أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
82863 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر القرآن وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-14-2011, 04:47 PM
احمد بن ابي صالح احمد بن ابي صالح غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 118
افتراضي تأملات في آية .. ( الاكتفاء بالوحي عصمةٌ منَ الزلل )

تأملاتٌ قرآنية ...
الاكتفاء بالوحي عصمةٌ منَ الزلل ..

الحمد للهِ رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آلهِ وصحبه أجمعين .
وبعد :
قالَ تعالى : (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ )) ( المائدة /170) .
بَيَّنَ اللهُ سبحانهُ وتعالى في هذهِ الآيةِ حُجةَ من يُخالف الحق حينما يُدعى إليهِ، ثُمَّ فنَّدَ هذهِ الحجَّة بأَن نفى عن أَصحابها العلمَ والهداية، وهما غايةُ كُلِّ دعوةٍ .
فهولاءِ المقلدون الجامدون عندما تأتيهم الدعوة إلى الكتاب والسنة، وعلى منهجِ السلفِ الصالح، والذي هو بمثابةِ المُترجم الحي للوحي، تجدهُم يتعصبون على ما عندهم من العلم؛ لذلك فهم يُحاولون ليَّ أعناق النصوص أو قطعها إنْ أمكنهم ذلك .
وتأمل كيف قال تعالى : (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ..))، فبنى القول للمجهول، ولم يذكر القائل؛ لإفادةِ العموم، ثُمَّ للتنبيه على القول والاحتفاء بهِ، وصرفِ الأنظار إليه؛ كونهُ هو المقصود بالخطاب، وهذه مسألةٌ خطيرةٌ يجهلها كثيرٌ من الناس حالاً أو مقالاً، وهي أنَّ الحقَّ يُعرفُ بعينهِ لا بغيرهِ، وبعرضهِ لا بأرضهِ، وبدلائلهِ لا بقائلهِ، فإذا بزغتْ شمسُ الحقِّ في أيِّ أرض، وشعَّتْ أنوار أدلتهُ ، وجبَ على الجميعِ التسليمُ لهُ وقبولهُ؛ لانَّ في ذلك رفعةً لهم وعلوَ مكانة عند ربهم ومليكهم؛ ولذا قال تعال: (( وإِذا قيل لهم تعالوا .. )) ؛ فهذه الصيغة تقتضي العلو والرفعة أي هلموا إلى ما يعلي ذكركم ويرفع شأنكم .
وقولهُ : (( إلى ما أنزل اللهُ )) وهو القران الكريم والذكر الحكيم، فإن قيل كيفَ يُجمع بين العلو والنزول ؟! فالجواب : يجمع بينهما بالسببية؛ فما أُنزل سبب فيما يُرفع؛ ولما كان الحبل لغةً هو السبب؛ أمر الله تعالى بالاكتفاء بهِ والاعتصام بحبلهِ، فقال تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعاَ ))، والاكتفاء فرعٌ عن الاعتصام؛ لذا فالتعبير القرآني أعم معنى من الاكتفاء، وفي الآية الأخيرة دليل على علو الله تعالى عند التأمل، والله تعالى أعلى وأعلم .
وقولهُ (( إلى الرسول )) أي إلى حضرته صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى سنتهِ بعد وفاته، فهي دعوة صريحة إلى الكتاب والسنَّة، وقد تواترت النصوص وتضافرت بالدعوة إليهما .
فتارةً تبين أنَّ أتباعهما وطاعتهما سبيل الهداية كما قال تعالى : (( ومن يطع الله ورسولهُ فقد هدي إلى صراط مستقيم ))، وتارة تبين أنَّ إتباعهما وطاعتهما سبيل الفلاح، كما قال تعالى : (( وأطيعوا الله ورسولهُ لعلكم تُفلحون ))، وتارة تبين أن إتباعهما وطاعتهما سبيل الرحمة، كما قال تعالى : (( وأطيعوا الله ورسولهُ لعلكم تُرحمون ))، وتارة تأمر بالرجوع إليهما عند التنازع وتبين أن ذلك خيرٌ وأحسن عاقبة كما قال تعالى : (( فن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) وغير ذلك من النصوص .
إذاً فهي دعوة عظيمة جداً، لا أجد وصفاً لها أبلغُ من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك )) الصحيحة ؛ وعليه فلا عيبَ على من انتسب إليها وأعتزى، بل الفخار كل الفخار لمن كان من أهلها وأنصارها، والشنار كل الشنار كل الشنار لمن ردها ولو بحجة أنها تخالف ما كان عليه الآباء والأجداد والشيوخ والأنداد ..الخ . فإنما كان هذا جواب أولئك المقلدة عندما دعوا اليها كما قال تعالى : (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ورسوله قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا )) أي يكفينا ذلك .
