أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
85333 | 89305 |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة مقال الخطيب (29) : أسباب دفع العذاب ورفعه .
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد : فقال الله - تَعَالَى - :{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] . لقد دلت الآية الكريمة على أن دوام الاستغفار من أعظم أسباب دفع العذاب عن الأمة ، قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فَإِنَّ الْعَذَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الذُّنُوبِ . وَالِاسْتِغْفَارُ يُوجِبُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْعَذَابِ فَيَنْدَفِعُ الْعَذَابُ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } [هود : 1 - 3 ] . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مُتِّعُوا مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ أُوتُوا الْفَضْلَ " ( مجموع الفتاوى : 15/41 ) . والعذاب الذي يدفع بالاستغفار ، نوعان : عذاب من الله – تعالى – ينزل من عنده ، وعذاب يجريه على أيدي العباد بعضهم على بعض . قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " وَأَمَّا الْعَذَابُ الْمَدْفُوعُ فَهُوَ يَعُمُّ الْعَذَابَ السَّمَاوِيَّ وَيَعُمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ عَذَابًا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي النَّوْعِ الثَّانِي -: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } [البقرة : 49] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [التوبة :14] ، وَكَذَلِكَ : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } [التوبة : 52] ، إذْ التَّقْدِيرُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِعَذَابٍ بِأَيْدِينَا " ( مجموع الفتاوى : 15/42 ) . ومما تمتحن به الأمة اليوم بسبب تفرقنا أشياعاً واختلافنا أحزاباً وتسلط بعضنا على بعض بغياً وعدواناً ما نشأ عنه من الإبادة والتقتيل والإهانة والتعذيب والتهجير والتشريد الذي يجري بأيدي الأعداء والدخلاء والسفهاء عذاب من الله – تعالى – جراء ذنوبنا وآثامنا ، كما قال – تعالى - : {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [الْأَنْعَام : 65] . وقد أخرج البخاري عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قَالَ : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ " . قال البغوي – رحمه الله – : " { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا } أَيْ : يَخْلِطَكُمْ خَلْطَ اضْطِرَابٍ ، وَأَرَادَ بِهِ الأَهْوَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ ، فَيَصِيرُونَ فِرَقًا مُخْتَلِفَةً ، { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } هُوَ وُقُوعُ الْهَرْجُ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَهَذَانِ : وَهُوَ الافْتِرَاقُ وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَقَدْ سُلَّ السَّيْفُ مِنْ زَمَنِ عُثْمَانَ – رضي الله عنه - ، فَلا يُغْمَدُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ " ( شرح السنة : 14/218 ) . والنجاة من هذا العذاب تكون بدوام الاستغفار ، كما قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " إنَّ لُبْسَنَا شِيَعًا وَإِذَاقَةَ بَعْضِنَا بَأْسَ بَعْضٍ هُوَ مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالِاسْتِغْفَارِ كَمَا قَالَ : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } وَإِنَّمَا تُنْفَى الْفِتْنَةُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ " ( مجموع الفتاوى : 15/ 44) . واعلموا رحمكم الله أن دوام الاستغفار يؤلف القلوب بعد نفرتها ، ويجمع الأبدان بعد تفرقها ، ويكسب الضعيف قوة ، والذليل عزة ، والفقير غنى . كما قَالَ - تَعَالَى - عَنْ نُوحٍ -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح : 10 - 12] . وَقَالَ - تَعَالَى - عن هود -: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ } [هود : 52] . فالذي يضعف الأمة ويذهب قوتها ويضرب عليها الذلة والمسكنة هو ذنوب أبنائها وعصيانهم ، كما قَالَ - تَعَالَى -: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى:30] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: { إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } [آل عمران : 155] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } [آل عمران : 165] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء : 79] . فمن رام الفلاح وطلب الفوز والنجاة فعليه بالتوبة كما قال الله – تعالى - : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور : 31] . وعَنْ ثَوْبَانَ – رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا ، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا " ( رواه مسلم ) . فدل هذا الحديث على أن الأمة زادها الله تشريفاً وتمكيناً لن تهلك هلاكاً تاماً يستأصلها ولكنها يجري عليها التفرق والبغي والعدوان من بعضها على بعض ، فهو سبب عذابها . والنجاة من ذلك تكون بالصبر والتقوى فإنهما أصل العاقبة الحميدة ، فكما أن الاستغفار سبب في دفع العذاب قبل وقوعه فالصبر والتقوى سبب لرفعه بعد وقوعه . فيوسف – عليه السلام – أراد إخوته إقصاءه وإبعاده فاستعمل الصبر والتقوى حتى صار العزيز الممكن له في الأرض {قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف : 90] . قال السعدي – رحمه الله - : " { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ } أي: يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها { فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا " ( تيسير الكريم الرحمن :ص/ 404 ) . وقال – تعالى - : {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران : 186] . قال الشنقيطي – رحمه الله - : " وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا الله، فإن صبرهم وتقاهم {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها " . وقال – تعالى - : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [آل عمران : 120] . وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت هو حسبي نعم المولى ونعم النصير . |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا ، وبارك فيك.
__________________
"ماكان لله دام واتصل ، وماكان لغيره انقطع وانفصل" |
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً أبا زيد على بيان الدواء والحل لما يعانيه المسلمون اليوم وسبب ماهم فيه من العذاب بنوعيه
( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } |
#4
|
|||
|
|||
بورك في الأخوين الكريمين خالد الخازمي وأبو عبد الوهاب وجزاكما الله خيرا وزادكما ربي من فضله |
#5
|
|||
|
|||
جزاك الله خير شيخ ابو زيد
|
#6
|
|||
|
|||
وجزاك الله مثله أخي الفاضل ابو فجر |
|
|