أركان الصلاة؟ ليس ذلك كذلك، إيش حكم صلاة من يصلي ويلتفت؟ صلاته صحيحة، لكن هذا الالتفات حرام؛ لأن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نهى عنه.
وفي الحديث الصحيح: أن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان يلتفت في الصلاة، صحَّ عنه الالتفات، ومن فقه المأموم في المضايق يلتفت ولا يكون قد خالف.
يعني: الإمام قرأ سجدة ووقف وقال: الله أكبر، ويمكن أن يكون قد ركع، ويمكن أن يكون قد سجد للتلاوة، التفتْ؛ حتى تحسن المتابعة، لا حرج، فكان النبي يلتفت حديث صحيح ثابت عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، لكن كان يلتفت للحاجة.
الشاهد: أن الالتفات الصلاة ولو وقع على الوجه المكروه إيش الحكم؟ الصلاة صحيحة والالتفات إثم، تمام؟
طيب؛ هذا الالتفات إيش؟ كالتفات الثعلب، كيف التفات الثعلب؟ بعينيه.
طيب؛ رجل التفت بصدره، يعني إنسان واقف يصلي فعل هكذا استدبر القبلة وهو يصلي، إيش حكم صلاته الآن؟ صحيحة ولا باطلة؟ باطلة، ليش صلاته باطلة؟ إيش حكم استقبال القبلة في الصلاة؟ في أي الصلوات؟ في غير صلاة الراكب، كان النبي على الدابة ويُكبر تكبيرة الإحرام ويسير حيث توجهت به دابتُه في السفر، والحديث متفق عليه من حديث ابن عمر، وحديث ابن عباس، وحديث من؟ فالحديث ثابت في «الصحيحين» عن ثلاثة من أصحاب النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فإذن: الحديث في النوافل وهو راكب للمسافر، وفي الفرائض عند الحاجة لمن يركب الطائرة، أو يركب السفينة إذا كانت السفينة تلعب الأمواج بها، يعني الراكب في السفينة عليه الصلاة قائما، فما استطاع يصلي جالسا، وهو قائم انحرفت عن القبلة يتوجه للقِبلة حيث استطاع، ما استطاع؛ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وفي مثل هذا -كما في حديث ابن عمر- نزل قول الله تعالى: {فأينما تولُّوا فثمَّ وجه اللهِ} نزلت والنبي راجع من مكة إلى المدينة عند خيبر -كما في بعض روايات الحديث في «صحيح مسلم»-، لما وصل النبي كان يصلي ويكبِّر على راحلته -وفي رواية: على ناقته-، وكان يستقبل حيث توجهت به ناقته -أو رحله-في الحديث-.
طيب؛ رجل واقف في الصلاة، فاستدبر القبلة، إيش حكم استقبال القِبلة يا طلبة العلم! يا طلبة الفقه؟ الفقيه دقيق [مداخلات] من الشروط ولا من الأركان؟ [من الشروط] شو الفرق بين الشرط والركن؟ الشرط قبل الصلاة، والركن داخل الصلاة، إيش ينبني على الشرط؟ ما لا ينبني على وجوده وجودٌ ولا عدم.
أنت مستقبل للقِبلة ما انبنى عليك القِبلة صلاة، أنت توضأت ما ينبني على الوضوء صلاة.
ما لا ينبني على وجوده وجودٌ ولا عدم، وينبني على عدمه العدم.
أنت مستقبل للقِبلة ما ينبني على استقبالك القِبلة صلاة، وإن لم تستقبل القِبلة فصلاتك باطلة.
فإن وقع المُصلي في نهيٍ في نفس العمل (وَإِنْ أَتَى التَّحْريمُ فِي نَفْسِ الْعَمَـلْ) ركن، أو في شرطه؛ قال: (أَوْ شَـرْطِــهِ فَـذُو فَسَـادٍ وَخَـلَـلْ).
طيب؛ نأتي بمثال آخر حتى نقرب المسألة ثم نبدأ نذكر كلام بعض أهل العلم.
رجل سرق عباءة، وصلى بها، إيش حكم صلاته؟ [صحيحة] لما نقول صحيحة ما حد يقول: الشيخ يقول حلال سرق العباءة! انتبهوا! بعض الناس يفعل هذا، فأنا أقول: الذي يسرق العباءة ويصلي فيها صلاته صحيحة، ليش؟
طيب؛ نضرب مثالا آخر: رجل سرق عمامة، ووضعها على رأسه، صحيحة ولا باطلة صلاته؟ صحيحة.
طيب؛ رجل سرق جوربين ولبسهما وصلى فيهما إيش رايكم؟ صلاته صحيحة ولا باطلة؟ صحيحة.
طيب؛ رجل سرق ثوبًا فستر به عورته، فكان ستر العورة بثوب مسروق، هل الثوب المسروق الذي سُترت به العورة حُكمه كحكم من سرق عمامة أو جوربًا أو عباءة؟ أم الحكم يختلف؟ الحكم يختلف؛ لماذا؟ لأن ستر العورة رُكن ولا شرط؟ شرط، ستر العورة من شروط صحة الصلاة.
إذا كان الإنسان فقير لا يستطيع لا شيء عليه، كذاك الرجل الذي أم الناس وهو صغير، فلما أمَّ الناس وهو صغير كان إذا سجد وكان أحفظ القوم معه البقرة وآل عمران، فكان إذا سجد بانت إسته، فكنَّ النساء يصلين خلفه فيرين إسته، فيقلن لأبيه: استُر عنا إست صبيكم، فكان لا يقدر، لا يملك ستر العورة، فكان لا يملك إلا الثوب الذي يلبسه، فستر العورة من شروط صحة الصلاة في حق المستطيع، الذي لا يستطيع يصلي على حاله.
