أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
17768 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-08-2014, 06:53 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب (32) : قصة يونس – عليه السلام – عبر وعظات ..


قصة يونس – عليه السلام – عبر وعظات .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

فقال الله – تعالى - : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء : 87 - 88 ] .

يقول الله – تعالى - : واذكر يا نبي الله القصة العجيبة المليئة بالعبر والعظات للرسل وأقوامهم ، وهي قصة ذي النون أي : صاحب الحوت وهو يونس – عليه الصلاة والسلام – " وهو من أنبياء بني إسرائيل العظام ، بعثه الله إلى أهل نينوى - من أرض الموصل - فدعاهم إلى الله - تعالى - فأبوا عليه ، ثم كرر عليهم الدعوة فأبوا ، فوعدهم العذاب وخرج من بين أظهرهم " ( تيسير اللطيف المنان : ص/ 416 ) .

قال ابن كثير – رحمه الله - : " ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث. فلما تحققوا منه ذلك ، وعلموا أن النبي لا يكذب ، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم ، وفرقوا بين الأمهات وأولادها ، ثم تضرعوا إلى الله - عز وجل - ، وجأروا إليه ، ورغت الإبل وفُصْلانها ، وخارت البقر وأولادها ، وثغت الغنم وحُمْلانها ، فرفع الله عنهم العذاب .

قال الله - تعالى -: { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس:98] " ( تفسير القرآن العظيم : 5/366 ) .

وأما يونس – عليه السلام – فبعد أن توعدهم نزول العذاب { ذَّهَبَ مُغَاضِبًا } " أي في حال كونه مغاضباً لقومه ؛ فإنه أغضبهم بمفارقته لهم وتخويفهم حلول العذاب بهم .

وهو معنى قول ابن مسعود – رضي الله عنه - ، والحسن وغيرهما : ( مغاضباً لربه ) ، أي: " مغاضباً قومه من أجل ربه ، أي : من أجل كفرهم به، وعصيانهم له " ( قاله الشنقيطي في أضوائه ) . وكذلك هم أغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه ، فأوعدهم بالعذاب .

ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب لكنه فعل ذلك قبل أن يأذن الله له في الخروج ؛ فلذلك عتب الله عليه ، فقال : {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} تحتمل أحد معنيين : الأول : {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي لن نضيق عليه في بطن الحوت ". " الثاني : أي: لن نقضي عليه ذلك " ( قاله الشنقيطي في أضوائه ) . أي : استبعد أن نكتب عليه اللبث في بطن الحوت والسجن فيه .

وبين الله – تعالى – كيف ابتلى عبده يونس – عليه السلام - ذلك البلاء العظيم فقال تعالى : { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [الصافات : 140] . أي : " فركب في سفينة موقرة من الركاب والأحمال ، فلما توسطوا البحر شارفت على الغرق ، ودار الأمر بين أن يبقوا جميعا فيها فيهلكوا ، وبين أن يلقوا بعضهم بمقدار ما تخف السفينة فيسلم الباقون ، فاختاروا الأخير لعدلهم وتوفيقهم ، فاقترعوا فأصابت القرعة أناسا منهم ، ومنهم يونس - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا قال :{ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } [الصافات : 141] . أي : المغلوبين في القرعة ، فأُلقوا ؛ فابتلعه حوت في البحر ابتلاعاً ، لم يكسر له عظماً ، ولم يمضغ له لحماً " ( تيسير اللطيف المنان : ص/ 416 - 417) .

فلما صار في جوف الحوت { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ } قال ابن مسعود – رضي الله عنه - :" ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل " ( تفسير ابن كثير : 5/367 ) .

فكان في ضيق شديد { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي : مملوءاً غماً وكرباً وفي حبس ضيق فكان نداؤه تسبيحاً وتوحيداً واستغفاراً { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }. فلما فزع إلى التوحيد والاعتراف بالتقصير استحق النجاة فقال – تعالى - : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } ، ولولا ذلك التسبيح والتنزيه لله تعالى للبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }[الصافات : 143 - 144] .

قال السعدي – رحمه الله - : " فأمر الله الحوت أن تلقيه بالعراء ، فخرج من بطنها كالفرخ الممعوط من البيضة في غاية الضعف والوهن ، فلطف الله به ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، فأظلته بظلها الظليل حتى قوي واشتد ، وأمره الله أن يرجع إلى قومه فيعلمهم ويدعوهم ، فاستجاب له أهل بلده مائة ألف أو يزيدون ، فآمنوا فمتعناهم إلى حين " ، كما قال – تعالى - : {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات : 139 – 148] .

الفوائد والعبر والعظات المأخوذة من هذه الآيات :

أولاً / منها : أن الله – تعالى – يبتلي عباده الصالحين بأنواع من البلاء ليستخرج منهم مكنون ما في قلوبهم من محبته والخضوع له والانكسار بين يديه ؛ ليرفع بذلك درجتهم ويوصلهم إلى أكمل المنازل التي لا تنال إلا بإظهار ما في قلوبهم من العبودية بالبلاء والمحن .

ثانياً / ومنها : أن " في عمل أهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة أنه يرتكب أخف الضررين لدفع الضرر الذي هو أكبر منه ، ولا ريب أن إلقاء بعضهم وإن كان فيه ضرر ، فعطب الجميع إذا لم يلق أحد أعظم "( تيسير اللطيف المنان : ص/ 416 - 417) .

ففي ذلك أعظم الرد على من يقدمون المحافظة على التراب على حفظ الأديان والأبدان والأعراض ، وما الفتوى بحرمة الأقاليم بزعم تقسيم البلاد إلا نوع من الخبل العقلي والجهل بمقاصد الشريعة فإن حفظ دين رب الأرباب مقدم على حفظ التراب ، ولما في هذه الفتوى الظالمة من ضياع الدين وسفك الدماء وانتهاك الأعراض .

فالعاقل يضحي بجزئه ليسلم كله ، كما قال عبد الغفار الأخرس : " لا أبيع كلي ببعضي " .

ثالثاً / ومنها : " استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان إذا لم يكن مرجح سواها "( تيسير اللطيف المنان : ص/ 417).

تستعمل القرعة عند المبهم *** من الحقوق أو لدى التزاحم

رابعاً / ومنها : " أن العبد إذا كانت له مقدمة خاصة مع ربه وقد تعرف إلى ربه في حال الرخاء ، أن الله يشكر له ذلك ، ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية أو تخفيفها ، ولهذا قال في قصة يونس : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات : 143 و 144] " ( تيسير اللطيف المنان : ص/ 417) .

خامساً / ومنها : " أن الإيمان ينجي من الأهوال والشدائد ، لقوله - تعالى -:{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء : 88] . أي : إذا وقعوا فيها لإيمانهم " ( تيسير اللطيف المنان : ص/ 417) .

فوجب على أهل القرى والبلدان إذا حلت بهم المصائب ونزلت عليهم الشدائد أن يفزعوا إلى التوحيد والإيمان ويكثروا من التوبة والاستغفار حتى تنكشف الكرب وتزول المحن .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ "( صحيح رواه الترمذي 3505 ) .

سادسا / ومنها : أن بالتوحيد والاستغفار يصل القلب إلى الله . قال ابن القيم – رحمه الله - : " فالتوحيد يدخل العبد على الله والاستغفار والتوبة يرفع المانع ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه فإذا وصل القلب إليه زال عنه همه وغمه وحزنه وإذا انقطع عنه حضرته الهموم والغموم والأحزان وأتته من كل طريق ودخلت عليه من كل باب " ( شفاء العليل : ص/ 274 ) .

{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } [المدثر : 54 - 56] .



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.