أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
88929 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 08-27-2017, 06:32 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (9)قولهم:علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة

قول التكفيريين ” علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة “
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (9)

الجواب على هذه الشبهة : أن علماء أهل السنة والجماعة في كل البلدان المعمورة منذ القدم حتى يومنا هذا يُعرفون بالورع والزهد والعلم والتقوى الذي يمنعهم من مجاراة السلطان والسكوت عن خطئه وباطله بخلاف المبتدعة، ولا شك أن هذه تهمة خارجية معروفة من زمن ظهور الخوارج الذين لا همَّ لهم إلا أن يتكلموا في علماء السنة الذين يحذرون الناس من الافتتان بهم وبباطلهم، وقد قالوا – قديماً في علي بن أبي طالب ومن معه، وفي معاوية بن أبي سفيان ومن معه من الصحابة – : إنهم تحاكموا إلى آراء الرجال ونبذوا حكم الله، فكفَّرو الفريقين والعياذ بالله ، وليس بعيداً أن يتهموا علماءنا بتهمة العمالة والمداهنة والمجاراة للسلطان طمعاً فيما عند السلطان من الدينار والدرهم، فما أشبه الليلة بالبارحة!.
إن علماء أهل السنة والجماعة الذين يدافعون عن السنة وأئمتها كأحمد ومالك وابن معين والمتأخرين كابن باز والألباني والوادعي وابن عثيمين والفوزان ونحوهم، كلهم معروفون بالخير والصلاح وإن توظف بعضهم في دوائر حكومية.
وفي العادة أن الاتهامات المشينة في العلماء لا ترد إلا من المبتدعة كالروافض والمتصوفة والخوارج الذين لم يسلم منهم أحد من علماء السنة على مر العصور.
قال شيخ الإسلام “ثم من المعلوم أن علماء السنة كمالك وأحمد وغيرهما من أبعد الناس عن مداهنة الملوك”([1])اهـ.
إن أهل العلم المخلصين لا يبررون للحكام الظلمة ظلمهم للمؤمنين ومطاردتهم للموحدين وخذلانهم للمجاهدين كما يزعم بعض المتعجلين التكفيريين أو المفرطين من غيرهم ، لكنهم يبينون الطرق الشرعية التي شرعها الله ورسوله، وعليها سلف هذه الأمة في التعامل مع الحكام الظلمة، فكم تضرر المسلمون وبلدانهم بسبب طيش المتعجلين ممن لم يضبط نفسه بعلم الكتاب والسنة فسفكت الدماء وخربت البلدان حتى وصل أمرهم إلى الطعن في العلماء كي تفرغ الساحة للجهلة الذين لا حظ لهم في علوم الشريعة.
وللأسف ان التوجيهات التي تصدر من العلماء والدعاة الربانيين لا تجد صدى وقبولا عند كثير من هؤلاء الطائشين، بل يتهمونهم بالعمالة والمداهنة للسلطان وأنهم محامون عن أعداء الله.
والحاصل : أن اتهام العلماء بأنهم مداهنون للحكام الظلمة ومعينون لهم في ظلمهم سوء فهم يدور في أذهان هؤلاء، ولو أنهم جلسوا للحوار والمناظرة لأدركوا جيداً كيف تقاد القواعد الشرعية في مثل هذه الأزمات سواء مع الراعي أو الرعية.
وإليكم نماذج من أقوال بعض علمائنا الذين عملوا في مجال الفتيا والقضاء ونحوهما من مهام السلطان مما يؤكد نكيرهم للباطل وحرصهم على مناصحة السلطان بالعلم والحكمة، مع نموذج حي لمن لم يعمل لدى السلطان من العلماء :
أولاً :
نشرت مجلة راية الإسلام كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال ” لقد أصيب العالم الإسلامي عامة وسكان الجزيرة العربية خاصة بسيل من الصحف التي تُحصِّل بين طياتها أشكالاً كثيرة من الصور الخليعة، المثيرة للشهوات، الجالبة للفسا ، الداعية للدعارة، الفاتنة للشباب والشابات، وكم حصل في ضمن ذلك من أنواع الفساد لكل من يطالع تلك الصور العارية وأشباهها، وكم شغف بها من الشباب من لا يحصى كثرة، وكم هلك بسمومها من شباب وفتيات استحسنوها ومالوا إليها وقلدوا أهلها، وكم في طيات تلك الصحف من مقالات إلحادية تنشر الأفكار المسمومة والقصائد الباطلة وتدعو إلى إنكار الأديان ومحاربة الإسلام … فالواجب على حكومتنا- وفقها الله- منع هذه الصحف منعاً باتاً لما فيها من الضرر الكبير على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ودينهم ودنياهم …فيا ولاة أمر المسلمين اتقوا الله في المسلمين وحاربوا هذه الصحف الهدامة”([2]).
ثانياً :
هذه رسالة خطية من المفتي العام جاء فيها “من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده، حفظكم الله : لا يخفى على سموكم أن الحكومة وفقها الله قد منعت الإعلان عن الدخان في الصحف وحذرت من التشجيع عليه وشددت في ذلك، وقد علمت هذه الأيام أن كثيراً من أهل البقالات وغيرهم يضعون لائحات تدعو إلى الدخان وتشجع عليه، كما علمت أن كثيراً من الصبيان وغيرهم يطوفون بالدخان على أبواب المسجد النبوي عند خروج الناس من الصلاة يدعون الناس إلى شراء الدخان ويشجعون على استعماله .
فأرجو من سموكم الكريم التأكيد على الجهات المختصة بمنع هذا وأمثاله والتشديد في ذلك، وفرض عقوبة على من يخالف الأوامر حماية للمسلمين من شر هذه الشجرة الخبيثة، وحفظا لدينهم وصحتهم وأموالهم"([3]).
ثالثاً :
قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : "فإذا عمل الحاكم بما يقتضي كفره أو فسقه , فلا يجوز أن يُدافع عنه([4])".
وقال رحمه الله : " ورب دعوة مظلوم تكون سببا لنكبة شعب, فالواجب على حكام المسلمين أن يتوبوا إلى الله من التعاون مع امريكا وروسيا على ضرب الدعاة إلى الله , فإنهم لا يضرُّون إلا أنفسهم , ولا يضرون الدعاة إلى الله شيئا , فهل استطاعت امريكا أن تدفع عن السادات شيئا ؟ ... واعلموا أن رعاياكم ليست عنكم راضية , لما ترى منكم من الإنحراف عن الدين , وإني والله ما أعلم شعبا راضيا عن حكامه وإن صفق لكم من صفق فإنه ما يصفق لكم إلا المصلحيون أو الهمج الرعاع أتباع كل ناعق([5])"اهـ.
رابعاً :
قال ابن عثيمين رحمه الله : ” الواجبُ على ولاة الأمور أن يُزيلوا الأذى عن طريق المسلمين، أي أن يُزيلوا كلّ داعية إلى شرّ، أو إلى إلحاد، أو إلى مجون، أو إلى فسوق ، بحيث يُمنع من نشر ما يُريد من أي شيء كان، من الشر والفساد، هذا هو الواجب ، لكن لا شك أن ولاة الأمور الذين ولاهم الله على المسلمين في بعضهم تقصير، وفي بعضهم تهاون، يتهاونون بالأمر في أوله حتى ينمو ويزداد، وحينئذ يعجزون عن صده وكفّه، فالواجب أن يُقابل الشر من أول أمره بقطع دابره، حتى لا ينتشر، ولا يُضل الناسُ به”([6]).
خامساً :
تحذير العلماء من العمل في المؤسسات الربوية التي في الدولة، فقد سئل شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان -عضو اللجنة الدائمة للإفتاء- هذا السؤال : أعملُ في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة،‏ فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة؟
فأجاب : “التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد‏،‏ ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا‏، ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان – والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ “‏لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه”([7])اهـ
وأمثلة ذلك كثيرة ، فهل بعد هذه التوجيهات وهذه الإنكارات المتعددة، وغيرها كثير، يقال عن علمائنا إنهم مداهنون وإنهم عبيد الدينار والدرهم، وعلماء سلطة ليشككوا الأمة بالعلماء المخلصين المجتهدين بقصد الإسقاط.
فما أسهل التهم التي لا تحتاج إلى مزيد علم، ومنها ما يكون بسبب سوء فهم أو بسبب سوء تلقي.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ” غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه، لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية”([8]).
وأما قولهم ” إن الدول تعينهم وتفرض عليهم فتاوى معينة “. فهذا من ضمن الدعاوي التي يضحكون بها على شباب الأمة ليشككوهم بالعلماء المجتهدين بقصد الحط والإسقاط، وكان من أواخر ما استدلوا به على هذه الدعوى الجائرة فتوى علمائنا حول الاستعانة بالكافرين في حرب الخليج، وقد أجابهم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله حينها بقوله ” كل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك ، لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه، وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقت أقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الإمبريالية في شؤون المسلمين ومقدساتهم وغيرها من الإشاعات الباطلة، فإن هذه خطأ كبير والذي أشاعه هو حزب صدام وهو حزب قومي وليس حزباً إسلامياً، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريق سلمية كما هي يدفع بها الشر وتحمي بها البلاد، والرسول – صلى الله عليه وسلم – استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف، وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم، والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين : بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين، وهذه هي الردة لا تجوز وهذا منكر، أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده سواء كان كافرا أو مسلماً عن بلاد الإسلام والمقدسات، فهذا أمر مطلوب ولازم، لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم سواء كان كافراً أو مسلماً، والواجب على الزعيم العراقي أن يتوب إلى الله ويرجع عما هو عليه من الباطل، ويترك حزب الشيطان، وعليه أن يلتزم بالإسلام ، وأن يسود الرعية ويحكم فيهم بالإسلام وندعو له بالهداية”([9]).
وهذه الكلمات كانت قبل عودة صدام وتراجعه عن غزو الكويت.
فالحذر الحذر من مقالات أهل الأهواء والتطرف والشذوذ فإن ” لحوم العلماء مسمومة وعادات الله في منتقصيهم معلومة”([10]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] منهاج السنة لابن تيمية (4/130).
[2] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، (4 /203).
[3] المصدر السابق ، (6 /400).
[4] المخرج من الفتنة للوادعي (ص136).
[5] المصدر السابق (ص277-278).
[6] شرح ” رياض الصالحين ” لابن عثيمين ( 3/211-212).
[7] المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان (4/148)، والحديث صحيح لغيره ، أخرجه أحمد في مسنده رقم(3725) وغيره.
[8] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ( 1/255-256).
[9] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (6/150).
[10] تبيين كذب المفتري لابن عساكر ( ص 29).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 08-28-2017, 08:51 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (10)قولهم : إن الحكام كفروا لأنهم استحلوا ما حرم الله كالربا والخمور ونحوها

قولهم : إن الحكام كفروا لأنهم استحلوا ما حرم الله كالربا والخمور ونحوها.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (10)

نجد في بلاد المسلمين البنوك الربوية، وشرب الخمور وبيعها، وكذا النوادي الليلية والفنادق التي يوجد في بعضها الخمور والمحرمات، وربما الدعارة من زنا وغيره، وتعطيل أحكام الشرع كتعطيل الحدود، والأمر بحلقى اللحى أو تخفيفها وخصوصاً في مؤسسات بعض الدول العربية، وبالأخص المؤسسة العسكرية، والموالاة لأعداء الله في الظاهر، وتمجيد الديمقراطية والقوميات العربية، ونحوها من القضايا التي حرمها الشرع، وكل ذلك على مرأى ومسمع من ولاة الأمر، وأيضاً أنه ولي الأمر قد يرخص للبنوك الربوية ومحلات بيع الخمور وشربها، وللنوادي الليلية ونحوها مما يتصادم مع الدين.
ومما لاشك فيه أن هذه منكرات عظيمة وكبائر تتصادم مع دين الله، بل ذلك حرب للدين وأحكامه، ويجب على ولاة الأمر أن يتقوا الله في ذلك، فإنهم غداً موقوفون بين يدي الله، وسيسألهم عمن استرعاهم كيف حكم بهم ، فإن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
قال الله تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون".
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الحكام المسلمون بهذا الصنيع قد استحلوا هذه المحرمات وكفروا كفراً مخرجاً من الملة أم لا؟
والجواب :
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين السؤال الآتي : ( ما هو ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد ؟ ).
فأجاب : " الاستحلال هو أن يعتقد الإنسان حلّ ما حرّمه الله . . . وأما الاستحلال الفعلي فيُنظر : لو أن الإنسان تعامل بالربا, لا يعتقد أنه حلال لكنّه يُصرّ عليه، فإنه لا يُكفَّر لأنه لا يستحلّه، ولكن لو قال إن الربا حلال، ويعني بذلك الربا الذي حرّمه الله فإنه يكفر، لأنه مكذب لله ورسوله(1)"اهـ
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان السؤال الآتي: ( هل وجود البنوك الربوية ووضعها في البلاد دليل على استحلال الربا واستباحته ؟).
فأجاب : " أكل الربا لا يدل على استباحة الربا, أكل الربا كبيرة من كبائر الذنوب, والتعامل بالربا كبيرة وموبقة من الموبقات، لكن لا يدل هذا على كفر المرابي، إلا إذا استحله ولو لم يأخذه، إذا قال الربا حلال فهو كافر ولو لم يأخذ الربا، فإذا جمع بين الجريمتين وقال الربا حلال وأخذه فهذه جريمتان(2)"اهـ
ومن خلال الجوابين السابقين يتبين للقارئ الكريم أن الاستحلال قضية قلبية لا يمكن معرفتها إلا بالتصريح في كل شئ شرعي منصوص عليه كأن يقول في شئ حرمه الله إنه حلال أو جائز أو مباح، أو مسموح به، أو يعتقد ذلك في نفسه، والتصريح دليل على الاعتقاد بالاستحلال، فلا يقال عن فاعل الكبيرة أو الذنب مهما بلغ إصراره إنه مستحل، ولا من دعا أو حمى شيئاً يتصادم مع حكم الله منصوص عليه كالربا والخمر إنه مستحل حتى يعتقد ذلك أو يصرح به مستحلاً.
قال ابن تيمية : " لفظ الاستحلال إنما يُستعمل في الأصل فيمن اعتقد الشئ حلالاً(3)".
وقال رحمه الله : " فإن المستحل للشئ هو الذي يأخذه معتقداً حله(4)".
ونقله ابن القيم عن شيخه ابن تيمية في إغاثة اللهفان(5).
قلت : وضابط كفر الاستحلال " وأصله من جنس كفر الجحود والتكذيب " هو : كل من استحل ما حرمه الله ورسوله ، فاستحلاله له جحد للحق، وتكذيب به.
ولا يعني ذلك أنه لا كفر إلا باستحلال، فإن الكفر يقع بالاستحلال والقول والفعل كما بينت ذلك في أكثر من موضع.
ويسمى بالاستحلال الاعتقادي كما وصفه العلماء، وهناك استحلال عملي لا يكفر صاحبه كأن يعمله على سبيل الجهل أو المعصية أو الظن بحله على جهل كالسرقة وشرب الخمور والتعامل بالربا ونحو ذلك، وعليه يتنزل الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه موصولاً على الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -يعني الزنا- والحرير والخمر والمعازف".
ولا يكفر المسلم حتى يتم استيفاء الشروط وانتفاء الموانع كما أشرت إلى ذلك في كتابي " ضوابط التكفير وأهم مسائله"، وهو مطبوع متداول.
وقد تعجبت لبعض خوارج العصر المراهقين الذين أدخلوا في فتاواهم ما لم يأت به الخوارج الأوائل، حيث قال أحدهم مدعياً : إذا شرب فرد من أفراد الشعب الخمر أو زنا أو وقع في كبيرة فإنه لا يكفر، وأما إذا فعل ذلك الحاكم فإنه يكفر لأنه سمح بذلك في الدولة.
وهذا فقه جديد، لا سابق له، ولا دليل عليه سوى الهوى والاستهتار بالفقه الشرعي المطهر، والأصل أن الفرد والحاكم والجماعة يكفر كل واحد منهم بمجرد الاستحلال الاعتقادي أو التصريح بتحليل ما حرم الله بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع اتفاقاً.
وسيأتي مزيد إيضاح في الحلقة القادمة بإذن الله حول " حكم سن القوانين الوضعية بدلاً عن الحكم بما أنزل الله "، والذي يُعد سنها من الكفر الأكبر المخرج من الملة اتفاقاً.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــ
[1] الباب المفتوح لابن عثيمين (3/97)، لقاء رقم (50)، السؤال رقم (1198).
[2] الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية للحصين (ص 68).
[3] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6 /42).
[4] المصدر السابق (6/29).
[5] إغاثة اللهفان لابن القيم (1/246).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 08-29-2017, 08:31 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (11) قولهم : إن الحكام كفروا لأنهم بدلوا شرع الله .