طيب؛ إذن: بعض أهل العلم يقول: الذي يلبس ثوبا مسروقا ويستر به عورته تبطل صلاتُه، والذي يلبس عمامة أو عباءة أو جوربا أو نعلا أو خُفًّا وصلى فيه صلاته صحيحة مع الإثم في جميع الحالات، هذا من الحشو، نتكلم مع طلب العلم، الحشو أن مع الإثم في كل الحالات.
شو الفرق بين لبس العمامة أو العباءة أو الجورب المسروق ولبس الثوب الذي يستر العورة؟ لبس الثوب نهي في الشرط، ولبس العمامة والعباءة والجورب نهي مطلق، كلبس الذهب في المثال الأول، لابس الذهب تزيَّن بحرام، ولابس العمامة أو العباءة تزيَّن بحرام، الأول تزيَّن بحرام في أصله ووصفه، والثاني تزيَّن بحرام في وصفه دون أصله، في طريقة كسبه، وهو في أصله -حكم لبس العباءة في الأصل ولبس العمامة ولبس الجورب- الأصل الحِل.
رحم الله علماءنا وسادتنا علماء الحنفية، ريَّحونا، أريح مذهب في هذا الباب مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
عند أبي حنيفة شيء سهل تضبط الأمور، ومن سهولته في هذا الباب وقع شيء من هرج ومرج في بعض الفروع من جهة، ووقع سعة في كثير من الفروع ولا سيما في أبواب المعاملات من جهة ثانية.
ولذا: رأى كثير ممن درَّسنا من مشايخنا الذين درَّسونا الفقه رأوا سعةً في مذهب أبي حنيفة يتناسب مع سوء واقع الناس، ويتجارى مع أحوال الناس، فمالت جُل التقنينات التي قنَّنت الفقهَ على شكل مواد قانونية صاغتهُ على مذهب الحنفيَّة، وأول محاولة جادة وهادفة وقوية في تقنين مذهب الإمام أبي حنيفة على شكل مواد قانونية وحَكَمت جُل أصقاع الدنيا ما وقع في أواخر زمن الدولة العثمانية لما قنَّنوا مذهب الإمام أبي حنيفة في مجلة تُسمى «مجلة الأحكام العَدليَّة»، ورأيت -في فترة تردادي واستفادتي من أستاذي الشيخ مصطفى الزرقا-رحمه الله- رأيتُ عنده من كتبه تدوينًا للمذاهب الأربعة على شكل مواد قانونية، ولما أراد ضياء الحق -حاكم باكستان رحمه الله- وكان جادا في الحكم بالشريعة كان شيخُنا الأستاذ مصطفى الزرقا مدرِّسًا لنا، وكان استضافه وكذلك وضع له تقنينات كثيرة؛ لأن الحكم بالإسلام مع الأُطر الحياتية الجديدة تحتاج إلى معرفة الواقع الذي يجري على وجه في تفصيل وفيه تأصيل، ولكن الهوة بعيدة -ما زالت- بين الحديث والفقه، ونحن بحاجة إلى سواعد وهِمم جادة صادقة تكون هادفة موجَّهة توجيهًا علميًّا تربويا إيمانيا صحيحا لإحياء الربانية.
ينبغي أن نكون على قدر المسؤولية، وينبغي أن نعلم أن الفراغ الذي تُرك بسب عدم تطبيق الشريعة من أواخر الدولة العثمانية إلى هذا العصر ملاحِظين المستجدات الكثيرة التي وقعت في سائر ضروب الحياة تُتعِب كثيرا من العلماء، فالذي يحملون -كما يقولون- السلم بالعرض وينادون بالإسلام دون التأصيل العلمي الصحيح، فلو قيل لهم: احكموا بالإسلام فلن يستطيعوا الحكم بالإسلام إلا بتنميق الكلام.
يعني: لو الآن الذي ينادون بالإسلام وإلى آخره لو قيل لهم: احكموا بالإسلام؛ ما يحسنون!
والله عز وجل لطيف بعباده، ومن لطف الله بعباده أن لا ينصر قومًا هذا حالهم، فمن رحمة الله بنا أنه لا ينصرنا، وهذا كلام لا يدركه إلا العقلاء، وأرجو أن أُفهَم على وجه صحيح؛ فيشهد ربي أن كل شعرة من بدني تحب دين الله حبًّا لا يعلمه إلا هو.
الشاهد أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله له أصل سهل في هذا التقعيد في هذا الباب فقال رحمه الله: (ما كان منهيًّا عنه بأصله؛ فهو باطل، وما كان منهيا عنه بوصفه؛ فهو فاسدٌ وتترتب عليه آثارها).
أعيد: فيه شيء منهي عنه بأصله، وفيه شيء منهي عنه بوصفه.
يعني: الخمر منهي عنه بأصله ولا بوصفه؟ بأصله. والخنزير منهي عنه بإيش؟ بأصله لا بوصفه.
الصلاة لغير القِبلة، والصلاة مع الحدث، أكل الميتة، صلاة الحائض، صلاة النفساء، صوم الحائض، صوم النفساء.. هذا كله إيش؟ منهي عنه بأصله ووصفه، يعني بأصله خلاص كله منهي، من باب أولى يكون منهيا عنه بوصفه.