وهذهِ حقيقة التقليد التي ضل بها كثير من الناس، فالاكتفاء الذاتي أو التبعي بما سوى الوحي هو منشأُ كل ضلالةٍ، وسببُ كل جهالة؛ ولذا ترى صاحبهُ عرضةً للأهواء والفتن، فإذا ما استحكمت الفتنة صار إما طبلاً يُدقُ عليه، أو بوقا يُنفخُ من خلالهِ. ولذلك قطع الله عنهم السبيل فقال : (( أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ))، أي حتى ولو كان آباءكم على هذه الحالة تتبعونهم وتطيعونهم ؟! وتأمل كيف جمع الله لهم بين نفي العلم والهداية لكي لا يتعلقوا بأحدهما، ومن ثَمَّ يحتجون به على الأخر؛ لما بينهما من الملازمة. وفي هذا من التشنيع عليهم وعلى أبائهم الشيء العظيم؛ إذ إن العلم وحدهُ لا يوجب المتابعة، وإنما يوجب الغضب كحال اليهود، وكذلك دعوة الاهتداء وحدها بلا علم لا توجب المتابعة؛ وإنما توجب الضلال كحال النصارى، وهولاء لم يحصلوا واحداً منهما، فاستحقوا موجبا الغضب والضلال معاً، وهذا حال الآباء فكيف بالأبناء؟!؛ ولذا قال ابن كثير رحمه الله : " ولا يتبعهم إلا من كان أجهل منهم وأضل سبيلا " .
ومما تقدم يتبين لنا أن الآية أرشدت إلى أمور منها :
1. إنَّ الدعوة المعتبرة لا تكون إلا إلى الكتاب العزيز والسنة المُطهرة .
2. إِنَّ الاكتفاء بالوحي علماً وعملاً ودعوةً ضرورة شرعية دعت إليها النصوص، وشهد لها الواقع .
3. إنَّ الافتقار إلى الوحي والاكتفاء به يوجب للعبد العلم النافع ويثمر له العمل الصالح، وهما حقيقة الهداية .
4. إنَّ الاكتفاء بالوحي عصمة من الزلل علماً وعملاً ودعوةً .
5. إنَّ الاكتفاء بالوحي هو السبب الرئيس والعلة الحقيقية في الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ؛ كما قال ابن مسعود : " أتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " فقد ذكر رضي الله عنه في هذه الكلمة الوجيزة أعظم أمر ونهي مع العلة الموجبة لهما .
6. حقيقة الاكتفاء بالوحي بأن تكون فقيراً إليه غنياً به عما سواه، محكوماً لهُ حاكماً على ما سواهُ .
7. إنَّ الاكتفاء الذاتي أو التبعي بما سوى الوحي لا يحصل علماً ولا يثمر هداية .
8. إنَّ من شؤم التقليد وهو الاكتفاء التبعي بما سوى الوحي أن يجعل على قلب صاحبه وبصره غشاوة من جهة من يقلده ويتبعهُ حتى أنه لا يدرك له جهالة، ولا يبصر له ضلالة .
9. إنَّ الاكتفاء التبعي لهُ صورٌ كثيرة ذكر اللهُ لنا منها في هذه الآية صورة واحدة وهي تقليد الآباء .
10. إنَّ الاكتفاء الذاتي أو التبعي بما سوى الوحي وإن أوجب لأصحابه الفرح إلا أنه فرحٌ مذموم أخبر الله عنه فقال: (( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ))
وقال عن أهل التحزب ـ وما أكثرهم اليوم ـ (( كل حزب بما لديهم فرحون )) فهذا فرح ذاتي أوبه لهم الاكتفاء الذاتي بما سوى الوحي؛ ولذا قال (( بما لديهم )) .
11. إنَّ الحق هو في إتباع الوحي كتاباً وسنةً، وعلى فهم السلف الصالح؛ لأنه المترجم الحي للوحي، وأما غيرهُ فأجنبيٌ عنهُ وعالةٌ عليهِ .
12. إنَّ الحقَّ يُعرفُ بعينهِ لا بغيرهِ، وبدلائلهِ لا بقائلهِ . هذا والله تعالى أعلم . وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .


__________________
ستعلمُ ما تحوكُ لكَ الليالي *** وتعلمُ عنـدها صدقَ النذيرِِ
وتـعـلـمُ مـنْ نهـايَـتُهُ بُـكـاءٌ *** وتعلمُ مَنْ سَيَضْحَكُ بالأَخيرِِ
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:58 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.