قولهم : إن الحكام كفروا لأنهم بدلوا شرع الله، ومن ذلك سنهم القوانين الوضعية وحكم الناس بها.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (11)

لمناقشة هذه الشبهة أقول، وبالله التوفيق : هل نحكم على من سن القوانين الوضعية كالقوانين الديمقراطية وغيرها ودعا إلى التحاكم إليها وإلى الحكم بغير ما أنزل الله أنه كافر؟
والجواب : قد سبق أن قلت - في (سلسلة مفاهيم يجب أن تصحح، الحلقة رقم "2") ما حاصله - إن : هذه المسألة من المسائل التي فيها الجمر تحت الرماد، وقد استعجل أقوام - لا قدم لهم راسخة في علم الكتاب والسنة - فكفروا الحكام العرب وكل من يعمل في الدولة من الجنود والموظفين، ثم استحلوا دماءهم بحجة أن عامة حكام العرب يدعون إلى التحاكم إلى الديمقراطية أو غيرها من الأنظمة الوضعية التي لا تحكم بما أنزل الله، وأنهم سنوا قوانين غير شرعية أو حكموا بما بغير ما أنزل الله، وأن من عمل معهم مثلهم في الحكم، وهذا توسع غير سليم ومفهوم خطأ، يحتاج إلى تفصيل وبيان حكم الشرع في هذه المسألة حتى لا تزل الأقدام بعد ثبوتها، فهناك من يتلقف مثل هذه الشبه ويتأثر بها لقلة علمه الشرعي ولضعف منهجه التربوي...
ولبيان هذه المسألة بالمفاهيم الشرعية الصحيحة، إليكم التفصيل التالي :
أولاً : أن من عمل بالنظام الديمقراطي أو بغيره مما هو ليس من حكم الله، مما فيه المعارضة لحكم الله أو حكم ببعضه خوفاً من بطش الغرب وضغوطهم وتساهل ذلك الحاكم في دفعها، ولم يستخف بحكم الله، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وهو يكفر بمبادئ الديمقراطية في قلبه ويقيم الصلاة، فهذا مسلم فاسق ظالم لنفسه وليس بكافر، ومعرض لغضب الله ومقته في الدنيا والآخرة، بل واقع في كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا ما يُسمى بالكفر الأصغر غير المخرج من الملة.
ويتنزل على مثله قول الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون".
وقوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".
وقد جمعت في الحكم بين الفسق والظلم لأنه أولى من القول بالتفريق، إذ دخول الفسق في الظلم صحيح، والعكس مثله، والاختلاف في النص لفظي واصطلاحي ليس غير.
وفي هذه الحالة لزم العلماء والدعاة والعقلاء نصح ولي الأمر بالحكمة واللين بعيداً عن إحداث الفتن وبعيداً عن كشف عواره ومثالبه من على المنابر وفي المحاضرات والندوات وفي المجالس وأمام العوام.
فالحرص على جمع الكلمة خير من تفريق الصف بسبب خطأ أو منكر صدر من الوالي ؛ فإن نصيحة الجهر أمام العامة علناً يفضي إلى الخروج على الحاكم؛ ولذا فحديث أبي سعيد الخدري الذي يقول فيه كما في سنن ابن ماجه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، يؤكد نصيحة السر بقوله: "عند سلطان جائر"، ولم يقل: "عند العامة وعلى المنابر وفي الصحف ووسائل الإعلام ونحوها" لأن مثل ذلك لم نر منه سوى المفاسد والدماء وتفلت الأمن وظهور الفساد منذ القدم حتى الساعة، وعامة الناس يجهل حقوق الولاة على ضوء الشرع المطهر، ويبحث عن الحقوق التي له كمواطن، كما يجهل قواعد المصالح والمفاسد، فيثق هؤلاء العامة بديانة الخطيب أو الواعظ فيخرجون على ولي الأمر بالمظاهرات أو الانقلابات أو ما يسمى بالعصيان المدني أو الاعتصامات ونحو ذلك مما جلبه الكفار إلى بلاد المسلمين، وعمت به البلوى.
متناسين قواعد الاسلام العظمى التي قامت على الأدلة الصحيحة مثل : القاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه " لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه "، وكذا قاعدة " درء الشر بشر أكبر منه لا يجوز" بإجماع المسلمين.
وذلك أن السلطان الغشوم لم يقم سلطانه إلا بالسيف ولا زال يحرسه بالسيف، فحفاظاً على سلامة الدماء والبلدان والبعد عن بطشه لزمت نصيحته في السر، وذلك للتأثير عليه، درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح، هكذا قامت نصوص الشريعة السمحة.
ثانياً: إذا حَكَمَ به أو ببعضه اتباعاً للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص، ويرى أن الإسلام هو الحق في جميع أحكامه ويقيم الصلاة ، فحكمه حكم السابق ولا يكفر أيضاً.
ثالثاً: إذا حكم بالنظام الديمقراطي أو دعا إلى التحاكم إليه أو إلى غيره مما يتعارض مع حكم الله أو أمر بوضع تشريعات للشعب تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، أو اعتقد أن النظام الوضعي أفضل من الإسلام أو مساو لحكم الإسلام أو أنه يجوز تبديل حكم الاسلام بغيره، استخفافاً بالحكم بما أنزل الله أو غير مستخف، أو احتقاراً له، أو أنه مخير إن شاء حكم بما أنزل الله، وإن شاء حكم بغير ما أنزل الله، فهذا كافر حتى وإن قال : إن تحكيم الشريعة أفضل.
ومثله أيضاً يكفر كفراً مخرجاً من الملة من يعتقد : ان حكم الله لا يصلح لهذا الزمان، وإنما يصلح الحكم بالقوانين الوضعية باعتبار أن هذا العصر عصر حضارة وتقدم، وأن عصر الاسلام بأحكامه لا يتوافق مع هذا العصر.
ويتنزل في هذا القسم قوله تعالى : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
وكل ما تقدم مشروط بالعلم أما من جهل حكم الله وحكم بغيره فلا نكفره، فإن مشايخ القبائل يحكمون بأعراف وأحكام تتصادم مع الدين على جهل فلا نحكم بكفرهم حتى نعلم أنهم قد علموا حكم الله، ولا يُشترط الاستحلال في هذا الباب وإن كان شيخنا الألباني قد اشترطه، وبعض كلام ابن باز يوحي بذلك على قول له، إلا أن المشهور عن أهل العلم عدم اشتراط الاستحلال في الحكم المبدل، ومعنى ذلك أنه يكفر من باب أولى من استحل غير حكم الله أو جحد حكم الله أو كذبه.
قال الله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا".
وقال تعالى : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/267) : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء"اهـ
وقال ابن كثير كما في البداية والنهاية (13/139) : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين"اهـ
وإن تعجب فعجب قول الخوارج الذين يكفرون بلا هوادة ويجعلون قوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، هو الحكم العام لكل من وقع في الكبيرة أو وقع في الكفر من غير إكراه، فيكفرون الناس والحكام وكل من يعمل في الحكومات، حيث تجمدت عقولهم عند هذا النص دونما سواه، وجعلوا قوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " وقوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" في حكم واحد، وهو الكفر، معطلين بقية النصوص الشرعية في هذا الباب، وقالوا : كل النصوص الثلاثة تعني الكافر، لأن الكافر ظالم وفاسق، وهذا من الجهل والتعطيل للنصوص، فإن النجاشي لم يصح عنه أنه حكم بما أنزل الله وفقاً لنصوص الكتاب والسنة، بل حكم قومه بأحكام أقام فيها العدل حسب تمكنه ولم يتمكن من الحكم بما أنزل الله وفقاً لنصوص الكتاب والسنة رغم كفره بالنصرانية وما فيها من أحكام تتنافى مع الاسلام، وبقي حاكماً على أهل الحبشة ولم يتنازل عن السلطة باعتبار أن وجوده على هرم السلطة وكتمانه لإيمانه لإقامة العدل خير من تنازله حتى ينفع الله به، ومع ذلك صلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام عليه لما مات حيث لم يكن هناك من يصلي عليه؛ فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ وخرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفاً، وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: " إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات " [أخرجه البخاري في صحيحه].
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (5/111) : " والنَّجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإنَّ قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرًا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها؛ فلا يمكنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها... ثم قال رحمه الله : فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه؛ بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم به" اهـ.
وقد تولى نبي الله يوسف منصب عزيز مصر، وقال لمليكها – وهو كافر على الراجح -: " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حِفِيظٌ عَلِيم" فجعله وزيراً للمالية في دولة كافرة تحكم بغير ما أنزل الله، وهو نبي، فأين ذهبت عقول هؤلاء المكفرة الذين يكفرون الحاكم وجنوده ومن يعمل بالحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله، وهم لها منكرون.
فلذا لا بد من التفصيل كما تقدم، وهو الذي عليه أئمة الاسلام قديماً وحديثاً مع زيادة إيضاحات للقارئ الكريم.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشده.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 08-30-2017, 10:32 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (12) قول التكفيريين : ترك الجهاد عين النفاق ...

قول التكفيريين : ترك الجهاد عين النفاق ، وقد جاء في الحديث ” من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق “([1])
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (12)

الجواب على هذه الشبهة :
أن الحديث يدل على أنه لا يستلزم من ترك الجهاد النفاق إذا كان الشخص يحدث نفسه بالغزو ثم مات قبل أن يجاهد، بل أجره كأجر من جاهد طالما منعه من الجهاد مانع، ومثله إذا انتفى شرط من شروط الجهاد المتقدم ذكرها في مقالات سابقة.
قال النووي عند شرح هذا الحديث : ” قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم …، وفى هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها([2])اهـ
وقال ابن الأمير : ” ولا يخفى أن المراد من الحديث هنا أن من لم يغز بالفعل ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على خصلة من خصال النفاق، فقوله : ” ولم يحدث نفسه ” لا يدل على العزم الذي معناه عقد النية على الفعل، بل معناه هنا لم يخطر بباله أن يغزو ولا حدّث به نفسه ولو ساعة من عمره ولو حدّثها به أو خطر الخروج للغزو بباله حيناً من الأحيان خرج من الاتصاف بخصلة من خصال النفاق، وهو نظير قوله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم : ” ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه “([3]) أي لم يخطر بباله شيء من الأمور وحديث النفس غير العزم وعقد النية، ودل على أن من حدث نفسه بفعل طاعة ثم مات قبل فعلها أنه لا يتوجه عليه عقوبة من لم يحدث نفسه بها أصلاً([4])اهـ
وهناك تفسير آخر للحديث ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- حيث قال :
” وحينئذ؛ فقد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق وبعض شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر كما في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ” أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر”([5]) ، وفى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق “([6])اهـ
وقال رحمه الله : وفى الحديث دلالة على أنه يكون فيه بعض شعب النفاق مع ما معه من الإيمان، ومنه قوله تعالى ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ “([7])اهـ.
وحاصل أقوال أهل العلم في هذا الحديث تترد على ثلاثة معانٍ :
المعنى الأول : أن من لم تحدثه نفسه بالجهاد ففيه خصلة من نفاق.
والمعنى الثاني : أن خصلة النفاق ترتفع عن تارك الجهاد بمجرد أن يخطر في باله أن يجاهد وإن لم يفعل أو يعزم، وهذا قول الصنعاني كما تقدم.
الثالث : أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تعلق له بأي عصر آخر، وهذا مروي عن ابن المبارك، والأول المختار.
فلا يقال حينئذٍ إن ترك الجهاد عين النفاق بل أكثر ما يقال في هذا الباب أن من ترك الجهاد ففيه خصلة من النفاق وخصوصاً إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه فحينها يُنكر على القاعد وفي مثله نزل قوله تعالى: ” فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ “([8]).
قال الشافعي رحمه الله : فأظهر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وأتباعهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبر أنه كره انبعاثهم إذا كانوا على هذه النية، فكان فيها ما دل على أن الله جل ثناؤه أمر أن يمنع من عُرف بما عرفوا به من أن يغزوا مع المسلمين، لأنه لا ضرر عليهم، ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله: ” فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ “([9]).
وهؤلاء في الأصل هم المنافقون نفاق الكفر الاعتقادي المخرج من الملة أمثال عبد الله بن أُبي ، أما من حدث نفسه بالجهاد ومنعه مانع مما تقدم، فلا يجوز أن يقال إنه منافق أو فيه خصلة نفاق مخرجة من الملة أو أنه وقع في عين النفاق الاعتقادي الكفري الذي كان عليه المنافقون في عهد النبوة.
(((وللكلام حول شبهات التكفيريين بقية نستانفه بعد عيد الاضحى بإذن الله))).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1910) من حديث أبي هريرة.
[2] شرح صحيح مسلم للنووي(13/56).
[3] متفق عليه من حديث عثمان.
[4] سبل السلام للصنعاني (1/199).
[5] متفق عليه من حديث عبدالله بن عمرو.
[6] مجموع الفتاوى (7/520)، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
[7] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/556)، الآية رقم (15)، من سورة الحجرات.
[8] سورة التوبة ، الآية رقم (81).
[9] السنن والآثار البيهقي (9/36) ، والآية رقم (81) من سورة التوبة.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-05-2017, 08:27 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول الخوارج : إن حكام المسلمين في العصر الحديث تحالفوا مع الصليبيين ضد أهل الاسلام.

قول الخوارج : إن حكام المسلمين في العصر الحديث تحالفوا مع الصليبيين ضد أهل الاسلام.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (13)

للجواب على هذه الشبهة أقول، وبالله التوفيق : إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة كبرى لأهل الاسلام ودولهم في الحلف مع الأعداء فلا مانع شرعاً من التحالف بشرط أن يخلو من الولاء لأعداء الله المتضمن حرب الإسلام وأهله لقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
فإذا سلم هذا التحالف والتصالح من موالاة الكافرين على المسلمين جاز كما هو المشهور عند العلماء، وقد حالف النبي عليه الصلاة والسلام خزاعة واليهود، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى مثل هذه التحالفات في أكثر من حديث، ومما يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام أبوداود في سننه والحديث صحيح عن ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ ، فَتُنْصَرُونَ، وَتَغْنَمُونَ ، وَتَسْلَمُونَ ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ ، فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ ، وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ ، وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ ، فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ".
وهذا دليل استدل به العلماء على جواز التحالفات مع الكفار، ومعنى ذلك أنه لا مانع من التحالف والمصالحة مع أمريكا أو أوربا أو غيرهم من غير المسلمين بالضابط المذكور فيما دعت له المصلحة الشرعية.
قال ابن باز : " والواجب على كل من تولى أمر المسلمين ، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر ، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر؛ عملا بقول الله عز وجل : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا”، وقوله سبحانه : “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا “.
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر … وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين ، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس ، أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية – إن كانوا من أهلها – فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية ، وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى : “قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ “، وقوله عز وجل : ” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ “ إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك ، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية ويوم الفتح ، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا([1]).اهـ
لكن قد يقول قائل كيف نصالحهم ونحالفهم وتكون القيادة لهم، فاليوم هم من يقود بعض المعارك وليس المسلمون؟
فالجواب : أن القوة هي التي تفرض الهيمنة، وبما أن المسلمين ضعفاء ولا قدرة لهم في القيادة، وهم محتاجون لمثل هذه التحالفات فلا حرج، طالما سيتم بهذا التحالف دفع شر عظيم عجز المسلمون عن دفعه، كما حصل في غزو الكويت، وما هو اليوم حاصل ضد الدواعش الذين قتلوا وذبحوا إخوانهم المسلمين بالسكاكين كما تذبح الشياه، وسبوا الذراري، وباعوا الحرائر من بنات المسلمين على اعتبار أنهن سبايا، وحرقوا بالنار بعض الأسرى المسلمين، واستخدموا الغرق ونحوه من القتل الوحشي الذي حرمه الشرع المطهر، وأتوا بما يعجز اللسان عن ذكره.
فمثل هذه الاستعانات والتحالفات مع الأعداء ضد هؤلاء المسلمين الدواعش الجائرين أمر لا بد منه، ولا يدخل في مثل قوله تعالى : " وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا".
وقد تأكد لنا أن طيران التحالف الأجنبي والعربي الذي قام ضد داعش تسبب في قتل بعض الأسر بأطفالها وشيوخها ورجالها وشبابها ممن لا صلة لهم بداعش، حتى هدمت صواريخ الطيران منازل بعض سكان الموصل وغيرها من المناطق بمن فيها، وتشرد عشرات الآلاف من العزل ممن لا حول لهم ولا قوة، وفقدوا منازلهم، كما ضرب الطيران بعض المساجد والمدارس، ولا ندري هل هذا متعمد من دول التحالف الأجنبي أو بسبب إحداثيات بالخطأ.
ولذا وجب على ولاة أمر المسلمين أن يحققوا في مثل هذه الجرائم - فإنهم مسؤولون أمام الله عن كل قطره دم سفكت بغير حق -، وعلى ولاة أمر المسلمين أن يعوضوا المتضررين، وأن يكون لهم موقف جاد في انصاف المظلومين في الدنيا قبل يوم الأشهاد " يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ".
وأما ما يتعلق بما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها " أن رجلاً من المشركين كان معروفاً بالجرأة والنجدة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى بدر في حرة الوبرة فقال جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " تؤمن بالله ورسوله " قال لا، قال " ارجع فلن أستعين بمشرك".
فهذا كان زمن قوة النبي عليه الصلاة والسلام وظهوره وبعد تأسيسه الدولة الاسلامية بالمدينة وتنظيمه للجيوش الإسلامية، فاستغنى عن وجود فرد واحد لا حاجة له به، بل قد صج أن النبي عليه الصلاة والسلام استعان بالكفار وتحالف معهم في أكثر من موطن حتى في زمن قوته وظهور دولته ليدل ذلك على الجواز وقت الحاجة كما سيأتي.
والمسألة خلافية بين أهل العلم فإن الذين اعترضوا لم يأتوا ببديل يدفع الشر إذا ظهر في بلاد المسلمين، وأكبر مثال على ذلك : تخبط من يقول بعدم الاستعانة يوم غزو الكويت حتى عظمت المفاسد ورفض صدام رحمه الله حينها أن يتراجع عن الغزو رغم أنه تم اعطاؤه مهلات عديدة، ولم يكن الحل الذي لا بد منه يومها سوى الاستعانة بالجيوش الأجنبية والعربية لدرجة أن صدام رحمه الله قبل تدخل الجيوش الأجنبية أعلن أنه سيدخل السعودية وكان على الحدود، بل اجتازها حتى دخل منطقة الخفجي، وكان يرمي بصواريخه على الرياض وبعض مدن المملكة مما سببت أضراراً بالغة، وأعلن أنه سينشر الكيماوي في بحر الخليج للقضاء على شعب دول مجلس التعاون ونحوها من الفجائع التي عاصرناها ذلكم الزمن، فللضرورة أحكامها.
واليوم الدواعش تم اعطاؤهم مهلات كثيرة لكي يكفوا ويتركوا منهجهم الضال، لكنهم رفضوا حتى أضروا المسلمين وشوهوا سمعة الاسلام وصوروه للعالم أجمع أنه دين عنف وقسوة وإرهاب وتخويف رغم أنه دين رحمة وعطف وشفقة بكل كافر مسالم.
ولا شك أن الفقهاء قديماً ناقشوا مسألة الاستعانة بالمشركين لقتال المشركين، ولم يتطرق فقههم لمسألة الباب بعينها سوى المتأخرين، واختلفوا قديماً على قولين بين مجيز بشرطين هما : أن يكون بالمسلمين قلة بحيث تدعو الحاجة إلى ذلك، والثاني : أن يكونوا ممن يوثق بهم في أمر المسلمين.
وبين غير مجيز متمسك بحديث مسلم السابق.
والصحيح الجواز وليس مطلقاً، وإنما إذا اضطر المسلمون لذلك، فهذه الاستعانة الاضطرارية تدخل في قول الله تعالى : " وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، وقد ذكر العلماء في هذا الباب أحاديث كثيرة تدل على جواز الاستعانة بالكفار عند الحاجة كما سيأتي بسطها في هذا المقال.
لكن يجب على المسلمين أن يفرقوا اليوم بين الدواعش والقاعدة وأنصار الشريعة وغيرها من الجماعات الخارجية.
فإن الدواعش أصحاب شر عظيم عجز المسلمون عن دفعه، وغالب الظن أنه تنظيم عالمي ممول من أجهزة مخابرات صهيونية وعالمية أخرى، لأن أفعالهم ليست بأفعال مسلمين خوارج فحسب، وأقل وصف يمكننا أن نصفهم به هو وصف "غلاة الخوارج، وهؤلاء هم من نقول إذا عجز المسلمون عن دفع ضررهم وكانت هناك حاجة ملحة للاستعانة بالكفار والتحالف معهم ضد تنظيم داعش فلا بأس.
أما التنظيمات الخارجية الأخرى كالقاعدة وأنصار الشريعة ونحوها من الجماعات التكفيرية، فهذه مقدور عليها من قبل الحكومات الإسلامية، ولا يجوز لحكام المسلمين أن يستعينوا بأعداء الله لمقاتلتهم لأنه لا عجز عن مقاتلتهم اليوم كما هو مشاهد، ولذا ننكر تدخل الطيران الأمريكي وغيره في بلاد المسلمين لضرب الجماعات الخارجية المقدور عليها من ولاة أمرنا، وخصوصاً باليمن، والتي صارت تقتل الرجل المطلوب في بيته ومعه أبرياء من أفراد أسرته أو جيرانه، وربما ضربت الطائرة بصواريخها على سيارة نقل تحمل ركاباً وفيهم واحد مطلوب، فتقتل كل من في السيارة لأجل قتل رجل واحد، وربما ضربت على بعض المنازل فتقتل كل من فيها، وليس فيهم رجل مطلوب، فويل لولي الأمر الذي أذن لهم بذلك أو صرح لهم بهذا الظلم العظيم.
وإليكم طائفة من الأدلة الصحيحة في جواز الاستعانة بالكافرين عند الحاجة :
الحديث الأول : ما أخرجه أبو داود وغيره كما تقدم من حديث ذي مخبر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ستصالحون الروم صلحاً آمنا، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم".
الحديث الثاني : ما أخرجه أبو داود في مراسيله " أن صفوان بن أمية شهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذ ذاك مشركاً حتى قالت له قريش : تقاتل مع محمد ولست على دينه، فقال : رب من قريش خير من رب من هوزان، فأسهم له النبي وأعطاه من سهم المؤلفة" وله أسانيد كثيرة يقوي بعضها بعضاً وتثبت صحة القصة.
الحديث الثالث : ما ثبت بأسانيد كثيرة في كتب السير "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً بين المسلمين وبين اليهود وادع فيه اليهود، وعاهدهم، واقرهم على دينهم و أموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم، ومما جاء في الكتاب " وأن بينهم النصر على من حارب أهل هـذه الصـحيفة" وأيضاً فيها "وأن بيـنهم النصر على من دهم يـثرب".
الحديث الرابع : ما أخرجه البخاري في صحيحه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة إلى المدينة استأجر عبد الله بن أريقط الديلي ليدله على الطريق، وكان خريتاً ماهراً بالطريق، وكان على دين كفار قريش".
الحديث الخامس : ما جاء في الصحيحين والسنن وغيرها من استعانته صلى الله عليه وسلم بالمنافقين وخروجهم معه للجهاد في غزوات عديدة"، والمنافقون كفار في ذلك الزمن والوحي يتنزل.
الحديث السادس : مقتضى ما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"، وغيرها من الأدلة التي يطول بسطها.
وقد ذكر الصنعاني والشوكاني عن صاحب البحر الإجماع على جواز الاستعــانة بالمنافقــين في القــتال".
وأختم هذا المقال بكلمة مقتضبة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قالها بعد غزو صدام للكويت، حيث قال ” كل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك ، لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه، ...ثم قال رحمه الله : وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريق سلمية كما هي يدفع بها الشر وتحمي بها البلاد، والرسول – صلى الله عليه وسلم – استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف، وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم، والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين : بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين، وهذه هي الردة لا تجوز وهذا منكر، أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده سواء كان كافرا أو مسلماً عن بلاد الإسلام والمقدسات، فهذا أمر مطلوب ولازم، لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم سواء كان كافراً أو مسلماً”(2).
وهذه الكلمات كانت قبل خروج جيوش صدام من الكويت.
وللأسف أن التكفيريين وبعض الجهلة يحملون هذه التحالفات على أنها من موالاة أعداء الله مطلقاً دون تفصيل، وهذا فهم خطأ وقد بينته في مقالات سابقة من هذه الدراسة، ومن ذلك مقالي الذي بعنوان : " قول الخوارج ” أمريكا بحربها على المسلمين جعلها دولةً حربية فكيف نقول : إنها معاهدة ، وقد صرح رئيسها(3) أن ما يقوم به هي الحرب الصليبية”، وأيضاً مقال : " شبهة موالاة حكام العرب للكافرين على المسلمين" فليراجعهما من أحب الوقوف على الحقيقة.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــ
[1] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (8/224 وما بعدها).
[2] المصدر السابق (6/150).
[3] يقصدون به “جورج دبليو بوش”.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-06-2017, 01:38 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول التكفيريين : إن أكثر حكام المسلمين في زماننا لا يصلون، ولذا يجوز الخروج عليهم.