طيب؛ رجل نذر أن يصوم يومي العيد أو يوم التشريق، هذا منهي عنه بأصله ولا بوصفه؟ رجل نذر لله نذرًا أن يصوم العيدين، رجل نذر لله نذرا أن يذبح لقبر؟
طيب؛ الذبح، الذبيحة مشروعة بأصلها وممنوعة بوصفها، والصيام مشروع بأصله، وصوم يوم العيد وأيام التشريق ممنوع بوصفه.
لو قلنا لجماهير العلماء: أفتونا -مأجورين-: نذر رجلٌ أن يصوم يومي العيد، ماذا يقولون؟ يقولون: صوم العيد هذا حرام في نفس العمل، إيش هذا؟ نذر باطل، لا يجوز لك أن تفيَ به.
طيب؛ نذهب نسأل عالما حنفيا من علماء الحنفية، فقلنا له: أفتنا -مأجورا-: رجل نذر أن يصوم العيد، أو أيام التشريق، ما قولك؟ إيش يقول لنا؟ يقول: يصوم، كم يوم نوى؟ قالوا: نوى يصوم يومي العيد، قال: يصوم يومين غير العيد؛ لأنه وقع في عبادة فاسدة وليست بباطلة؛ لأن المخالفة التي وقع فيها منهي عنها بالوصف مشروعة بالأصل، الصيام أصله مشروع.
والذبح بأصله مشروع، فاللي يذبح للنبي شعيب نقول: اذبح في بيتك ووزع للفقراء، اذبح لله، الذبح لغير الله شرك، وفي «صحيح مسلم»: «من ذبح لغير الله فقد أشرك»، اذبح في بيتك.
الجماهير ماذا يقولون له: نذرك باطل، فعند علماء الحنفية: الباطل ما لا يُشرع لا بأصله ولا بوصفه، والفاسِد الذي شُرع بأصله دون وصفه.
طيب؛ الربا {وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرَّم الربا} انظروا في كتب التفسير ولا سيما الكتب التي تعتني بالعربية، أو بالأصول؛ فستجدون هذه العبارة وهذه العبارة تحتاج إلى وقفة حتى نوجهها على ما نقول: العلماء يقولون في تفسير قول الله عز وجل: {وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرَّم الربا} يقولون: قوله: {وحرَّم الربا} عطف الخاص على العام، إيش يعني؟ يعني الربا بيع، لكن بيعٌ حرام، بيع غير مشروع، الربا بيع غير مشروع، لذا: {وحرَّم الربا} هذا عطف خاص على عام، يعني الربا يدخل تحت البيع {وأحلَّ اللهُ البيعَ} البيع: مفرد محلى بالألف واللام،والمفرد المحلى بالألف واللام من ألفاظ العموم، {وحرَّم الربا} خرج الربا من عموم البيع.
طيب؛ إيش هذا يفيد؟
رجل اتفق مع آخر على قرض ربوي، قال له: أعطني ألف دينار أعطيك ألف ومائتين، إيش الحكم؟ كبيرة من الكبائر باتفاق العلماء، ما أحد يخرج يقول: فيه خلاف بين الحنفية وبين الجمهور، ما أحد من أهل العلم أحل الربا، لكن الآن نبحث في آثار هذا العقد، كل العلماء يقولون: الربا إثم وكبيرة من الكبائر ومن أكبر الكبائر الربا، لكن الجمهور: واحد قال: ألف وألف مائتين وماطل ما قبل يعطيه الفلوس، وكتبوا هذا الربا بوثيقة، أو أشهدوا شهودًا، فذهب للقاضي قال له: يا سيدي القاضي! أنا أعطيته ألف دينار واللي عنده ألف ومائتين..، قال: ليش ألف ومائتين؟ قال: ألف ومائتين ربا! بم يقضي القاضي إن كان من جماهير العلماء؟ يقول: الأمر باطل، كأن شيئا ما وقع، نلغيه.
طيب؛ القاضي الحنفي إيش يعمل؟ القاضي الحنفي يلزمه بدَين ألف دينار، ويلغي الماتي دينار، تقول تعطيه الألف ترجع له الألف، لأنكم اتفقتم على عقد مشروع بأصله دون وصفه، إيش الباطل في العقد؟ الزيادة، الأصل في العقد..
لذا الحنفية يُمشّون عقود الناس على تعبير إخواننا المصريين بالعافية، يعني: أي وجه يجدوا له تمشية عقود الناس يمشي.
حدثني بعض مشايخي ممن درَّسني الميراث -ومات مُسنًّا قبل عشر سنوات عن عمر يناهز المائة سنة-، يقول: أنا أذكر في أول نشأة المملكة، أجيء لقاضي من أقاربي لبائع باع آخر خمرًا، وحكمَ له على وفق مجلة الأحكام العدلية، كل الدول العربية في أول التنشئة كانت تحكم بمجلة الأحكام العدلية، الذي هو نظام الدولة العثمانية، القائم على الشريعة الإسلامية المذهب الحنفي، فقضى عليه على نحو مقنَّن عنده، إيش القضاء؟ ذمتك بريئة ولا شيء عليك، ليش؟ لأن الخمرَ محرَّم بإيش؟ بأصله ووصفه، فهذا إيش يترتب على ما كان حراما بأصله ووصفه إيش يترتب عليه؟ يترتب عليه البُطلان.
