أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
21872 104572

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-19-2017, 09:31 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش بقلم د. صادق بن محمد البيضاني (متجدد)

شبهة موالاة حكام العرب للكافرين على المسلمين
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)


بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة (1)

لقد نتج عن الفكر التكفيري جملة من السموم الفتَّاكة بالمجتمعات الإسلامية والتي من أبرزها وأضرها استحلال الدماء والأموال وإعلان الجهاد على دول الإسلام، بحجة أنها أصبحت بلاد كفر لا إسلام بزعمهم، حتى ادعى بعضهم وليسوا جميعاً تكفير كل مقيم في هذه الدول، وهذا ما نص عليه شكري مصطفى([1]) الذي يقول : " إن القول بأن الدار دار كفر مسوغ لتكفير كل مقيم فيها".
وقد تعلق هؤلاء بعدة شبهٍ، ومن أبرزها : ” قولهم : إن الدول العربية اليوم موالية للكافرين الصليبيين على المسلمين في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها وإنها تحارب المجاهدين، ولبيان هذه المسألة بإيجاز أقول وبالله التوفيق :
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى ” لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة “([2]) : نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك فقال تعالى : ” ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ” أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله..... وقوله تعالى : ” إلا أن تتقوا منهم تقاة” أي إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته كما قال البخاري عن أبي الدرداء : إنه قال : إنا لنكشِّر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم “([3])اهـ
” وجاء عن ابن عباس أنه قال ” نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين وذلك قوله : ” إلا أن تتقوا منهم تقاة "([4])”.
قال الشوكاني : وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً ، وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا : لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام([5]).
قلت : الخلاف مأثور عن معاذ بن جبل ومجاهد ، وما أثر عنهما مخالف لما عليه عامة أهل العلم في القديم والحديث حتى قال الحسن البصري رداً على هذه الدعوى ” التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة”([6]).
” وقيل : … والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم ومن أكره على الكفر”([7]).
قال البيضاوي في تفسيره ” منع من موالاتهم ظاهراً وباطناً في الأوقات كلها إلا وقت المخافة فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز([8]).
قال ابن القيم ” ومعلوم أن التقاة ليست بموالاة؛ ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضي ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال، إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية. وليست التقية موالاةً لهم”([9]).
قلت : وحاصل هذه المسألة ” أن من أظهر لهم المجاملة والتلطف والصداقة وهو كافر بدينهم فلا يعد موالياً لهم طالما هم ظاهرون على أهل الإسلام ويخشى أهل الإسلام من بطشهم فإن اللسان لا يعد معبراً عما في القلب إن كان تقية ، وهذا حاصل ما سبق من أقوال أهل العلم ، وبهذا يتبين أن نوع الموالاة التي يخرج بها المسلم من دين الإسلام إلى دين الكفر هو حبهم على ما هم عليه من الكفر أو موافقتهم على دينهم باطناً أو ظاهراً مع شيء من الباطن ، وكذلك من أعانهم على سفك دماء المسلمين مستحلاً ذلك ، وأما من أعانهم من غير استحلال لخوف أو إيذاء عظيم أو ما أشبه ذلك فقد ارتكب جرماً عظيماً، وهو تحت المشيئة ويعد من الولاء لكنه لا يعد الفاعل كافراً طالما لم يستحله، بل ظالم وفاسق، والله يتولاه يوم العرض؛ لأن القتل والإعانة عليه من الكبائر غير المخرجة عن دين الإسلام إلا من استحل ذلك.
ومما يؤكد شرط الموالاة الباطنية ما اعتذر به النبي -عليه الصلاة والسلام- لحاطب بن أبي بلتعة الذي " كتب إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله عليه الصلاة والسلام إليهم ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشا" ([10])، ثم إن النبي- عليه الصلاة والسلام- سأل حاطباً ليتبين هل له من عذر، أو دافع يخرجه من مأزق الموالاة لأعداء الله مما قد يتبادر إلى ذهن الآخرين ، فقال له : " يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش، وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : صدق" [ متفق عليه ].
ومنه ما جاء في قصة عمار واعتُذِر له بمثل قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"([11]).
وهذا الباب له ضوابطه وموانعه من إكراه، أو جهل، أو خطأ، أو تأويل، أو شبهة، ونحوها من هذه الأمور، وقد بسطت كل ذلك بأدلته في كتابي " الموالاة والمعاداة في الاسلام" وهو كتاب مطبوع متداول.
ويدخل في سلك التكفيريين اليوم كافة الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان وباكستان واليمن وغيرها، فإنها تكفر كل من خالفها وتستحل دمه، حتى كفروا حكام العرب السنة، وهذا لا يخفى على كل عاقل، ثم إن خطر هذه الميليشيات الشيعية التكفيرية على الاسلام والمسلمين أشد من خطر الدواعش والخوارج التكفيريين لكونهم يعتقدون عقيدةً اثني عشرية إمامية رافضية لا تؤمن بأدلة الكتاب والسنة ويكفرون عامة الصحابة ويطعنون في الاسلام، ويستبيحون دماء المسلمين السنة، وقد سبق بيان هذه الخطورة مبسوطة في غير هذا المقام.
ولكي يهربوا من هذه التهمة اتهموا كل من خالفهم اليوم بأنه داعشي وعرضوه للحبس والتنكيل أو قتلوه، حتى وإن كان من ألد خصوم الدواعش.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
....الحواشي....

[1] شكري أحمد مصطفى، مصري الجنسية، كان من الإخوان المسلمين في بداية أمره، وقد سجنه الرئيس جمال عبد الناصر ضمن قادة الإخوان في الستينيات الميلادية ثم تأثر بفكر الخوارج لدى خروجه من السجن فنقم على الدولة وعلى الإخوان، فتبرأ منه الإخوان، وتم سجنه مرة أخرى، ومن ثم إعدامه شنقاً عام 1978م.
[2] سورة آل عمران ، الآية رقم (28).
[3] تفسير ابن كثير(1/476).
[4] تفسير ابن جرير ( 3/227).
[5] فتح القدير للشوكاني (1/500).
[6] انظر : تفسير القرطبي ( 4/60).
[7]المصدر السابق (4/57).
[8] كتاب التفسير للبيضاوي (ص25).
[9] بدائع الفوائد لابن القيم (3/575).
[10] زاد المعاد لابن القيم (3/ 398).
[11] سورة النحل ، الآية رقم (106)..
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-20-2017, 12:27 AM
أبو عبد الله عادل السلفي أبو عبد الله عادل السلفي غير متواجد حالياً
مشرف منبر المقالات المترجمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الولايات المتحدة الأمريكية
المشاركات: 4,043
افتراضي

بارك الله في الشيخ ونفع به... مقال نافع جزاه الله خيرا.
__________________
قال أيوب السختياني: إنك لا تُبْصِرُ خطأَ معلِّمِكَ حتى تجالسَ غيرَه، جالِسِ الناسَ. (الحلية 3/9).

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب (( مقالات الإسلاميين)):
"ويرون [يعني أهل السنة و الجماعة ].مجانبة كل داع إلى بدعة، و التشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار، و النظر في الفقه مع التواضع و الإستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة و النميمة والسعادة، وتفقد المآكل و المشارب."