قول التكفيريين : إن أكثر حكام المسلمين في زماننا لا يصلون، ولذا يجوز الخروج عليهم.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (14)

والجواب على هذه الشبهة : أن الخوارج يوجبون الخروج على كل حكام العصر ويكفرونهم بلا استثناء، فضلاً عن قول بعض أفراد الخوارج إن أكثر الحكام في زماننا لا يصلون، ومن جهة أخرى لا يستطيع فرد من المسلمين أن يشهد على كل أو نصف حكام الدول الاسلامية بأنهم لا يصلون لكثرة دولهم وتباعدها، وعلى كل حال لو فرضنا أن حاكماً أو ثلاثة أو نصف حكام العالم الاسلامي أو أغلبهم لا يصلون، فإنه يجوز الخروج عليهم للحديثين التاليين :
الأول : حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله : أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا”([1]).
الثاني : حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة”([2]).
لكن يُشترط في هذا الخروج ألا يؤدي إلى مفسدة أكبر، وذلك أن ما غلب فيه الظن أنه سيؤدي إلى مفسدة أكبر وإلى أشر منه لضعف قوة الخارجين أمام قوة السلطان فحكمه حكم المنهي عنه شرعاً، وعندها يلزم المسلمين الصبر ونصح الوالي - الذي لا يصلي - ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً مع الدعاء له بالهداية إلى أن يجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً من هذا الوالي الغشوم.
وكم قلت مراراً : إن السلطان الغشوم لم يقم سلطانه إلا بالسيف ولا زال يحرسه بالسيف، فحفاظاً على سلامة الدماء، وخراب الديار، والبعد عن بطشه سواء كان لا يصلي على قول من لا يقول بكفر تارك الصلاة تكاسلاً، أو أظهر الكفر البواح فإنه يلزم شرعاً إعمال القاعدة الشرعية المجمع عليها وهي : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.
يقول ابن تيمية رحمه لله : ” ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً بل ولا مباحاً، وإنما يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته على مفسدته، أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعاً بل محظوراً وإن حصل به بعض الفائدة “([3]).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : ” فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين “([4]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله : " وإذا فرضنا -على التقدير البعيد- أن ولي الأمر كافر، فهل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد، والفوضى، والقتال؟! لا، هذا غلط، ولا شك في ذلك، فالمصلحة التي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطريق، بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنه -مثلاً- إذا قام طائفةٌ من الناس على ولي الأمر في البلاد، وعند ولي الأمر من القوة والسلطة ما ليس عند هؤلاء، ما الذي يكون؟ هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟ لا تغلب، بل بالعكس، يحصل الشر والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور. والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشرع، ولا ينظر أيضاً إلى الشرع بعين عوراء؛ إلى النصوص من جهة دون الجهة الأخرى، بل يجمع بين النصوص. ثانياً: ينظر أيضاً بعين العقل والحكمة، ما الذي يترتب على هذا الشيء؟ لذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ جداً وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يؤيد من سلكه، بل يرفض هذا رفضاً باتاً، ونحن لا نتكلم على حكومة بعينها؛ لكن نتكلم على سبيل العموم"(5) .اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان : " إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة"(6).
أنا لا أحامي على الحكام الظلمة أو من وصلوا لدرجة الكفر البواح لكن هذه هي الحقيقة المعمول بها عند علماء الاسلام والفكر السليم كما تقدم، وبها قامت أدلة وقواعد الشرع الحكيم، أما كثرة الثرثرة غير المجدية وبلا علم، فتظل ثرثرة لا فائدة منها حتى يموت الشخص وهو يثرثر ولن يصل إلى حل إيجابي، وخذوا عبرةً من ثورات الربيع العربي كيف كانت نتائجها بسبب طيشان الخارجين على حكامهم بما سموه بالخروج السلمي والعصيان المدني ونحوها من المسميات الديمقراطية التي جاءتنا من الغرب - الذين لا يريدون للمسلمين خيراً - ، وكذا خروج طوائف الخوارج كالدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة ونحوها من التنظيمات التي استباحت دماء الحكام وكل من يعمل معهم في الدول الاسلامية.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1854).
[2] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1855).
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (27/177).
[4] مجموع مقالات وفتاوى ابن باز (8/202).
[5] اللقاء المفتوح لابن عثيمين (129/5).
[6] فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة (ص120).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 09-07-2017, 07:27 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول الخوارج:"إن العلماء لا دور لهم في ما يحل بالمسلمين من أزمات ومذابح وانتشار منكرات

قول الخوارج : " إن العلماء لا دور لهم في ما يحل بالمسلمين من أزمات ومذابح وانتشار منكرات".
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (15)