طيب؛ رجل توسع في شروط بعض الفقهاء فتزوج امرأة ووقع خلل في العقد، مثلا: استغفلها ودخل بها ولم يكن قد طلبها من أهلها بناء على مذهب أبي حنيفة مثلا، أبو حنيفة لا يرى اشتراط رضا الولي إذا كانت المرأة راشدة، امرأة تقدم بها السن فكبرت، فرجل من الرجال طلبها ودخل بها، اشتراط الولي رُكن، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول في «سنن أبي داود»: «أيما امرأة أنكحت نفسها بنفسها؛ فهي زانية» وفي رواية عند أبي داود بإسناد صحيح: «ولها المهرُ مما أصيب من فرجها» إيش الآن؟ النبي جعل العقد باطلًا، ولا راعى الوصف دون الأصل؟ راعى الوصف، ولم يراعِ الأصل، قال: «فهي زانية» وقال: «ولها المهرُ مما أصيب من فرجها».
فإذن: وهنا لفتة وهي في فروع المسألة، وفروع المسألة كثيرة، نحن قلنا أن العلماء لا يُفرقون بين الفاسد والباطل، جماهير أهل العلم صحيح؟ لكن في مواضيع النكاح يُفرقون بين الباطل والفاسد، جماهير أهل العلم يُفرقون في مواضيع النكاح على الرغم أنهم لا يوافقون الحنفيَّة في مجمل المسائل إلا أنهم في النكاح يفرِّقون، لأن موضوع الفروج موضوع خطير للغاية.
كم ضابط أصبح عندنا في موضوع (هل النهي يقتضي الفساد أم لا) تكلمنا عن كم ضابط الآن؟
ضابطان:
الضابط الأول: ما ذكره المصنف وهو قول جماهير الأصوليين وقول جماهير العلماء: إذا كان النهي في نفس العمل أو في ركنه أو في شرطه اقتضى الفساد وإلا فلا.
الضابط الثاني: إذا كان النهي في أصل العمل اقتضى الفساد، وإذا كان في وصفه لا يقتضي الفساد، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة.
هذان أشهر مذهبان للعلماء في هذه المسألة.
ممن تكلم على المسألة بتفصيل طويل، وبتأصيل جيد عالم نحرير من علماء الأصول، وهو الإمام المازِري.
والإمام المازري له كتب أصولية كثيرة، وللأسف الذي طُبع منها قليل، له تقييدات وشروحات على «الرِّسالة» للإمام الشَّافعي، كتاب «الرِّسالة» أول محاولة هادفة جادة قوية في علم المصطلح وفي علم أصول الفقه، من مؤلف كتاب «الرِّسالة»؟ الإمام الشَّافعي.
وفي حدود علمنا أن شرح المازري على «الرِّسالة» مفقود، ونمي إلي من قريب أن منه نسخة في بعض مكتبات تركيا، وإذا وجدت هذه النسخة؛ فهذا يفيد العلم كثيرًا.
عبد الرحمن بن مهدي لما قرأ «الرِّسالة» للشافعي قال: منذ أن قرأت «الرِّسالة» ما من سجدة سجدتها لله إلا ودعوتُ فيها للإمام الشَّافعي بعد ما قرأت هذا الكتاب.
ويقول: لقد قرأتُ كتاب «الرِّسالة» للإمام الشَّافعي أكثر من خمسمئة مرة، وفي كل مرة أستفيد فائدة لم أستفدها في المرة السابقة!
رحم الله أئمتنا.
فالمازِري له مذهب لم يُعرف عمن قبله، ومذهبه أشغل العلماءَ، وبعضهم نقضه بكتاب ووقعت ردود عليه إلى آخره.
قول المازري؛ يقول-وهذا مذهب ثالث في المسألة-: إذا كان النهي في حق الله عز وجل اقتضى الفساد، وإذا كان النهي في حق العبد لم يقتض الفساد.
هذا قول المازري.
ممن نقل مذهبه وهو شافعي المذهب وناقشه ولم يَقبَله: الإمام العلائي، وألف كتابًا مطبوعا في دمشق عن دار الفكر سماه: «تحقيق المُراد في هل النهي يقتضي الفساد»، وشوش على كلام المازري بالآتي -وسأذكر كما ذكرت لكم رؤوس المسألة-، يقول العلائي للمازري: أنت تقول أن النهي إن كان لحق الله عز وجل اقتضى الفساد، وإن كان للعبد لم يقتض الفساد، قال: والحقوق متداخلة!
حق السرقة لله ولا للعبد؟ هو حق لله وحق للعبد.
حق الزنا؟ لله ولإيش أيضا؟ المرأة المسكينة التي تغصب بالزنا يُعتدي على حقها واعتدي على حق وليها، فهو حق لله وحق للعبد.
فالعلائي عكَّر وشوش ورد كلام المازري بأنه لا يوجد ضابط نميز فيه بين حق الله وحق العبد وحقوق الله مع حقوق العباد متداخلة، فجاء شيخ الإسلام ابن تيمية فنقل كلام المازري ونقل تعكير وتشويش العلائي عليه في «مجموع الفتاوى» (29/381 فما بعد)، فأخذ يناقش مناقشات طويلة، ويفصل تفصيلات بديعة، وقال بناء على كلام أيضا ذكره غيره من العلماء قال: التأصيل صحيح والتشويش والتعكير يُدفع، قال: بم يدفع؟ قال: هنالك ضابط في الفرق بين حق الله تعالى وحق العبد، بأن الحق إن كان يَقبل المسامحة والإبراء؛ فهو حق للعبد، وإن كان الحق لا يَقبل المسامحة ولا الإبراء؛ فهو حق لله.
