أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
68554 | 89305 |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
بابُ ذِكْرِ العَرب و ما خصَّهُم اللهُ بهِ من العَارِضَة و البيَان و اتِّسَاع المجَاز
جاء لابن قتيبة قوله في "تأويل مشكل القرآن":
".. و إنّما يَعرِفُ "فضل القرآن" من كثُرَ نظره، و اتّسع علمُه، و فهمَ مذاهبَ العرب و افتنانِها في الأساليب، و ما خصّ اللهُ به لغتَهـا دون جميـع اللغات، فإنّـه ليس في جميـع الأمم أمّـةُ أوتِيتْ من العَارِضة(1)، و البيان،و اتّساع المجال، ما أُوتيَتْهُ العرب خِصِّيصَي من الله، لما أرهصَه(2) في الرسول، و أراده من إقامةِ الدّليل على نبُوّته بالكتاب، فجعلَه عَلَمَه، كما جعلَ عَلَمَ كل نبيّ من المرسلين من أشبَهِ الأمور بما في زمانِه المبعوث فيه : فكان "لموسى" فَلْقُ البحر، و اليد، و العصا، و تفجّر الحجر في التيه بالماء الرَّواء (3)، إلى سائر أعلامه زمن السّحر. و كان "لعيسى" إحياءُ الموتى، و خلق الطير من الطين، و إبْراءُ الأكمه(4) و الأبرَص، إلى سائر أعلامه زمن الطب. و كان "لمحمد" صلى الله عليه و سلم، الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس و الجنّ على أن يأتوا بمثله، لم يأتوا به، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا، إلى سائر أعلامه زمن البيان. فالخطيب من العرب، إذا ارتجل كلاماً في نكاح، أو حَمَالة(5)، أو تحْضيضٍ، أو صُلحٍ، أو ما أشبهَ ذلك – لم يأتِ به من باب وادٍ واحد، بل يَفْتَنُّ: فيختصر تارة إرادة التّخفيف، و يُطيلُ تارةً إرادةَ الإفهام، و يُكرِّر تارةً إرادة التوكيد ، و يُخفي بعضَ معانيه حتى يغمَضَ على أكثرِ السامعين، و يكشِفُ بعضَها حتى يفهَمَه بعضُ الأعجمين، و يُشير إلى الشيء و يكنى عن الشيء. و تكون عنايتُه بالكلام على حسب الحال، و قَدْرِ الحفل،و كثرة الحَشْد، و جلالة المَقام . ثُمّ لا يأتي بالكلام كلِّه، مُهذّباً كلَّ التهذيب، و مُصفّى كلَّ التصفية، بل تجده يمزُجُ و يَشوبُ(6)، لِيَدُلَّ بالناقصِ على الوافِر، و بالغثِّ على السمين. و لو جعله كلَّه نَجْراً(7) واحدا، لبخسَه بهاءَه، و سلبَه ماءَه . و مثل ذلك الشهابُ من القَبَس تُبرزُه للشعاع، و الكوكبان يقترنان، قينقصُ النوران ، و السِّخَابُ(8) يُنظم بالياقوت و المرجان و العقيق و العقيان، و لا يجعله كله جنساً واحدا من الرفيع الثمين، و لا النفيس المصون. * و "ألفاظ العرب" مبنية على "ثمانية و عشرين حرفا"، و هي أقصى طَوقِ اللّسان. و "ألفاظ" جميع الأمم" قاصرةٌ عن "ثمانية و عشرين" و لستَ واجداً في شيء من كلامهم حرفاً ليس في حرفنا إلا معدولا عن مخرجه شيئا، مثل "الحرف المتوسط" مخرجي القاف و الكاف"،و "الحرف المتوسط مخرجَي الفاء و الباء". فهذه حال العرب قي مباني ألفاظها . * و لها "الإعراب" الذي جعله اللهُ وشياً لكلامها ، و حليةً لنظامها، و فارقاً في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، و المعنيَين المختلفَين كالفاعل و المفعول، لا يُفرق بينهما، إذا تساوتْ حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكلّ واحدٍ منهما- إلا "بالإعراب". و لو أنّ قائلا قال:"هذا قاتلٌ أخي" بالتنوين، و قال آخر:"هذا قاتلُ أخي" بالإضافة، لدلّ التنوين على أنه لم يقتله، و دلّ حذف التنوين على أنه قد قتله. و لو أنّ قارئا قرأ:"فلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم، إنا نعلمُ ما يُسرّون و ما يُعلنون" و تركَ طريق الابتداء ب"إنَّا"، و أعمَلَ القولَ فيها بالنصب على مذهب من ينصِبُ "أنَّ" بالقول كما ينصبها بالظن-لقلَبَ المعنى عن جهتِهِ، و أزالَه عن طريقتِه، و جعلَ النبيَّ صلى الله عليه و سلم، محزوناً لقولهم:إنّ اللهَ يعلم ما يسرون و ما يعلنون.