والجواب على هذه الشبهة : أن هذه دعوى باطلة بدأت في صفوف العلمانيين واللبراليين والشيوعيين قديماً ثم انتقلت لصفوف التكفيريين ثم لصفوف بعض الحركيين وانتهت بتوغلها لدى بعض الجهلة من عوام المسلمين، فهؤلاء، وهم [ العلمانيون واللبراليون والشيوعيون والتكفيريون وبعض الحركيين وغيرهم من أهل الأحزاب والفرق الضالة من شيعة وصوفية ونحوهم ] هم الذين يطعنون في العلماء ويتهمونهم بأنهم علماء سلطة، وفقه حيض ونفاس وطهارة وصلاة، وأنهم لا يفقهون الواقع ولا السياسة، ولا علم لهم بما يدور في الساحة الإسلامية، وكأن هؤلاء الطاعنين قد أحاطوا بدروس ومحاضرات وفتاوى وندوات وخطب وبيانات وكتب العلماء، وكأنهم بعد الاحاطة لم يجدوا للعلماء مواقف مشرفة تجاه قضايا الاسلام والمسلمين، رغم أن تراث العلماء المعاصرين ومن قبلهم يزخر بالمواقف العظيمة والمتكررة تجاه ما يحل بالمسلمين من أزمات وما يعانونه من مذابح وآلام وجراحات، وكل هذه التهم لأجل اسقاط هيبة العلماء ومكانتهم لدى الأمة ليعيش الناس في وحل الجهل وغياهب الظلام ليسود الجهال مكانهم.
ولا أدري هل يريد هؤلاء الذين يتهمون العلماء بالسكوت عن مناصحة ولاة الأمر والسكوت عن التدخل في أزمات الأمة، هل يريدون العلماء أن يعطوهم خبراً كلما أنكروا منكراً أو ناصحوا ولاة الأمر أو ماذا يريدون؟!! فالعلماء يقومون بواجبهم الشرعي في مناصحة الأمة وحكامها، فإذا فرض الحكام الأمر المخالف شرعاً أو لم يتدخل الحاكم في حل قضايا الأمة، فماذا يمكن أن يفعل العلماء سوى بيان الحق وانكار الباطل، إذ ليس بأيديهم قوة حتى يفرضوا على ولاة الأمر كل ما أمر الله به ورسوله.
وإليكم بعض النماذج التي تبطل هذه التهم والتلفيقات التي يروج لها أصحابها :
أولاً : قضية بورما.
1- سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي : " أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ : نريد كلمة توجيهية للمسلمين حول مذابح البوذيين لإخواننا المسلمين في بورما الآن، وهي امتداد للمذابح والتطهير العرقي لهم منذ عشرات السنين، علمًا أن هناك تكتماً إعلامياً عالمياً حيال هذه القضية؟ فأجاب بقوله : هذه المسألة ليست خاصة بالبورميين، الإسلام الآن يهان في كثير من بلاد المسلمين، الدول الكافرة تسلطت على المسلمين الآن، لا تريد أن تقوم لهم دولة، ولا تريد أن يكون للإسلام وجود مهما استطاعوا، تعلمون الآن ماذا يعملون مع المسلمين، يسمون هذا الديمقراطية، يريدون يفرضون علينا مذهبهم وحكمهم الكفري، يفرضون علينا الحكم الكفري وهو ما يسمونه بالديمقراطية والعلمانية، ولكن يأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يتم نوره، فعلينا بالدعاء وكثرة الإلحاح على الله سبحانه وتعالى لإخواننا المسلمين في كل مكان أن ينصرهم الله وأن ينقذهم من عدوهم، علينا بالدعاء ، لا نملك الآن غير الدعاء، وعلى من عنده مقدرة أكثر من هذا أن يبذل ما يقدر عليه"(1).
2- وسئل الشيخ سعد الشثري السؤال التالي : ما يحصل لإخواننا في بورما من إبادة جماعية وقتل مُمنهج ، هناك مآسي للأسف الشديد تتم هناك، يطلب تعليق معاليكم حول هذه القضايا المؤسفة؟ فأجاب بقوله : " نصرة المسلم لإخوانه المسلمين من الواجبات الشرعية، والواجب في هذا الباب على كل أحد حسب قدرته، فمن كان من عامة المسلمين ليس في يده شيء وجب عليه أن ينصرهم بدعاء رب العزة والجلال أن يحقن دماءهم، وأن يكفيهم شر أعداءهم، وأن يجعلهم متآلفين متعاونين يقوم بعضهم بحوائج بعضهم الآخر، وأصحاب البيان والكلمة من العلماء ومن يتبعهم سواء كان من أهل الإعلام أو من غيرهم وجب عليهم التعريف بقضايا هؤلاء الذين تُسفك دماؤهم وتُنتهك أعراضهم وتُؤخذ أموالهم، هذا من الواجبات الشرعية بحث الأمة على القيام بما يستطيعونه من أعمال، كذلك من كان له مشاركة في المواقع والانترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي عليه أن يتقرب لله عز وجل بإيصال هذا الصوت الذي يدعو إلى حقن الدماء إلى كل من قد يكون مؤثراً سواء من أصحاب الولايات الداخلية أو الخارجية أو المنظمات الدولية أو نحو ذلك لعل الله عز وجل أن ينفع بهذه الجهود، كذلك على أهل السياسة على اختلاف منازلهم ومراتبهم أن يتقربوا لله عز وجل وأن يسعوا لجعل الدم المسلم هناك يُحقن بحيث يسعون لإيجاد مصالحات في تلك البلدان تُحقن بها الدماء، ويأمن الناس في تلك البلدان على أعراضهم ودمائهم وأبنائهم، ويأمنون من كل سوء وشر، فالواجب على الجميع ليس خاصاً بأناس دون آخرين، اسأل الله جل وعلا أن يحقن دماءهم وأن يكفيهم شر أعدائهم وأن يألف بين قلوبهم، وأن يكون عوناً لهم ومسانداً ونصيراً"(2).
3- كما صدر عن الهيئة العالمية للعلماء المسلمين في رابطة العالم الإسلامي البيان التالي حول القتل والتشريد الذي يتعرض له المسلمون في بورما، وقد جاء في البيان : " فانطلاقاً من قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة).
فإن الهيئة العالمية للعلماء المسلمين التابعة لرابطة العالم الإسلامي تستنكر استنكاراً شديداً ما يتعرض له المسلمون في بورما (الروهنجيين في أراكان) في هذه الأيام من قتل وتشريد واضطهاد وتهجير وتدمير للمنازل والممتلكات والمساجد.
وتهيب بحكومات المسلمين، ومؤسساتها الإسلامية لنصرة مسلمي بورما الذين يعانون من الاضطهاد منذ خمسة عشر عاماً.
إن الهيئة إذ تحذر من خطر استمرار اضطهاد الروهنجيين في بورما تعرب عن رفض علماء الأمة وشعوبها لسياسة التمييز البوذية التي أدت في حملات الاضطهاد الأخيرة إلى قتل عدد من العلماء والدعاة إلى جانب شن حملات اعتقال للأبرياء، مما أدى إلى هروب آلاف المسلمين إلى بنجلاديش .
وتذكر الهيئة بما أصدره المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والأربعين، التي عقدها في شهر رجب الماضي، فقد أعرب المجلس عن قلق المسلمين في العالم للمجازر الدامية في بورما، والتي قتل فيها عدد كبير من المسلمين، واستنكر سياسة التمييز والاضطهاد ضد المسلمين بسبب انتمائهم الديني، وطالب منظمة التعاون الإسلامي ببذل الجهود لوقف اضطهاد مسلمي بورما، ودعا منظمات حقوق الإنسان إلى القيام بواجبها في حمايتهم ونيلهم حقوق المواطنة والمساواة مع غيرهم من مواطني بورما .
وإذ تؤكد الهيئة على أهمية ما أصدره المجلس التأسيسي للرابطة، فإنها تحث المؤسسات الخيرية والإغاثية في العالم على عون المشردين من الروهنجيين المسلمين في بورما سواء في داخل بورما أو الذين لجأوا إلى بنجلاديش، وتطالب حكومة بنجلاديش بفتح الحدود لهم تحقيقاً للأخوة الإسلامية، وتهيب بالدول الإسلامية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي مد يد العون لبنجلاديش لتتمكن من إيواء المسلمين الفارين إليها من بورما"(3).
ثانياً : موقف العلماء من قضية العراق وما قام به الاحتلال الأمريكي الصليبي في العراق.
1- صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن ما يتعرض له المسلمون في العراق البيان التالي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد : فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية تستنكر أشد الاستنكار ما يتعرض له الإخوة المسلمون في العراق وبصفة خاصة في مدينة الفلوجة من قتل وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات وهدم للمساجد على رؤوس المصلين على يد القوات المحتلة لهذا البلد المسلم، وتعتبر ما يتعرض له المسلمون في العراق من أشد أنواع الظلم والعدوان .
وإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إذ تستنكر هذا العمل الإجرامي الذي تجاوز كل الحدود لتدعو كل منصف في العالم من المسلمين وغيرهم إلى استنكار هذه الهجمة الشرسة والعمل بشتى الوسائل والسبل على إيقافها ومعاقبة المسئولين عنها .
كما تحث اللجنة الإخوة في العراق على الصبر والمصابرة وتوحيد الكلمة وإخلاص نيتهم لله عز وجل نصرة لدينه وإعلاء لكلمته وتطبيقا لشريعته وليثقوا بنصر الله عز وجل حيث وعد عباده بالنصر والتمكين ووعده صادق لا يخلف وان تأخر وقوعه يقول عز من قائل (يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ويقول (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ويقول عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) .
نسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يحفظ العراق وأهله وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.
الرئيس عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وعضوية كل من المشايخ : صالح بن فوزان الفوزان، وعبدالله بن عبدالرحمن الغديان، وعبدالله بن محمد المطلق، وعبدالله بن علي الركبان، وأحمد بن علي سير المباركي(4).
2- سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله السؤال التالي : " تعلمون حفظكم الله الخطر المحدق بإخواننا المسلمين في العراق، حيث تحزبت أحزاب الصليب وتجمعت قوى الكفر مستهدفة إخواننا في العراق تحت ذرائع مختلفة يساندها في ذلك أولياؤهم من المنافقين، فما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في العراق ؟ وفقكم الله لكل خير ونفع بكم المسلمين؟ فأجاب بقوله : " إن الواجب أولاً على المسلمين تصحيح الإسلام، وتحقيق ما يدينون به من التوحيد والإخلاص لربهم سبحانه وتعالى، والابتعاد عن الكفر والشرك والبدع والمعاصي والمحرمات حتى ينصرهم الله تعالى ويخذل من عاداهم ، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ).
وثانياً : عليهم أن يطلبوا النصر من الله وينصروا دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يتحقق لهم النصر الذي وعدهم ربهم في قوله ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )، وقوله ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، وقوله ( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ )، وقوله ( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
وثالثاً : العلم بأن الذنوب سبب للخذلان ولتسليط الاعداء على المؤمنين، كما قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )، وقال تعالى ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )، وفي الحديث القدسي ( إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني )، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة ).
ونقول رابعاً : لا شك أن الكفار بعضهم أولياء بعض، وأنهم يتكالبون على المسلمين ويحاولون القضاء على الإسلام الذي ظهر أهله الأولون واستولوا على أغلب بقاع الارض فيجب على المسلمين في كل البلاد الإسلامية أن يقوموا لله مثنى وفرادى وأن يصدوا بقدر استطاعتهم هؤلاء الكفار ومن ساندهم من المنافقين حتى تنقطع أطماعهم ويرجعوا على أدبارهم.
ولا يجوز لمسلم أن يقوم معهم على المسلمين، ولا يمكنهم من الاحتلال والتملك لبقعة من بلاد الإسلام، فقد نفاهم الخلفاء الراشدون عن بلاد الإسلام ، ولم يتركوا لهم فيها مغز قنطار، فمن مكنهم أو شجعهم أو أعانهم على حرب المسلمين أو احتلال بلاد المسلمين كالعراق أو غيرها فقد أعان على هدم الإسلام وتقريب الكفار، ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم(5).
3- كما أصدر علماء ومشايخ الدعوة السلفية بالكويت بياناً حول هذه القضية جاء فيه تأكيد رفضهم : " إن الحرب ضد العراق «عدوانية وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة.
وأكد البيان رفضه الحرب العدوانية التي تقودها الولايات المتحدة على العراق متجاوزة بذلك ميثاق الامم المتحدة ومتحدية ارادة المجتمع الدولي بجميع منظماته.
كما دعا البيان منظمة دول المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية إلى تفعيل قراراتها الرافضة للعدوان الامريكي الذي سيكون كارثة يذهب ضحيته العراق شعباً وأرضاً، وبذل كل الجهد للحيلولة دون وقوعه.
ودعا البيان العالم الاسلامي حكومات وشعوباً إلى الوقوف صفاً واحداً لمواجهة الحملات العسكرية الصليبية الجديدة ومخططاتها الاستعمارية الرامية الى السيطرة على العالم الاسلامي وترتيب أوضاعه بما يحقق مصالحها والتحكم في ثرواته وفرض الثقافة الغربية وقيمها على المجتمعات الاسلامية تحت شعار مكافحة التطرف والإرهاب لتصادر حق شعوبه كما في أرض فلسطين في الاستقلال ومقاومة الاحتلال ولتأمين وحماية أمن اسرائيل وضمان تفوقها العسكري على حساب أمن شعوب المنطقة وحقوقها المشروعة.
كما دعا البيان إلى ضرورة ووجوب مد يد المساعدة للشعب العراقي والوقوف معه في محنته وحرمة المشاركة في الاعتداء عليه بأي شكل من أشكال المشاركة.
وحذر البيان عامة المسلمين من الالتفات الى الفتاوى المشبوهة التي يوظفها الاستعمار في خدمته لتسويغ مثل هذه الحرب الصليبية الاستعمارية التي سيكون لها أكبر الأثر وأخطره على حاضر العالم الاسلامي ومستقبله" انتهى مختصراً(6).
رابعاً : قضية البوسنة والهرسك.
ناشد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز المسلمين وطالبهم بنصرة إخوانهم في البوسنة والهرسك، وذكَّر حكام المسلمين بالمواثيق الدولية التي تمنح شعب البوسنة حقها كما في لوائح منظمة الأمم المتحدة فقال رحمه الله ” فالله الله أيها الحكام المسلمون، انصروا إخوانكم ، وقفوا في صفهم، وادفعوا العدوان عنهم ، وطالبوا المجتمع الدولي باستعمال نفوذه في إيقاف الصرب عن عدوانهم، وإنزال أشد العقوبات بهم حتى يقفوا عند حدهم، ويلتزموا بالمواثيق الدولية التي التزم بها المسلمون في البوسنة والهرسك(7)اهـ.
كما ناشد علماء المسلمين في العالم أجمع حكامهم للتدخل ومنع الصرب من الاعتداءات على إخواننا بالبوسنة مع المطالبة بفرض أشد العقوبات بهم حتى يقفوا عند حدهم.
خامساً : نصيحة العلماء لولاة الأمر وتحذيرهم من غضب الله ومقته.
وقد ذكرت نماذج من ذلك في مقال لي من هذه الدراسة بعنوان : " قول التكفيريين : علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة “، ومن هذه النماذج :
نشرت مجلة راية الإسلام كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال ” لقد أصيب العالم الإسلامي عامة وسكان الجزيرة العربية خاصة بسيل من الصحف التي تُحصِّل بين طياتها أشكالاً كثيرة من الصور الخليعة، المثيرة للشهوات، الجالبة للفسا ، الداعية للدعارة، الفاتنة للشباب والشابات، وكم حصل في ضمن ذلك من أنواع الفساد لكل من يطالع تلك الصور العارية وأشباهها، وكم شغف بها من الشباب من لا يحصى كثرة، وكم هلك بسمومها من شباب وفتيات استحسنوها ومالوا إليها وقلدوا أهلها، وكم في طيات تلك الصحف من مقالات إلحادية تنشر الأفكار المسمومة والقصائد الباطلة وتدعو إلى إنكار الأديان ومحاربة الإسلام … فالواجب على حكومتنا- وفقها الله- منع هذه الصحف منعاً باتاً لما فيها من الضرر الكبير على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ودينهم ودنياهم …فيا ولاة أمر المسلمين اتقوا الله في المسلمين وحاربوا هذه الصحف الهدامة”([8]).
ثانياً :
هذه رسالة خطية من المفتي العام جاء فيها “من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده، حفظكم الله : لا يخفى على سموكم أن الحكومة وفقها الله قد منعت الإعلان عن الدخان في الصحف وحذرت من التشجيع عليه وشددت في ذلك، وقد علمت هذه الأيام أن كثيراً من أهل البقالات وغيرهم يضعون لائحات تدعو إلى الدخان وتشجع عليه، كما علمت أن كثيراً من الصبيان وغيرهم يطوفون بالدخان على أبواب المسجد النبوي عند خروج الناس من الصلاة يدعون الناس إلى شراء الدخان ويشجعون على استعماله .
فأرجو من سموكم الكريم التأكيد على الجهات المختصة بمنع هذا وأمثاله والتشديد في ذلك، وفرض عقوبة على من يخالف الأوامر حماية للمسلمين من شر هذه الشجرة الخبيثة، وحفظا لدينهم وصحتهم وأموالهم"([9]).
ثالثاً :
قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : "فإذا عمل الحاكم بما يقتضي كفره أو فسقه , فلا يجوز أن يُدافع عنه([10])".
وقال رحمه الله : " ورب دعوة مظلوم تكون سببا لنكبة شعب, فالواجب على حكام المسلمين أن يتوبوا إلى الله من التعاون مع امريكا وروسيا على ضرب الدعاة إلى الله , فإنهم لا يضرُّون إلا أنفسهم , ولا يضرون الدعاة إلى الله شيئا , فهل استطاعت امريكا أن تدفع عن السادات شيئا ؟ ... واعلموا أن رعاياكم ليست عنكم راضية , لما ترى منكم من الإنحراف عن الدين , وإني والله ما أعلم شعبا راضيا عن حكامه وإن صفق لكم من صفق فإنه ما يصفق لكم إلا المصلحيون أو الهمج الرعاع أتباع كل ناعق([11])"اهـ.
رابعاً :
قال ابن عثيمين رحمه الله : ” الواجبُ على ولاة الأمور أن يُزيلوا الأذى عن طريق المسلمين، أي أن يُزيلوا كلّ داعية إلى شرّ، أو إلى إلحاد، أو إلى مجون، أو إلى فسوق ، بحيث يُمنع من نشر ما يُريد من أي شيء كان، من الشر والفساد، هذا هو الواجب ، لكن لا شك أن ولاة الأمور الذين ولاهم الله على المسلمين في بعضهم تقصير، وفي بعضهم تهاون، يتهاونون بالأمر في أوله حتى ينمو ويزداد، وحينئذ يعجزون عن صده وكفّه، فالواجب أن يُقابل الشر من أول أمره بقطع دابره، حتى لا ينتشر، ولا يُضل الناسُ به”([12]).
خامساً :
تحذير العلماء من العمل في المؤسسات الربوية التي في الدولة، فقد سئل شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان -عضو اللجنة الدائمة للإفتاء- هذا السؤال : أعملُ في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة،‏ فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة؟
فأجاب : “التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد‏،‏ ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا‏، ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان – والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ “‏لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه”([13])اهـ
سادسا :
لما اطلع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- على مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة رفض ما جاء فيها من بنود تتصادم مع الشريعة والفطرة والعقل السليم.
وقال سماحته : " وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية ، وأحكام ضالة في سبيل تحقيق ذلك ، منها : الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين ، والدعوة إلى الإباحية باسم : الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة ، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين ، وأن الدين عائق دون المساواة . إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر والضلال المبين ، والكيد للإسلام وللمسلمين ، بل للبشرية بأجمعها وسلخها من العفة ، والحياء، والكرامة.
لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين ، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الفاجر، وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين([14]).
وكل ما سبق من النماذج فهو عبارة عن غيض من فيض، ولو جمعنا كل فتاوى وندوات ومحاضرات ومقالات وبيانات علماء ودعاة أهل السنة والجماعة في السعودية واليمن ومصر ودول الشام والعراق وبلاد المغرب وغيرها من بلدان العالم الإسلامي لكانت مجلدات تزخر بمواقف علماء الأمة من قضايا المسلمين المختلفة كلما طرأت، بل يصعب جمعها كلها لكثرتها.
ورغم كل ذلك لا زالت التهم والطعون في علماء الأمة تتوالى، وهناك آذان صاغية تتلقفها، لا همَّ لها سوى تريد ما تسمع دون مراقبة الحي القيوم، وإلى الله وحده المشتكى.
فما أسهل التهم التي لا تحتاج إلى مزيد علم، والتي هي من الغيبة وظلم العلماء بغير حق شرعي.
ومما لا شك فيه : أن منها ما يكون بسبب سوء فهم، ومنها بسبب سوء تلقي، والبعض الآخر مما علق في أذهان العوام أتباع كل زاعق وناعق، ومنها ما هو بسبب المندسين في صفوف المسلمين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ” غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه، لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية”([15]).
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــ
[1] فتوى صوتية مسجلة بصوت الشيخ صالح الفوزان، تم تسجيلها بمكة بتاريخ 9-8-1433هـ.
[2] فتوى بصوت الشيخ سعد الشثري، تم تسجيلها من خلال برنامج شرعي.
[3] بيان صادر عن الرابطة بتاريخ 7/8/1433هــ.
[4] تم نشر البيان في جريدة الجزيرة السعودية اليومية، العدد 11522، يوم الخميس، بتاريخ : 25/ 2 / 1425هـ.
[5] فتوى مكتوبة بخط الشيخ الجبرين بتاريخ 10/1/1424هـ.
[6] تم نشر البيان في جريدة الوطن الكويتية بتاريخ 12/3/2003م.
[7] كلمة لابن باز بعنوان ” دعوة إلى المبادرة بإسعاف المسلمين في البوسنة والهرسك” كما في فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (8/224 وما بعدها).
[8] المصدر السابق ، (4 /203).
[9] المصدر السابق ، (6 /400).
[10] المخرج من الفتنة للوادعي (ص136).
[11] المصدر السابق (ص277-278).
[12] شرح ” رياض الصالحين ” لابن عثيمين ( 3/211-212).
[13] المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان (4/148)، والحديث صحيح لغيره ، أخرجه أحمد في مسنده رقم(3725) وغيره.
[14] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، والمقال كان رداً على مؤتمر بكين للمرأة عام 1416هـ ، (9 /203).
[15] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ( 1/255-256).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 09-09-2017, 10:05 AM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قولهم:إن قتل المجاهدين لرجال الأمن في الدو الإسلامية إنما هو من باب دفع الصائل

قول الخوارج : “ما يقوم به المجاهدون داخل الدول العربية والاسلامية من قتلٍ لرجال الأمن إنما هو من باب دفع الصائل ( يعني دفع المعتدي)، والصائل يجوز قتله حتى لو كان مسلماً كما نص على ذلك الفقهاء”
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (16)


الجواب على هذه الشبهة : أن كلامهم يوحي بأنهم يعتقدون كفر حكام الدول العربية والإسلامية بلا استثناء، فإن من يقول : بجواز قتل رجال أمن الدولة لدفع الصائل يشير إلى أن رجال الأمن يقفون أمامهم كي لا تسقط خلافة الوالي بحجة كفره، وقد صرحوا بكفر حكام المسلمين في أكثر من مقام، وبحجة أنها أصبحت بلاد كفر لا إسلام بزعمهم.
وهذا القول ذريعة لتبرير القتل وأن رجال الأمن يدافعون عن ظلم أو كفر، ثم إنهم قالوا لا ضمان في القتل، بل جائز عندهم لدفع الصائل، وقالوا إن قُتِل المصول عليه فهو شهيد ليغرروا بالشباب لحب الشهادة، وهذا فهم خطأ، لماذا؟
الجواب : لأن الصائل من يترتب على بقائه أذى، ورجال الأمن يترتب على بقائهم الأمن والاستقرار والسلامة والأمان للمواطن والوطن.
قال في الروض المربع: ” فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل فله -أي للمصول عليه- ذلك، أي قتل الصائل ولا ضمان عليه، لأنه قتله لدفع شره، وإن قتل المصول عليه فهو شهيد لقوله صلى الله عليه وسلم : ” من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد “([1]) رواه الخلال ، ويلزمه الدفع عن نفسه في غير فتنة لقوله تعالى : ” وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ “([2]) ، وكذا يلزمه الدفع في غير فتنة عن نفس غيره وعن حرمته وحرمة غيره، لئلا تذهب الأنفس دون ماله فلا يلزمه الدفع عنه ولا حفظُه عن الضياع والهلاك “([3]).
وقال ابن عثيمين: “وأما قتل الساحر، فإن كان سحره كفراً ؛ قتل ردة، إلا أن يتوب على القول بقبول توبته، وهو الصحيح ، وإن كان سحره دون الكفر؛ قُتِلَ قَتْلَ الصائل؛ أي: قُتِلَ لدفع أذاه وفساده في الأرض “([4]).
ولا شك أن هؤلاء الشباب بسبب سوء فهمهم لفقه الصائل والمصول عليه تولوا جرائم عديدة منها :
أولاً : قتل الأبرياء من رجال الأمن وغيرهم من موظفي الدولة والمدنيين.
وفي الحديث: ” لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق لدينه التارك للجماعة”([5]).
وقال صلى الله عليه وسلم ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً “([6]).
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء”([7]).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما ” إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله “([8]).
ثانياً : أنهم روعوا الآمنين بأفعالهم الطائشة، وهذا حرام لا يجوز، وقد جاء في حديث ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً “([9]).
قال المناوي : ” لا يحل لمسلم أن يروع (بالتشديد أي: يفزع) مسلماً ” وإن كان هازلاً كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه فيفزع لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”([10])اهـ
ثالثاً : أنهم حاربوا دولة الحرمين وشوهوا سمعتها مواكبةً للرافضة والمبغضين لعلماء التوحيد والسنة.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن من حولنا : مصر؟ ، الشام؟، العراق؟! ، من يدعو إلى التوحيد الآن؟ ويحكم شريعة الله؟ ويهدم القبور التي تعبد من دون الله مَنْ ؟! أين هم ؟! أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة ؟! غير هذه الدولة “([11]).
قلت : ولا يعني ذلك سلامة ولاة الأمر في المملكة من الخطأ والذنوب، فإن الخطأ شئ يلزم فيه نصح ولاة الأمر، وكون المملكة تطبق أحكام الشرع في محاكمها وتمنع الرشاوي شئ آخر تُشكر عليه.
رابعاً : أن فعلهم هذا خروج على ولاة أمر المسلمين.
وقد جاء في حديث عبادة بن الصامت قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا ” أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان “([12]).
وقد بسطت هذه المسالة في اكثر من موضع من هذه الدراسة وغيرها، وذكرت ان الخروج على ولاة امر المسلمين لا يؤدي إلا إلى أشر منه من سفك الدماء وخراب الديار، وهذا ما نعايشه اليوم وأن النصيحة لهم والسعي لاصلاحهم بالعلم والحلم والحكمة واصلاح من في السلطة طريقة العلماء الربانيين قديما وحديثا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير؛ كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا ، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة ; فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا. والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم.
وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كله .
وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر :
عوى الذئبُ فاستأنسْتُ بالذئْبِ إذْ عَوَى وصوَّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
“أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء”([13]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه أبو داود في سننه (2/660) وغيره من حديث عبد الله بن عمرو ، والحديث صحيح.
[2] سورة البقرة ، الآية رقم (195).
[3] الروض المربع للبهوتي ص (677) .
[4] فتاوى ورسائل ابن عثيمين (9/490).
[5] متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
[6] أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6469) من حديث عبد الله بن عمر.
[7] متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
[8] أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6470).
[9] أخرجه أبو داود في سننه (2/719) وغيره ، والحديث صحيح.
[10] فيض القدير للمناوي (6/447).
[11] شريط صوتي لابن باز بعنوان ” أهداف الحملات الإعلامية ضد حكام وعلماء بلاد الحرمين”.
[12] متفق عليه.
[13] منهاج السنة لابن تيمية ( 4 / 527-531).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09-12-2017, 11:23 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي حكم ” العمليات الانتحارية أو ما تسمى بالاستشهادية

حكم ” العمليات الانتحارية أو ما تسمى بالاستشهادية أو الفدائية“

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)

الحلقة (17)


العمليات الاستشهادية من الامور المحدثة التي لا صلة لها بالدين، بل لا يوجد في الأحكام الفقهية الشرعية مسمى “العمليات الاستشهادية” ، والمعهود في الفقه الإسلامي هو القتال أو الجهاد في سبيل الله ، ويقال للمقتول في سبيل الله : ” شهيد” أو: قتل في سبيل الله، نحسبه كذلك والله حسيبه.

أما هذه العمليات فيقال للمقتول فيها: ” منتحر” بدليل أنه قتل نفسه ، ولم يقتله العدو بخلاف الشهيد، والأولى أن يقال عنها: ” العمليات الانتحارية ” وهذا ما يناسبها لغةً وشرعاً.

