أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
2884 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر القرآن والسنة - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-24-2010, 08:44 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم

مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، منْ يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا} [سورة النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب: 70 – 71] . أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

قال الله – تعالى -: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سورة إبراهيم: 1 - 5].

إن أولى ما اتجهت إليه الهمم، واشتدت إليه العزائم، هو «القرآن الكريم» وتفسيره، لأنه «علم يضم أبحاثًا كلية تتصل بالقرآن العظيم من نواحٍ شتى؛ يمكن اعتبار كل منها علمًا متميِّزًا» . انظر: [مقدمة التحقيق لكتاب فنون الأفنان (ص 71)].
فهو كتاب الله - تبارك وتعالى - الفصل ليس بالهزل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من لدن حكيم عليم؛ معجزة الإسلام الخالدة التي أرسل الله - سُبحانهُ وتعالى- بها نبيّهِ ورسولهِ مُحمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأيَّدَ بهِا دعوتهُ، وتحدّى بها قومه، أنزله الله – تعالى - بإذنه، ليخرج الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى نور الهداية والتوحيد، ويزكيهم ويهديهم إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وليكونَ دستور أمةٍ ومنهاج حياة.

قال الله - تعالى -: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. [سورة الزمر 23].

شمَّر العلماء الربانيون عن سواعد الجد، واغترفوا من علومه، لمعرفة معانيه، والعمل بما يقتضيه، فاهتدوا بهديه وتحلوا بأخلاقه، فرفعهم الله - تعالى – به، شاكرين لمولاهم، مؤدين حقه بتعلُّمه وتعليمه، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وأثقل لهم الموازين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين). (صحيح) (رواه مسلم).

القرآن لغة: [مصدر قرأ بمعني تلا، أو بمعني جمع، تقول قَرَأَ قَرْءًا وقرآنًا.

كما تقول : غفر غَفْرًا وغُفرانا، فعلى المعني الأول (تلا) يكون مصدرًا بمعني اسم المفعول؛ أي بمعني (متلوّ)، وعلى المعني الثاني: (جَمَعَ) يكون مصدرًا بمعني اسم الفاعل، أي بمعنى (جامع) لجمعه الأخبار والأحكام. ويمكن أن يكون بمعني اسم المفعول أيضًا، أي: (مجموع)؛ لأنه جُمِعَ في المصاحف والصدور.

والقرآن اصطلاحًا : كلام الله - تبارك تعالى -؛ وأنزله بوساطة جبريل - عليه الصلاة والسلام - على رسوله وخاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم -]. انظر: [أصول في التفسير لابن عثيمين رحمه الله -]. قال - تعالى - : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً}. [سورة الانسان (23)].

نزول القرآن الكريم : أول ما نزل نزل القرآن الكريم على رسول - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر في شهر رمضان، قال الله - تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. [سورة القدر (1)].

وقال الله - تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. [سورة الدخان (3 – 4)]. وقال - تعالى - : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. [سورة البقرة (185)].

نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى بيت يقال له بيت العزَّة في السماء الدنيا، ثم صار يتنزّل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة بالتدريج على مدى ثلاثٍ وعشرين عاما، خلال فترتين"مكيةٍ ومدنية".

قال الله - تعالى - : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [سورة الفرقان (32)].

وذلك أبلغ في التثبيت والفهم لما فيه من أوامر ونواهي، وقصص وعبر وعظات, فينيبوا إلى الله - تعالى ويفردوه بالعبادة, ويتبرّءوا من الآلهة الأنداد والشركاء، وليتقوا سخط الله وعذابه، وأليم عقابه.

ونزل "بلغة العرب" لغة الحبيب المصطفى محمد رسول - صلى الله عليه وسلم - وقومه، قال الله – تعالى - : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف (2).

وقال - تعالى - : {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [سورة الزمر (27 – 28)].

وقال - تعالى - : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}. [سورة فصلت (44).

بدأه الله - جلَّ في علاه - بأم الكتاب "سورة الفاتحة"، وختمه بسورة الناس، فكان هدى ورحمة وشفاء.

وقال تعالى : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. [سورة الحشر (21)].

وصفه الله - تعالى - بأوصاف كثيرة، تدل على عظمته وبركته وتأثيره وشموله، وأنه حاكم على ما قبله من الكتب.

قال الله - تعالى - : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ}. [سورة المائدة (48)].

وقال الله - تعالى - : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. [سورة الأنعام (155)].

وقال الله - تعالى - : {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. [سورة فصلت (42)].

نقل إلينا بالتواتر، فقد تكفل الله - تعالى – بحفظه، ولم يصبه ما أصاب الكتب السماوية قبله من التحريف والتبديل وانقطاع السند، ولم يحاول أحد من أعداء الإسلام على مدى السنين أن يُغيِّر فيه أو يبدِّل، أو يزيد أو ينقص، إلا هتك الله ستره، وفضح أمره. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. [سورة الحجر (9)].