طيب؛ السرقة: رجل سرق من آخر فهتك حرزا فتوفرت شروط إقامة الحد، فأراد المسروق منه أن يعفو عن السارق، هل له ذلك؟ ليس له ذلك.
طيب؛ رجل غش آخر غشا، باعه شيئا مغشوشا، وما سرق..
طيب؛ أنا اشتريت كتابا مغشوشا، طعاما مغشوشا، شيئا مغشوشا، ثوبا مغشوشا، إذا كان النهي يقتضي الفساد يحرم علي أن ألبسه، ويحرم علي الأكل والطعام، ويحرم على البائع المال الذي في يده.
طيب؛ أنا اشتريت شيئا مغشوشا وقلتُ: سامح الله من غشني! هل هذه المسامحة لها اعتبار؟ أو ليس لها اعتبار؟ هذا الأمر يقبل الإبراء والمسامحة أو لا يقبل؟ يقبل، فإن كان لا يَقبل فهو حق لله، وإن كان يَقبل الإبراء؛ فهو حق للعبد.
فإن كان النهي في حق الله؛ كان النهي يقتضي الفساد، وإن كان في حق العبد؛ لا يقتضي الفساد.
كأنكم ضيعتم؟ معي تمام ولا؟! إن شاء الله معي.
طيب؛ أكثر من الأمثلة ونخرِّج على الأصول الثلاثة، نتدرب، والجواب امتحانا للخاطر لا حرج فيه إن شاء الله، وأما الكلام بالظن والتخمين أمام غير الشيخ حرام في الشرع والفقه، أما أمام الشيخ من باب تقوية الملَكة وفهم المسألة، واحتمال الصواب والتصويب أمر لا حرج فيه.
مذهب أبي حنيفة رحمه الله، طريقة الإمام أبي حنيفة في التعليم كان يلقي المسألة على الطلبة، فيجيبون، فيُقنعهم أن جوابهم خطأ فيَقتنعون، ثم يقنعهم بأن الذي فهموه خطأ فيَقتنعون وهكذا، فكان يقلِّب لهم الأشياء!
لما سمع به الإمام مالك قال: هذا رجل لو أراد أن يقنعك أن أسطوانة المسجد من ذهب لا من خشب لاستطاع! أبو حنيفة لو أراد أن يقنعك أن هذه الأسطوانة مش من خشب من ذهب لاستطاع.
ولذا: يذكر في مرض وفاته غاب عن طلبته فجاءت امرأة تسأل فأمهلوها فاجتمعوا كبار تلاميذه: محمد بن حسن الشيباني وأبو يوسف القاضي وزُفَر بن هذيل كبار التلاميذ اجتمعوا واتفقوا على رأي، فلما برئ خرج، فقيل له: يا إمام! جاءت امرأة فتسأل، قال: بم أجبتموها؟ قالوا: بكذا وكذا، فقال: أخطأتم، فأقنعهم أن جوابهم خطأ، ثم أقنعهم أن خطأهم صواب، وقال: أصبتم فيما قلتم. رحمه الله تعالى.
لذا: لما الشَّافعي التقى بأبي حنيفة كان يقول: كل الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه! رحم الله جميع علمائنا.
طيب؛ نذكر أمثلة وبناء عليها ننظر في الأحكام، نستحضر الضوابط الثلاث...
رجل سرق سكينا، فذكى بها شاة، فما حكم أكل الشاة؟ ذبح الشاة بسكين مسروقة أو مغصوبة، غصبها من رجل أخذها بالعنف والقوة، حكم أكل الشاة؟ [مداخلة: حلال]، على أي القواعد حلال؟ [مُداخلة: ذبح الشاة حلال من أصله، وسرقة السكين] حرام لوصفه، على أبي حنيفة حلال قولا واحدا، ذكّى، تذكية، رجل أكل ذبيحة من غير تذكية؛ حرام؛ لأنها حرام بأصله.
رجل أكل شاة من غير تذكية؛ حرام، ليش حرام؟ لأن النهي عن الأصل، حرام بأصله.
طيب؛ هذا الذي سرق سكينا ذكّى الشاة، نهر الدم، وقطع الودجين، أفرى الودجين، والنبي يقول في «الصحيحين» من حديث أبي ثعلبة الخشني: «ما أفريتَ الودجين وأنهرتَ الدم؛ فكُل» نهر الدم وأفرى الودجين؛ فحلال، هذا على مذهب أبي حنيفة حلال.
على القول الأول: إذا كان النهي في ركن العمل أو شرط العمل، والسكين ليست من ركن العمل ولا من شرط العمل، الركن هو إيش؟ الفري والنهر. على القول الأول.
[مداخلة] نتكلم الآن عن الشاة غير المسروقة! نتكلم عن السكين المسروقة.
طيب؛ نأخذ مثلا الشاة المسروقة، رجل سرق شاة فذبحها، فهل لك أن تأكل أم ليس لك أن تأكل؟ إيش قال العلماء؟ هل هي حق لله أم حق للعبد؟ حق لله، السرقة لا تقبل الإبراء؟ حرام أكلها، طيب إيش يعمل فيها؟ عند أبي حنيفة إيش يقول أبو حنيفة؟ يقول: كُل؛ لأن الحرام بالوصف، والعبرة بالذبح، وقع الذبح، الشاة لحم طيب أحلَّه الله.
طيب؛ لو ذكّيت خنزيرا؟ السكين حلال، ذكّيتَ خنزيرا أو كلبا -أجلكم الله-؟ الحمد لله على شريعة الإسلام، فإيش حكم الخنزير المذكّى أو الكلب المذكى؟ حرام عند الجميع، حق لله، وإيش أيضا؟ بأصله وأصل العمل حرام، أنه عند الجماهير يقوم مقام: نفس العمل أو شرط العمل أو ركن العمل.