فإننا لو رجعنا إلى اللغة العربية والاصطلاح الشرعي لوجدنا أن معنى " منتحر " على وزن مفتعل بمعنى فاعل، أي قاتل لنفسه متعمداً لجزع أو خلاصٍ من الدنيا، وإذا رجعنا إلى تعريف " مقتول في سبيل الله " لوجدناه على وزن مفعول بمعنى هناك آخر قتله، ومثله لو قلنا شهيد، على وزن فعيل، صيغة مبالغة من مفعول بمعنى أنه جاهد حتى قتله غيره *في سبيل الله لنيل رضا الله وجنته.

ومن التعريفين نجد الفرق جلياً في الآتي :

أولاً : أن المنتحر لغة على وزن مفتعل بمعنى فاعل، أي قاتل لنفسه، ولذا حكمنا على العمليات الانتحارية بأنها انتحار من هذه الناحية اللغوية، بينما من قُتل في سبيل الله يقال فيه لغةً مقتول على وزن مفعول بمعنى هناك آخر قتله، كما يقال له أيضاً شهيد، على وزن فعيل، صيغة مبالغة من مفعول بمعنى أنه جاهد حتى قُتِل في سبيل الله وصار مقتولاً بفعل فاعل من الأعداء، والفرق واضح جلي من الناحية اللغوية.

ثانياً : أن المنتحر يكون متعمداً قتل نفسه ابتداء ويتأهب لقتل نفسه باختياره، بينما من قتل في سبيل الله لا يتعمد قتل نفسه البتة، وإنما يقاتل في سبيل الله، وقد ينغمس في الكفار بسلاحه لا بنية أن يقتله العدو ولكن بنية قتال العدو فإن قتل فهو شهيد نحسبه كذلك والله حسيبه، بينما من قتل نفسه منتحراً متعمداً وسط العدو فهو قاتلها ولم يقتله العدو، ولذا حكمنا على العمليات الانتحارية بأنها انتحار من هذه الناحية الشرعية.

لكن عند هؤلاء القوم شبهة وهي أنهم يقولون إن قاتل نفسه في العمليات الانتحارية لم يقصدها جزعاً ولا خلاصاً من الموت، وإنما قصد أنه يفدي نفسه ويضحي بها لله وفي الله، فالجواب : ليس من عمل شيئاً بنية حسنة قلنا قد أصاب، فقد يعمل الشخص منا العمل بنية حسنة فيضر غيره بغير قصد، فهل نيته الحسنة حجة له وشافعة له أما أنه محاسب على الجرم الذي لم يقصده؟ مثل شخص حفرَ بئراً على الطريق لأجل أن تكون سبيلاً للشرب، فمر أقوام في طريقهم آمنين فسقطوا في هذه البئر فماتوا أو مات بعضهم، فهل نقول ليس على من حفرها جرم لأن نيته حسنة أم لا بد من محاسبته؟، لا شك أنه لا بد من محاسبته، ومطالبة القضاء بمحاكمته، رغم أنه على نية حسنة، وقد جاء في الأثر الصحيح الذي أخرجه الدارمي وابن أبي شيبة لما أنكر ابن مسعود على الخوارج بعض أفعالهم في المسجد ومعهم حصى، قالوا لابن مسعود : " والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير، فرد عليهم ابن مسعود بقوله : " وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه، إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، وايمُ الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثم تولَّى عنهم.

*فقال عمرو بن سلَمة : رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يُطاعِنُوننا يوم النهروان مع الخوارج".

وقد اتفق العلماء أن مجرد حسن النية لا يكون مبرراً شرعياً لأي عمل قام على قصد حسن.

فما بالكم والنصوص في باب الدماء شديدة وخصوصاً فيما نحن بصدده، ولا يقول قائل نصوص الانتحار في الكتاب والسنة تختلف صورتها عن حمل متفجرات وعن الانغماس في العدو بالمتفجرات، والجواب : أننا لا ننظر إلى عصر النبوة ونقارنه بعصرنا في المتشابهات، فذاك زمان لا متفجرات فيه ولا طائرات ولا دبابات، لكن النظر في القضايا كما تقدم نظرٌ شرعي لا يستلزم منه اتحاد الصور، فالعلة أن صاحب هذه العمليات الانتحارية يقتل نفسه وكذلك من انتحر يقتل نفسه، فلا يقول لي قائل هات من القرآن والسنة دليلاً على أن المخدرات حرام لأن الاتفاق بين المخدرات والخمر منوط بعلة الاسكار، وهكذا تُبنى المسائل في الفقه الشرعي.

وإليكم بعض الأدلة في حكم من قتل نفسه متعمداً :

جاء في الحديث المتفق عليه ” من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدتُه في يده يُجأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً”.

وفي لفظ للبخاري ” ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة “.

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً فجز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات ، قال تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة “ متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”* الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار" متفق عليه.

وهذه الأدلة تثبت قطعاً أن العمليات الانتحارية عملٌ غير شرعي ، وأن القائم بذلك قاتل لنفسه مستحق للوعيد إلا أن يتغمده الله برحمة منه وفضل.

قال الله تعالى ” وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً “.

وقال سبحانه ” وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ “.

قال البيضاوي في تفسيره (ص444) : “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ” إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمداً"اهـ.

ثم حفظ النفس من الضروريات الخمس ويحرم بالأدلة القاطعة إزهاق الأرواح متعمداً، بينما النكاية بالعدو والجهاد في سبيل الله أمر مندوب، وفي حالة وجوب الجهاد في بعض المواطن فإنه لا يحل إزهاق الروح مقابل النكاية بالعدو، فإن النكاية وقتل بعض الكفار محبب شرعاً بينما حفظ النفس من الضروريات الخمس ومن أوجب الواجبات.

وشئ آخر شرعي وهو : لو اجتمع أمر فيه وعد بثواب الآخرة كالنكاية بالعدو وقتل كافر فأكثر، وآخر فيه تهديد بعذاب أليم كقتل النفس فإننا نقدم العمل بأدلة الوعيد على ادلة الترغيب لأن الوعيد يبني عليه عذاب شديد، وأما الوعد بثواب الآخرة لو تركناه فإنه يحل غيره من الصالحات التي لا تتصادم مع أدلة وعيد النار.

ورغم ما تبين من البيان الشرعي الآنف الذكر بأدلته الصحيحة، وعليه كبار علماء الأمة في العصر الحديث كابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي والفوزان واللحيدان وعبد المحسن العباد والنجمي وغيرهم من كبار العلماء، إلا أن هناك من أهل العلم من أجازها إذا ثبت أن فيها تخفيفاً عن أمة الإسلام ومن ذلك فتوى شيخنا عبد الله الجبرين كما سيأتي، وهناك من أطلق الجواز كالشيخ ابن منيع، وكبعض الدعاة الذين يعتمد على فتاواهم بعض التنظيمات الجهادية [ الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة] ومن هؤلاء المشايخ الشيخ حمود العقلاء والشيخ سليمان العلوان وبعض الدعاة في بعض الأقطار الاسلامية.

والقضية شرعية، وليست قضية أن كل طرف يجمع له بعض الأحاديث والآثار الصحيحة والضعيفة ويحشرها ليقوي ما يوافق هواه أو ما يراه، بل الواجب هو التسليم للشرع، واختيار أسلم القولين وأحوطهما عند الاختلاف، فإن الانتصار للنفس على حساب الشرع دون النظر في عواقب الأمور الدنيوية والأخروية منعطف خطير ينتهي بالضلال المبين، وشئ آخر لا ينبغي لمن خالفك في الترجيح أن تتهمه وتطعن في عرضه وتصفه بأقبح القبائح لكونه رجح وقوى حكماً شرعياً عليه طائفة من كبار علماء الأمة المعتمدين في الفتوى، فليس المسلم بالطعان واللعان ولا الفاحش البذي، ثم المخالف يلزمه أن يناقش الطرح والنصوص لا أن يتقوى بقول فلان وعلان من المشايخ لأن التنازع لا بد أن ينتهي حكمه في نهاية المطاف إلى أدلة الكتاب والسنة لا إلى كلام من خالفهما من المشايخ، ولا إلى مجموعة من الأحاديث والأثار التي هي إما ضعيفة من حيث الرواية أو صحيحة لا تفيد المطلوب، ثم إن حشر الأثار والقصص سواء كانت صحيحة أو ضعيفة الاسناد لا يجوز الاعتماد عليها في قضايا الدماء التي حفظها من الضروريات الخمس، بل لا بد من دليل صحيح من الكتاب والسنة لا يحتمل غيره، فإن احتمل غيره أخذنا بالأحوط والأسلم والأبرأ للذمة فإن الأخذ بالأحوط *علامة من علامات الإيمان والتقوى، وقد كان الصحابة يبتعدون عن مواطن الفتوى إلا ما لا بد منه بخلاف زماننا هذا.

وسأذكر فيما يلي كل ما وقفت عليه من الأدلة التي ذكرها هؤلاء المجيزون سواء كانوا مشايخ أو كانوا شباباً في التنظيمات الجهادية، فإن من العجب العجاب تسرع بعض الشباب الذين يكتبون على الانترنت وبفتون دون أن يتقيدوا بضوابط وقواعد الشريعة، وبعضهم لا يحسن الإملاء|، ناهيكم عن خوضه في مسائل الدماء التي فيها الجمر تحت الرماد، أما غيرهم من المشايخ فعادة ما يستدل بدليل أو اثنين أو ثلاثة ويكتفي معتمداً على ذلك في فتواه كما فعل شيخنا ابن جبرين وابن المنيع وغيرهما.

وإليكم ما قاله هؤلاء المجيزون والجواب على أدلتهم باختلاف مشاربهم سواء كانوا شيوخاً أو شباباً متحمسين، وسأقسم أدلتهم على قسمين :

القسم الأول الأدلة من القرآن الكريم، وهي كالتالي :

الدليل الأول :

قوله تعالى " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ".

حيث قال بعضهم : أنزلها عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال كما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، كذا في تفسير القرطبي (2 / 361 ).

والجواب : لو تركنا تفسيرها على ما حمله الجمهور من السلف والخلف في باب الجهاد، وقلنا هي محصورة بتفسير عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وقلنا هي خاصة على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك، لكان كلامهم بمعنى الانغماس في العدو،* وهذا قول نقوله ونسلم له، ولا نختلف فيه، لكن الانغماس في العدو لا يقتل المنغمس فيه نفسه، وإنما يقتله العدو بخلاف هذه العمليات الانتحارية، فإن الفدائي المنتحر يتعمد قتل نفسه.

ولذا يجوز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، بشرط ألا يتعمد قتل نفسه كما يفعل هؤلاء المتعجلون اليوم في العلميات الانتحارية.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/166) : "الصحيح جواز إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثير من الكفار؛ لأن فيه أربعة أوجه:

الأول : طلب الشهادة ، الثاني : وجود النكاية ، الثالث : تجرئة المسلمين عليهم ، الرابع : ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنيع واحد منهم فما ظنك بالجميع"اهـ

الدليل الثاني :

قوله تعالى : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون".

حيث قال بعضهم : قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله.

والجواب : نعم الآية تحمل على كل مجاهد يقاتل العدو، بشرط ألا يفجر نفسه فإن فعل فهو منتحر.

الدليل الثالث :

قوله تعالى : " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

حيث قال بعضهم : والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم.

والجواب : أن العمليات الانتحارية ليست من القوة المشروعة، بل من الفتنة التي تتسبب في أشر منها، وأيضاً أن فاعلها يقتل نفسه متعمداً.

الدليل لرابع :

قال تعالى في الناقضين للعهود : " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ".

والجواب : أن قاتل نفسه في العمليات الانتحارية لا يشرد بالعدو بل يخيفهم ويقتل منهم فينتقمون في المسلمين بأشر مما فعل كما هو مشاهد وتقدم وسيأتي إيضاح ذلك في مواضع متعددة.

القسم الثاني الأدلة من السنة والآثار وأقوال العلماء، وهي كالتالي :

الدليل الأول :

استدلوا بما أخرجه ابن حبان في السيرة (ص315) : " أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث زيد بن حارثة إلى مؤتة ناحية الشام ، وتجهز الناس معه فخرج معه قريباً من ثلاثة آلاف من المسلمين، ومضى حتى نزل معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم، فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم من أجلها- الشهادة -، ولا نقاتل الناس بعدد ولا قوة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين- إما ظهور، وإما شهادة، فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة، ثم رحلوا، والتقى الناس فاقتتلوا قتالاً شديداً .. فأخذ خالد الراية ودافع القوم وحاشى بهم، ثم انصرف بالناس فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قبل أن يجيء خبرهم، وقدم خالد بن الوليد بالمسلمين فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون والصبيان يحثون على الجيش التراب ويقولون : أفررتم في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”.

ولم أجد سندا صحيحاً لحديث : ” ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”، مع صحة القصة في الجملة.

حيث ادعى هؤلاء المجيزون أن الصحابة أقدموا على القتال طمعاً في الشهادة وهذا تعرض للموت.

والجواب من جهتين :

الأولى : أن الصحابة اقتنعوا برأي ابن رواحة في بداية الأمر ورضيه أميرهم زيد بن حارثه فلما حمي الوطيس ورأى خالد خطر ذلك على المسلمين -وقد انتهت إليه إمرة الجيش- صرف الجيش عن القتال فوافقه المقاتلون وأطاعوا أمره، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاه وأثنى على هذا الصنيع – وإن كان في صحته نظر – بقوله ” ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون”.

ولو كان رأي ابن رواحة صائباً لعنف على خالد رضي الله عنه، لكنه عليه الصلاة والسلام شهد لابن رواحة ومن معه من القتلى بالشهادة؛ لكونهم اجتهدوا بما رأوه في أول الأمر.

الثانية : أن الذين قُتِلوا كانوا بسلاح العدو، وأما العمليات الانتحارية فإن القاتل هو المنتحر وليس العدو.

الدليل الثاني :

استدلوا بما أخرجه مسلم في صحيحه (3/1503) من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” مِنْ خيرِ معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيْعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانُه “.

والجواب أن معنى الحديث : أنه يطلب الموت في سبيل الله بحقه المشروع الذي شرعه الله في مواطن القتال لا أنه يتسبب في قتل نفسه.

ولذا قال النووي كما في شرح صحيح مسلم (13/34) : ومعنى يبتغى القتل مظانه يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها؛ لشدة رغبته في الشهادة”.

الدليل الثالث :

استدلوا أخرجه أحمد في مسنده رقم (3251) وغيره : " أن علي بن أبي طالب بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة إلى المدينة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد الله مكرهم”.

والجواب أن هذا الحديث : لا يصح بل رواياته كلها واهية ، لا ترتقي إلى درجة الثبوت، وعلى فرض ثبوته كما ادعاه الحافظ في الفتح (7/184) فإنه يجاب عليه : أن علي بن أبي طالب بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليفتدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، مع احتمال أن قريشاً لن تقتله حتى تتيقن من أن النائم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا عين ما كان من قريش كما في رواية هذا الحديث، على أن علي بن أبي طالب لم ينتحر كما في العمليات الانتحارية.

الدليل الرابع :

استدلوا بما أخرجه البخاري في صحيحه برقم (5686) من حديث أنس –رضي الله عنه- قال: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول : لم تراعوا لم تراعوا ، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف”.

والجواب : أن فيه دلالة على المسارعة لسد الثغور وحماية البلد من العدو وتتبع أمر الغارات، وليس فيه أنه ألقى بنفسه في أحضان العدو.

الدليل الخامس :

استدلوا بأن رسول صلى الله عليه وسلم احتمى بالصحابة يوم أحد ولم ينكر ذلك، ومن ذلك حماية أبي دجانة للرسول بنفسه، ويؤكد ذلك قول أبي طلحة للرسول صلى الله عليه وسلم: " نحري دون نحرك " كما في الصحيحين وغيرهما، وكان يقي رسول الله* بنحره ويتطاول في ذلك، بل دافع عنه حتى شلت يده.

والجواب : أن حماية قادة المعارك أمر مشروع ومطلوب بحيث يكون الحماة في وجه العدو والقائد المحمي خلف الحماة، وهذا شئ آخر لا علاقة له بقتل النفس عمداً، وغايته أن الحامي لقائده عبارة عن شخص مدافع، وعند لقاء العدو فسيقاتله قطعاً ولن يقتل نفسه متعمداً|، ولن يسعى في ذلك إلا أن يبارزه العدو فيقتله أو يرميه عن بُعد.

الدليل السادس :

استدلوا بما أخرجه ابن السكن عن عكاشة الغنمي أنه وقى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهبت أنفه وشفتاه وحاجباه وأذناه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنت المجدع في الله “.

كذا في الإصابة لابن حجر(4/441) بسند ابن السكن ، وفي إسناده : من لا يعرف ، فلا يصح هذا الحديث.

ولو صح لحمل على ما سبق من الدليل الخامس.

الدليل السابع :

استدل بعضهم بما أخرجه مسلم في صحيحه من قصة أصحاب الأخدود وفيها قوله : " ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك، فأبى، ... إلى قول الغلام للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال : وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال : بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس : آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرمت النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق ".

وعند أحمد في مسنده (1/ 310) بإسناد لا بأس به* : " فقال : " يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت".

حيث قالوا :* في هذا الحديث دلالة على أن الغلام أمر بقتل نفسه فداءً للدين، ولم يسم منتحراً، وأن الله أنطق الطفل ليأمر أمه بالاقتحام في النار، ولو كان في قتل النفس للدين أي محظور لنبه النبي عليه الصلاة والسلام أثناء قصَّه القصة للصحابة على هذا المحظور، وقصة الغلام وشرحه للملك بقتل نفسه وكذا إنطاق الطفل إلا آية لبيان جواز هذا الفعل، ثم قالوا : إن المرأة في هذه القصة ومن كان من أهل الأخدود الذين اقتحموا النار لم يُدخَلوا إلى النار بالقوة وبالمعالجة، بل ذهبوا طوعاً حتى دخلوا النار وباشروها.

والجواب : أن هذا شرع من قبلنا وليس بشرع لنا إلا بدليل لأن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع إلا ما دلت عليه القرائن من الكتاب والسنة أنه شرع لنا، وقد دلت القرائن التي سبق بسطها على حرمة قتل النفس بغير حق، وعلى ذلك فإنطاق الصبي باقتحام النار وذهاب المرأة وغيرها ممن ذهب النار طوعاً كما في الحديث الطويل، ومثل ذلك قصة الغلام وشرحه للملك بقتل نفسه، كل ذلك دلالة لما كان في شرع من سبق وليس لما هو في شريعة الاسلام، ثم لا نتمسك بنص هذا الحديث ونقول سكوت النبي عليه الصلاة والسلام وهو يحكي القصة مع عدم بيانه بعد ذكر القصة دليل على إقراره متضمناً الثناء، هذا فهم خطأ واستنباط بعيد يتعارض مع النصوص الشرعية التي تقدم ذكرها، وهي في مسألة عظيمة من الضروريات الخمس التي منها حفظ النفس.

وبذا نقول إن تحريم قتل النفس جاء بأدلة منفصلة عن هذا الحديث، ولا يلزم أن يكون الحكم مبيناً في سياق ذكر قصة كانت في قوم بني إسرائيل.