عادل بن رحو بن علال القُطْبي المغربي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-20-2017, 10:44 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (2) حكم ” الانضمام لهيئة الأمم المتحدة “

حكم ” الانضمام لهيئة الأمم المتحدة “
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (2)

هيئة الأمم المتحدة منظمة عالمية تهدف حسب دعوى الغرب إلى حفظ السلام العالمي ومنع نشر الأسلحة والمحافظة على حقوق الإنسان ، ويندرج تحت هذه الأهداف العامة أهداف أخرى تشمل التعليم والتعاون بين دول الأعضاء في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ونحوها من مهمات الأمور، ويحق لكل دولة مستقلة في العالم أن تنظم لهذه المنظمة بشرط احترام قوانينها، ولكل دولة ما تراه من الدين والعادات والتقاليد، ولا تُلْزِم دول الأعضاء بالتخلي عن دينها وعقائدها لكنها تدعو الجميع إلى احترام الأديان والتعاون مع جميع الدول بما يحقق السلام العالمي، هكذا جاء في لوائحها.
وجميع الدول العربية تعتبر ذات عضوية فاعلة لدى منظمة الأمم المتحدة ، ولكل دولة ممثلٌ عنها في مقرها الرئيس بالولايات المتحدة الأمريكية.
ولسنا بصدد الحديث عن تاريخها ولماذا قامت ؟ ومتى قامت ؟ وبسط مفاهيمها وأعمالها سواء كانت شرعية أو غير شرعية؛ وإنما بصدد بيان الحكم الشرعي في الانضمام إليها، والرد على من يدعي من الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير أن مجرد الانضمام إليها يعد كفراً. ولتوضيح ذلك يتأكد علينا معرفة أمور :
الأول : ماذا يعني الانضمام لمنظمة هيئة الأمم المتحدة ؟
الثاني : متى تكون قرارات الأمم المتحدة ملزمة، ومتى لا تكون ملزمة؟
الثالث : ماذا يبني على عدم الانضمام لمنظمة هيئة الأمم المتحدة ؟
والجواب عن ذلك كله من خلال معرفتنا العامة : أن كل دولة تنضم لهيئة الأمم المتحدة يحق لها ما لغيرها من الدول الكبرى من حيث الاعتراف بسيادتها وحفظ حقوقها وعدم التدخل في شؤونها بموجب الدساتير الدولية، ولا تكون كل قرارات الهيئة ملزمة لأي دولة في شيء يخص دينها وعقيدتها وشؤونها الداخلية إلا ما كان فيه انحيادية وتدخل في شؤون أخرى لا تعنيها أو تمس غيرها بالأذى .
وعدم الانضمام إلى هذه الهيئة يعني عدم الاعتراف بسيادتها مما يجعلها لقمة سائغة للآخرين وذريعةً للتدخل في شؤونها الداخلية ، على أن هناك مطالبات من الأمم المتحدة تطالب بها جميع الدول ولا تكون ملزمة ، بل يحق لأي دولة في العالم أن ترفضها وتبرر الرفض.
ولما اطلع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- على مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة رفض ما جاء فيها من بنود، وقد أعلنت السعودية واليمن وكافة الدول الاسلامية والعربية رفضها لكل ما ورد فيها من بنود تتصادم مع الشريعة والفطرة والعقل السليم.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله - : " وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية ، وأحكام ضالة في سبيل تحقيق ذلك ، منها : الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين ، والدعوة إلى الإباحية باسم : الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة ، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين ، وأن الدين عائق دون المساواة . إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر والضلال المبين ، والكيد للإسلام وللمسلمين ، بل للبشرية بأجمعها وسلخها من العفة ، والحياء، والكرامة.
لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين ، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الفاجر، وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين([1]).
وبالفعل لم تطبق هذه الوثيقة في البلدان العربية والاسلامية، ولم تكن ملزمة لكونها مخلة بالدين ، وهذا فيه دلالة واضحة على أن ما يصدر عن هيئة الأمم المتحدة من المطالبات التي تتعارض مع عقائد وسلوكيات البلدان لا يكون ملزماً، ولكل دولة حق الرفض مع التبرير بما يوافق دينها ومعتقداتها، وأمثلة ذلك كثيرة.
ولا يعني ذلك أن الأمم المتحدة ودول الكفر يحترمون الإسلام؛ بل يتمنون لو أزيل من على وجه الأرض، وهذا مصداق قوله تعالى ” وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ “([2]).
وإنما القصد من ذلك أن قراراتهم المنافية للدين لا تُلزم دول الأعضاء بقبولها جملة وتفصيلاً، وللجميع حق الرفض مع التبرير بما يوافق دينهم ومعتقداتهم.
فإذا علمنا ذلك صار معلوماً لدينا جميعاً أن قضية الانضمام لهيئة الأمم المتحدة بمثابة ما يعود على المسلمين بالمصالح، ورفض ما يخالف الدين، وصار هذا الانضمام بمثابة هدنة أو تصالح أو تحالف أو عهود لا تمس الدين ، وهذه مسؤولية ولاة الأمر.
قال شيخ الإسلام ” فإن بني آدم لا يمكن عيشهم إلا بما يشتركون فيه من جلب منفعتهم ودفع مضرتهم؛ فاتفاقهم على ذلك هو التعاقد والتحالف … فأما إذا كان القول على الشريعة التي بعث الله بها رسوله في دينهم ودنياهم فإن ذلك يغنيهم عن التحالف إلا عليها، فعليها يكون تحالفهم وتعاقدهم وتعاونهم وتناصرهم… لكن هذا إنما كان ظاهراً في أيام الخلفاء الراشدين ، وبعدهم كثرت العقود الموافقة للشريعة تارة والمخالفة لها أخرى، فلا جرم أن الحكم العام في جميع هذه العقود أنه يجب الوفاء فيها بما كان طاعة لله ، ولا يجوز الوفاء فيها بما كان معصية لله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة ” ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق “([3])اهـ
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ” بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء ، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر ، فلا بأس في ذلك .
وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك.
والواجب على كل من تولى أمر المسلمين ، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر ، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر؛ عملا بقول الله عز وجل : ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا”([4]) ، وقوله سبحانه : “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا “([5]).
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر … وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين ، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس ، أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية – إن كانوا من أهلها – فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية ، وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى : “قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ “([6]) ، وقوله عز وجل : ” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ “([7]) إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك ، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية ويوم الفتح ، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا([8]).اهـ
والحاصل : أن الانضمام لهيئة الأمم المتحدة يُعد كفراً إذا اعتقد الوالي صحة كل ما يصدر عنها مما يخل بديننا الحنيف، أما مجرد انضمام لمصلحة أو مصالح مترتبة لأهل الإسلام، وذلك وقوفاً عند مواثيق دولية لا تخالف الدين أو فيها مصلحة راجحة للمسلمين، فلا حرج من ذلك وهذا من صلاحية ولاة الأمر في حدود المصلحة غير المنافية للدين كما تقدم.
وقد ناشد سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله المسلمين في نصرة إخوانهم في البوسنة والهرسك وذكر الحكام بالمواثيق الدولية التي تمنح شعب البوسنة حقها كما في لوائح منظمة الأمم المتحدة فقال رحمه الله ” فالله الله أيها الحكام المسلمون، انصروا إخوانكم ، وقفوا في صفهم، وادفعوا العدوان عنهم ، وطالبوا المجتمع الدولي باستعمال نفوذه في إيقاف الصرب عن عدوانهم، وإنزال أشد العقوبات بهم حتى يقفوا عند حدهم، ويلتزموا بالمواثيق الدولية التي التزم بها المسلمون في البوسنة والهرسك([9])اهـ.
ولا يقصد بذلك التحاكم إلى المحكمة الدولية ورد شريعة الإسلام؛ وإنما يقصد المواثيق التي فيها مصلحة لهذه الأمة ورد الباطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، والمقال كان رداً على مؤتمر بكين للمرأة عام 1416هـ ، (9 /203).
[2] سورة البقرة، آية (120).
[3] قاعدة في المحبة لابن تيمية (ص121-129)، والحديث متفق عليه من حديث عائشة ، واللفظ لمسلم.
[4] سورة النساء ، الآية رقم (58).
[5] سورة الأنفال ، الآية رقم (61).
[6] سورة التوبة ، الآية رقم (29).
[7] سورة الأنفال ، الآية رقم (39).
[8] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (8/224 وما بعدها).
[9] كلمة لابن باز بعنوان ” دعوة إلى المبادرة بإسعاف المسلمين في البوسنة والهرسك” كما في المصدر السابق.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-20-2017, 11:55 PM
ناصر اليماني ناصر اليماني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2014
الدولة: اليمن
المشاركات: 315
افتراضي