طيب؛ نأخذ مثالا آخر، وللأسف المثال موجود عند كثير من الناس!
رجل يسرق الماء، ولا سرقة الماء حلال؟ يقول: المال للدولة وسرقة المال حلال، صحيح هذا الكلام؟ مش صحيح، لا القائل صحيح ولا المجيب صحيح, المال مش للدولة، طيب؛ الناس شركاء في ثلاث الحديث: «المسلمون شركاء في ثلاث» الماء في مصادره الطبيعية، والعشب الكلأ « المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ» الكلأ: العشب يعني..
الناس شركاء في مصادره الطبيعية، إذا حزتَ الحطب لك أن تبيع، إذا حزتَ إذا ملك في مُلكك الماء، فنَقلتَه إلى إناء من آنيتك إلى مكان تحوزُه أنت فهو مُلكك ولك أن تبيعه.
طيب؛ رجل يسرق الماء، ويتوضأ أو يغتسل من الماء المسروق، إيش حكم صلاته؟ طيب هو توضأ ولا ما توضأ؟ صلاته صحيحة عند أبي حنيفة.
الماء في شرط العمل؟ يمكن الوضوء من غير الماء؟ في نفس العمل على وجهة، وليس في نفس العمل على وجهة.
وهذه مسألة لها نظير أتعبت الفقهاء، ونظيرها: الصلاة على أرض مغصوبة، لا يمكن تتصور صلاة بدون مكان!
لكن بعض أهل العلم -وهذا مذهب رابع من مذاهب (هل النهي يقتضي الفساد)-ذكرنا ثلاثة، هذا المذهب الرابع والأخير الذي نذكره-: قالوا: ننظر هل النهي ينفك عن العمل أو لا ينفك عن العمل، إذا كان النهي لا ينفك عن العمل فهو يقتضي الفساد، وإذا كان ينفك لا يقتضي الفساد، يعني: هل يلزم من صلاتك على مكان أن تملكه؟ هل يوجد انفكاك بين الصلاة في المكان والملك أم لا يوجد انفكاك؟ يوجد انفكاك، فمن نظر إلى الانفكاك قال: الصلاة على الأرض المغصوبة منفكة.
هل يلزم حتى يصح وضوؤك أو غسلك أن تملك الماء؟ يلزم ولا لا يلزم؟ لا يلزم، لو توضيت في المسجد وضوؤك صحيح؟ وضوؤك صحيح باتفاق، فلا يلزم صحة الوضوء أن تملك الماء، ولذا من توضأ بماء مسروق، أو أسقط الجنابة بماء مسروق فغُسله صحيح، ووضوؤه صحيح وعليه الإثم؛ لأنه يَقبل الانفكاك.
وحتى على قول من قال: حق الله وحق العبد؛ يَقبل الإبراء، شو الإبراء يعني؟ يعني لو صاحب الماء قال : أنا مسامحك، إيش المشكلة؟ هذا ليس فيه هتك ستر، وليست من السرقة التي تُقام عليها الحد، وهي تَقبل الإبراء، ليست حدا لله خالصا، ليست كل سرقة فيها قطع، من سرق شيئا من المسجد تقطع يده؟ باتفاق لا تُقطع يده، لكن يأثم إثما أشد من إثم الذي يسرق من خارج المسجد.
الشيء -وهذه آخر قاعدة تأتينا في القواعد، في أواخر الأبيات، في آخر المحاضرة-: الشيء المحرَّم بالطبع تركه الشرع للطبع ولم يُقم عليه الحد، لأن الطبع يَنفر منه.
يعني: مش ممكن واحد عنده أدنى خوف من الله يسرق من المسجد.
طيب؛ واحد مثلا شرب بولا أو أكل غائطا، واحد شرب خمرًا، الذي يشرب خمرا إيش عليه؟ عليه حد؟ طيب؛ من أشنع وأبشع في الطبع الذي يأكل الغائط ويشرب البول؟ ولا الذي يشرب الخمر؟ والله الذي يأكل الغائط ويشرب البول أشد من الذي يشرب الخمر، بس لماذا هذا يقام عليه وذاك لا يقام عليه؟ لأن طبعه ينفر منه.
الشرع جاء بأشياء قد تتعلق بها النفوس فردعها ليمنعها بالحد، والشيء الذي تنفر منه النفوس إيش جاء الشرع؟ قال: حرام، وما وضع حدا، لم يضع حدا.
طيب؛ من وطأ امرأة ميتة، رجل وطأ امرأة ميتة، عليه حد الزنا؟
من قتل ميتا؟ كيف يقتل ميتا؟ واحد ميت جاء بمنشار ونشر رأسه؛ عليه حد القتل؟ لا، ما عليه حد القتل.
والذي يطأ ميتة، ليس عليه حد الزنا؛ لماذا؟ لأن الحرام موجود بالطبع، طبع الإنسان يأنف أن ينشر رأس ميت، أو أن يردخ رأس ميت، أو أن يطأ امرأة ميتة، الإنسان العاقل بطبعه يأنف أن يتلذذ بامرأة ميتة، ما يقبل أن يتلذذ بامرأة ميتة، فالشرعُ أقام الطبعَ مقام الحد، وهذه تفيد في سُنة الله في شرعه وقدره، ومتى تلتقيان ومتى تختلفان، وماذا يترتب على هذا، وأظن هذه النظرية تحتاج إلى صياغة جديدة، وتحتاج إلى لملمة فروعها، وتفيد كثيرا، ولها آثار تربوية وإيمانية، وتحل مشكلة كبيرة في مشكلة القضاء والقدر، ولكن تحتاج إلى عقول وحسن تتبع.
