فوائد في الحديث وعلومه

[أبو همام الجزائري]

جاء في تهذيب التهذيب [2/96] ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي
وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين سمعت من عبد الرزاق كلاما يوما فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب فقلت له ان استأذيك الذي أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة فعمن أخذت هذا المذهب فقال قدم علينا جعفر بن سليمان فرأيته فاضلا حسن الهدى فأخذت هذا عنه وقال ابن الضريس سألت محمد بن أبي بكر المقدمي عن حديث لجعفر ابن سليمان فقلت روى عنه عبد الرزاق قال فقدت عبد الرزاق ما افسد جعفر غيره يعني في التشيع.اهـ

من هذا الكلام نستفيد خطر اهل البدع وكيف يغتر بهم الناس وما حذر منهم العلماء الا لذلك فهذا الامام العظيم عبد الرزاق اليماني ـ رحمه الله ـ دخل له التشيع لرؤيته لصاحب الترجمة فاغتر بسمته وهديه
ولذي فان السمت مع البدعة خطر عظيم فتجد المبتدع صاحب اللحية الطويلة والهندام العظيم يغتر به العوام ومن ثم يلقي سمومه من بعد ذلك فبدعة مع سمت ضرر وكذلك سنة مع تهور ومجازفة ولا مبالاة ضرر لكن اخف من الاول فاذا حدث لعبد الرزاق مثل ذلك وهو من هو في الامامة فمابلك العوام فيجب على الناس ان يحذروا اهل البدع ويجب على اهل السنة ان يكونوا هو اولى بغيرهم بالسمت

[أبو همام الجزائري]

23 ـ الاعتدال في اطلاق الالفاظ وفي الافعال هو السلامة فيجب على طالب العلم ان يلزم الفاظ العلماء في المدح وفي الذم ولا يغلوا في الفاظه فيخالف منهج الرسول عليه الصلاة والسلام واصحابه جاء في ترجمة اسماعيل بن ابراهيم القطيعي بن معمر ابو معمر وقال عبيد بن شريك كان أبو معمر القطيعي من شدة إدلاله بالسنة يقول لو تكلمت بغلتي لقالت أنها سنية قال فاخذ في المحنة فأجاب فلما خرج قال كفرنا وخرجنا"[1/ 273].
فقد كان يدل على السنة بل من شدة إدلاله قال ما قال في دابته لكن في الفتنة ماذا كان ما ثبت قال مقالة الكفر حتى قال كفرنا وخرجنا لكن قوله هذا رخصة له والله المستعان نسال الله السلامة والعافية
24 ـ ـ الإصرار على الرأي في المناقشة لا يذم إلا إذا كان عن هوى اما اذا كان لا يرجع عن رأيه لثقته في ضبط صدره او كتابه او دليله فلا يذم فقد كان المحدثون يحدثون بالحديث على وجه فيغلطهم الجلساء والسامعين فلا يرجع لثقته بضبطه فلا يزعزه لضبط من هو اقل منه الا اذا جاء من هو اضبط منه واعلم ولذي جاء في ترجمة ابن علية اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم الاسدي " وقال عفان كنا عند حماد بن سلمة فأخطأ في حديث وكان لا يرجع إلى قول احد فقيل له قد خولفت فيه فقال من قالوا حماد بن زيد فلم يلتفت فقال له انسان ابن علية يخالفك فقال فدخل ثم خرج فقال القول ما قال اسماعيل."[1/ 275].

[أبو همام الجزائري]

25 ـ الحديث الحسن لم يكن يعرف عند المتقدمين انما هو اصطلاح مولد حادث
قال الذهبي وهو يتحدث عن محمد بن طلحة اليماني :" وَيَجِيْءُ حَدِيْثُه مِنْ أَدَانِي مَرَاتِبِ الصَّحِيْحِ، وَمِنْ أَجْوَدِ الحَسَنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ (الصَّحِيْحَيْنِ) فِيْهِمَا الصَّحِيْحُ وَمَا هُوَ أَصحُّ مِنْهُ.
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: فِيْهِمَا الصَّحِيْحُ الَّذِي لاَ نِزَاعَ فِيْهِ، وَالصَّحِيْحُ الَّذِي هُوَ حَسَنٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ الحَسَنَ قِسمٌ دَاخِلٌ فِي الصَّحِيْحِ، وَأَنَّ الحَدِيْثَ النَّبَوِيَّ قِسمَانِ: لَيْسَ إِلاَّ صَحِيْحٌ: وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ، وَضَعِيْفٌ: وَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -. السير (7/340)
وقال كذلك :" وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ، الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ، أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ، وَبَالعَكْسِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ، وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحَسَنِ"(13/215)

[أبو همام الجزائري]

26 ـ لفظ وسط عند الذهبي يريد بها أن الراوي حسن الحديث أي وسط بين الصحة والضعف
قال الذهبي :" قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: مِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ وَسَطٌ، لَيْسَ بِالثَّبْتِ، وَلاَ بِالضَّعِيْفِ، وَمِنْهُم مَنْ يُضَعِّفُه.السير (7/163)

وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: صَدُوْقٌ." واهـ
قلت :ويستفاد ان معنى "وسط" عند يعقوب بن شيبة حسن الحديث
وقال ايضا :" وَبإِسْنَادٍ وَسَطٍ، عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ." السير (3/213)

[أبو همام الجزائري]

27 ـ الراجح في ما في قول ابي داود على الحديث بانه "صالح " للاعتبار لا للاحتجاج ولا يلزم ان يكون عنده "حسن "
قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُوْلُ: ذَكَرْتُ فِي (السُّنَنِ) الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ.
قال الذهبي معلقا :" قُلْتُ: فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ- بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ، وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ شَدِيْدٌ، وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، وَكَاسَرَ عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ، فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ، وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ، الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ، أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ، وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ، وَبَالعَكْسِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ، وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحَسَنِ، فَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ الثَّابِتِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَذَلِكَ نَحْو مِنْ شَطْرِ الكِتَابِ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ، وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا رَغِبَا عَنْهُ، وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً، سَالِماً مِنْ عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً، وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ لِمَجِيْئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً، يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنْهُمَا الآخَرُ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ، فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَيَسْكُتُ عَنْهُ غَالِباً، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ الضَّعْفِ مِنْ جِهَةِ رَاوِيْهِ، فَهَذَا لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ، بَلْ يُوْهِنُهُ غَالِباً، وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ وَنَكَارَتِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. السير (13/215)

[أبو همام الجزائري]

28 ـ أحيانا البخاري ـ رحمه الله ـ يجمع بين حديثين في سياق واحد اذا كان سندهما واحد كما صنع في هذا المثال قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبى
الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ أحدكم فليجعل في انفه ثم لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فان أحدكم لا يدرى أين باتت يده
قال الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ قوله وإذا استيقظ هكذا عطفه المصنف واقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق بن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين " الفتح [1/263]

[ابو مقداد القاضي]

السلام عليكم ورحمته وبركاته
جزاك الله خيرا يا ابو همام ونترقب بحثك " بيان حال من قال فيه ابن سعد .."

[أبو همام الجزائري]

29 ـ ورد سؤال في ملتقى أهل الحديث من طرف الأخ الفاضل ابي عبد الله نضال وهو :" إذا علق البخاري لراو عن راو آخر أيقتضي هذا إثبات السماع ؟

مثال: علق لمحمد بن إسحاق عن أبي الزناد أيعني هذا أن البخاري يثبت سماع محمد من أبي الزناد؟

أفيدونا."
الجواب
أعانك الله أخي الكريم وجعلك مفتاح خير مغلاق شر أما بالنسبة للجواب على سؤالك الذي طلبت من إخوانك في المنتدى المبارك الإجابة عنه فأقول وبالله التوفيق :
لا بد أن نعلم أن الحديث المعلق على نوعين منه ما يورده البخاري معلقا في جهة ومرفوعا في أخرى والسبب في هذا الصنيع كما قال الحافظ في المقدمة وهو يتحدث عن هذا النوع فانه " .. يورده معلقا حيث يضيق مخرج الحديث إذ من قاعدته أنه لا يكرر إلا لفائدة فمتى ضاق المخرج واشتمل المتن على أحكام فاحتاج إلى تكريره فإنه يتصرف في الإسناد بالاختصار خشية التطويل"
أما الثاني فهو ما جاء في الصحيح إلا معلقا فهذا الذي يرد عليه سؤالك حفظك والمولى وهذا الأخير قسمان كما لا يخفى عليك أرشدك الله وأنت من طلاب العلم والحديث قسم معلق بصيغة الجزم وقسم معلق بصيغة التمريض فهل ما علقه البخاري بصيغة الجزم لراو عن راو آخر أيقتضي هذا إثبات السماع ؟

وكما فصلت حفظك الله فقلت مثال: علق لمحمد بن إسحاق عن أبي الزناد أيعني هذا أن البخاري يثبت سماع محمد من أبي الزناد؟

ففي مثل هذا نقول في ما علقه البخاري بصيغة الجزم لمن قال عنه قال السماع منه مستفيد لكن بالنسبة لمن فوقه فهذا يحتاج إلى النظر والبحث وهذا في ما تعلق بالمعلقات وفقط لان شرط البخاري مضمن أصل الكتاب وهي الأحاديث المرفوعة ولذا قال الحافظ كما في الفتح وهو يتحدث عن المعلقات "والثاني وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا فإنه على صورتين إما أن يورده بصيغة الجزم وإما أن يورده بصيغة التمريض فالصيغة الأولى يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث فمنه ما يلتحق بشرطه ومنه ما لا يلتحق" المقدمة ص 17
والله تعالى اعلم

[أبو همام الجزائري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو مقداد القاضي

السلام عليكم ورحمته وبركاته
جزاك الله خيرا يا ابو همام ونترقب بحثك " بيان حال من قال فيه ابن سعد .."

ان شاء الله تعالى وادعوا الله لي ان يبعد عني العلائق والشواغل

[أبوعبدالرحمن الأعظمي]

جزاك الله خيراً أبا همام...
واصل..