شكر الله لكم ، جهود رائعة جدا ، ويا حبذا أنت تُرفع هذه المقالات في ملف بصيغة pdf وغيرها.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-21-2017, 10:11 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (3) شبهة الفكر الخارجي حول حديث : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب([1])

شبهة الفكر الخارجي حول حديث : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب([1])
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (3)

لقد استدل أصحاب هذا الفكر بحديث الباب باعتبار أن حكام المسلمين لم يستجيبوا الأمر النبوي بإخراج المشركين " اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر من جزيرة العرب " وجعلوا عدم العمل بهذا الحديث ذريعة لتكفير الحكام والخروج عليهم.
والجواب عن ذلك : أنَّ ترك العمل بالحديث معصية على فرض أنه يفيد وجوب إخراج الكافرين من جزيرة العرب باعتبار من يقول بهذا القول من أهل العلم.
فإذا علمت ذلك فأعلم أنه جرى بين أهل العلم نزاع كبير حول هذا الحديث :
قال المروذي ” سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن قول النبي عليه الصلاة والسلام: ” أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ” قال : هم الذين قاتلوا النبي عليه الصلاة والسلام ، ليست لهم ذمة، ليس هم مثل اليهود والنصارى، أي يخرجون من مكة والمدينة دون الشام يريد أن اليهود والنصارى يخرجون من مكة والمدينة”([2])اهـ
وقال الشوكاني : ” وظاهر الحديث أنه يجب إخراج المشركين من كل مكان داخل في جزيرة العرب، وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذي يُمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة، قال : وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب “([3])اهـ.
” قال مالك والشافعي وغيرهما: إلا أن الشافعي والهادوية خصوا ذلك بالحجاز، قال الشافعي : وإن سأَل من يعطي الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن له ذلك ، والمراد بالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها …. قال الشافعي : ولا أعلم أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة ، وليس اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن”([4]).
” وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال : إن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” أخرجوا اليهود من الحجاز “([5])
فأما إخراج أهل نجران منه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد ولا يمنعون أيضاً من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ونحوهما لأن عمر لم يمنعهم من ذلك”([6]).
قلت : الأدلة الثابتة في هذا الباب متكاثرة منها حديث الباب ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ليهود المدينة ” اعلموا أنما الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله”([7]) ، وحديث ابن عمر قال ” أجلى رسول الله يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبدالله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهودي كان بالمدينة”([8]) ، وحديث عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول ” لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً “([9])، وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : آخر ما عهد رسول الله ” لا يُترك بجزيرة العرب دينان “([10])، وحديث أبي عبيدة بن الجراح قال ” آخر ما تكلم به رسول الله يقول أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب”([11]).
قال الأصمعي : جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولاً، ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضاً، وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر فارس والحبشة، وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم([12]).
قلت : وبعد النظر في مجموع هذه الأحاديث يتبين أنه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب وما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أخرج من كان في الحجاز لا ينافي عدم إخراجهم من كل الجزيرة لوجود ما يدل على ذلك كالحديث السابق ” لا يُترك بجزيرة العرب دينان” وفي لفظ ” لا يترك دينان ” ، وكحديث ” أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب “.
قال الصنعاني ” لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الأمر بإخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الإسلام من جزيرة العرب والحجاز بعض جزيرة العرب، وورد في حديث أبي عبيدة الأمر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب، والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم كما قرر في الأصول : أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام وهذا نظيره ، وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء ، وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد في إخراجهم من الحجاز لأنه دخل إخراجهم من الحجاز تحت الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ، وكيف وقد كان آخر كلامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ” كما قال ابن عباس : أوصى عند موته”([13]).. وأما قول الشافعي : إنه لا يعلم أحداً أجلاهم من اليمن ، فليس ترك إجلائهم بدليل؛ فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة، وقد ترك أبو بكر رضي الله عنه إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردّة لم يكن ذلك دليلاً على أنهم لا يُجلون؛ بل أجلاهم عمر رضي الله عنه ، وأما القول بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ : ” خذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً “([14]) فهذا كان قبل أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإخراجهم؛ فإنه كان عند وفاته كما عرفت، فالحق وجوب إجلائهم من اليمن لوضوح دليله، وكذا القول بأن تقريرهم في اليمن قد صار إجماعاً سكوتياً لا ينهض على دفع الأحاديث؛ فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من الآحاد أو من خليفة أو غيره من فعل محظور أو ترك واجب لا يدل على جواز ما وقع ولا على جواز ما ترك؛ فإنه إن كان الواقع فعلاً أو تركاً لمنكر وسكتوا لم يدل سكوتهم على أنه ليس بمنكر، لما علم من أن مراتب الإنكار ثلاثة : باليد أو اللسان أو القلب وانتفاء الإنكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب، وحينئذٍ فلا يدل سكوته على تقريره لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعاً سكوتياً، إذ لا يثبت أنه قد أجمع الساكت إلا إذا علم رضاه بالواقع ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب ([15])اهـ
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب فضيلته بقوله: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته : “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب” وفي صحيح مسلم أنه قال: “لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً” ، لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة، وحيث قلنا : جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم ، ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم، وفي المسلمين – ولله الحمد – خير وكفاية([16]).
وبنحو ذلك أفتت اللجنة الدائمة تحت الفتوى رقم (19653)، وعلى رأسها العلامة ابن باز رحمه الله حيث جاء في جواب الفتوى : ” الواجب عليكم إنهاء عقد هذا العامل الكافر، وإبداله بعامل مسلم يوثق به، لما في التعاقد مع المسلم من التآزر والتكافل، وإعانته على أمور دينه ودنياه، مما يكون سببًا في تقوية المسلمين ضد أعدائهم، ولأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يستقدم لها الكفار.
أما التعاقد مع الكافر من وثنيين ومجوس ويهود ونصارى وغيرهم، وإبقاؤهم بين المسلمين – فإن ضرره كبير، وخطره جسيم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن والشرور ما لا تحمد عقباه، حيث يسهل عليهم نشر معتقداتهم وعاداتهم بين المسلمين، والتأثير فيهم، كما أن في التعاقد معهم إعانة لهم على باطلهم، وتقوية اقتصادهم، وتنفيذ مخططاتهم ضد المسلمين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى عند موته بإخراج الكفار من جزيرة العرب، فقد أخرج البخاري في صحيحه ، من حديث ابن عباس ، وجاء فيه : ( وأوصى عند موته بثلاث، قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.. الحديث) ، ولذلك أجلى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود من المدينة، ومنعهم من سكناها، فأجلاهم إلى خيبر، فلما فتح ما بقي من خيبر همَّ بإجلاء من بقي ممن صالحهم للعمل في خيبر، ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض، فأبقاهم للضرورة، فلما قويت شوكة المسلمين وزالت الضرورة، أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته من جزيرة العرب كلها.
وعقد استقدام العامل الكافر لا يجوز الاستمرار فيه، ولا يجب الوفاء به حتى انتهاء مدة عقده، فلا يدخل في عموم قول الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ” ([17]) ، كما يظنه بعض من قال لك ذلك، وإنما المراد بها وجوب الوفاء بالعقود التي يجب الوفاء بها، سواء كانت بين الله وبين عباده، كالعقود التي عقدها الله على عباده، وألزمهم بها من أحكام دينه، أو كانت بين العباد بعضهم على بعض مما يجب الوفاء به، وهو ما وافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خالفهما فلا يجب الوفاء به، ولا يحل الالتزام به”([18]).
والحاصل : أنه لا يجوز دخول الكافرين جزيرة العرب ، إلا لمصلحةٍ فيها نفع للمسلمين بحيث تكون إقامتهم بقدر الحاجة التي تفي بالمقصود، ويمنعون مطلقاً من دخول الحجاز ” مكة والمدينة “لتأكيد النبي عليه الصلاة والسلام بإجلاء اليهود منها.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/371).
[3] نيل الأوطار للشوكاني (8/143).
[4] سبل السلام للصنعاني (2/ 490).
[5] أخرجه أحمد في مسنده، والحديث صحيح.
[6] المغني لابن قدامة (10/603).
[7] متفق عليه.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1766).
[9] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1767).
[10] أخرجه أحمد في مسنده رقم (26395).
[11] أخرجه أحمد في مسنده رقم (1691).
[12] نيل الأوطار للشوكاني (8/143).
[13] هو حديث الباب ، واللفظ للبخاري.
[14] أخرجه أبو داود في سننه رقم (3038) والحديث صحيح.
[15] سبل السلام للصنعاني (1/200).
[16] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ( 3/400).
[17] سورة المائدة، آية رقم (1).
[18] فتاوى اللجنة الدائمة (14/388 وما بعدها).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-22-2017, 08:34 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (4) شبهة : أن أهل الثغور هم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد

شبهة : أن أهل الثغور هم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (4)


ادعى أصحاب هذا الفكر أن جماعتهم أهل ثغور، وأنهم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد.
والجواب على هذه الشبهة : أن مسائل الجهاد باب من أبواب الفقه الإسلامي، وأبواب الفقه الإسلامي عِلْمٌ من علوم الشريعة، وقد اتفق أهل النظر والفقه والأصول والحديث أن علوم الشريعة لا تدرك إلا بالأخذ عن العلماء، ولما كان الجهاد له تعلقٌ ملموسٌ بسياسة البلاد كان لولاة الأمر حظ وافر من النظر في مصالح البلاد لحمايتها تحت مشورة العلماء؛ لكونهم فقهاء الجهاد وفقهاء غيره من مسائل الشرع، ثم يتم القطع في أمر الجهاد وتقام الخطط السياسية بترتيب الجيش والعتاد لسد الثغور وحماية البلاد ومقاتلة الأعداء.
وأهل الثغور ” أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له”([1]) ، ويقال للموضع الذي هم فيه رباط ، ويقال له ثغْر ” فهو كالثلمة في الحائط يُخاف هجوم السارق منها، والجمع ثغور”([2]).
ويكلفهم بهذه المهمة من ناحية فقهية ولي الأمر، سواء قاموا بمهمة الحرب أو الدفاع أو الحراسة، وقد يكون فيهم العامي وشبه المتعلم ولا يكونون في العادة علماء ، فكيف يمكن لهم أن يفتوا في مسائل الجهاد ومدلهمات الأمور، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام له حق الفتيا والنظر في مسائل الجهاد، وكان من أرسلهم لا يخرجون عن سياسته، وكذا الأمر في عهد الخلفاء الراشدين المهديين : فقد كانوا أصحاب الأحقية في مسائل القتال وسياسة البلاد، فيعزلون من شاءوا من أهل الثغور وينصبون غيرهم وكانوا يستشيرون العلماء في مثل هذه الأمور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور – في الدولة الأموية والعباسية – أن الإمام يكون إماماً في هذين الأصلين جميعاً : الصلاة، والجهاد، فالذي يؤمهم في الصلاة يؤمهم في الجهاد، وأمر الجهاد والصلاة واحد في المقام والسفر”([3]).
قال شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي رحمه الله ” ويلزم الإمام عشرة أشياء : حفظ الدين، وتنفيذ الأحكام، وحماية البيضة، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجهاد من عاند، وجباية الخراج والصدقات، وتقدير العطاء، واستكفاء الأمناء، وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور”([4]).
ثم مَن هم أهل الثغور في نظر أصحاب هذا الفكر؟ إلا من وافقهم على التكفير والخروج على الولاة وسفك دم الأبرياء ولمز العلماء واتهامهم بشتى التهم المزرية، فهم أصحاب أهواء، ومثلهم لا يؤمنون على الثغور؛ بل يمنعون منها، لكونهم يفسدون عقائد الناس ويفرقون جموع المسلمين ويحرضون الجند على ولاة الأمر.
قال العلماء ” وليس لأهل الأهواء في شيء من الثغور ولا أثر ظاهر، بل هم أشد ضلالة”([5]).
وقال شرف الدين ” والخارجون عن قبضته ( يعني الإمام ) أصناف أربعة ” -ثم قال- : الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون أهل الحق ..، الرابع : قوم من أهل الحق باينوا الإمام وراموا خلعه أو مخالفته بتأويل سائغ صواب أو خطأ ، ولهم منعة وشوكة يحتاج في كفهم إلى جمع جيش : وهم البغاة”([6]).
وقد فرَّق رحمه الله بين مذهب البغاة والخوارج، ولا شك من صحة التفريق باعتبار كل مذهب، وقد جمع مكفرة العصر بين المذهبين لجهلهم بمسار كل طائفة من الطائفتين.
فإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام موكول إلى ولاة الأمر، وهم يستشيرون العلماء كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وليس لأهل الثغور في الشريعة إلا السمع والطاعة بموجب ما يتلقونه من ولاة الأمر، ولذا قال تعالى ” وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”([8]).
” قال الحسن وقتادة وابن أبي ليلى: هم أهل العلم والفقه ، وقال السدي : الأمراء والولاة ، قال أبو بكر ابن العربي : يجوز أن يريد به الفريقين من أهل الفقه والولاة لوقوع الاسم عليهم جميعاً”([9]).
والحاصل : أن أهل الثغور من رعايا ولاة الأمر يأتمرون بأمره وله حق التنصيب والعزل حتى وإن كان فيهم علماء، وليس لأحد أن يربط مسائل الجهاد بأهل الثغور لكونهم تحت إمرة إمامهم والجهاد موكول إليه، ومن كان تحت إمرة إمام فيجب عليه السمع والطاعة في المعروف؛ سواء كان مرابطاً مع أهل الثغور أو في الحضر، عملاً بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام ” على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”([10]).
ـــــــــــــ
[1] عون المعبود للعظيم آبادي (11/216).
[2] الإقناع للحجاوي (4/292).
[3] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/115).
[4] التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر الإسفراييني (ص195).
[5] الإقناع للحجاوي(4/292).
[6] المصدر السابق (4/292).
[7] كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (1/272) وإسناده صحيح.
[8] سورة النساء ، الآية رقم (83).
[9] أحكام القرآن لابن العربي (3/182).
[10] متفق عليه من حديث ابن عمر.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-24-2017, 01:24 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (6) قول الخوارج ” أمريكا بحربها على المسلمين جعلها دولةً حربية

قول الخوارج ” أمريكا بحربها على المسلمين جعلها دولةً حربية فكيف نقول : إنها معاهدة ، وقد صرح رئيسها([1]) أن ما يقوم به هي الحرب الصليبية”
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)

الحلقة (6)