و هذا كفرٌ مِمَّن تعمَّدَه، و ضربٌ من اللحن لا تجوز الصلاةُ به، و لا يجوز للمأمومين أن يتجوّزوا فيه. * و قد يفرّقون بحركة البنِاء في الحرف الواحد بين المعنيَين، فيقولون:"رجُلٌ لُعْنَةٌ "، إذا كان يَلعنه الناس. فإن كان هو الذي يلعنُ الناسَ، قالوا:" رجلٌ لُعَنةًٌَََ"، فحرّكوا العينَ بالفتح. و "رجلٌ سُبَّة" إذا كان يسبُّه الناس، فإن كان هو يسبّ الناسَ قالوا:"رجلٌ سُبَبَةٌ ". * و قد يُفرّقون بين المعنيَين المتقاربَين بتغيير حرف في الكلمة حتى يكون تقارب ما بين اللفظَين، كتقارب ما بين المعنيَين. كقولهم للماء الملح الذي لا يُشرب إلا عند الضرورة :"شَرُوب"، و لما كان دونه مما قد يُتجوَّز به:" شَريب". و كقولهم لما ارفضَّ على الثوب من البول إذا كان مثلَ رؤوس الإبَر:" نَضْحٌ"، و رشُّ الماء عليه يُجزئ من الغسل، فإذا زاد على ذلك قليلا قيل له:"نَضْخٌ" و لم يُجزئ فيه إلا الغسل. و كقولهم للقبض بأطراف الأصابع :"قَبْصٌ" و بالكفّ:"قَبْضٌ" .... * و قد يكتنف الشيء معانٍ فيشتق لكل معنى منها اسم من اسم ذلك الشيء، كاشتقاقهِم من البطن للخميص:"مُبَطَّن"، و للعظيم البطن إذا كان خلقةً:"بَطِين"، فإذا كان من كثرة الأكل قيل:"مِبْطان" و للمنهوم:" بَطِنٌ"، و للعليل البطن:"مَبْطون". و يقولون: وجدتُ الضَّالةَ، و وجدتُ في الغضب ، و وجدتُ في الحزن، و وجدتُ في الاستغناء. ثم يجعلون الاسمَ في الضالة:"وُجودا"،و وِجْداناً"، و في الحزن" وَجداً" و في الغضب"مَوْجِدَة"، و في الاستغناء "وُجْداً". في أشياء كثيرة، ليس لاستقصاء ذكرها في كتابنا هذا وجه. • و للعرب "الشِّعر" الذي أقامه اللهُ تعالى لها مُقامَ الكتاب لغيرها، و جعله لعلومها مستودعا، و لآدابها حافظاً، و لأنسابها مقيّدا، و لأخبارها ديواناً لا يَرثّ على الدهر، و لا يبيد على مرّ الزمان. • و حرسه بالوزن و القوافي، و حسن النظم، و جودة التحبير، من التدليس و التغيير، فمن أراد أن يُحدث فيه شيئا عَسُر ذلك عليه، و لم يخف له كما يخفى في الكلام المنثور. • و للعرب "المجازات" في الكلام، و معناها: طرق القول و مآخذه. ففيها: الاستعارة، و التمثيل، و القلْب، و التقديم و التأخير،و الحذف، و التكرار، و الإخفاء، و الإظهار، و التعريض، و الإفصاح، و الكناية، و الإيضاح، و مخاطبة الواحد مخاطبة الجمع،و الجميع خطاب الواحد، و الواحد و الجميع خطاب الإثنين،و القصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، و بلفظ العموم لمعنى الخصوص..." ------------------------ شرح المفردات : (1) العارضة: قوّة الكلام و تنقيحه، و الرأي الجيد. (2) و قد أرهص الله فلانا للخير:أي جعله معدنا للخير و مأتى . و الإرهاص: الإثبات . (3) ماء رَوَاء: أي عذب (4) الكمه :العمى الذي يُولد به الإنسان (5) حمالة :ما يحتمله الانسان عن غيره من دية أو غرامة، مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجل يتحمذل ديات القتلى ليصلح ذات البين. (6) شاب الشيء شوباً: خلطه (7) النجر: اللون. (8) السخاب: [/font[/size]] |
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرًا - يا أم عائشة - على إمتاعنا بهذا النقل الرائق عن الإمام ابن قتيبة - رحمه الله -.
تنبيه: سقط معنى ( السخاب ) من النقل؛ فلعلكِ تثبتينه. شكر الله لك، وبارك فيكِ. |
#3
|
|||
|
|||
شكر الله لك يا عائش،
و ها أنا أثبت الشرح: (8) السِّخاب : كلّ قلادة كانت ذات جوهر، أو لم تكن |
#4
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرًا، ووفقكِ.
وننتظر المزيد من المشاركات التي تحوي الجواهر والدرر. |
|
|