ثم لا يكون شرع ما قبلنا حجة لنا إلا في مسألتين :

الأولى : إذا وافق شرعنا، والثانية : إذا لم يخالف شرعنا.

ومعنى ذلك أنه لو وافق شرعنا أو لم يخالفه فالحجة في شرعنا الناسخ لما قبله.

قال الله تعالى : " وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ".

وقال تعالى :* " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال* : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".

وأخرج أحمد في مسنده بسنده عن عبد الله بن ثابت قال : " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إني مررت بأخ لي من قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، قال : فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين".

فهذه أدلة وغيرها كثير تؤكد أن أحكام من قبلنا منسوخة وليست شرعاً لنا، وأن ما وافق شرعنا أو لم يخالفه، دلالة على أن العمل بشرعنا دون غيره.

الدليل الثامن :

استدل بعضهم أخرجه البخاري وغيره في قصة السرية التي أمَّر عليها عاصم بن ثابت حيث " أحاط بهم القوم، فقالوا : لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحداً، قال عاصم بن ثابت أمير السرية، أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصماً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة ".

حيث قالوا : الشاهد في الحديث قوله " فجروه وعالجوه فأبى فقتلوه " أي لم يستسلم لهم وينقاد.

والجواب : إنه لم يقتل نفسه ولكنه ثبت وصبر بعدما رأى ما حصل مع ذي قبله، فخشي الغدر فاجتهد رضي الله فكان مصيره القتل من الكفار، فهم من قتلوه، ولم يقصد رضي الله أن يتسبب في قتل نفسه لأنه لا يعلم ما مصيره، إذ ذلك من علم الغيب.

الدليل التاسع :

استدل بعضهم بما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 100)، قال : قال الشافعي رضي الله عنه "تخلف رجل من الأنصار عن أصحاب بئر معونة، فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه، فقال لعمرو بن أمية، سأقدم على هؤلاء العدو، فيقتلوني، ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل، فقتل، فرجع عمرو بن أمية، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً، ويقال: قال لعمرو : فهلا تقدمت؟".

ثم قالوا : قوله " سأقدم على هؤلاء العدو، فيقتلوني " أي ليس له هدف النكاية بالقوم ولا الدفاع عن أصحابه بل مجرد القتل في سبيل الله.

والجواب : أن هذا حديث ضعيف جداً، وذلك أنه سقط من إسناده من حدث عنه الشافعي، وربما سقط منه أيضاً شيخ شيخ الشافعي، فهو مرسل لا يصح بحال.

الدليل العاشر :

ما أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

حيث قالوا : عرَّض نفسه للقتل لأجل كلمة الحق.

والجواب : هذا حديث حسن إن شاء الله، وقد قُتل من كان كذلك مجاهداً في سبيل الله لأجل كلمة الحق، وفيه دلالة على جواز قول الحق أمام السلاطين الظلمة، وليس في الحديث أنه جاء لينتحر في سبيل الله، بل مفاده أنه جاء ناصحاً، والنصيحة من الدين، فمن نصح لدين الله فقتله المنصوح فلا يعني أنه انتحر في سبيل الله، بل قتل مجاهدا وفي قتله مصلحة لدين الله كما قال ابن تيمية وغيره، ولذا فهو ناصح كغيره من الناصحين، وليس كل من نصح السلطان قتله السلطان الظالم، وليس كل من قتله السلطان الظالم جاء متعمداً لأجل يقتل نفسه في سبيل الله.

فكيف نستدل بهذا الحديث على جواز الانتحار في سبيل الله؟!!، " إن هذا لشئ عجاب".

الدليل الحادي عشر :

استدل بعضهم بما أخرجه الترمذي في جامعه برقم (2570) وغيره ، والحديث حسن لغيره إن شاء الله عن أبي ذر –رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” ثلاثة يحبهم الله ، وذكر منهم فقال : ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له”.

والجواب على هذا الحديث : أن فيه جواز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، وليس فيه أنه قتل نفسه بنفسه كما في العمليات الانتحارية.

قال النووي في شرح مسلم ( 13 / 46 ) : " فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء"اهـ

ونقل القرطبي في تفسيره (2 / 364 ) *: " جوازه عن بعض علماء المالكية حتى قال بعضهم : إن حمل على المائة أو جملة العسكر ونحوه وعلم وغلب على ظنه أنه يقتل ولكن سينكي نكاية أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، ونقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قال : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو"اهـ

فالانغماس في صفوف العدو جائز للمنغمس لأجل أن يقاتل بسلاحه، وهو أمر محبب شرعاً لمن هو أهل لذلك من أهل الشجاعة والاقدام، بل نقل النووي وغيره الاجماع على جواز ذلك كما سيأتي، وهو يختلف تماماً عن قضية العمليات الانتحارية التي يتأهب الرجل لها وهو يعلم أنه سيقتل نفسه لا محالة *قبل أن يفجر نفسه في العدو.

ومثل ذلك أيضاً يحمل ما يلي من الأدلة الآتية الذكر :

الدليل الثاني عشر :

ما فعله هشام بن عامر الأنصاري كما يُروى عنه أنه لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس، وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، كما في مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) وسنن البيهقي ( 9 / 46 )، وكان ذلك في غزوة كابل.

الدليل الثالث عشر :

حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " خير رجّالتنا سلمة " متفق عليه.

الدليل الرابع عشر :

حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين، ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 /545 )، ولا يصح إسناد القصة.

الدليل الخامس عشر :

ما فعله عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 / 555 )، ولا يصح اسناد القصة.

الدليل السادس عشر :

ما نقله البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف، فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل" واسناد القصة صحيح.

الدليل السابع عشر :

قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : " واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل" متفق عليه.

فكل ما تقدم في الفقرات " الثاني عشر وما بعدها إلى السابع عشر"

*يدل على الاقدام والحمل على العدو وليس في أي دليل مما سبق ما يدل على أن المنغمس يتعمد قتل نفسه مقابل أن يقتل جمعاً من الكفار.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/166) : "الصحيح جواز إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثير من الكفار؛ لأن فيه أربعة أوجه:

الأول : طلب الشهادة ، الثاني : وجود النكاية ، الثالث : تجرئة المسلمين عليهم ، الرابع : ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنيع واحد منهم فما ظنك بالجميع"اهـ

وقال ابن كثير في تفسيره (1/332) : " لما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما وتلوا هذه الاية ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"اهـ.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/ 279)* : " وأما قوله أريد أن أقتل نفسي في الله، فهذا كلام مجمل فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك كالذي يحمل على الصف وحده حملا فيه منفعة للمسلمين وقد اعتقد أنه يقتل، فهذا حسن وفي مثله أنزل الله قوله: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"،* ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام،* وقد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلا حمل على العدو وحده فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا ولكنه ممن قال الله فيه " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد"، وأما إذا فعل ما لم يؤمر به حتى أهلك نفسه، فهذا ظالم متعد بذلك مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد بماء بارد يغلب على ظنه أنه يقتله، أو يصوم في رمضان صوماً يفضي إلى هلاكه، فهذا لا يجوز فكيف في غير رمضان فقد روى أبو داود في سننه في قصة الرجل الذي أصابته جراحة فاستفتى من كان معه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا لا نجد لك رخصة، فاغتسل فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " قتلوه قتلهم الله، هلا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال" اهــ

وقال رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (3/554) : " ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر"اهـ

وقال ابن النحاس كما في مشارع الأشواق ( 1 / 540 ) : " وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون" اهـ.

وقد تقدم معنا أن الحمل هو " الانغماس في صفوف العدو" بحيث لا يقتل المنغمس *نفسه ولا يتعمد ذلك وإنما هو اقدام قتالي يقاتل بسلاحه بخلاف العمليات الانتحارية التي يقتل الفدائي نفسها فيها متعمداً.

الدليل الثامن عشر :

استدل بعضهم بما جاء في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: " على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت".

والجواب : أن معنى الموت الجهاد في سبيل الله، ولو أدى ذلك إلى الموت بالطريقة الشرعية التي لا انتحار فيها، وليس معنى الموت هنا الانتحار في سبيله كما فهمه بعض هؤلاء.

الدليل تاسع عشر :

استدلوا بالحديث الذي ثبت عند أبي دود وغيره من قصة أبي بصير حيث جاء فيها : " أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً يوم الحديبية على أن يرد إليهم من أسلم منهم وقدم إليه، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ، فنـزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداًَ، فاستله الآخر فقال : أجل والله إنه لجيد، لقد جربتُ به ثم جربت به، ثم جربت به.

فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه : لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم،* قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم؛ فخرج حتى أتى سيف البحر، قال وينقلب منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بـأبي بصير ، فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق بـأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم".

حيث فهم بعضهم : أن أبا بصير عرّض نفسه للموت منفرداً مع رجلين من قريش، ثم عرَّض نفسه للموت مع من معه.

قلت : وهذا استدلال لا معنى له، وبعيد جداً لأمرين :

الأول : أن الرجل القوي كأبي بصير يعدل رجالاً بذاته أمام رجلين لا فطنة لهما فأحدهما أعطى سيفه، والآخر فر مدبراً، فلم يعرض أبو بصير نفسه للموت ولا أقدم على جيش جرار، ولو أقدم على جيش جرار، فإنه مقدام شجاع لا منتحر كما تقدم في بعض الأجوبة على بعض الاستدلالات الخاطئة.

ثانياً : أن من التحق بأبي بصير مثل أبي جندل وغيره لم ينتحروا ولا قاموا بعمليات إن انتحارية أمام جيش العدو، وإنما كما تقدم في الحديث أنهم كانوا :" عصابة، ... ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم".

الدليل العشرون :

استدل بعضهم بما أخرجه ابن المبارك في كتاب الجهاد (1/ 88)، والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 44) عن ثابت البناني : " أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ترجل يوم كذا [ في بعض الروايات : يوم اليرموك]، فقال له خالد بن الوليد: لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خل عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى حتى قتل".

والجواب : أن عكرمة رضي الله عنه هجم على العدو مقاتلاً بسلاحه، ولم يقتل نفسه منتحراً بسلاحه لأجل النكاية بالعدو ونحو ذلك، وهذا من شجاعته وإقدامه وإن كان الأولى ما أشار إليه خالد بن الوليد، الذي كان من حكمته الانسحاب بجيش المسلمين يوم مؤته فأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك كما تقدم في الدليل الأول.

الدليل الواحد والعشرون :

استدل بعضهم بما يُرى من الحكاية يوم اليمامة : " لما تحصن بنو حنيفة في بستان مسيلمة الذي كان يعرف بحديقة الرحمن أو الموت، قال البراء بن مالك لأصحابه : ضعوني في الجفنة - وهي ترس من جلد كانت توضع به الحجارة وتلقى على العدو - وألقوني، فألقوه عليهم، فقاتل وحده، وقتل منهم عشرة وفتح الباب وجرح يومئذ بضعاً وثمانين جرحاً، حتى فتح الباب للمسلمين، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة ".

والجواب : أنه لا يصح سند بهذا السياق، ولو صح ذلك فإنه إقدام وشجاعة لمقاتلة العدو فقد قاتل بسيفه رضي الله، ومع ذلك لم تصح القصة بهذا بالسياق المذكور، وأصل الأثر مخرج في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/236)، ومن طريقه أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/27) قال الصنعاني : عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال " لقي البراء بن مالك يوم بنى مسيلمة رجلاً يقال له حمار اليمامة، وكان رجلاً طوالاً في يده سيف أبيض، وكان البراء رجلاً قصيراً فضرب البراء رجليه بالسيف فكأنه أخطاه فوقع على قفاه، قال : فأخذت سيفه وأغمدت سيفي"، هذه هي الرواية الصحيحة.

الدليل الثاني والعشرون :

استدل بعضهم بما أخرجه أبو داود في سننه رقم (2512) عن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس : مه مه، لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب : إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى ” وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد “.

قلت : وهذا أثر صحيح، وفيه جواز الحمل على العدو والانغماس فيه في مثل هذا الموضع متى ترجحت مصلحة ظاهرة، وليس فيه أنه قتل نفسه بنفسه، وقد تقدم معنا كلام العلماء في ذلك فأغنانا عن التكرار.

الدليل الثالث والعشرون، وليس بدليل لهم :

استدل بعضهم بما ذكره ابن جرير الطبري في تاريخه (5/ 194) : " أن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما اصطرع يوم الجمل مع الأشتر النخعي، واختلفا ضربتين، ولما رأى عبد الله أن الأشتر سينجو منه قال كلمته المشهورة : اقتلوني ومالكاً، قال الشعبي: إن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك، ولو قال ابن الزبير: اقتلوني والأشتر وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شيء، ثم ما زال يضطرب في يد ابن الزبير حتى أفلت منه".

الشاهد : " طلب الزبير رضي الله عنه من أصحابه أن يقتلوه مع الأشتر" حيث قال بعضهم : هذا دليل على جواز قتل النفس لمصلحة الدين إذا اقتضى الحال.

والجواب : أصل هذه القصة في مصنف ابن أبي شيبة (7/534) بسند لا بأس به، وكان قول ابن الزبير في يوم الجمل، وهو يوم فتنة، وقد أخطأ رضي الله عنه بهذه المقولة فلا مسوغ لها شرعاً، وأيضاً كانت في صفوف المسلمين، ولذا انصرف عنه الاشتر بحسن حال، رضي الله عنهم أجمعين.

ولا يجوز الاستدلال بمثل هذه القصة ونحوها من القصص في جواز قتل المسلمين بحجة قول صحابي خالف قوله نصوصاً شرعية قطعية الدلالة، فما حصل بين الصحابة من الفتن والدماء مطروح بين يدي الله، وهو يتولى أمرهم، رضي الله عنهم أجمعين.

الدليل الربع والعشرون، وليس بدليل لهم :

استدلال بعضهم بفتوى الفقهاء بقتل المسلم الذي تترس به الأعداء لمحاربة المسلمين عملاً بالقاعدة الفقهية ” الضرر الخاص يُتَحَمَّل لدفع الضرر العام “.

قال ابن العربي في أحكام القرآن (5/275) : " وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين".

قلت : إنما قالوا ذلك دفعاً لضرر أكبر على المسلمين، وقد شرطوا في ذلك شرطين :

الأول : عدم قصد قتل من تترس به الكفار، بحيث يكون رمي المجاهدين بقصد قتل الكافرين.

الثاني : إذا خيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يُقاتلون.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/540) : وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم".

قلت : وهؤلاء الخوارج إنما يقتلون أنفسهم مهاجمين لا لدفع ضرر على المسلمين، بل وصل بهم الحال أن يفجروا أحزمتهم الناسفة في صفوف رجال الأمن بالبلاد الإسلامية، ثم تعدى ذلك إلى تفجير أنفسهم بالأحزمة الناسفة في الأسواق بمن فيها من المارة والأطفال والنساء والرجال، ثم صار بعضهم يفجر نفسه وسط المصلين يوم الجمعة داخل المساجد والخطيب يخطب أو يصلي بالناس الذين لا صلة لهم برجال الدولة، فأي جهاد يزعمون؟!!!!

الدليل الخامس والعشرون، وليس بدليل لهم :

قول أحدهم " ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها، وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد فكلهم قالوا بوجوب القصاص على المتسبب بالقتل قصداً كأن يحفر بئراً ليقع فيها فلان، فوقع فمات.."

والجواب : أنه كلام في غير موضعه لأن هذا الكلام يدين هؤلاء الذين يقومون بالعمليات الانتحارية حيث يتسببون في قتل أنفسهم وربما تسببوا في قتل غيرهم من رجال الأمن في البلاد الاسلامية وبعض الأبرياء من غيرهم، فإذا انغمسوا في عدو في غير المعركة وهذا هو الحاصل اليوم فإن الشر يكون أكثر على المسلمين حيث يقتلون من المسلمين أكثر انتقاماً ويعتقلون أكثر، وربما هدموا منزل أسرة من قام بهذه العملية كما هو الحال في فلسطين، ناهيكم عن تشويه صورة الاسلام والمسلمين وما تلاقيه دولنا والمسلمون في العالم من المضايقات والضغوطات والقتل والاعتقال بسبب طيشان هؤلاء، وهذا كله ملموس، وهو خلاف القاعدة الشرعية المجمع عليها: أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

الدليل السادس والعشرون، وليس بدليل لهم :

قول أحدهم : " هذه العمليات المذكورة من النوازل المعاصرة التي لم تكن معروفة في السابق بنفس طريقتها اليوم ، ولكل عصر نوازله التي تحدث فيه ، فيجتهد العلماء على تنـزيلها على النصوص والعمومات والحوادث والوقائع المشابهة لها..." ثم استدل ببعض ما سبق من الأدلة التي أجبنا عليها سابقاً، فأغنانا ذلك عن التكرار.

والجواب : نعم نازلة فتنة، وقد أفتى العلماء بحرمتها وأنها تتعارض مع النصوص الشرعية وأحوال السلف كما تقدم وكما سيأتي مفصلاً من كبار علماء العصر كالألباني وابن باز والعباد والفوزان واللحيدان والنجمي وعلماء اللجنة الدائمة وغيرهم

الدليل السابع والعشرون، وليس بدليل لهم :

احتجاج بعضهم بالأجماع على الحمل على الكافر :

والجواب : قد تقدم معنا الكلام في الحمل على الكافر ويسمى الانغماس، وكررنا مراراً أن المنغمس لا ينغمس في صفوف العدو متعمداً قتل نفسه بحجة النكاية بالعدو وبحجة قتل وجرح بعضهم.

وقد نقل ابن النحاس في مشارع الأشواق ( 1 / 588 ) عن المهلب قوله : قد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد ، ونقل عن الغزالي في الإحياء قوله : ولا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل".

ونقل النووي في شرح مسلم الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد، ذكره في غزوة ذي قرد ( 12 / 187 ).

والحاصل : أن العمليات الانتحارية انتحار وقتل للنفس وإن كان على حسن نية، لكن الفعل ليس من الشرع كما تقدم، ومن قتل نفسه بهذه الطريقة بقصد قتل مجموعة من جند الكفار المحاربين بناء على من أفتاه بجوازها فهو تحت المشيئة إن كان جاهلاً، والمفتي مسؤول عن فتواه بين يدي الله سبحانه، ثم هذا المنتحر في هذه العمليات المسماة بالعمليات الانتحارية يتسبب في أضرار كثيرة فهو يقتل نفسه ويدفع العدو كما هو مشاهد اليوم ليقتل جمعاً من المسلمين ويعتقل جمعاً آخر وربما اعتقلوا أفراد أسرته وهدموا بيته، ولذا فقد أدى صنيعه الفدائي إلى أشر منه، وقد تقدم معنا في أكثر من مقال أن "القاعدة الشرعية المجمع عليها: أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

وقد يقول قائل ما جوابك حول قول الشيخ محمد بن حسان في مقطع مصور بعنوان "بشائر من القدس" من موقعه الرسمي على الإنترنت حيث قال : " فمن فضل الله، سمعنا بالأمس عن عملية كبيرة، كبيرة بكل المقاييس، وتتصور يا أخي سبحان الله! المتاريس والحواجز والسدود والعقبات و.. ومع ذلك ترى ابنًا من أبنائنا .. من أبناء الإسلام وأبناء المسلمين لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، شايف الفخر والشرف! يُقَدِّم نفسه لله، كذَّاب من يقول بأنه منتحر، والله يكذب على الله، أي انتحار؟!" اهـ

فالجواب : هذا كلام خالي من الطرح والنصوص وهو كلام وعظي، ولا يصلح مثل هذا الأسلوب من الشيخ محمد وخصوصاً في مسألة كهذه، لأن القضية فقهية لا بد فيها من نصوص شرعية وقواعد فقهية ومناقشة علمية، وما خلا من العلم وأدلته وقواعده فلا يُلتفت إليه".