الجواب على هذه الشبهة : أن البلاد المعاهدة مَنْ بيننا وبينها عهدٌ، مثل ألا تحاربنا ولا نحاربها ونحوها من العهود والمواثيق المتفق عليها بين الطرفين المتعاهدين، فإذا شرع الناكث للعهد في حرب المسلمين أو قصد بلادهم للحرب فقد وجب قتاله حال الاستطاعة، وهذا ما يسميه الفقهاء بجهاد الدفع، مع الأخذ في الاعتبار بالقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه.
قال شيخ الإسلام ” وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله، مع القلة والكثرة والمشي والركوب كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسَّمهم فيه إلى قاعد وخارج، بل ذم الذين يستأذنون النبي عليه الصلاة والسلام ” يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَاراً ([2])، فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس وهو قتال اضطرار”([3]).
أما إذا كان الدفع بما هو أشر منه فلا يصح جهاد الدفع، وعلى المسلم درء المفسدة بما لا تكثر مفسدته، لأن ” الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع”([4])، ” ولهذا جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وباحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما فمتى لم يندفع الفساد الكبير …. إلا بما ذكر من احتمال المفسدة القليلة كان ذلك هو الواجب شرعا ، وإذا تعين ذلك على هذا الرجل فليس له ترك ذلك إلا مع ضرر أوجب التزامه أو مزاحمة ما هو أوجب من ذلك”([5]).
فإنه لما دخل جيش التتار إلى الشام وغزا دمشق لم يجد أمامه من يدافع عن البلاد بإبعاد هذا الجيش بسبب ضعف المسلمين وتفرقهم وابتعادهم عن دينهم الحنيف وعقيدتهم السمحة إلى درجة أنهم كانوا يستغيثون بالموتى من دون الله.
ولو عدنا إلى السيرة النبوية وتأملناها تأملاً صحيحاً لوجدنا أن " النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة مستضعفاً هو وأصحابه عاجزين عن الجهاد أمرهم الله بكف أيديهم والصبر على أذى المشركين، فلما هاجروا إلى المدينة وصارت لهم دار عز ومنعة أمرهم بالجهاد وبالكف عمن سالمهم وكف يده عنهم، لأنه لو أمرهم إذ ذاك بإقامة الحدود على كل كافر ومنافق لنفر عن الإسلام أكثر العرب، إذ رأوا أن بعض من دخل فيه يقتل، وفي مثل هذه الحال نزل قوله تعالى ” ولا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ” ([6]).
وهذه السورة نزلت بالمدينة بعد الخندق فأمره الله في تلك الحال أن يترك أذى الكافرين والمنافقين له، فلا يكافئهم عليه؛ لما يتولد في مكافأتهم من الفتنة، ولم يزل الأمر كذلك حتى فتحت مكة ودخلت العرب في دين الله قاطبة، ثم أخذ النبي عليه الصلاة والسلام في غزو الروم وأنزل الله تبارك وتعالى سورة براءة وكمَّل شرائع الدين من الجهاد والحج والأمر بالمعروف فكان كمال الدين حين نزل قوله تعالى ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ “([7]) قبل الوفاة بأقل من ثلاثة أشهر، ولما أنزل براءة أمره بنبذ العهود التي كانت للمشركين وقال فيها: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ “([8])، وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى ” وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ ” ([9]) وذلك أنه لم يبق حينئذ للمنافق من يعينه لو أقيم عليه الحد، ولم يبق حول المدينة من الكفار من يتحدث بأن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، فأمره الله بجهادهم والإغلاظ عليهم، وقد ذكر أهل العلم أن آية الأحزاب منسوخة بهذه الآية ونحوها، وقال في الأحزاب: “لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قليلا. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا”([10]) فعلم أنهم كانوا يفعلون أشياء إذ ذاك إن لم ينتهوا عنها قتلوا عليها في المستقبل، لما أعز الله دينه ونصر رسوله، فحيث ما كان للمنافق ظهور يخاف من إقامة الحد عليه فتنة أكبر من بقائه عملنا بآية الأحزاب، كما أنه حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح، وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا بقوله: ” جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ “([11]).

ولنتأمل في صلح الحديبية – الذي كان بين المسلمين والمشركين – كيف تحمله رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، والذي انتهى بالظفر لأهل الإسلام أهل العلم والحلم والحكمة، فإنه لما كاتب سهيل بن عمرو رسول الله عليه الصلاة والسلام على الصلح وكان من شروط سهيل على رسول الله [أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم] فبينما هم كذلك إذ أقبل أبو جندل رضي الله عنه قادماً من قريش لينضم إلى رسول الله وأصحابه ” فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه ثم قال : يا محمد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال : صدقت، فجعل ينتهره بتلابيبه ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد الناس ذلك إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا جندل، اصبر واحتسب؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم ([12]).

ولذلك لا بد أولاً من تربية المسلمين تربية صحيحة قبل محاربة العدو على أن تكون التربية في كافة النواحي العقدية والشرعية والسلوكية، فإذا صحت التربية الإيمانية وعرفوا قدر العلماء واخذوا منهم الفتيا والمشورة وعرفوا للعلم قدره استطعنا أن نوحد الصفوف وأن نحارب عدونا ولو كان سلاحنا دونهم بكثير، فمما يؤسف له أن كثيراً من المسلمين اليوم يطالبون بنصر الله ويريدون الظفر على أعداء الله وهم على هذه الحال المزرية، مع أن الله اشترط للنصر الإيمان الصادق، فقال جل شأنه : ” وكان حقاً علينا نصر المؤمنين “([13]).

لكن: هل أمريكا اليوم دولة معاهدة أو محاربة؟

والجواب : هي دولة معاهدة من جهة لعموم الدول الإسلامية، وفي حكم المحارب للدول الإسلامية من جهات أخرى، بطرق كثيرة لا تخفى على العقلاء من العلماء والسياسيين، ومن أخطر حروبها على البلاد الإسلامية دعم الجهات العميلة من الداخل لبث الفتن وسفك الدماء وإقلاق الأمن والسكينة وتسهيل خروج الرعية على حكامهم لا لأجل الحقوق والحرية كما تزعم أمريكا، بل لأجل أن يتقاتل المسلمون في أوطانهم، وقد نجحت في أماكن كثيرة من خلال بعض الرعاع وضعاف النفوس والمندسين، فقد قتل من المسلمين في ليبيا واليمن وسوريا والعراق مئات الألوف وشرد ملايين، ولا زالت الدماء تسفك يومياً حتى تاريخ كتابة هذه الأحرف بسبب الديمقراطية وفتن الثورات والانقلابات ، ناهيكم عما يحصل في الدول العربية والإسلامية الأخرى، وكل هذا بسبب مظاهرة أمريكا لأصحاب الفتن، وما يحصل اليوم في بلاد غزة من مظاهرة أمريكا لليهود سوى مثال حي لقتل أبناء فلسطين وتهجيرهم باسم دفاع اليهود عن أنفسهم، وكذا قل في الأقليات المسلمة في الصين الشرقية وبورما وغيرها من بلاد الله المعمورة، وأمثلة كثيرة تبين مظاهرة الغرب وامريكا لكل عدو حاقد على الإسلام والمسلمين.

والغريب أنها تتدخل بين الحين والآخر كوسيط مراوغ، بقصد نفخ الفتنة باسم التسوية السياسية والمصالحة الوطنية والحقوق والحريات، والسلام وإحلال الأمن في المنطقة، مع مظاهرتها لأعداء الدين في الباطن والظاهر معاً، وهذه كلها من أنواع الحروب الباردة التي يجهلها كثير من أبناء المسلمين، لكن لا يعني ذلك أن نعلن الجهاد ضدها علناً ونحزب مجموعة من الشباب لقتالها لأننا ضعفاء، ونحتاج إلى زمن كافٍ في الإعداد والتربية ولأن التعجل سيصير ضرره علينا كمسلمين، وهذا ما نحصده اليوم بسبب تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وغيرهما، فالجهل قد عمَّ صفوف المسلمين لغياب العلم الشرعي الصحيح وبعد الناس عن كبار العلماء، ولذا لم تتوفر شروط الجهاد الأربعة التي تقدمت في المقال السابق الذي بعنوان : " هل ” الجهاد في هذا العصر فرض عين على كل مسلم؟"[(14)] بسبب فقدان التربية الصحيحة والعلم الصحيح، فإن هؤلاء المستعجلين لمّا فقدوا التربية الصحيحة والعلم الصحيح صاروا مجرد أحزاب وعصابات متناحرة مختلفة، في الوقت نفسه تقاتل العدو وتضلل كل من يناصحها ويخالفها من العلماء وغيرهم، وربما كفرتهم، وهذا ما جعلنا أذلاء ضعفاء أمام عدونا، حيث طلبنا الظفر قبل مقوماته.