***************

مقدمة يسيرة في تفسير القرآن الكريم.

قال الله - تعالى - : {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة آل عمران: 164].

تعريف التفسير :

التفسير لغة : مأخوذ من مادة فسَرَ. وهي تدل على إيضاح الشيئ وظهوره وبيانه. أو الكشف عن معنى غامض، قال - الله تعالى -: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[سورة الفرقان : 33].

التفسير اصطلاحا: "علم يبحث فيه عن القرآن الكريم، من حيث دلالاته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية". انظر : [مناهل العرفان للزرقاني].

أهمية علم التفسير:

إن مباحث العلوم تتفاضل، وإن من أجلَها مكانة، وأعلاها شرفاً علوم القرآن الكريم، لأنها موصولة بكلام الرحمن، إذ أن شرف العلم من شرف المعلوم.
قال الله - تعالى - : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الإسراء : 9 ــ 10].

1. لقد أدرك الصحابة الكرام رضوان الله – تعالى - عليهم أجمعين، ومن سار على دربهم من سلفنا الصالح رحمهم الله – تعالى - هذا الشرف العظيم الذي امتن الله - تعالى - به عليهم بهذه الأهلية، وبحمل راية الإسلام، وبتنزَل القرآن الكريم على خير الأنام نبينا وحبيبنا ورسولنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فأقبلوا عليه يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، جعلوا منه غذاء لأرواحهم، وقرَة لأعينهم، تعلموا حلاله وحرامه، ونفَذوا أحكام، وأقاموا حدوده، وطبَقوا شرائعه، فكان شفاء لأرواحهم وأجسادهم، أعلى الله - تعالى - به شأنهم، وزكت نفوسهم، وسَمَتْ أخلاقهم، وَصَلُحَتْ سرائرهم، واستحقوا أن يكونوا أهل القرآن الكريم "أهل الله وخاصته".

عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم - : (إن لله - تعالى - أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) [صحيح الجامع 2165]؛ فكانت أهلية تكليفٍ وتشريفٍ وتكريم، بأن أضيف أهل القرآن إلى الله ــ تبارك وتعالى ــ، فرفعهم الله ــ تعالى ــ بها، وأعلى شأنهم قبل أن يرفعهم بأحسابهم وأنسابهم، وأعزَ بهم الإسلام، ففتحوا البلاد وقلوب العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فعن عمر ــ رضي الله عنه ــ قال : قال رسول لله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : (إن الله ــ تعالى ــ : يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين) [مختصر مسلم 2102] و [صحيح الجامع 1896].

قال الله - تعالى - : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء : 82 ــ 83].

2. علم التفسير جزء من علوم القرآن الكريم، إذا تدبَره القارئ، يعرف به ربه - تبارك وتعالى - فيزداد محبة له، وإيمانا به، وخشية وتعظيما له، وخوفا ورجاء وإخلاصا، ويوحَده حق توحيده على نور من ربه بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

3. بالتفسير يُـفهم " كلام الله القرآن الكريم "، وَيَعرفُ الخلقَ مراد الخالق - سبحانه - من خلقه.

4. وبه يُقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أخلاقه وهدية، وما أرْسِلَ به.
فقد بيّنَ صفات أهل السعادة والشقاء، وأهل الخير والشر، ترغيباً وترهيباً لأخذ العبرة، والتنافس في ميادين الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، وترك المنكرات، وإدراك الغاية العظمى التي من أجلها خلق الله - تبارك وتعالى - العباد .

5. بالتفسير تُعرف السّور المكيّة من السّوَر المدنيّة وما فيها من آداب وأحكام ، ويعرف تاريخ التشريع وتدرّجه، فتحصل الثقة به، والإطمئنان إليه، فقد ضرب الله - تعالى – في القرآن الكريم الأمثال، وذكر قصص الأولين والاخرين، وما سيؤول الناس إليه يوم الدين، وبيّنَ سبيل المؤمنين، وحذر من سبل الشياطين، وأرشدنا إلى وسائل النجاة منهم ومن أعوانهم.

حكم تعلَم التفسير:

1. علم التفسير فرض كفاية: إن قام به أفراد من العلماء سقط عن العموم. قال الله - تعالى -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [سورة ص : 29].

إذ لا ينبغي أن تخلو الأمَة من علماء بالتفسير هم أدرى من غيرهم من الناس باللغة العربية، وسعة آفاقها، عقلوا التفسير وفهموه على ما يقتضيه اللسان العربيّ المبين، الذي خاطب الله الناس به، وحملوه على ظاهره المفهوم بذلك اللسان، دون نفيٍ، ولا تكييف، ولا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تأويل باطلِ في حق الله - عز وجلّ -.