فإذا قال قائل : قد أجاز ذلك شيخك عبد الله الجبرين؟

فالجواب : نعم أجازه في فتوى صوتية لكنه قال رحمه الله : في فتواه " فلأجل ذلك يعملون هذه الأعمال الانتحارية رجاء أن يخفف اليهود من هذه الأعمال الشرسة على المُسلمين"، والواقع أنهم لا يخففون بل يقتلون وينتقمون أكثر كما أسلفت ولو علم شيخنا رحمه الله بأنه لا يخفف بل يزيد الجرم لأعمل القاعدة المتقدمة المجمع عليها وهي : " أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين" لأنه علق فتواه بتخفيف الشر، والواقع أنهم بعملياتهم الانتحارية لا يخففون بل الأعداء يقتلون وينتقمون أكثر، وبوسائل إجرامية متعددة نتيجةً لهذه العمليات.

فإن قال قائل : وماذا عن فتوى الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع الذي يقول : " العمليات الاستشهادية في سبيل الله من أفضل أبواب الجهاد "؟

فالجواب : أن الشيخ ابن منيع حفظه الله استدل على جواز ذلك بافتتاح حديقة مسيلمة وقد كانت هجوماً للبراء بن مالك من خلال جفنة " ترس" وضعوه فيها* كما تقدم، ثم القصة وما فيها " أنهم وضعوه في الجفنة " لا تصح كما سبق بيان ذلك في باب الأدلة.

وعلى فرض صحتها فهي هجوم لباب الحديقة بطريقة الحيلة ولم يرم نفسه في أوساطهم ليقتل نفسه متعمداً، بل وثب مقاتلاً، وقد كان هجومه بطريقة الجفنة التي هي الترس، بينما هذه العمليات الانتحارية العصرية يثب الشخص فيها وهو متعمد قتل نفسه.

وإليكم أقوال طائفة من كبار علماء العصر في هذه العمليات :

سئل الشيخ عبد العزيز الراجحي كما في فتوى صوتية من خلال شرح كتاب الشرح والإبانة، حيث قال السائل: ما رأيكم في الحركات الاستشهادية الموجودة في الساحة الآن؟

فأجاب بقوله : " والله أنا ذكرت هذا في الدورة .. دورة شيخ الإسلام ابن تيمية، سئلت عن هذا السؤال، وأجبت في الشبكة : أرى أنه ليس بمشروع، الذي ظهر لي من الأدلة أنه ليس بمشروع، وأنه ليس من جنس المبارزة بين الصفين في القتال، وليس من جنس إلقاء الرجل نفسه على الروم، يقولون إن هذا من جنسه وهو ليس من جنسه، أولاً : أن الحركات اللي بيسموها الحركات الاستشهادية ليست في صف القتال، ليست في صف القتال، وإنما هو يأتي إلى أُناس آمنين ويفجر نفسه بينهم، ما هي في صف القتال، والنصوص التي جاءت أن يكون في صف القتال، المسلمون صف والكفار صف، يتقاتلون ثم يُلقي نفسه المؤمن إلى الكفار.

ثانيًا: أن الذي يلقي بنفسه إلى الكفار ما قتل نفسه! قد ينجو! بخلاف الذي يفجر نفسه، هذا منتحر، فجر نفسه.

ثالثًا: أنه ثبت في خيبر أن عامر بن الأكوع لما ضربه اليهودي -هذا في صحيح البخاري- ارتد إليه ذباب السيف، فأصابه، فأصاب رجله، ثم مات، فتكلم ناس من الصحابة وقالوا: إن عامر بن الأكوع أبطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أخيه سلمة بن الأكوع وإذا هو حزين، فسأله، قال: يا رسول الله إنهم يقولون إن عامر بطل جهاده، فقال النبي: "كذب من قال ذلك...فإذا كان الصحابة أَشكَل عليهم كون عامر ارتد إليه ذباب السيف بدون اختياره وقالوا بطل جهاده، فكيف بالذي يفجر نفسه باختياره؟! واضح الاستدلال؟ إذا كان عامر بن الأكوع يرتد إليه ذباب السيف بدون اختياره لما ضربه اليهودي، ولما أصابه قال الصحابة بطل جهاده، *لكن أشكل عليهم، هو لم يقتل نفسه ولم يفجر نفسه، وإنما [ارتد] ذباب سيفه بدون اختياره، وهو مجاهد، ثم مع ذلك قال الصحابة بطل جهاده، فقال النبي: كذب من قال ذلك، فكيف بمن يفجر نفسه؟!"اهـ مختصراً

وقد نقل حفظه الله حرمتها عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما فتوى مسجلة بصوت الشيخ عبد العزيز الراجحي حول العلميات الانتحارية، حيث قال ” هذه العمليات، سمعت شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله – يفتي بأنها انتحار، وأنه لا يجوز للإنسان أن يضع على نفسه قنابل ويفجرها لأن هذا انتحار وقتل .. وكتب بعض الناس كتابات في هذا، وبرروا هذه العمليات، وقال: إنها تشبه ما جاء في بعض الأحاديث أو من فعل الصحابة أن بعض الصحابة يقدمون على الكفار، ويلقي بعضهم نفسه في جيش الكفار، وكذلك أيضا يفتح الحصون وحده، ويتعرض للخطر، ولكن هذا ليس بظاهر؛ لأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الصحابة أو الصحابي الذي يلقي بنفسه أو يبرز للكفار، إنما هذا في صف القتال، صف القتال، صف المسلمين، وصف الكفرة، فينفذ فيهم، أما العمليات الاستشهادية ما فيه صف قتال أمامكم، ما فيه صف، ثم أيضاً الذي ألقى بنفسه ما قتل نفسه، ولا جعل في نفسه شيئا، ولا عمل شيئاً، ما ضرب نفسه، وما قتل نفسه، وهذا قتل نفسه بفعله، هذا عمل شيئاً يقتل نفسه، وكل هذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يفجر نفسه، ولا أن يقتل نفسه؛ لأنه يعتبر قاتلاً نفسه"اهـ

قلت : قد وجدت فتوى ابن باز منصوصاً عليها بصوته من شريط فتاوى العلماء في الجهاد، وقد ذكرها الحصين في كتابه : " الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية " حيث سأل ابن باز سائل السؤال التالي : ما حكم من يلغم نفسه ليقتل بذلك مجموعة من اليهود ؟

فأجاب بقوله : " الذي أرى قد نبهنا غير مرة أن هذا لا يصلح لأنه قاتل نفسه ، والله يقول تعالى يقول في سورة النساء " ولا تقتلوا أنفسكم "، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري ومسلم " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة " يسعى في هدايتهم، وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين، وإن قتل فالحمد لله ، أما أنه يقتل نفسه يحط اللغم في نفسه حتى يقتل معهم، هذا غلط لا يجوز أو يطعن نفسه معهم لا يجوز، ولكن يجاهد حيث شرع الجهاد مع المسلمين، أما عمل أبناء فلسطين هذا غلط ما يصلح، إنما الواجب عليهم : الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصيحة من دون هذا العمل" اهـ.

كما ذكر الحصين أيضاً فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حيث قال : " ما وقع السؤال عنه من طريقة قتل النفس بين الأعداء أو ما أسميته بالطرق الانتحارية ، فإن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس؛ نعم إثخان العدو وقتاله مطلوب بل ربما يكون متعيناً لكن بالطرق التي لا تخالف الشرع"اهـ

كما ساق أيضاً فتوى *سماحة الشيخ صالح الفوزان حيث أفتى بقوله : " الله جل وعلا يقول : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً، فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً "، وهذا يشمل قتل الإنسان نفسه وقتله لغيره بغير حق، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه بل يحافظ على نفسه غاية المحافظة، ولا يمنع هذا أن يجاهد في سبيل الله ويقاتل في سبيل الله ولو تعرض للقتل أو الاستشهاد، هذا طيب أما انه يتعمد قتل نفسه فهذا لا يجوز، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات "كان واحد من الشجعان يقاتل في سبيل الله مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إنه قتل فقال الناس – يثنون عليه- : ما أبلى منا أحد مثل ما أبلى فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هو في النار هذا قبل أن يموت فصعب ذلك على الصحابة كيف مثل هذا الإنسان الذي يقاتل ولا يترك من الكفار أحداً إلا تبعه وقتله يكون في النار، فتبعه رجل وراقبه وتتبعه بعدما جرح ثم في النهاية رآه وضع السيف على الأرض بمعنى : وضع غمد السيف على الأرض ورفع ذبابته إلى أعلى ثم تحامل على السيف ودخل من صدره وخرج من ظهره، فمات الرجل فقال هذا الصحابي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم"، وعرفوا أن الرسول لا ينطق عن الهوى، لماذا دخل النار مع هذا العمل ؟ لأنه قتل نفسه ولم يصبر، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه"اهـ

كما سأله سائل من خلال فتوى صوتية السؤال التالي : في قوله سبحانه وتعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم" هذا نص في مسألة قتل النفس، فما هو المخصِّص لهذه الآية للقول بجواز العمليات الاستشهادية عند من يقول بجوازها؟ مع أن المصلحة لا تقدم على النص، فأجاب بقوله : " يا أخي اللي أفتى بجواز هذا هو اللي يُسأل! أنا ما أفتيت بهذا! هو اللي يُسأل عن دليله وعن شبهته في فتواه، وتخصيص هذه الآية : "ولا تقتلوا أنفسكم" اهـ.

وقال الألباني كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (760) : "العمليات الانتحارية في الزمن الحاضر الآن كلها غير مشروعة، وكلها محرمة أما أن تكون قربة يتقرب بها إلى الله فهي ليست إسلامية إطلاقاً"اهـ.

وسئل رحمه الله كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (678)، السؤال التالي : العمليات الاستشهادية أي الانتحارية، تجوز ولا لأ؟

فأجاب بقوله : " لا، ما يجوز "اهـ.

وله فتوى أخرى أجاز فيها العمليات الانتحارية بشرط إذن إمام المسلمين " حاكم الدولة المسلمة " الذي يطبق الشريعة الاسلامية حيث سئل رحمه الله كما في ( سلسلة الهدى والنور- شريط رقم (451) السؤال التالي : " هل يجوز ركوب سيارة مفخخة بالمتفجرات والدخول بها وسط الأعداء وهو ما يسمى الآن بالعمليات الانتحارية؟ مع الدليل، فأجاب بقوله : " قلنا مرارًا وتكرارًا عن مثل هذا السؤال بأنه في هذا الزمان لا يجوز، لأنها إما أن تكون تصرفات شخصية فردية لا يتمكن الفرد عادةً من تغليب المصلحة على المفسدة أو المفسدة على المصلحة، أو إذا لم يكن الأمر تصرفًا فرديًا وإنما هو صادر من هيئة أو من جماعة أو من قيادة أيضًا هذه الهيئة أو هذه الجماعة أو هذه القيادة ليست قيادة شرعية إسلامية، فحينئذ يُعتبر هذا انتحارًا، أما الدليل فمعروف! فيه أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، أنَّ من نَحَر نفسه بأي آلة فهو في جهنم يعذب بمثلها، إنما يجوز مثل هذه العملية الانتحارية -كما يقولون اليوم- فيما إذا كان هناك حكم إسلامي، وعلى هذا الحكم حاكم مسلم، يحكم بما أنزل الله، ويطبق شريعة الله في كل شئون الحياة، منها: نظام الجيش، ونظام العسكر، يكون أيضًا في حدود الشرع، فإذا رأى الحاكم الأعلى -وبالتالي يمثله القائد الأعلى للجيش- إذا رأى أنَّ مِن مصلحة المسلمين إجراء عملية انتحارية في سبيل تحقيق مصلحة شرعية هو هذا الحاكم المسلم هو الذي يُقَدِّرها مستعينًا بأهل الشورى في مجلسه، ففي هذه الحالة فقط يجوز مثل هذه العملية الانتحارية، أما سوى ذلك فلا يجوز) اهـ

وقال ابن عثيمين كما في شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/165–166) : ” فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين؛ كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يُسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويُوغر صدره هذا العمل حتى يفتِكَ بالمسلمين أشد فتك، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فُجرت المتفجرات في صفوفهم، ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظاناً أنه جائز، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم، وأما أن تكتب له الشهادة فلا، لأنه لم يسلك طريق الشهادة”اهـ

كما أجرت جريدة عكاظ السعودية حواراً هاتفياً مع الشيخ صالح بن محمد اللحيدان جاء فيه حسب مصدر الجريدة: " حذّر رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان من مغبة الانتماء لما يُسمى بتنظيم القاعدة الإرهابي، وقال : إن من أيَّد هذا التنظيم أو فكره بعيد عن الخير كله، ثم سئل عن : قتل هؤلاء لأنفسهم انتحارًا بحزام ناسف أو تفجير خشية وقوعهم في قبضة الأمن، ما حكمه? وهل هذا استشهاد في سبيل الله?

فقال: الاستشهاد ليس هكذا! ولكن في أن يقابل الشخص ميادين القتال بين المسلمين والكفار في حال حرب، ثم لو أقدم وهو يعرف حتمًا أنه سيقتل دون أن يقتل أحدًا لا يُجْزَم بأن هذا استشهاد أن يَقتل الإنسان نفسه فمهما فعل لا يقول إنسان يعرف دلالات الكتاب والسنة أن هذا العمل استشهادي، وأن القتيل فيه شهيد! بل إن السنة جاءت صريحة بعظيم إثم من يقتل نفسه, ومن يجعل نفسه في حال يفجرها هو أو تتعرض لأي عارض سيحصل فيه تفجير وقتل فهو داخل في باب قتل الإنسان نفسه" اهـ

وقال الشيخ عبد المحسن العباد في فتوى صوتيه : " العمليات الانتحارية التي تحصل في هذا الزمان فإنها من الواضح المحقق قتل للنفس"اهـ.

وسئل الشيخ أحمد بن يحيى النجمي كما في (الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية 2/52-54)، السؤال التالي : نسمع كثيراً عما يسمى بالعمليات الاستشهادية ” الانتحارية “ وصورتها كالآتي :

يقوم الرجل بوضع قنبلةٍ في ملابسه، وعندما يصل إلى منطقةٍ معينة محددة من قبل الجهات المنظمة لهذه العملية، فإنَّه يقوم بتفجير نفسه قاضياً معه على كل من وجد في هذه المنطقة أو يقوم بقيادة سيارةٍ مليئة بالمتفجرات، وعندما تصطدم السيارة بمكان معين تتفجر وينفجر معها السائق، والسؤال هو : ما حكم من يقوم بهذه العمليات الانتحارية ؛ سواء قصد الانتحار أو لم يقصد، وذلك بهدف إلحاق الضرر بالعدو ؟ فأجاب بقوله : " الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد : تسألون عن حكم العمليات الانتحارية التي وصفتم، وهذه العمليات عملياتٌ محرمة لا يجوز فعلها؛ لأنَّها مبنيةٌ على الخيانة، وعلى أمور خفية يكون فيها تستر على الغادرين، والغدر لا يجوز والخيانة محرمة ؛ حتى ولو كان القصد منه إلحاق الضرر بالعدو ، وحتى لو كان العدو معتدياً وظالماً ، فالله يقول : " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ"، وجاء في الحديث : " أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك"، فالخيانة منبوذةٌ في الشرع الإسلامي، وممنوعة فيه، وكذلك الغدر أيضاً إذ لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يغدروا بأحد من قادة الكفر ؛ كالوليد بن المغيرة ، وأبي جهل ، وعتبة بن ربيعة وغيرهم.

والمهم : أنَّ هذه العمليات تصدر من قوم جهَّال يجهلون الشريعة، فيعملون أعمالاً مبنية على العاطفة من دون أن ينظروا هل هي مباحة في الشرع أم لا !! فهم يرون ظلم الأعداء وتعسفهم، *فيظنون أنَّ ما عملوه له وجهٌ من الصواب، وليس كذلك، ولعل هناك من يفتيهم بجواز هذه العمليات، إنَّ في ذلك جنايةٌ على سائر المسلمين؛ حيث أنَّ العدو يزداد في العِداء لهم، والظلم والعسف لهم، فانظروا مثلاً العمليات التي حصلت في أمريكا ماذا ترتب عليها من ظلم للإسلام وأهله، واعتداء عليهم !!، فالأفغان فيها الملايين من المساكين الذين ظلموا بسبب تلك الحادثة، وكذلك الفلسطينيون والعراقيون، فنسأل الله أن يبصر المسلمين، ويجنبهم القادة الجاهلين، أمَّا وصف هذا العمل بأنَّه استشهاد، فإنَّه وصفٌ في غير محله، ولما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أمَّ العلا وهي تقول لعثمان بن مظعون - رضي الله عنهما - حين مرض ومات : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: " وما يدريك أن الله أكرمه، فقُلتُ : لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت : فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً"،* وقد ورد النهي عن أن يُقال فلانٌ شهيد؛ لأنَّ الشهادة تترتب على الإخلاص، والإخلاص لا يعلمه إلا الله فلا ينبغي أن نصف المنتحرين بأنَّهم شهداء، ولا أنَّ عملهم شهادة، ولكنَّ نرجو لمن مات على التوحيد إذا كان عمله مشروعاً نرجو له الشهادة، مَّا عمل هؤلاء ، فإنَّه عملٌ جاهلي، ولا يصح أن نصف أصحابه بأنَّهم شهداء وبالله التوفيق" اهـ.

*

*مسائل متفرعة

لتمام الفائدة، هناك خمس مسائل مهمة تتعلق ببعض أحكام الباب، وهي كالتالي :

المسألة الأولى : الحمل على العدو " الانغماس أو الانغمار فيه"

وهذا جائز كما تقدم، وقد أكثرنا حوله الكلام وذكرنا أدلته وكلام العلماء فيه، وهو غير العمليات الانتحارية، حيث يجوز أن يتعرض مجاهد أو مجموعة لمقاتلة جيش الأعداء بمواجهتهم بالسلاح حتى وإن غلب في ظنه أو ظنهم أنهم سيقتلون لكن في دفاعهم وهجوهم أو تترسهم بأسلحتهم في المكان الواحد حفظ وسلامة دماء كثير من المسلمين.