قال الشيخ محمد أمان الجامي ـ رحمه الله ـ : ” ،وإذا كنّا نُحس أنّ بعضَ الكفارِ في حكم الحربيين، ليس بحربيٍّ فعلاً، ولكنّه في حكم الحربيّ لأنه ظهير للكافر الحربيّ الذي بيننا وبينه الحرب ،ظهيراً له ،ومعيناً له، إن كنَا قادرين على محاربتِه ،حاربناه وإلا نأخذ في الاستعداد ( وأعدوا لهم )، أما كوننا ندخل معهم في الحرب ،ونحن غير معدين وغير مستعدين للقتال معهم ،هذه ليست بشجاعة هذا تهور،لابد من الاستعداد من قبْل، قبْل الحرب معهم، وهذا موقف المسلمين اليوم مع الدول الكبرى كما يسمّون وهم في “إما حربيون أو في حكم الحربيين “، ولكنّ المسلمين عاجزون من مقاومتهم ومن محاربتهم ،لأنهم لم يعدّوا أنفسهم بعد، فعلى المسلمين أنّ يعدّوا أنفسهم بمصانع حربية كمصانعهم، حتى يكونوا قوةً قادرةً على حربِهم، وأما نقفُ عند مصانع الكبريت ومصانع المكرونه ، ما عندنا مصانع حربية عاجزون ـ عجز القادرين على التمام ـ لسنا بعاجزين مادياً، ولا من حيث الرجال، ولكنْ يسمّى عجزنا عجز القادرين على التمامِ .

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كعجز القادرين على التمامِ

هذا هو عجزنا، قبْل أنْ نعدَ أنفسنا فلنقف عند حدنا وإلا يستبيحون بيضتنا، ولكنْ نُعد أنفسنا إعدادًا من جديد”([15])اهـ.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : “”ولهذا لو قال لنا قائل الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا ؟! لماذا؟!، [الجواب] : لعدم القدرة.
الأسلحة التي قد ذهب عصرها عندهم، هي التي في أيدينا، وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ، ما تفيد شيئاً، فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء؟!
ولهذا أقول : إنه من الحمق أن يقول قائل إنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا!، كيف نقاتل؟
هذا تأباه حكمة الله عز وجل، ويأباه شرعه، لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به عز وجل : ” واعدوا لهم ما استطعتم من قوة”([16]).
هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هو الإيمان والتقوى”([17])اهـ.
فلندارِ عدونا في العصر الحديث في حدود الشرع لندفع ضرره، أو على الأقل أخف أضراره حتى نبني جيلاً محمدياً صحيحاً يستطيع أن يتغلب على العدو الصليبي والصهيوني، أما أن نقاتله علناً مع ضعف وهو يقاتلنا علناً وفي الخفاء وبطرق ملتوية استراتيجياً واقتصادياً وإعلامياً، ويضغط على حكامنا بسبب طيشان هؤلاء الشباب حتى يضعفنا ضعفاً فوق ضعفنا، ليذلنا وينتهك حرماتنا وأراضينا ويقتل شبابنا ويسفه حضارتنا تحت مسمى ” محاربة الإرهاب ” فطامة طامة يا أبناء الإسلام.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] يقصدون به “جورج دبليو بوش”.
[2] سورة الأحزاب ، الآية رقم (13).
[3] السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية (159).
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية(28284).
[5] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4287).
[6] سورة الأحزاب ، الآية رقم (48).
[7] سورة المائدة ، الآية رقم (3).
[8] سورة التوبة، الآية رقم(73).
[9] سورة الأحزاب، الآية رقم (48).
[10] سورة الأحزاب الآيتان رقم (60،61).
[11] الصارم المسلول لابن تيمية (3/681-683).
[12] انظر : سيرة ابن هشام (4/286).
[13] سورة الروم ، الآية رقم (47).
[14] وانظر كتابي ” الدول الإسلامية وشبهات المخالفين .. السعودية أنموذجا (ص40 وما بعدها)، الطبعة الأولى 1435هـ، دار اللؤلؤة، بيروت “، وكذا كتابي " الجهاد في الشريعة الإسلامية، الطبعة الثالثة 1435هـ، دار اللؤلؤة، بيروت.
[15] محمد أمان الجامي، شرح ثلاثة الأصول، شريط صوتي.
[16] سورة الأنفال، الآية: 60.
[17] ابن عثيمين، شريط صوتي، ضمن سلسلة شرح كتاب بلوغ المرام، كتاب الجهاد، الوجه الأول.
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-25-2017, 08:23 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (7) قول التكفيريين :عدم تكفير الحكام إنما هو الإرجاء بعينه

قول التكفيريين “عدم تكفير الحكام إنما هو الإرجاء بعينه ، وقد حذر السلف من المرجئة، بل بعضهم أخرجهم من الملة”

(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (7)

الجواب على هذه الشبهة من جهتين :
الجهة الأولى : متى يصح إطلاق الكفر على الحكَّام ؟ :
والجواب على ذلك : أن تكفير الحكام منوطٌ بأحكام شرعية قام على مثلها الدليل، وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام هذه المسألة بياناً شافياً في جملةٍ من الأحاديث الصحيحة منها :
الأول : حديث عبادة بن الصامت قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا: ” أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان“([1]).
والثاني : حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله : أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا”([2]).
والثالث : حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة”([3]).
ونحوها من الأحاديث، وقد جاء في حديث عبادة السابق أن الوالي لا يكفر إلا إذا وقع في الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل.
وجاء في الحديثين الآخرين ( حديث أم سلمة وعوف بن مالك ) أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمر ما أقاموا الصلاة .
والحاصل : أن الوالي إذا وقع في الكفر الصريح وقامت عليه الحجة المبنية على برهان قاطع من كتاب أو سنة أو إجماع فقد وجب الخروج عليه والسعي لعزله بمحضر أئمة العلماء المجتهدين الذين لهم حق تقرير الحادثة.
قال الحافظ بن حجر: ” وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء .. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها" ([4])اهـ.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : ” فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة .
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين “([5]).
الجهة الثانية : حقيقة المرجئة والإرجاء :
المرجئة هم من يقول : لا تضر معصيةٌ مع إيمان، ومن هذا المنطلق قالوا : المؤمن من نطق الشهادتين وإن لم يعمل شيئاً.
وإليك مقالات أهل العلم في بيان الفارق بين المرجئة وأهل السنة:
قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله : ” خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث : نقول : الإيمان قول وعمل, وهم يقولون : الإيمان قول ولا عمل ، ونقول : الإيمان يزيد وينقص, وهم يقولون : لا يزيد ولا ينقص ، ونحن نقول : النفاق, وهم يقولون لا نفاق”([6]).
وعن إسماعيل بن سعيد قال: ” سألت أحمد عن من قال: الإيمان يزيد وينقص فقال: هذا بريء من الإرجاء “([7]).
وقال الإمام البربهاري- رحمه الله- : ” ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد ينقص فقد خرج من الإرجاء أوّله وآخره “([8]).
وقال الإمام أحمد ” والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنت، ونقصانه إذا أسأت، ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها، فإن تركها كسلاً أو تهاوناً كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه “([9]).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: ” ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة”([10]).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :” أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان“([11]).
وقال الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :” وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد، والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها، بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين، ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له، فيما يستحقه على خلقه، من العبادات، والإلهية، وهذا مجمع عليه عند أهل العلم والإيمان” ([12]).
وبهذه النقولات يتبين لطالب البصيرة الفرق الكبير بين أهل السنة والمرجئة ، وقد أراد بعض العصريين أن يقحم نفسه بإلصاق التهم في علماء أهل السنة باعتبار أنهم مرجئة لكونهم لم يكفروا حكام المسلمين، وهذا من المزالق الخارجية؛ لأن قضية التكفير مبنية على أدلة واضحة من الكتاب والسنة تخالف هواهم الذي يدعو إلى الخروج على ولاة الأمر بمجرد شبهٍ لا صلة لها بالشرع وأدلته.
قال الإمام اللالكائي رحمه الله : ” ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة، ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا، ولا ننزع يداً من طاعة، نتتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة”([13]).
وقال أبو أحمد الحاكم :” ولا نكفر أحداً بذنب إلا ترك الصلاة؛ وإن عمل بالكبائر، وأن لا نخرج على الأمراء بالسيف وإن حاربوا، ونبرأ من كل من يرى السيف على المسلمين كائناً من كان”([14]).
فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه.
[2] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1854).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1855).
[4] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (13/7).
[5] مجموع مقالات وفتاوى ابن باز (8/202).
[6] صفة المنافق للفريابي (ص74).
[7] السنة للخلال (3/581).
[8] شرح السنة للبربهاري (ص57).
[9] طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى(1/343).
[10] شرح السنة للبربهاري(ص73).
[11] الدرر السنية، جمع ابن القاسم (1/ 102).
[12] الدرر السنية، جمع ابن القاسم(1/ 467).
[13] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي(1/177).
[14] شعار أصحاب الحديث لأبي أحمد الحاكم(ص31).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-06-2017, 01:38 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي قول التكفيريين : إن أكثر حكام المسلمين في زماننا لا يصلون، ولذا يجوز الخروج عليهم.