طيب؛ رجل باع والخطيب يخطب يوم الجمعة، انتبهوا للمسألة هذه، بياع في السوق الخطيب على المنبر يخطب، ينتظر قال: لما يصلي أروح للمسجد أصلي ركعتين وأرجع لشغلي!
إيش حكم استماع الخطبة؟ فرض {فاسعوا إلى ذِكر الله} الخطبة يعني، يجب على المسلم أن يسعى إلى ذكر الله، فرجل والخطيب يخطب باع واشترى، نريد أن نعرف مذاهب العلماء.
نأخذ مذهب أبي حنيفة: البيع حلال بأصله حرام بوصفه بوقته، فمن اشترى السلعة فله أن يلبسها إن كان ملبوسا، وله أن يأكلها إن كانت مأكولا، وله أن يشربها إن كانت مشروبة ..إلخ، والمال الذي بيد البائع له أن ينتفع به، على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
على اختيار المازري واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: حضور الجمعة حق لله ولا حق للعبد؟ حق لله، هذا القول أيضا في هذه المسألة بعينها هذا مذهب الإمام أحمد، الذي يبيع في وقت خطبة الجمعة عند الإمام أحمد، الذي يشتري السلعة يحرم عليه شرعًا أن يستفيد منها، وثمن هذه السلعة ليست حلالا بيد البائع.
إذن: من باع أو اشترى في وقت صلاة الجمعة فعلى القول بأن النهي إن كان حقا لله عز وجل؛ فهو يقتضي البطلان، ومع اقتضائه البطلان أن السلعة لا يملكها المشتري ويجب عليه أن يتخلص منها بأن يتصدق بها والبائع لا يحل له أن يستفيد من ثمنها إلا على قول من قال بالأصل والوصف.
فهذه بعض الفروع التي يلحق بها -كما أشرتُ في أول الدرس- مئات بل ألوف من الأحكام، لا تتعجلوا في التخريج، افحصوا خواطركم، واعرضوا ما ينقدح في نفوسكم على مقرَّرات العلماء فلا غنية لنا عن فهومهم، وإن استشكلتم شيئا فاحمدوا ربكم فإن الإمام القرافي رحمه الله كان يقول: «أول درجات العلم: الاستشكال» قد يهجم عليك شيء، فيقع عندك إشكال في التخريج؛ فهذا -ولله الحمد والمنة- بداية الفهم، هذا الاستشكال هو بداية الفهم.
بودي أن تبحثوا عن بعض هذه المسائل، أذكر لكم بعض المسائل حتى تبحثوا فيها لتكون تطبيقات عملية لما نحن بصدده، ولو زودتموني ببعض الأوراق وتكتبون شيئا يسيرا بالرجوع إلى كتب العلماء؛ لكان حسنا.
المسألة الأولى مثلا: صلاة الحاقن، رجل يصلي وهو يدافع الأخبثان، أو يدافعه الأخبثان، فهو حاقن، صلاته صحيحة ولا باطلة؟ هل النهي يقتضي الفساد ولا لا يقتضي الفساد. هذه مسألة.
المسألة الثانية: طلاق الحائض، رجل طلق زوجته وهي حائض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهل يقع طلاق الحائض أو لا يقع؟ هذا الذي طلق وهي حائض إيش عمل؟ وقع في محظور وقع في نهي، وهذا النهي خطير وليس بسهل.
عمر أمير المؤمنين لما أوصى لستة وسماهم في مرض وفاته، وقال لهم: واجعلوا السابع مرجِّحا ابني عبد الله، أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر، فقالوا له: اجعله واحدا منا، اجعل واحد من السبعة بحيث يقع عليه الاختيار يكون هو أمير المؤمنين، فقال: لم يحسن يطلق زوجته فكيف يكون أمير المؤمنين؟ ما طلق زوجته إلا وهي حائض فلم ينسها له، وهو في..
اليوم الطلاق نسأل الله العافية، اليوم المرأة لما تُطلَّق مثل المتاع تُحمل وتُرمى خارج البيت، وأعسر شيء الطلاق، وسآتي بجواب أفصِّل شيئا فيه، ولن أطيل عليكم إن شاء الله، سأخص الدرس بعد العشاء بالجواب على الأسئلة، أو على بعض الأسئلة، وسأختصر الوقت بإذن الله تعالى.
قلنا إيش المسائل التي نريد نبحثها؟
المسألة الأولى: صلاة الحاقن أو من تدافعه الأخبثان.
والمسألة الثانية: طلاق الحائض.
نقول الثالثة مثلا: حكم القاضي وهو غضبان، النبي يقول: «لا يقضي القاضي وهو غضبان»، طيب؛ لو قضى القاضي وهو غضبان يقع قضاؤه أو لا يقع؟ ينفذ قضاؤه أو لا ينفذ؟ فإذا حكم وهو غضبان يكون وقع في محذور، وقع في نهي، لكن هل يترتب على هذا النهي فساد لحكمه أم لا يترتب؟
هذه المسائل الثلاث بِوُدي أن تكتبوا فيها، وأنا ما نسيت، وجزى الله إخواننا بعضهم أشبع الفرق بين المخطئ والناسي والساهي، تذكرون الدرس الماضي... المخطئ مش الخاطئ..