وهذا لا يُعد من الانتحار لأنه مواجهة مباشرة بالأسلحة في وجه العدو كثير العدد والعتاد حفاظاً على المسلمين من أن يقتلوا أو تنتهك أعراضهم وتستباح بيضتهم، فتقديم مصلحة الجماعة أولى من مصلحة الواحد والقلة، وعملاً القاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين".

وبناء على قاعدة : " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"

وقاعدة : " لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما"، وأيضاً قاعدة " الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين"، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما".

ومثل ذلك قول الفقهاء : ترك مصلحة بقاء الأسير مقدم على جلب مفسدة قتل مئات المسلمين واستباحة أعراضهم.

وقد توسع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في هذا الباب حتى جوَّز الانتحار لمن أسره الكفار إذا كان بانتحاره سلامة غيره من المسلمين، ودفع لكثير من المفاسد التي لو بقيت تضرر المسلمون منها كثيراً، وهذا اجتهاد منه رحمه الله، والتورع في هذا الباب مطلوب ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، ومثل هذه النوازل تقدر بقدرها حسب الزمان والمكان، وللعالم المجتهد عند ظهور مثل هذه العوارض ما يرى أنه يقربه إلى الله، ويدفع به عن المسلمين ما هو أشر وأعظم.

فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في فتاواه (6/207 – 208) : عن ما يلاقيه مجاهدي الجزائر عندما يقعون في الأسر على أيدي الفرنسيين من العذاب والنكال، حتى يعترفوا، ويدلوا على المسلمين، وأسرارهم، فهل لهم أن ينتحروا لكي لا يخبروا بسر المسلمين؟

فأجاب رحمه الله بقوله : " الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب، ويستعملون (الشرنقات) إذا استولوا على واحد من الجزائريين؛ ليعلمهم بالذخائر والمكامن، ومن يأسرونه - قد يكون من الأكابر - فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا، وهذه الإبرة تسكره إسكاراً مقيداً، ثم هو مع هذا كلامه ما يختلط، فهو يختص بما يبينه بما كان حقيقة وصدقاً.

جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون: هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول: أموت أنا وأنا شهيد - مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب- فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله " آمنا برب الغلام"، وقول بعض أهل العلم : إن السفينة إذا خشي غرق جميع ركابها جاز إلقاء بعضهم.. ، إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة، هذا فالقاعدة محكمة، وهو مقتول ولا بد" اهـ.


المسألة الثانية : مسألة التترس.

وصورتها : أن يخنبئ أو يحتمي جيش الكفار بمجموعة من المسلمين بحيث يجعلونهم كالترس الواقي لهم من جيس أهل الاسلام.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/540) : وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا أنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم".

وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4 / 271 ) *:" قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار، وهذا بلا نزاع"اهـ

قلت : فلا يجوز قتل الترس من المسلمين، وإنما عند الاضطرار إذا خاف الجيش الاسلامي على نفسه من العدو بسبب احتماء العدو بالترس أو كان العدو المتترس بالمسلمين أو أسرى المسلمين يرمي على جيش المسلمين فإنه يجوز مقاتلة الكفار ورميهم بالسلاح بشرط ألا يتعمد المجاهدون الرمي على الترس، فإن أدى ذلك إلى قتل الترس من المسلمين فلا ذنب عليهم لأنهم لم يقصدوا قتلهم.

وليس في هذه المسألة دلالة على جواز العمليات الانتحارية، لأن المجاهدين لا يصوبون الترس ولا يتعمدون قتلهم، ولا يوجد في المسألة شئ اسمه انتحار وإنما ضرورة مقيدة بشروطها في باب الترس، كما تقدم معنا هنا وكذلك أشرت إلى هذه المسألة عند الدليل الرابع والعشرين.

وقد تعدى هؤلاء في التجويز حتى خرجوا عن أحكام الترس وجعلوا مثل ذلك مسوغاً لهم في العمليات الانتحارية.

*

المسألة الثالثة : مفاداة المسلم من باب " إنقاذ المسلم أولى من إهلاك الكافر".

وهذا جائز وهو المشهور عن الفقهاء في باب فداء الأسرى وبه جاءت النصوص، وقال أبو حنيفة : "مفاداة الأسير بالأسير لا تجوز" كما في بدائع الصنائع (7/ 120).

قلت : *الراجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز تبادل الأسرى عملاً بما ثبت عند أبي داود وغيره عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني، قال سفيان : والعاني الأسير"، ونحوه من الأدلة،* ولأنّ في المفاداة انقاذ وتخليص المسلم من عذاب الكفّار وفتنتهم، وإنقاذ المسلم أولى من إهلاك الكافر.

*

المسألة الرابعة : اختيار أهون الموت جائز عند غلبة تحققه على قول.

جاء في البحر الرائق: " فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة, فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة، يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي، وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا, وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين، وقال محمد [بن الحسن الشيباني] : لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء ; لأنه يكون إهلاكاً بفعلهم"اهـ.

قلت : قول محمد بن الحسن الشيباني أقوى لأن الموت واقع لا محالة، وهو أبرأ للنفس من اختيار طريقة الموت لنفسه إلا إذا غلب الظن في النجاة، فتقدم غلبة الظن.

المسألة الخامسة : حكم فداء الفرد المسلم لإنقاذ الجماعة من الهلاك.

من صور هذه المسألة : ما فعله بعض طلبة العلم في " دماج باليمن " عندما غزاهم الرافضة "الحوثة، حيث كان الطلاب في متارسهم، وكان الحوثة بين الحين والآخر يرمون بعض القنابل على متارس طلبة العلم، القنبلة تلو الأخرى، فإذا وقعت القنبلة في المترس فستقتلهم جميعاً، فيفدي أحدهم نفسه فيجلس عليها بمجرد سقوطها قبل أن تنفجر، فتنفجر تحته ويتعرض للجراح الكثير مقابل أن يسلم الأخرون من الموت والأذى، وقد وقع مثل ذلك بدماج وسألوني عن الحكم فقلت : هو من أعظم الفداء، ولا يكون الفاعل* منتحراً، بل هو مجاهد أخذ بقاعدة : : " لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما"، وأيضاً قاعدة " الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين"، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما"، والله أعلى وأعلم، وأعز وأكرم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-12-2017, 11:24 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول التكفيريين ” قنوت النوازل واجب شرعي وهو أقل ما يُعان به إخواننا في ساحات الجهاد

قول التكفيريين ” قنوت النوازل واجب شرعي وهو أقل ما يُعان به إخواننا في ساحات الجهاد، فلماذا يُمنع منه في بعض الدول الاسلامية؟”
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (18)

الجواب على هذه الشبهة : أن بعض أهل العلم اشترط إذن ولي الأمر لقنوت النوازل، كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد وغيره كما سيأتي من كلام العلماء، وباعتبار أنه لم يثبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء أنه قُنِتَ في غير المسجد الأعظم في البلد الذي يصلي فيه ولي الأمر، ومن ثم يتعدى القنوت لبقية المساجد بإذنه على قول عند النوازل والمحن، والمسألة اجتهادية فلا نحولها إلى قضية فتنة ومحاربة لمن لا يقنت، حتى أنتم أيها الخوارج منذ بداية ظهوركم في مصر والعراق زمن عثمان بن عفان إلى اليوم لم تقنتوا في كل النوازل، فلماذا هذه الصولة التي ليس وراءها سوى الفتن؟!!، رغم أن حياة النبي عليه الصلاة والسلام وحياة من بعده من الخلفاء الراشدين الأربعة ومن بعدهم إلى يومنا هذا لم تتوقف المحن والنوازل العظام، حيث تتجدد بين الحين والآخر كل سنة أو أكثر، ومع ذلك لم يقنت العلماء والأئمة في مساجدهم على مر الزمن في كل النوازل ولم يلزموا أحداً، لأن المسألة اجتهادية حسب فتوى كبار العلماء في كل بلدة.
وإذا كانت المسألة خلافية والعمل على فتوى معينة لها أدلتها ونظرتها الشرعية القائمة على الدليل في الدولة الفلانية، فإن إلزام الوالي بفتوى تخالف فتوى علماء دولته إلزام ما لا يلزم ، لكوني الوالي يرى فيها الحق باعتبار أن علماء بلده علماء مجتهدون ثقات وأئمة معروفون بالسنة والعلم والورع.
ومن ثم فعلى الناقد أن يكون من أهل العلم، فإذا كان كذلك جاز له أن يناقش مناط هذه المسألة وأدلتها ثم ما رآه مخالفاً لما عليه علماء بلده أو أي قطر إسلامي آخر ناظر عليه وحاور ذوي العلم والبصيرة بالحجة والحكمة دون تدخل مَن ليس من أهل العلم، فإذا ترجح خلاف الفتوى السابقة يقوم أهل الحل والعقد من العلماء برفعها للسلطان، وللسلطان جوابه الذي يطرحه على العلماء إن رأى خلاف الفتوى الجديدة لمصلحة راجحة لا تنافي الشرع المطهر ، ومن هنا يكون المدخل صحيحاً بدلاً من النقد الأجوف العاري من البينات والأدلة الصحيحة الذي يتفوَّه به بعض الشبيبة بدعوى الضغوط والأوامر الرسمية على العلماء.
يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله :” الذي أراه أن القنوت عند النوازل يتوقف على ولي الأمر كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد …، وكذلك إذا أمر بالقنوت قنتنا، فالأولى في مثل هذا أن يُنتظر أمر الدولة بذلك، إذا أمر به ولي الأمر قنتنا وإلا فلا‍ وبقاء الأمة على مظهر واحد خير من التفرق، لأنه مثلاً: أقنت أنا والمسجد الذي جنبي لا يقنت، أو نحن أهل بلد نقنت والبلاد الأخرى ما تقنت، ففيه تفريق للأمة، وجمع الأشتات من أحسن ما يكون، ولعل بعضكم علم بأمر عثمان – رضي الله عنه في آخر خلافته صار يتم الصلاة في منى، يعني يصلي الرباعية أربعاً ، فأنكر الصحابة عليه ، حتى أن مسعود لما بلغه ذلك استرجع ، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فجعل هذا من المصائب وكانوا يصلون خلفه أربعاً، فقيل لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن: كيف تصلي خلفه أربعاً وأنت قد أنكرت عليه، فقال: ” إن الخلاف شر “([1]) فكون الأمة تكون على حال واحدة أفضل ، لأن طلبة العلم تتسع صدورهم للخلاف ، لكن العامة لا تتسع صدورهم للخلاف أبداً، فالذي أنصح به إخواننا أن لا يتعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، مع أن باب الدعاء مفتوح، يدعو لهم الإنسان في حال السجود بعد التشهد الأخير في قيام الليل، وبين الأذان والإقامة، يعني لا يتعين الدعاء في القنوت فقط، صحيح أن القنوت مظهر عام ويجعل الأمة كلها تتهيأ للدعاء، وتتفرغ له، لكن كوننا نخلي واحداً بهواه ونفرق الناس، هذا ما أرى أنه جيد"([2])اهـ
وسئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ فقيل له ” هناك قرارات صدرت من الوزارة مثلاً عدم القنوت في الصلوات، مع أنها ثابتة عند المصائب والمحن ما تعليقكم على ذلك؟
الجواب : كلامي في القنوت يمكن سمعتموه مراراً ونشر في الصحف وفيه قناعة شرعية ظاهرة أدلتها، لكن المخالف لم يأت بدليل ظاهر فيها من السنة، النبي صلى الله عليه وسلم حينما قنت، قنت فقط ومساجد المدنية الأخرى لم تقنت هذا أولاً.
وثانياً: الذي يقنت هو الإمام ونائبه … والأدلة في ذلك ظاهرة، لا يصح إلا بإذن ولي الأمر ، وهناك ثلاث مسائل في العبادات معروفة عند أهل العلم ليست مسألة القنوت فحسب بل قنوت النوازل
المسألة الأولى: إنه لا استسقاء ” طلب الغيث ” إلا بدعوة الإمام الذي يدعو إلى الاستسقاء وهو الإمام أو نائبه، هذا ظاهر في أن الصحابة لم يستسقوا في عهده عليه الصلاة والسلام ولا من بعده إلا بطلب ولي الأمر، مع أن المسألة هي طلب سقيا، هذه يشترك فيها العامة لكن الأمر إذا كان فيه عموم ليس مقتصراً على بعض الأفراد فهذا مناط بولي الأمر، هذا ظاهر الأدلة وأحوال السلف والأئمة.
المسألة الثانية: مسألة الجمعة، إذا أجمع الناس فهل لهم أن يجمعوا في مسجد بدون إذن؟ ليس لهم ذلك.
المسألة الثالثة: القنوت ، قنوت النوازل أيضاً ليس لهم أن يقنتوا إلا بإذن ولي الأمر في ذلك، وهذا ظاهر من حيث الدليل، بل إن الدليل وأنتم راجعوا السنة وانظروا، لا تجدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء أنه قنت غير المسجد الأعظم في البلد، نحن لا نريد أن نجعل المسائل التربوية -أو نقول مسائل الأمة أو نحو ذلك- نجعلها هي التي تُسيِّر عباداتنا، هذه مسائل لها علاج ، لها حمية ، ولها في مكان آخر، لكن العبادات هذه منوطة بأحكام شرعية عبادية لا يجوز أن يُحدث فيها شيء، انظر مثلاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما قنت إلا هو، وفي عهد عمر رضي الله عنه قنت هو، وفي عهد هذا أو هذا قنت بإذنه، هذا لما كانوا في البلد في الحاضرة، أما إذا كانوا في سفر أو كانوا في جهاد أو نحو ذلك فهذه المسألة ترجع لا إلى الأمير الأعظم [ بل ] إلى أمير السفر أو نحو ذلك لكنه في البلد الحاضرة ما فيه شك أن هذه مسألة ظاهرة من حيث الدليل([3])اهـ
ويتبين مما سبق أن هذه المسألة بهذا الحكم المقيد بإذن ولي الأمر لها وجهة نظر من حيث الدليل والمصالح المترتبة، والمسألة كما أسلفت قضية علمية تُدار بين كبار علماء كل بلدة وليست محل نقاش من هب ودب.
وعن كبار العلماء تصدر الفتوى لبلدهم حسب المصالح والمفاسد المترتبة والمبنية على أدلة الشرع وقواعده.
فإذا قامت الفتوى على مثل ذلك ونحوه واعتمدها ولي الأمر أو من خوَّله لزم العمل والانقياد وعدم الخروج على جماعة المسلمين في الدولة الفلانية دفعاً للمفاسد وجلباً للمصالح، ودفعاً للتفرقة وتشتت المسلمين في قضايا تحتمل الخلاف بين العلماء، بغض النظر عن كون الفتوى الفلانية قامت على دليل مرجوح عند الطرف المخالف، لكون ولي الأمر ومن حوله من العلماء اعتمدوا هذا الرأي لمصالح تخفى على عامة الأمة وإن جهلها من جهلها.
ولو فرضنا أنه لا دليل على القول بهذا الشرط فتبقى المصالح المترتبة من اعتبار الشرط لجمع الكلمة على طاعة السلطان ، لأنه إذا أمر بعدم القنوت في نازلة معينة لمصلحة راجحة فإنه يلزم طاعته، لكون الطاعة في ذلك من المعروف لما يترتب من المصالح المستفيضة بأهل بلدته.
قال شيخ الإسلام ” ويسوغ أيضاً أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة خوفاً من التنفير عما يصلح كما ترك النبي عليه الصلاة والسلام بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حديثى عهد بالجاهلية وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم، وقال ابن مسعود لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه فقيل له في ذلك فقال :” الخلاف شر”([4])اهـ.
قلت : وترك النبي عليه الصلاة والسلام بناء البيت على قواعد إبراهيم أعظم من ترك قنوت النازلة ، لأن الكعبة لما جرفها السيل بناها بعض كفار قريش قبل الإسلام على خلاف قواعد إبراهيم فرأى النبي عليه الصلاة والسلام عدم هدمها وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم خوفاً من التنفير وشتات القلوب مع أنه هو الذي يقول عليه الصلاة والسلام ” ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع “([5]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : “فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه ، وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر ، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز؛ لأن المقصود من الولايات كلها : تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إزالته وما هو منكر لا يجوز له”([6]).
ثم لو عدنا اليوم إلى تطبيق فتوى قنوت النوازل لحملها الكثير على الاستمرار بحجة أن الأمة في نوازل متتالية وخصوصاً في الآونة الأخيرة ، ولو تأمل العاقل في تاريخ العهد النبوي والعهد الراشد والخلافة الأموية والعباسية وما بعدها إلى يومنا هذا لوجد أن النوازل تتابع من ذلك الوقت حتى يومنا هذا على بلاد المسلمين كما تقدم، ولا يعرف عن علماء الإسلام في تلك الأزمنة من أفتاهم باستمرار القنوت لأشهر كثيرة أو سنوات عديدة، وفرقٌ بين زماننا وزمانهم من حيث العلم وفهم الأحداث وإنزال الأدلة في مواضعها الصحيحة، لذا نجد أن بعض العصريين يكررون قولهم النوازل قائمة وليس هناك من يقنت ؟ مع أن الاستمرار في قنوت النوازل على الدوام خلاف السنة لحديث أنس قال : ” قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان “([7]).
وعنه رضي الله عنه قال :” قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حين قتل القُرَّاء فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزناً قط أشد منه”([8]).
وهي أطول مدة قنتها رسول الله عليه الصلاة والسلام في حياته، فلماذا اقتصر نبينا عليه الصلاة والسلام على شهر واحد رغم أنه لا دلالة في أن من دعا عليهم آمنوا بالله ودخلوا جميعاً في دين الإسلام، ولا دليل على أن الغزوات ومحن المسلمين توقفت في زمانه، فكيف يمكن القول باستمرارية القنوت اليوم باعتبار أن النوازل مستمرة؟!، وهؤلاء الطائشون يكررون هذه الشبهة وهم لا يقنتون على الدوام في مواطنهم كما علمنا عنهم، فلِمَ إذن الدندنة التي لا داعي لها؟!!!!
ومما لا شك أن السنة بسبب فهم خطأ أو قلة علم، قد يحولها البعض إلى بدعة أو فتنة، لذلك لزم مراجعة واستشارة كبار العلماء قبل إثارة مثل هذه المسائل التي قد تسبب فتنة تضر المجتمع وتفرقه.
والحاصل في هذا الباب : أنه يجب على الدعاة إلى الله وعامة المسلمين عدم إثارة ما يكون سبباً للفتن لفتوى لا تتوافق مع ما يراه البعض، ولا ينبغي أن يقال : إن هذه الفتوى ونحوها صدرت عن هوى أو ضغوط أو الزامات ونحوها مما يتفوّه به بعض المتسرعين.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه أبو داود في سننه رقم (1960) من رواية عبد الرحمن بن يزيد بإسناد صحيح.
[2] محمد بن فهد الحصين، الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية (ص135).
[3] المصدر السابق، الموضع نفسه.
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/437).
[5] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1218) من حديث جابر.
[6] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، (8 /203) ، مقال بعنوان ” نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة “.
[7] متفق عليه.
[8] متفق عليه.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.