قول التكفيريين : إن أكثر حكام المسلمين في زماننا لا يصلون، ولذا يجوز الخروج عليهم.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (14)

والجواب على هذه الشبهة : أن الخوارج يوجبون الخروج على كل حكام العصر ويكفرونهم بلا استثناء، فضلاً عن قول بعض أفراد الخوارج إن أكثر الحكام في زماننا لا يصلون، ومن جهة أخرى لا يستطيع فرد من المسلمين أن يشهد على كل أو نصف حكام الدول الاسلامية بأنهم لا يصلون لكثرة دولهم وتباعدها، وعلى كل حال لو فرضنا أن حاكماً أو ثلاثة أو نصف حكام العالم الاسلامي أو أغلبهم لا يصلون، فإنه يجوز الخروج عليهم للحديثين التاليين :
الأول : حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله : أفلا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا”([1]).
الثاني : حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة”([2]).
لكن يُشترط في هذا الخروج ألا يؤدي إلى مفسدة أكبر، وذلك أن ما غلب فيه الظن أنه سيؤدي إلى مفسدة أكبر وإلى أشر منه لضعف قوة الخارجين أمام قوة السلطان فحكمه حكم المنهي عنه شرعاً، وعندها يلزم المسلمين الصبر ونصح الوالي - الذي لا يصلي - ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً مع الدعاء له بالهداية إلى أن يجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً من هذا الوالي الغشوم.
وكم قلت مراراً : إن السلطان الغشوم لم يقم سلطانه إلا بالسيف ولا زال يحرسه بالسيف، فحفاظاً على سلامة الدماء، وخراب الديار، والبعد عن بطشه سواء كان لا يصلي على قول من لا يقول بكفر تارك الصلاة تكاسلاً، أو أظهر الكفر البواح فإنه يلزم شرعاً إعمال القاعدة الشرعية المجمع عليها وهي : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.
يقول ابن تيمية رحمه لله : ” ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً بل ولا مباحاً، وإنما يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته على مفسدته، أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعاً بل محظوراً وإن حصل به بعض الفائدة “([3]).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : ” فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين “([4]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله : " وإذا فرضنا -على التقدير البعيد- أن ولي الأمر كافر، فهل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد، والفوضى، والقتال؟! لا، هذا غلط، ولا شك في ذلك، فالمصلحة التي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطريق، بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنه -مثلاً- إذا قام طائفةٌ من الناس على ولي الأمر في البلاد، وعند ولي الأمر من القوة والسلطة ما ليس عند هؤلاء، ما الذي يكون؟ هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟ لا تغلب، بل بالعكس، يحصل الشر والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور. والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشرع، ولا ينظر أيضاً إلى الشرع بعين عوراء؛ إلى النصوص من جهة دون الجهة الأخرى، بل يجمع بين النصوص. ثانياً: ينظر أيضاً بعين العقل والحكمة، ما الذي يترتب على هذا الشيء؟ لذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ جداً وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يؤيد من سلكه، بل يرفض هذا رفضاً باتاً، ونحن لا نتكلم على حكومة بعينها؛ لكن نتكلم على سبيل العموم"(5) .اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان : " إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة"(6).
أنا لا أحامي على الحكام الظلمة أو من وصلوا لدرجة الكفر البواح لكن هذه هي الحقيقة المعمول بها عند علماء الاسلام والفكر السليم كما تقدم، وبها قامت أدلة وقواعد الشرع الحكيم، أما كثرة الثرثرة غير المجدية وبلا علم، فتظل ثرثرة لا فائدة منها حتى يموت الشخص وهو يثرثر ولن يصل إلى حل إيجابي، وخذوا عبرةً من ثورات الربيع العربي كيف كانت نتائجها بسبب طيشان الخارجين على حكامهم بما سموه بالخروج السلمي والعصيان المدني ونحوها من المسميات الديمقراطية التي جاءتنا من الغرب - الذين لا يريدون للمسلمين خيراً - ، وكذا خروج طوائف الخوارج كالدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة ونحوها من التنظيمات التي استباحت دماء الحكام وكل من يعمل معهم في الدول الاسلامية.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1854).
[2] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1855).
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (27/177).
[4] مجموع مقالات وفتاوى ابن باز (8/202).
[5] اللقاء المفتوح لابن عثيمين (129/5).
[6] فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة (ص120).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08-27-2017, 06:32 PM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي الحلقة (9)قولهم:علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة

قول التكفيريين ” علماء العصر مداهنون وهم رسميون تعينهم الدول وتفرض عليهم فتاوى معينة “
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (9)

