أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
24879 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الأئمة و الخطباء > خطب نصية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-21-2014, 10:02 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
Lightbulb سلسلة مقال الخطيب (34) : استعلان الفساد بما جنته أيدي العباد .


استعلان الفساد بما جنته أيدي العباد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :

قد يسأل سائل فيقول : ما سبب انتشار الفساد وكثرته وتفشيه واستعلانه في البر والبحر وفي المدن وقراها وفي حاضرتها وباديتها وفي الجبل والسهل والوادي من قتل وتخريب وسلب ونهب وفوضى عارمة وحروب مهلكة وفتن مضلة واضطرابات مخلة بأمن العباد ومصالحهم الدينية والدنيوية .

سؤال مهم ، وجوابه في كتاب الله – جل جلاله - فتأملوا – عباد الله – لتعرفوا الجواب - في قوله – تعالى - : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم : 41] .

فقوله – تعالى - : { ظَهَرَ الْفَسَادُ } " أي كثر وشاع ... والفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلاً كان الخروج عنه أو كثيراً " ( مفردات القرآن :ص/379 ) .

وجاءت كلمات المفسرين في بيان معنى الفساد في الآية راجعة إلى أمرين متلازمين :

الأمر الأول / الذنوب . والأمر الثاني / آثار هذه الذنوب في إفساد معيشة العباد .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " والظاهر والله أعلم إن الفساد المراد به الذنوب وموجَبَاتها " ( الداء والدواء : ص/ 42 ).

فمن الأول / قول قتادة والسدي : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد . وقول ابن عباس وعكرمة ومجاهد : فساد البر قتل ابن آدم أخاه ؛ قابيل قتل هابيل . وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا .

ومن المعنى الثاني / قول ابن عباس : هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا . وعنه - أيضاً - : أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم . وقال عطية : فإذا قل المطر قل الغوص عنده ، وأخفق الصيادون ، وعميت دواب البحر .

ويدخل ضمن هذا المعنى أن الفساد : القحط وقلة النبات وذهاب البركة وكساد الأسعار وقلة المعاش .

وكلا المعنيين صحيح لتلازمهما . قال القرطبي – رحمه الله - : " والمعنى كله متقارب " ( الجامع لأحكام القرآن : 14/40 ) .

وسبب هذا الفساد هو ما جنته أيدي العباد من الذنوب والمعاصي والآثام ، كما قال – تعالى - : { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } ومثله قوله – تعالى -: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30] . وقوله : { أَوَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 165].

وفي قوله – تعالى - : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } ثلاث وقفات مهمة :

الوقفة الأولى / في قوله : { لِيُذِيقَهُمْ } فيها أنهم يذوقون ذلك البلاء ويصل مذاقه المؤلم إلى قلوبهم وأبدانهم فيباشرون المصائب بذهاب أمنهم ونقص أموالهم وقتل أولادهم ونحو ذلك مما يتألمون به ويتجرعون من خلاله مرارة الفساد الذي نشأ من شؤم أعمالهم .

الوقفة الثانية / في قوله : { بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : " فعجل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم في الدنيا " (تفسير السعدي : ص/ 643) . ليعتبروا بها ما ينتظرهم من العذاب الأكبر إن استمروا على أعمالهم الفاسدة ، كما قال – تعالى - : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون } [السجدة:21] .

الوقفة الثالثة / - أيضاً – في قوله : { بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } دلالة على أن العذاب الذي ينزل هو بسبب بعض الذنوب ، وهذا من رحمته لعلهم يرجعون وإلا لو كان على جميع ظلمهم لكان كما قال – تعالى - : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ }[النحل : 61] .

والحكمة من إجراء هذا البلاء هو رجوع العباد إلى الله – تعالى – بالتوبة والإنابة والاستقامة ، كما قال ابن كثير – رحمه الله - (التفسير : 6/320 ): " وقوله : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي: يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات، اختبارا منه، ومجازاة على صنيعهم، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي: عن المعاصي، كما قال تعالى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف: 168] ".

وكما في قوله - تعالى - عن آل فرعون لما عصوا رسوله موسى - عليه السلام -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف : 130] .

وقد ذم الله – تعالى - من لا يتعظون ، ولا يعتبرون كما في قوله – تعالى -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }[المؤمنون : 76]. وفي قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:42-43].

ولما كانت الذنوب والمعاصي إفساد في الأرض فقد نهى الله عن ذلك ، كما في قوله تعالى : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } [ الأعراف : 56 ] .

" قال أبو العالية : مَنْ عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض ؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة " ( تفسير ابن كثير : 6/320 ) .

وأعظم المعاصي إفساداً للحياة وتنغيصاً للملذات وإذهاباً للبركات وتعطيلاً للخيرات وإفناء لمصالح العباد الدينية والدنيوية موبقتان عظيمتان ، هما : الشرك بالله والابتداع في دينه .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فَإِنَّ اللَّهَ أَصْلَحَ الْأَرْضَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ وَبِالْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَنَهَى عَنْ فَسَادِهَا بِالشِّرْكِ بِهِ وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَجَدَ كُلَّ صَلَاحٍ فِي الْأَرْضِ فَسَبَبُهُ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكُلُّ شَرٍّ فِي الْعَالِمِ وَفِتْنَةٍ وَبَلَاءٍ وَقَحْطٍ وَتَسْلِيطِ عَدُوٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَسَبَبُهُ مُخَالَفَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّعْوَةُ إلَى غَيْرِ اللَّهِ . وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا حَقَّ التَّدَبُّرِ وَجَدَ هَذَا الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " (مجموع الفتاوى : 15/25 ) .

وقد دل على إفساد الشرك للأمن والهداية قوله – تعالى - : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }[الأنعام : 82] . ودل على أن مخالفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – سبب للعذاب في الدارين قوله – تعالى - : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63].

ومن أنواع الفساد القبيحة إفساد أهل النفاق في الأرض ، كما قال – تعالى - : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } [البقرة :11 - 12] .

فالنفاق والزندقة منفذ للأعداء للإفساد في الأمة الإسلامية ، فمنه يُغير العدو على عقائد المسلمين وإيمانهم بما يبثونه فيهم من الشبهات والتخرصات والأباطيل . بل من خلالهم يتمكن العدو من الاستيلاء على بلدان المسلمين واستباحة دمائهم وسلب أموالهم وانتهاك أعراضهم .

قال ابن عثيمين – رحمه الله - : " ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع "

ومن جملة هؤلاء دعاة الليبرالية والعلمانية والقومية ونحو ذلك من الدعوات التي يغرر بها الجهلة من أبناء المسلمين والتي تزج بها الدول الغربية في أوساطهم لغرض الإفساد والتخريب .

ومن أسباب الإفساد في الأمة انتشار الجهل بالشريعة وتصدر الجهلة في قيادة الأمة وتكلم الرويبضات في المصالح العامة " كَمَا قَالَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِجَهْلِ أَفْسَدَ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ " ( مجموع الفتاوى : 25/281 ) .

{ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }[يونس : 81 - 82] .


***



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:26 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.