علماء أعلم من غيرهم من المكلفين بما علموه من الأوامر والنواهي الشرعية، وأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ، والمُحكَم والمُتشابه، والمُطلق والمُقيد، والعُموم والخُصوص، والإيجاز والإطناب، والمُجمَل والمُـبَيّـِن والمُـبَـيَّن. وما إلى ذلك.
فيوضّحون المُشْكِل وما يستنبطونه من حِكَمٍ وأحْكام، ويُعلَمون الأمة ما خفي عليها من معاني كلام الله - تبارك وتعالى -. لتتوحد المفاهيم، وتقام الشرائع، ويعمل بالعبادات والأحكام والمعاملات على هدىً من الله – تبارك وتعالى -.

2. فرض عين: على كل أحد بحيث لا يُعذرُ أحد بجهله، وعلى كل منهم واجبُ تعلمه، وذلك لمعرفة ربهم - سبحانه وتعالى - بأسمائه وصفاته، وما يقيمون به فرائضهم وعقائدهم وعباداتهم، وما تستقيم به شؤون حياتهم من أوامر ونواهي، وحدود، ومحرمات، وأخلاق، ومعاملات، قال الله – تعالى -: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [سورة محمد : 24].
أقسام التفسير :

1. تفسير لا يعلمه إلا الله - تبارك وتعالى -، لم يطلع الله عليه نبيًا مرسلا، ولا ملكًا مقربًا، كالأمور الغيبية، وآيات الصفات لله - عزّ وجلّ - وفواتح السور مثل : (الم، طه، المر، حم، حمعسق، ص، ق، يس، ... وغيرها).

وقد تلقَى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الأمور الغيبية بالقبول والإذعان، وبلغها لصحبه الكرام دون شرح أو بيان - إلا ما شاء الله - وكذلك هم تلقوها عنه - صلى الله عليه وسلم -.

وأما آيات الصفات : فلأنهم يؤمنون بها ويثبتونها كما جاءت ويجهلون الكيفية، قالوا " أمرّوها كما جاءت ".
وعند تفسير فواتح السور : قال سلفنا الصالح : " الله أعلم بمراده ".

2. تفسير " بالرواية " : وهو ما يسمى بالتفسير "بالمأثور" أو "النقل" : وهو من أفضله وأجوده إذا توافرت الأدلة من الكتاب والسنة على صحته وقبوله.

كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد - رحمهما الله تعالى - قوله : [وكلمة الإنصاف في هذا الموضوع أن التفسير بالمأثور نوعان:

أحدهما : إذا توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد ردّه، ولا يجوز إهماله وإغفاله، ولا يَجمل أن نعتبره من الصوارف عن هَدْي القرآن الكريم، بل هو على العكس، عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن.

ثانيهما: ما لا يصح لسبب من الأسباب الآنفة أو غيرها، وهذا يجب رده، ولا يجوز قبوله، ولا الاشتغال به، ولا يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن كثير، يتحرَون الصحة فيما ينقلون، ويزيّفون ما هو باطل وضعيف] ا هـ. انظر : [مناهل العرفان للزرقاني].

أما التفسير بالمأثور الذي يحتاج إلى شرح وبيان فقد اشتهر منه أربـع طـرق، وهي :

1. تفسير القرآن بالقرآن : هو من أبلغ أنواع التفسير ، فالقرآن كلام الله - تبارك وتعالى - وهو - سبحانه - أعلم بمراده. فأحيانا تجد تفسَير آية بآية أخرى في موضع آخر، ولفظة بلفظة، ومعنى بمعنى، وأسلوبا بأسلوب آخر في موضع غيره، بيَن بالتفصيل فبسط في موضع، واختصر في موضع غيره، أجمل وفسّر، وقيَد وأطلق، وخصَص وعمَم، وحذف وأضاف. وهذا من وجوه الإعجاز في كتاب الله - سبحانه - .

وهو نوعان

1.تفسير المفهوم من آية بآية أخرى في موضع آخر : ــ قال الله – تعالى - : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة : 35 ــ 37 ].

جاء بيان هذه الآية وتفسير ما حدث بمزيد بيان في موضع آخر من القرآن الكريم ، بقوله - تعالى - : {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعرف 19 ــ 23].

2. بيان وتفسير ما استثناه الله - تبارك وتعالى – في موضع بموضع آخر : وذلك كقوله – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [سورة المائدة : 1].

جاء بيان وتفسير ما استثناه الله - تبارك وتعالى – {إِِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [سورة المائدة : 1] بقوله - تعالى - : في موضع آخر من سورة المائدة : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة : 3].


من محاضرات مادة التفسير : في اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.