الجواب على هذه الشبهة : أن علماء أهل السنة والجماعة في كل البلدان المعمورة منذ القدم حتى يومنا هذا يُعرفون بالورع والزهد والعلم والتقوى الذي يمنعهم من مجاراة السلطان والسكوت عن خطئه وباطله بخلاف المبتدعة، ولا شك أن هذه تهمة خارجية معروفة من زمن ظهور الخوارج الذين لا همَّ لهم إلا أن يتكلموا في علماء السنة الذين يحذرون الناس من الافتتان بهم وبباطلهم، وقد قالوا – قديماً في علي بن أبي طالب ومن معه، وفي معاوية بن أبي سفيان ومن معه من الصحابة – : إنهم تحاكموا إلى آراء الرجال ونبذوا حكم الله، فكفَّرو الفريقين والعياذ بالله ، وليس بعيداً أن يتهموا علماءنا بتهمة العمالة والمداهنة والمجاراة للسلطان طمعاً فيما عند السلطان من الدينار والدرهم، فما أشبه الليلة بالبارحة!.
إن علماء أهل السنة والجماعة الذين يدافعون عن السنة وأئمتها كأحمد ومالك وابن معين والمتأخرين كابن باز والألباني والوادعي وابن عثيمين والفوزان ونحوهم، كلهم معروفون بالخير والصلاح وإن توظف بعضهم في دوائر حكومية.
وفي العادة أن الاتهامات المشينة في العلماء لا ترد إلا من المبتدعة كالروافض والمتصوفة والخوارج الذين لم يسلم منهم أحد من علماء السنة على مر العصور.
قال شيخ الإسلام “ثم من المعلوم أن علماء السنة كمالك وأحمد وغيرهما من أبعد الناس عن مداهنة الملوك”([1])اهـ.
إن أهل العلم المخلصين لا يبررون للحكام الظلمة ظلمهم للمؤمنين ومطاردتهم للموحدين وخذلانهم للمجاهدين كما يزعم بعض المتعجلين التكفيريين أو المفرطين من غيرهم ، لكنهم يبينون الطرق الشرعية التي شرعها الله ورسوله، وعليها سلف هذه الأمة في التعامل مع الحكام الظلمة، فكم تضرر المسلمون وبلدانهم بسبب طيش المتعجلين ممن لم يضبط نفسه بعلم الكتاب والسنة فسفكت الدماء وخربت البلدان حتى وصل أمرهم إلى الطعن في العلماء كي تفرغ الساحة للجهلة الذين لا حظ لهم في علوم الشريعة.
وللأسف ان التوجيهات التي تصدر من العلماء والدعاة الربانيين لا تجد صدى وقبولا عند كثير من هؤلاء الطائشين، بل يتهمونهم بالعمالة والمداهنة للسلطان وأنهم محامون عن أعداء الله.
والحاصل : أن اتهام العلماء بأنهم مداهنون للحكام الظلمة ومعينون لهم في ظلمهم سوء فهم يدور في أذهان هؤلاء، ولو أنهم جلسوا للحوار والمناظرة لأدركوا جيداً كيف تقاد القواعد الشرعية في مثل هذه الأزمات سواء مع الراعي أو الرعية.
وإليكم نماذج من أقوال بعض علمائنا الذين عملوا في مجال الفتيا والقضاء ونحوهما من مهام السلطان مما يؤكد نكيرهم للباطل وحرصهم على مناصحة السلطان بالعلم والحكمة، مع نموذج حي لمن لم يعمل لدى السلطان من العلماء :
أولاً :
نشرت مجلة راية الإسلام كلمة للشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال ” لقد أصيب العالم الإسلامي عامة وسكان الجزيرة العربية خاصة بسيل من الصحف التي تُحصِّل بين طياتها أشكالاً كثيرة من الصور الخليعة، المثيرة للشهوات، الجالبة للفسا ، الداعية للدعارة، الفاتنة للشباب والشابات، وكم حصل في ضمن ذلك من أنواع الفساد لكل من يطالع تلك الصور العارية وأشباهها، وكم شغف بها من الشباب من لا يحصى كثرة، وكم هلك بسمومها من شباب وفتيات استحسنوها ومالوا إليها وقلدوا أهلها، وكم في طيات تلك الصحف من مقالات إلحادية تنشر الأفكار المسمومة والقصائد الباطلة وتدعو إلى إنكار الأديان ومحاربة الإسلام … فالواجب على حكومتنا- وفقها الله- منع هذه الصحف منعاً باتاً لما فيها من الضرر الكبير على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ودينهم ودنياهم …فيا ولاة أمر المسلمين اتقوا الله في المسلمين وحاربوا هذه الصحف الهدامة”([2]).
ثانياً :
هذه رسالة خطية من المفتي العام جاء فيها “من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده، حفظكم الله : لا يخفى على سموكم أن الحكومة وفقها الله قد منعت الإعلان عن الدخان في الصحف وحذرت من التشجيع عليه وشددت في ذلك، وقد علمت هذه الأيام أن كثيراً من أهل البقالات وغيرهم يضعون لائحات تدعو إلى الدخان وتشجع عليه، كما علمت أن كثيراً من الصبيان وغيرهم يطوفون بالدخان على أبواب المسجد النبوي عند خروج الناس من الصلاة يدعون الناس إلى شراء الدخان ويشجعون على استعماله .
فأرجو من سموكم الكريم التأكيد على الجهات المختصة بمنع هذا وأمثاله والتشديد في ذلك، وفرض عقوبة على من يخالف الأوامر حماية للمسلمين من شر هذه الشجرة الخبيثة، وحفظا لدينهم وصحتهم وأموالهم"([3]).
ثالثاً :
قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : "فإذا عمل الحاكم بما يقتضي كفره أو فسقه , فلا يجوز أن يُدافع عنه([4])".
وقال رحمه الله : " ورب دعوة مظلوم تكون سببا لنكبة شعب, فالواجب على حكام المسلمين أن يتوبوا إلى الله من التعاون مع امريكا وروسيا على ضرب الدعاة إلى الله , فإنهم لا يضرُّون إلا أنفسهم , ولا يضرون الدعاة إلى الله شيئا , فهل استطاعت امريكا أن تدفع عن السادات شيئا ؟ ... واعلموا أن رعاياكم ليست عنكم راضية , لما ترى منكم من الإنحراف عن الدين , وإني والله ما أعلم شعبا راضيا عن حكامه وإن صفق لكم من صفق فإنه ما يصفق لكم إلا المصلحيون أو الهمج الرعاع أتباع كل ناعق([5])"اهـ.
رابعاً :
قال ابن عثيمين رحمه الله : ” الواجبُ على ولاة الأمور أن يُزيلوا الأذى عن طريق المسلمين، أي أن يُزيلوا كلّ داعية إلى شرّ، أو إلى إلحاد، أو إلى مجون، أو إلى فسوق ، بحيث يُمنع من نشر ما يُريد من أي شيء كان، من الشر والفساد، هذا هو الواجب ، لكن لا شك أن ولاة الأمور الذين ولاهم الله على المسلمين في بعضهم تقصير، وفي بعضهم تهاون، يتهاونون بالأمر في أوله حتى ينمو ويزداد، وحينئذ يعجزون عن صده وكفّه، فالواجب أن يُقابل الشر من أول أمره بقطع دابره، حتى لا ينتشر، ولا يُضل الناسُ به”([6]).
خامساً :
تحذير العلماء من العمل في المؤسسات الربوية التي في الدولة، فقد سئل شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان -عضو اللجنة الدائمة للإفتاء- هذا السؤال : أعملُ في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة،‏ فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة؟
فأجاب : “التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد‏،‏ ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا‏، ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان – والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ “‏لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه”([7])اهـ
وأمثلة ذلك كثيرة ، فهل بعد هذه التوجيهات وهذه الإنكارات المتعددة، وغيرها كثير، يقال عن علمائنا إنهم مداهنون وإنهم عبيد الدينار والدرهم، وعلماء سلطة ليشككوا الأمة بالعلماء المخلصين المجتهدين بقصد الإسقاط.
فما أسهل التهم التي لا تحتاج إلى مزيد علم، ومنها ما يكون بسبب سوء فهم أو بسبب سوء تلقي.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ” غيبة العلماء أعظم بكثير من غيبة غير العلماء، لأن غيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرَّت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة، لكن غيبة العلماء تضرُّ الإسلام كلَّه، لأن العلماء حملة لواء الإسلام، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم، سقط لواءُ الإسلام، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية”([8]).
وأما قولهم ” إن الدول تعينهم وتفرض عليهم فتاوى معينة “. فهذا من ضمن الدعاوي التي يضحكون بها على شباب الأمة ليشككوهم بالعلماء المجتهدين بقصد الحط والإسقاط، وكان من أواخر ما استدلوا به على هذه الدعوى الجائرة فتوى علمائنا حول الاستعانة بالكافرين في حرب الخليج، وقد أجابهم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله حينها بقوله ” كل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك ، لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه، وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقت أقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الإمبريالية في شؤون المسلمين ومقدساتهم وغيرها من الإشاعات الباطلة، فإن هذه خطأ كبير والذي أشاعه هو حزب صدام وهو حزب قومي وليس حزباً إسلامياً، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريق سلمية كما هي يدفع بها الشر وتحمي بها البلاد، والرسول – صلى الله عليه وسلم – استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف، وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم، والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين : بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين، وهذه هي الردة لا تجوز وهذا منكر، أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده سواء كان كافرا أو مسلماً عن بلاد الإسلام والمقدسات، فهذا أمر مطلوب ولازم، لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم سواء كان كافراً أو مسلماً، والواجب على الزعيم العراقي أن يتوب إلى الله ويرجع عما هو عليه من الباطل، ويترك حزب الشيطان، وعليه أن يلتزم بالإسلام ، وأن يسود الرعية ويحكم فيهم بالإسلام وندعو له بالهداية”([9]).
وهذه الكلمات كانت قبل عودة صدام وتراجعه عن غزو الكويت.
فالحذر الحذر من مقالات أهل الأهواء والتطرف والشذوذ فإن ” لحوم العلماء مسمومة وعادات الله في منتقصيهم معلومة”([10]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] منهاج السنة لابن تيمية (4/130).
[2] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ، (4 /203).
[3] المصدر السابق ، (6 /400).
[4] المخرج من الفتنة للوادعي (ص136).
[5] المصدر السابق (ص277-278).
[6] شرح ” رياض الصالحين ” لابن عثيمين ( 3/211-212).
[7] المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان (4/148)، والحديث صحيح لغيره ، أخرجه أحمد في مسنده رقم(3725) وغيره.
[8] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ( 1/255-256).
[9] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (6/150).
[10] تبيين كذب المفتري لابن عساكر ( ص 29).
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:21 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.