إيش الفرق بين المخطئ والخاطئ؟ الخاطئ الآثم {لنفسعًا بالناصية . ناصية كاذبة خاطئة} شو يعني خاطئة؟ الخاطئ الآثم غير المخطئ، نحن أردنا أن نفرِّق بين المخطئ والساهي والناسي. ،
أفيدكم إن شاء الله بعد الصلاة، أبدأ بفائدة هي منكم وإليكم بما أرسله لي بعض الطلبة جزاهم الله خيرا، وأجيب على بعض الأسئلة، وأرجو منكم هذه الفروع الثلاثة تنتبهوا لها وتبحثوا فيها لتقوية المَلَكة، ولا بأس إذا وُجدت مسائل تُخرَّج على أصل وأردتم السؤال عنه لا بأس أن تكتبوا، وبوُدي لو كانت الأسئلة من جنس الدرس، تكون الأسئلة من نفس موضوع الشرح، لكن أغلب الأسئلة جاءت لها صلة يسيرة بموضوع الدرس.
أسأل الله أن يمن علي وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح، وأسأله سبحانه أن يُفقهنا بالدين وأن يعلمنا التأويل، وأن يجعلنا هداة مهديين، وأن يجعلنا من العاملين بدِين الله عز وجل الدَّاعين إليه، وأن يرزقنا الإخلاص والبركة في ذلك.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


انتهى (الجزء الأول) ويتبع (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-13-2012, 02:01 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

[الـدَّرس العـاشـر]
(الجزء الثَّاني)


[قدَّم الشيخ -حفظه الله- الإجابة على الأسئلة، ثم قال-في الدقيقة (31:18)-:]
أشكر الإخوة الذين قدموا -جزاهم الله خيرا- الفرق بين الخطأ والنسيان والسهو، أذكر لكم على عجل الفرق بينهما من خلال ورقة لبعض إخواننا، طوَّل فيها الحديث ورجع لعدة مراجع؛ فجزاه الله خيرا.
يقول: الخطأ: من أراد الصواب فصار إلى غيره.
هذا خطأ، هذا مرفوع عنك، يعني: الجهل مع الإرادة، أن تريد شيئا لكن تجهل حُكم الله فيه، فأن تفعله وعندك إرادة إليه، فهذا إيش يسمى؟ خطأ، وأنت لا تعلم إلا الذي فعلتَ، هذا الخطأ.
النسيان: ضد الذِّكر، فيه شيء من الغفلة، فتفعل الشيء وأنت لا تذكره، مثل الذي ينسى الصلاة، يؤذن الظهر ويؤذن العصر وهو لا يصلي، فلا يوجد إرادة للترك، أما الأول يريد لكن لا يصيب الوجه الذي يحبه الله، هذا المخطئ.
الناسي: الإرادة غير حاصلة، يقول الأخ: وأما النسيان: ضد الذِّكر والحفظ، ولذا: آفة العلم النسيان، أن لا تَذكره -كما يقول الزهري-.
فالأول فيه إرادة مع عدم إصابة القصد بجهل، والثاني الناسي ما عنده إرادة.
أنا لا أتقصد أن لا أصلي، أنا نسيتُ ما تذكرتُ، النسيان ضد الذِّكر، فأذن العصر وما صليت الظهر، أنا تركت الصلاة ناسيا علي إثم؟ أنا ما علي إثم؛ لأني ناسٍ.
إنسان حديث عهد بإسلام، فشرب الخمر وهو لا يعلم حرمة الخمر، شرب الخمر مخطئا مرفوع عنه الإثم بالخطأ؛ لأنه لا يعلم حرمة الخمر، لم يبلغه حرمة الخمر، فهل نقول عن الذي يشرب الخمر وهو يعلم أنه يشرب خمرا لكن لا يعلم أن الخمر حرام، نقول عنه ناسٍ ولا مخطئ؟ مخطئ.
الذي فاتته صلاة الظهر وأذّن عليه العصر نقول عنه مخطئ ولا ناس؟ نقول: ناسٍ ما نقول مخطئ، فالخطأ مرفوع والنسيان مرفوع، هذا الفرق بين الخطأ والنسيان.
يبقى بحاجة لأن نعرف السهو.
طيب؛ الأخ يقول: السهو: زوال المعلوم، الشيء الذي تعلمه يزول عنك بحيث لو تذكرتَه بأدنى تنبيه، ولا يتبع تذكُّره شك، هذا السهو.
طيب؛ في الصلاة لما تصلي وتسهو في الصلاة، أنت تذكر صلاتك ولا ناسيها؟ طيب؛ لما تسهو فيها؟ تغفل عن شيء منها، فالسهو دون النسيان، النسيان نسيان أصل الشيء، والسهو في جزء منه، أن تقع في غفلة في جزء منه، أنت تذكر الشيء، لكن لما تطبقه تسهو في جزئية من جزئيات هذا الشيء.
طبعا أخوانا مطوِّل في الحديث عن النسيان، وذكر أحكاما طويلة عن سجود السهو، وأحكام سجود السهو فصلناها في أربع خمس دروس في شرحنا لصحيح مسلم.
لكن هذا مدار التفريق بين الخطأ والسهو والنسيان.
وأنتم إن شاء الله في المرة القادمة نحتاج منكم إلى تخريج الفروع الثلاثة التي ذكرتها لكم: صلاة الحائض، وصلاة من يدافعه الأخبثان، وحكم قضاء القاضي إذا كان غضبان...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد...

انتهى (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:52 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.